النكت البلاغية في تصوير القرآن الكريم لهلاك قوم نوح عليه السلام

 

د. محـمـد أحـمـد مـحـمـد الوكـــيل

كلية اللغة العربية بالزقازيق، جامعة الأزهر الشريف مصر

البريد الإلكتروني: mohamedalwakil19@yahoo.com

معرف (أوركيد): 0009-0006-8239-7647

 

 

بحث أصيل

الاستلام: 1-3-2025

القبول: 15-4-2025

النشر: 30-4-2025

 

الملخص:

  يسعى هذا البحث إلى تسليط الضوء على " النكت البلاغية في تصوير القرآن الكريم لهلاك قوم نوح عليه السلام، فقد جاء القرآن الكريم متنوعا في توجيهاته، ووجوه خطابه، نظرًا لاختلاف المخاطبين في أحوالهم ومستوياتهم. وتعدد الأغراض التي قصد إليها والمواضع التي عالجها، والحقائق المختلفة التي كشف لهم عنها، مما ساعد على إبراز بعض النكت البلاغية في النظم القرآني، وفهم أساليبه وأحكامه الرشيدة، وكثرة تلك النكت التي تتجلى في جميع الآيات القرآنية؛ حيث إن معجزة القرآن تظهر لأهل العلم في كل مجال من مجالاته فهي ظاهرة في نظمه ولغته وبلاغته، فألفاظ القرآن الكريم تميزت بإعجازها بحيث لا يمكن أن يحل محلها ألفاظ أخرى ولا يمكن أن يؤدي المعنى سواها.

الكلمات المفتاحية:

النكت، اللفظ، التركيب، النظم القرآني.

 


للاستشهاد/ :Atif İçin / For Citation الوكيل، محمد أحمد. (2025). النكت البلاغية في تصوير القرآن الكريم لهلاك قوم نوح عليه السلام. ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها. مج6، ع11، 9- 37 https://www.daadjournal.com/ /

    

Rhetorical Subtleties (Nukat Balāghiyya) in the Qur’anic Depiction of the Destruction of the People of Noah (peace be upon him)

 

Mohamed Ahmed Mohamed Al-Wakeel

Assistant Professor, Faculty of Arabic Language, Zagazig Al-Azhar University, Egypt

E-mail: mohamedalwakil19@yahoo.com

 Orcid ID: 0009-0006-8239-7647

 

Published: 30.04.2025

Accepted: 15.04.2025

Received: 01.03.2025

Research Article

 

Abstract:

 

This study aims to shed light on the rhetorical subtleties (nukat balāghiyya) embedded in the Qur’anic depiction of the destruction of the people of Noah (peace be upon him). The Qur’an presents a wide array of rhetorical strategies and modes of address, shaped by the diversity of its audience in terms of conditions, intellectual levels, and circumstances. This diversity—along with the multiplicity of its intended objectives, contexts, and revealed truths—has enabled the emergence of fine rhetorical insights within the Qur’anic composition (nazm). Understanding these rhetorical nuances contributes to grasping the Qur’an’s stylistic excellence and wise judgments. Such nukat are abundantly manifest across all Qur’anic verses, affirming that the miraculous nature of the Qur’an is evident to scholars in every dimension—its structure (tarkīb), its language, and above all, its eloquence. The words of the Qur’an possess a unique miraculous quality, such that no alternative expression could replace them, nor could any substitute convey the intended meaning with the same perfection.

Keywords:

Rhetorical Subtleties (Nukat), Expression (Lafẓ), Structure (Tarkīb), Qur’anic Composition (Nazm).

 

تقديم:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وأصحابه والتابعين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد؛

فالقرآن الكريم كتاب الله العظيم، والمعجزة الخالدة إلى يوم الدين، والنور المبين، أنزله -جلّ جلاله- على خاتم النبيين؛ ليكون هاديًا ومرشدًا للأمة الإسلامية، يرتقي بها إلى مراقي الفلاح، ويفتح لها باب السعادة في الدارين، كتاب يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين، أنزله الله- سبحانه وتعالى- على نبيه الكريم؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وفيه بيان كل شيء، وقد فصلت آياته تفصيلًا، وأحاط بكل شيء علمًا، فهو لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.

والبحث في إعجاز القرآن الكريم بجانب كونه علمًا من علوم القرآن؛ هو -أيضا- عبادة لله -تعالى- وقربة إليه وخدمة لكتابه ونعمة جليلة من الله -سبحانه-على كل من يُسِّر له السبيل للاشتغال بهذا العلم.

وقد شغلت قضية الإعجاز القرآني مساحة كبيرة من الفكر الإسلامي على مر العصور ولا تزال تشغله حتى عصرنا الحاضر ولقد تدارسها كثير من العلماء والفلاسفة وأصحاب الكلام وكان لكل منهم وجهة نظره؛ مما يؤكد دومًا أن للإعجاز القرآني في كل عصر وجه ينكشف للناس ودليل جديد على صدق معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم.

 وعلم البلاغة هو السبيل إلى إثبات تفوق هذا الإعجاز للنظم القرآني على سائر ما جادت به قرائح الفطاحل من الخطباء والشعراء وغيرهم، وقد اهتم العلماء قديما وحديثا بدراسة بلاغة القرآن، والكشف عن أوجه الإعجاز فيه من أجل أن تظهر للعالمين معجزة القرآن الخالدة؛ فتقوم الحجة على الجاهل، وتزول الشبهة عن المبطل، ويطمئن قلب المؤمن.

ونظرا لشغفي بالدراسة البلاغية في القرآن الكريم ومحاولة منَّي في الوصول إلى بعض من أسرار الإعجاز فيه، وانطلاقا من الاهتمام البالغ بالدراسات التطبيقية للبلاغة العربية في هذه الأيام كانت هذه الدراسة الهادفة إلى إبراز الجانب البلاغي في القرآن الكريم من خلال تلك الآيات الكريمة التي تصف هلاك المكذبين من قوم نوح -عليه السلام- متأثرا بما كتبه شيخ البلاغيين الإمام عبد القاهر الجرجاني -قديمًا- وما كتبه أستاذنا الدكتور محمد أبو موسى – حديثًا – حول الإعجاز القرآني في قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ يَـٰٓأَرْضُ ٱبْلَعِى مَآءَكِ وَيَـٰسَمَآءُ أَقْلِعِى وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِىَ ٱلْأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِىِّ ۖ وَقِيلَ بُعْدًۭا لِّلْقَوْمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ[سورة هود: 49]

منهج البحث:

تمثل المنهج الذي اتبعته في هذا البحث في النقاط التالية:

أولا: بيان المحور الذي دارت حوله الآيات وفكرتها العامة.

ثانيا: استنباط دلائل الإعجاز الواردة في الآيات الكريمة.

ثالثا: تحليل الصور من خلال الدراسة النظمية مع بيان مدى مؤازرة الألوان البلاغية الأخرى لهذه الصور، ومدى أثرها في إبراز المعنى وتأكيده، وحين أعرض لدراسة الصور البلاغية في القرآن الكريم فإنني لا أهمل صياغة المفردات داخل الآية الواحدة، ولا صياغة الآية مع أختها، وأتأمل ما في ذلك من دقائق انعكست على الصورة الكلية التي لا يمكن أبدا أن تدرك دلالاتها من غير تأمل لهذه العلائق والوشائج بين كلماتها.

رابعا: محاولة الوصول إلى بعض من أسرار إعجاز القرآن الكريم وفهم أساليبه وأحكامه الرشيدة من خلال بيان الأسرار البلاغية والعلمية في الآيات المذكورة.

 خامسا: ربط الآيات بنظيراتها في السور القرآنية الأخرى لتكتمل الفائدة ويتم المعنى المقصود، حيث لا يوجد تنافر ولا تعارض بين تلك الآيات، فالقرآن الكريم يفسر بعضه بعضا.

سادسا: بدأ البحث بالآيات الأكثر تفصيلا في تناول وصف الهلاك الواقع على قوم نوح عليه السلام.

 

1-  مفهوم النكت البلاغية:

أول ما وردت هذه اللفظة بدلالتها البلاغية وعلاقتها بإعجاز القرآن الكريم كان في رسالة الرمّاني التي بعنوان: "النكت في إعجاز القرآن"، التي أخذت شكل جواب عن سؤال وُجه للمؤلف – الرمّاني – من أحد طلابه عن ذكر النكت في إعجاز القرآن دون التطويل بالحجاج"([1])، ويعد الرمانيُّ المعتزليُّ من أشهر البلاغيين في القرن الرابع الهجري الذين كتبوا في الإعجاز القرآني؛ حيث ألف في النظم القرآني تلك الرسالة التي تعني المسائل اللطيفة، والأفكار النادرة القيمة حول إعجاز القرآن الكريم، وتعد تلك الرسالة من أسبق المؤلفات البيانية في بيان بلاغة القرآن المعجزة، وكان لآرائه الثاقبة، ونكته اللطيفة أثرها العظيم في مناهج التأليف البلاغي والنقدي، وممن تأثروا بها ( الخطّابي ) في "بيان إعجاز القرآن"، و( الباقلاني) في "إعجاز القرآن"، و(ابن سنان الخفاجي) في "سر الفصاحة"، و(ابن رشيق) في "العمدة"، و(ابن أبي الإصبع) في "بديع القرآن"، وغيرهم الكثير من علماء البلاغة والنقد.

والنكت: جمع نكتة، وهي في اللغة: من نكت ينكت نكتًا، وقد جاء في اللسان: (النكت أن تنكت بقضيب في الأرض فتؤثر بطرفه فيها، وفي الحديث فجعل ينكت بقضيب أي يضرب الأرض بطرفه، وفي حديث عمر رضي الله عنه "دخلت المسجد فإذا الناس ينكتون بالحصى أي يضربون به الأرض"([2]).

وفي الاصطلاح هي: "مسألة لطيفة أخرجت بدقة نظر أو إمعان فكر، وبمعنى آخر هي المعاني الدقيقة التي تحصل بإمعان النظر"([3])، أو كما يقول الكفوي: "النكتة الزائدة على أصل البلاغة الحاصلة بمطابقة الكلام لمقتضى المقام لا يلزمها الاطراد"([4])؛ أي لا تضبطها قاعدة معيارية.

ودقة موضع المعاني، أي تدل على معنى دقيق متفرد بالاستنباط بدقة النظر من مشمول المعاني الواسعة التداول بين عموم المتكلمين، وبتعبير أوضح يمكن القول إنه إذا كانت الأرض منبسطة واسعة الأرجاء، وتم النكت في موضع دقيق منها بالقضيب، فكذلك النكتة من المعاني؛ حيث إن المعاني المتداولة بين المتكلمين مبسوطة، والوصول إلى المعنى البلاغي المتفرد بالفكر، هو – أيضا – بمثابة الموضع الدقيق الذي يريد أن ينكته البلاغي بفكره الثاقب([5]).

فالمفهوم الاصطلاحي نابع من الدلالة المعجمية في استنباط دلالة النكت في الأرض للتفكير والتدبر في معنى معين، وهذا يستدرجنا إلى تعريف النكتة بلاغيا، وهي كما يقول ابن حجة الحموي: "التنكيت عبارة عن أن يقصد المتكلم شيئًا بالذكر دون أشياء كلها تسد مسده لولا نكتة في ذلك الشيء المقصود ترجح اختصاصه بالذكر، وعلماء هذا الفن أجمعوا على أنه لولا تلك النكتة التي انفرد بها لكان القصد إليه دون غيره خطًا ظاهرًا عند أهل النقد"([6]).

وبناء على ما سبق فإن النكت البلاغية تختص بالمعاني الدقيقة الخاصة التي تستنبط بإمعان الفكر والنظر، وتكون منقحة ومؤثرة في النفس،" إذ هي معنى جميل استنبط بوجه من وجوه التفكير الرفيعة مع مراعاة الحال، فلذلك تميزت معانيها عن سواها من المعاني المتداولة"([7]).

2- الآيات موضوع البحث ومعناها العام:

يقول الله – تعالى - في سورة القمر: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17)﴾ [سورة القمر: 11-17].

وفي سورة هود: ﴿وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48) تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (49) [سورة هود: 41-49].

وقد جاء مثل ذلك في سورة الأعراف: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ [سورة الأعراف: 64].

    وفي سورة يونس: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ [سورة يونس: 73].

 وفي سورة الشعراء ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (119) ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ (120) [سورة الشعراء: 119-120].

وفي سورة نوح: ﴿مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا﴾ [سورة نوح: 25].    

تتناول هذه الآيات الحديث عن قصة هلاك قوم (نوح) – عليه السلام –؛ حيث تكررت في القرآن الكريم في سور عديدة، وبأساليب متنوعة، فجاءت في سورة هود أكثر تفصيلًا، وجاء الحديث عنها في سور الأعراف، ويونس، والمؤمنون، والشعراء، والعنكبوت، والصافات، والقمر بشيء من التفصيل. وجاءت إشارة إليها في سور الأنبياء والفرقان والذاريات، وثمة سورة كاملة في القرآن سميت باسم سيدنا نوح -عليه السلام- تحكي لنا ما دار بين (نوح) وقومه، وما قاله لقومه، وما ردوا به عليه.

لقد ظل ( نوح ) -عليه السلام- يدعو قومه إلى عبادة الله ألف سنة إلا خمسين عامًا، كما حكى القرآن الكريم، ولم يؤمن به إلا فئة قليلة قد وصفها الكفار بقولهم (أراذلنا) حتى ابنه وزوجه لم يؤمنا به وكانا من الكافرين؛ حيث نلاحظ تكرار لفظ "الدعاء" في سورة نوح – عليه السلام – في قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا (5) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا (6) وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (8)﴾ [سورة نوح:5-8].

فقد تكرر اللفظ في هذه الآيات أربع مرات؛ مما يدل على الجهد الكبير الذي قام به سيدنا (نوح) – عليه السلام – في اتباع كل الوسائل لدعوة قومه إلى اتباع الحق، ولكن دون استجابة منهم، فكانت نهايتهم الهلاك بالطوفان، والتكرار" في طبيعته يسلط الضوء على حالة معينة في الكلام مما يعكس اهتمام المتكلم بها؛ حيث دعا (نوح) ربه أنِّي ضعيف عن مقاومة هؤلاء، فانتصر لي بعقاب من عندك على كفرهم بك. فكانت الاستجابة من الله تعالى: فأجبنا دعاءه، ففتحنا أبواب السماء بماء كثير متدفق، وشققنا الأرض عيونًا متفجرة بالماء، فالتقى ماء السماء وماء الأرض على إهلاكهم الذي قدَّره الله لهم؛ جزاء شركهم، وحملنا نوحًا ومَن معه على سفينة ذات ألواح ومسامير شُدَّت بها، تجري بمرأى منا وحفظ، وأغرقنا المكذبين؛ جزاء لهم على كفرهم وانتصارًا لنوح -عليه السلام - ولقد أبقى الله – سبحانه - قصة نوح مع قومه عبرة ودليلا على قدرته لمن يأتي بعد نوح؛ ليعتبروا ويتعظوا بما حلَّ بهذه الأمة التي كفرت بربها، فكيف كان عذابي ونذري لمن كفر بي وكذب رسلي، ولم يتعظ بما جاءت به؟ إنه كان عظيمًا مؤلمًا، ولقد سَهَّلْنا لفظ القرآن للتلاوة والحفظ، ومعانيه للفهم والتدبر، لمن أراد أن يتذكر ويعتبر، فهل من متعظ به؟ وانظر إلى قوله - تعالى-:"احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك" هل رأيت أجمل من كلمة (أهلك) هنا؟ همسة جامعة قصيرة. ثم يستثني "إلا من سبق عليه القول" ليس كل أهلك إذا؛ وإنما هي دعوة المؤمنين من أهلك، ومن غير أهلك أيضا([8]).

فتجلى لك من الإعجاز، وبهرك الذي ترى وتسمع من ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض وملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها وهكذا إلى أن تستقر بها إلى أخرى، وأن الفضل تناتج ما بينها، وحصل من مجموعها([9]).


 

3-    خصائص اللفظ القرآني في تصوير هلاك قوم نوح:

إن للكلمة القرآنية قيمةً عظيمة، وأهمية كبرى؛ وذلك أن الكلمة هي الأصل الذي يدور عليه المعنى، فإذا وضعتَ الكلمة في موضعها الذي ينبغي أن تكون فيه، فقد أصبتَ المعنى كله. لقد تميزت اللغة العربية عن غيرها من اللغات بخصائص أهلتها لتحمل شرفًا لم تنله لغة أخرى وهو اختيارها لتكون لغة القرآن الكريم؛ بما تضمه هذه اللغة من فصاحة وبيان وبلاغة قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ [سورة يوسف:2]، وقال تعالى: ﴿ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [سورة النحل: 103 ]، وقد جاء أسلوب القرآن الكريم مغايرًا لأسلوب العرب ومعجزًا لهم، مع أنه يتكون من مفردات اللغة التي يستعملها العرب في خطابهم اليومي والأدبي؛ مؤثرًا في نفوسهم وأفئدتهم، يقول الراغب الأصفهاني (ت 502هـ) في مقدمة كتابه (المفردات في غريب القرآن): "إن أول ما يحتاج أن يشتغل به من علوم القرآن العلوم اللفظية، ومن العلوم اللفظية تحقيق الألفاظ المفردة، فتحصيل معاني مفردات ألفاظ القرآن في كونه أوائل المعُاوِن لمن يريد أن يدرك معانيه"([10]).

 كما تناول الأصفهاني دقة ألفاظ القرآن الكريم، وأهمية معرفتها لفهم القرآن وبلاغته، وذلك في قوله: "فألفاظ القرآن هي لب كلام العرب وزبدته، وواسطته وكرائمه، وعليها اعتماد الفقهاء والحكماء، في أحكامهم وحِكَمهم، وإليها مفزع حُذاق الشعراء والبلغاء في نظمهم ونثرهم"([11]).  

واختيار المفردات في القرآن الكريم من أسرار إعجازه، ومن عجائبه التي لا تنفذ؛ لذلك تجد كل كلمة في القرآن لا يصلح غيرها في مكانها، ولو أُدير لسان العرب على كلمة غيرها لتؤدي معناها في مكانها، لم يُوجد؛ لأن معناها في هذا الموضع الذي وضعت فيه أمر يقتضيه السياق والحال.

وتظهر الدقة التعبيرية للألفاظ في السياق القرآني وبراعة انتقائها، ويتضح ذلك حين نتأمل الآيات الكريمة التي معنا في هذا البحث:

قوله تعالى: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (10) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) [سورة القمر: 11-14].

والمغلوب مجاز، شبه يأسه من إجابتهم لدعوته بحال الذي قاتل، أو صارع فغلبه مقاتله، وقد حكي الله تعالى في سورة نوح كيف سلك مع قومه وسائل الإقناع بقبول دعوته فأعيته الحيل.

 و(أنّي) بفتح الهمزة على تقدير باء الجر محذوفة، أي دعا بأني مغلوب، أي بمضمون هذا الكلام وحذف متعلق فانتصر للإيجاز وللرعي على الفاصلة، والتقدير: فانتصر لي، أي انصرني وجملة ففتحنا أبواب السماء إلى آخرها مفرعة على جملة فدعا ربه، ففهم من التفريع أن الله استجاب لدعائه، وحاصل المعنى: فأرسلنا عليهم الطوفان بهذه الكيفية استجابة لدعوته، وأن إرسال هذه المياه عقاب لقوم نوح، وقرأ الجمهور (ففتحنا) بتخفيف التاء وقرأها ابن عامر بتشديدها على المبالغة. والفتح بمعنى شدة هطول المطر، وجملة ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر مركب تمثيلي لهيئة اندفاق الأمطار من الجو بهيئة خروج الجماعات من أبواب الدار، والمنهمر: المنصب، المصبوب يقال: همر الماء إذا صبه، أي نزل بقوة، والتفجير: إسالة الماء، يقال: تفجر الماء، إذا سال، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا [سورة الإسراء:90].

 وتعدية فجرنا إلى اسم الأرض تعدية مجازية إذ جعلت الأرض من كثرة عيونها كأنها عين تتفجر وفي هذا إجمال جيء من أجله بالتمييز له بقوله (عيونًا ) لبيان هذه النسبة، وقد جعل هذا ملحقًا بتمييز النسبة، لأنه محول عن المفعول إذ المعنى: وفجرنا عيون الأرض "والعرب يعرفون هذا الضرب من الكلام، وله نظائر في لغتهم، وكم من لفظة غريبة عندهم لا تحسن إلا في موضعها، ولا يكون حسنها – على غرابتها – إلا أنها تؤكد المعنى الذي سيقت إليه بلفظها وهيئة نطقها، فكان في تأليف حروفها معنى حسيًا، وفي تأليف أصواتها معنى في النفس"([12])،  والتقاء الماء: تجمع ماء الأمطار مع ماء عيون الأرض فالالتقاء مستعار للاجتماع، شبه الماء النازل من السماء والماء الخارج من الأرض بطائفتين جاءت كل واحدة من مكان فالتقتا في مكان واحد كما يلتقي الجيشان. والتعريف في الماء للجنس وعلم من إسناد الالتقاء أنهما نوعان من الماء ماء المطر وماء العيون.

ومعنى التمكن: شدة المطابقة لما قدر، وأنه لم يحد عنه قيد شعرة والأمر: الحال والشأن وتنوينه للتعظيم، ووصف الأمر بأنه قد قدر، أي أتقن وأحكم بمقدار، يقال: قدره بالتخفيف إذا ضبطه وعينه كما قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [سورة القمر: 49].  

و(ذات ألواح ودسر) صفة السفينة أقيمت مقام الموصوف هنا عوضا عن أن يقال: وحملناه على الفلك، وهذا مما يصور الدقة البالغة في اختيار اللفظة القرآنية، وتوظيفها التوظيف اللائق بها؛ لأن في هذه الصفة بيان متانة هذه السفينة وإحكام صنعها. وفي ذلك اظهار لعناية الله بنجاة (نوح) ومن معه، فإن الله أمره بصنع السفينة وأوحى إليه كيفية صنعها ولم تكن تعرف سفينة قبلها، قال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ [سورة هود: 36].

  ولكي نتوصل إلى الإعجاز البلاغي في تلك الآيات؛ ينبغي أن نربط بينها في السور الأخرى باختصار شديد؛ لأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا، وهذا سر آخر من أسرار الإعجاز حيث يذكر القصة الواحدة في أكثر من موضع دون تقصير مخل أو تكرار ممل.

  ولقد بين الإمام عبد القاهر الجرجاني أهمية هذا الترابط وقيمته في بيان إعجاز القرآن الكريم واتخذ من هذه الآيات مثالا على ذلك بقوله: "وهل تشك إذا فكرت في قوله تعالى: ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[سورة هود: 44].

 فإننا إذا أخذنا كل كلمة على حدتها، من غير نظر إلى ما قامت به من أداء حظها المقسوم لها في معنى الجملة كلها، فقد لا تجد لها من التأثير ما تجده لها وهي بين أخواتها، فقد رأينا الآية تصور ما حدث بعد الطوفان، من ابتلاع الأرض ماءها، ونقاء السماء بعد أن كانت تغطي بسحبها، واستواء السفينة على الجودي، وقد طهرت الأرض من رجس المشركين، فصور الله ذلك تصويرًا حسيًا، وأوثر في نداء الأرض "يا" دون الهمزة، لما يدعو اجتماعها مع همزة أرض إلى ثقل على اللسان في النطق بهما، وفضلت كذلك على "أيا" لما في هذه من زيادة تنبيه ليست الأرض في حاجة إليه وهي رهن أمر الله، وأوثر تنكير الأرض والسماء؛ لما في ذلك من تصغير أمرهما، فالمقام هنا يستدعي ذلك التصغير، ويستدعي الإسراع بتلبية الأمر، وجاءت كلمة (ابلعي) هنا مصورة لما يراد أن تصنعه الأرض بمائها، ولاحظ هذا التناسق الموسيقي بين: (ابلعي، وأقلعي)([13])، فتجلى لك منها الإعجاز، وبهرك الذي ترى وتسمع، أنك لم تجد ما وجدت من المزية الظاهرة والفضيلة القاهرة إلا لأمر يرجع إلى ارتباط هذه الكلم بعضها ببعض، وإن لم يعرض لها الحسن والشرف؛ إلا من حيث لاقت الأولى بالثانية، والثالثة بالرابعة، وهكذا إلى أن تستقر بها إلى آخرها، وأن الفضل تناتج ما بينها، وحصل من مجموعها؟

إن شككت فتأمل: هل ترى لفظة منها بحيث لو أخذت من بين أخواتها وأفردت، لأدت من الفصاحة ما تؤديه وهي في مكانها من الآية؟

قل "ابلعي" واعتبرها وحدها من غير أن تنظر إلى ما قبلها وما بعدها، وكذلك فاعتبر سائر ما يليها، وكيف بالشك في ذلك، "ومعلوم أن مبدأ العظمة في أن نوديت الأرض، ثم أمرت، ثم في أن كان النداء بـ "يا" دون " أي"، نحو "يأيتها الأرض"، ثم إضافة الماء إلى "الكاف" دون أن يقال: "ابلعي الماء" ثم أن أتبع نداء الأرض وأمرها بما هو من شأنها، نداء السماء وأمرها كذلك بما يخصها، ثم أن قيل: "وغيض الماء"، فجاء الفعل على صيغة "فُعِلَ" الدالة على أنه لم يغض إلا بأمر آمر وقدرة قادر، ثم تأكيد ذلك وتقريره بقوله: "وقضي الأمر"، ثم ذِكْرُ ما هو فائدته هذه الأمور، وهو "استوت على الجودي"، ثم إضمار "السفينة" قبل الذكر، كما هو شرط الفخامة والدلالة على عظم الشأن، ثم مقابلة "قيل" في الخاتمة بـ "قيل" في الفاتحة، أفترى لشيء من هذه الخصائص التي تملؤك بالإعجاز روعة، وتحضرك عند تصورها هيبة تحيط بالنفس من أقطارها تعلقا باللفظ من حيث هو صوت مسموع، وحروف تتوالى في النطق؟ أم كل ذلك لما بين معاني الألفاظ من الاتساق العجيب؟ فقد اتضح إذن اتضاحًا لا يدع مجالًا للشك؛ أن الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة، ولا من حيث هي كلم مفردة، وأن الفضيلة وخلافها من ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها، وما أشبه ذلك، مما لا تعلق له بصريح اللفظ "([14]).

وحين نفكر في كلام عبد القاهر في هذه الآية وهو يقول إن مبدأ العظمة في أن نوديت الأرض، مع أن الأرض ناداها الإنسان الحائر على سطحها من يوم أن هبط إليها آدم –عليه السلام – وجاشت نفسه بها وفيها، ولاحت له بوارق الخلد وملك لا يبلى، فوسوس إليه الشيطان فلماذا إذن كان نداء القرآن للأرض هو الأمر المعجز؟ قلت لأن النداء هنا أمر إلهي نفذ في المنادى كالنداء في قصة داود – عليه السلام – ﴿يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ﴾ [سورة سبأ: 10] - فأوبت الجبال معه والطير، والتأويب ترجيع تسبيحه صلوات الله وسلامه عليه، والنداء كان بـ [يا] لبعد المنادى من حضرة المنادي جل وعلا، ثم لم يقل: يا أيتها الأرض؛ لأن في هذه الصيغة من التوكيد والاحتفال ما ليس في: يا أرض  وحسبها أن يقول لها الحق يا أرض هكذا بالتنكير الدال على أنها في ملكوت ذي الملكوت نكرة تائهة كقطرة في يم، وكذلك ليس الإعجاز في الأمر؛ لأن الفضل لا يرجع إلى الفروق من حيث هي، وإنما بحسب الموضع والمعنى والغرض الذي تؤم كما قال الشيخ، الإعجاز هنا هو نفوذ الأمر في المأمور، تأمل اختصار الكلام وخلوه من كل احتفال – يا أرض ابلعي ماءك –هذا هو كلام مالك الملكوت لا يزيد على أن يقول "يا أرض ابلعي ماءك" ثم لا تنتظر أن يقال فبلعت ماءها؛ لأن انقياد الخلق كله في كلمة مكونة من حرفين ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [سورة يس: 82].

ثم إن إضافة الماء إلى ضمير المخاطب فيه معنى العودة إلى الأحوال المألوفة التي كانت عليها قبل أن تتفجر عيونا([15]).

ثم انتقل الكلام إلى السماء وهو الشق الآخر وتكرر الأسلوب بعينه "يا سماء أقلعي" دون أن يقول يا أيتها السماء؛ لأن الأصل أن يبلغها أمر ربها. لم يقل: بلعت الأرض ماءها، وأقلعت السماء؛ لأن هذا أمر من له الأمر، فلا يجوز أن تتصور بعد قوله " ابلعي" إلا أن تكون قد بلعت، ولا تتصور بعد قوله "أقلعي" إلا أن تكون قد أقلعت، وليس هذا من الإيجاز؛ لأنه ليس هنا حذف وإنما يكون تصوره – إن كان – من الفضول والجهل بالمقام، لأن مقام الكلمات في كلام الحق جل جلاله مقام آخر، وإنما قال "وغيض الماء"؛ ليلفت كما قال الشيخ إلى أن هناك أمر آمر وقدرة قادر، وأن الماء لم يغض بنفسه.

4- خصائص التركيب القرآني في تصوير هلاك قوم نوح:

التركيب يعني الجملة المكونة من بعض الألفاظ وفق نسق معين، ولابد أن يدل هذا التركيب على معنى مفيد، والذي "لا يستقيم أمره إلا وفق قواعد وأسس خاصة، هي ما نطلق عليها القواعد النحوية، التي تضبط تكوين الجملة في اللغة العربية"([16]).

وتعود قيمة الجملة في القرآن الكريم إلى منزلتها في النظم القرآني المعجز؛ حيث تتصل الجملة القرآنية بالمفردات - التي هي أساس الجملة- اتصالًا وثيقًا، ومن ثم جاءت صياغة الجملة في القرآن الكريم صياغة بلاغية محكمة على أدق نسق، وأحسن بيان.

وهذا التنسيق والإحكام والترتيب يجعل الجملة القرآنية بناءً أحكمت لبناته، وكيانًا متماسكًا لا تستطيع أن تغير في الجملة كلمة بكلمة أخرى، ولا جملة بجملة، ولا بالزيادة أو النقصان، ويبرز ذلك في الآيات التحام نسجها، وارتباط بعضها ببعض بحيث تسلم كل جملة إلى أختها في تناسق وإحكام.

أما المواضع التي تتجلى فيها وجوه الإعجاز البلاغي في الجملة القرآنية فكثيرة ولا تكاد أن تحصى؛ حيث إن كل جمل القرآن الكريم معجزة بلاغية يتجلى فيها قوة الترابط والتلاؤم مع ما قبلها وما بعدها، فالعرب كما يقول الرافعي:" رأوا في حروف القرآن كلماته، ورأوا في كلماته جمله، ألحانا لغوية رائعة كأن لائتلافها وتناسبها قطعة واحدة قراءتها هي توقيعها، فلم يفتهم هذا المعنى، وأنه أمر لا قبل لهم به، وكان ذلك أبين في عجزهم"([17]).

فمن الصعب تناول جميع المكونات التعبيرية في الجملة القرآنية، سواء كانت جملة فعلية أو جملة اسمية، وأحوال كل جملة وأوضاعها المختلفة والمتنوعة، وما يتناوله سياقها من تقديم أو تأخير، وذكر أو حذف، وتنكير أو تعريف، وإفراد أو تثنية أو جمع، وتذكير أو تأنيث، وإيجاز أو إطناب أم مساواة، وتوكيد وتكرار وقصر وخبر أو إنشاء، وفصل أو وصل، ... إلخ من لطائف وروائع الجملة القرآنية؛ لأن هذا يحتاج إلى دراسات مستفيضة، لذا سأكتفي بالإشارة إلى بعض تلك المكونات التعبيرية.

   إن إعجاز القرآن الكريم يتمثل في قوة نظمه العجيب، و هو ما ذهب إليه منظِّر علم البلاغة الإمام عبد القاهر الجرجاني حيث قال: "النظم البليغ هو أن يوضع الكلام وضْعه الذي يقتضيه علم النحو، و العمل وفق قوانينه و أصوله، و معرفة مناهجه فلا يُزاغ عنها، و لا يُخَلَّ برسومه التي رُسمت في وجوه كل باب و فروقه، و النظر في الجمل التي تسرد فيعرف موضع الفصل فيها من موضع الوصل، و يعرف فيما حقه الوصل، و موضع الواو من موضع الفاء، وموضع الفاء من موضع "ثم"، وموضع "لكن" من موضع "بل"، ومعرفة كيفية التصرّف في التعريف والتنكير، والتقديم و التأخير في الكلام، وفي الحذف والتكرار والإضمار، فيوضع كلًّا من ذلك مكانَه، هذه النظرية التي تنسب إلى عبد القاهر الجرجاني، تعد الوجه الأشهر في بيان إعجاز القرآن الكريم، وتعتمد هذه النظرية على منطق العلاقات النحوية وتأثيره في المعنى، ولذا فإن الجرجاني يعرف النظم بأنه:" توخي معاني الإعراب"([18]).

وبهذا فإن توخي معاني النحو المعبر عنه بالنظم عند الإمام عبد القاهر مرجعًا للإعجاز، لا يقف عند حدود الأسلوب من حيث صحة الكلام وسلامته من الخطأ، فتلك ناحية شكلية، فالقاعدة النحوية ليست هدفًا في ذاتها؛ بل دلالتها على المعنى المراد هي الهدف "وبذلك استطاع عبد القاهر أن يمزج بين النحو والبلاغة باعتبار أن البلاغة من معايير النقد الأدبي، وترتبط بالنحو ارتباطًا وثيقًا، إذ ستبدأ مهمتها بمعونة الذوق الأدبي المثقف من حيث تنتهي مهمة النحو"([19])، وقد فتحت جهود الإمام عبد القاهر في النظم المجال التطبيقي أمام البلاغيين من بعده؛ فكانت أولى ثمارها تفسير الزمخشري (ت 538 هـ) للقرآن الكريم، الذي يعد بحق نموذجًا تطبيقيًا رائعًا للبلاغة القرآنية. "لقد فصلت سورة القمر أول هذه الواقعة، وشرحت أحوال الفيضان، وأن الله جلت قدرته فتح أبواب السماء بماء منهمر، وفجر الأرض عيونا، وحمل نوحا على ذات ألواح جرت بعين الله سبحانه، قال تعالى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)﴾ [سورة القمر: 11-13].

والقصة في سورة القمر موجزة جدا، ولكن هذه الحادثة خصوصا جاءت أكثر وضوحا، وتفصيلا منها في أي سورة أخرى، والفاء في قوله تعالى " ففتحنا " للعطف والترتيب بلا مهملة على قوله سبحانه: ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [سورة القمر: 10]، وإنما دعا عليه السلام لأنهم كذبوه وقالوا ﴿مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾ لا تعارض بين ترتيب بداية الغرق على الدعاء في آية القمر وترتيبه على التكذيب أو الخطيئة "مما خطيئاتهم" وكل ذلك من باب واحد، وليس في القرآن آية بينت حالة الطوفان كهذه الآية وإنما كان يقال "وفار التنور"، وآية القمر هذه ليس لبلاغتها نهاية تأمل هذه الكلمات "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر "الجار والمجرور الذي هو من متعلقات الفعل هو معقد المعنى ورأسه، ولو قلت ففتحنا أبواب السماء، وحذفت الجار والمجرور، لم يدل على شيء."([20]).

ولقد عني الإمام عبد القاهر عناية شديدة ببيان أن أصل الكلام هو روابطه وعلاقته ووشائج كلماته، وأن جهد المتكلم إنما يتجه إلى هذه الروابط، وهذه العلاقات، وأن الكلمة المفردة لا شأن لنا بها ما دمنا ندرس ضروب الكلام، ونميز محاسنه، وأن الكلام الجيد لو أنك نزعت ألفاظه من مغارسها في دلالاتها على معانيها وأزلت روابطها، وأبطلت نظامها تكون بذلك قد نقضت أن يكون هنا كلام، وأن جوهر النص ليس هو هذه الألفاظ وإن كانت منه، وإنما هذه الروابط والصلات، وما هذه الروابط والصلات إلا عمل العقل في اللغة، فالعقل هو الذي يحدث تلك المشابك وتلك الروابط، لا يصير الكلام شكلا لغويا إلا بهذه  الروابط، فهذه هي الكلام، وهي البلاغة والبيان، وهي عقل الإنسان وقلبه وهمومه وفكره وخواطره وكل ما يتحرك به لسانه، وأن هذا اللسان لا يحركه القلب والعقل لينثر كلمات لا علائق بينها، وإنما ليقيم هذه العلاقات وينفث في عقدها نفائسه وينثر عليها مكونات ومصونات القلوب والأفئدة.([21]).

وحسبنا في هذا المقام قول الدكتور/ محمد أبو موسى: لا شك أن عبد القاهر قد كتب هذه الخصوصيات والسياق الذي شرحنا جزءا منه حاضر في نفسه  انتصاب الأرض والسماء امتثالا لأمر ربها، لا تفتر الأرض تتفجر عيونا، والسماء مفتحة أبوابها بماء منهمر، والاضطراب الذي زلزل قوم نوح وكأن القيامة قد قامت، ونفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض، وسفينة نوح –عليه السلام– تتقاذفها أمواج كالجبال، لا تستقر معها أعظم الأساطيل، فكيف بها وهي جملة ألواح ودسر، أقول هذا هو الذي أوحى إلى الشيخ عبد القاهر بقوله: (ومعلوم أن مبدأ العظمة أن نوديت الأرض) وأن الشيخ– هنا – يقصد الأمر الإلهي لأنه لا ينادي الأرض – وقد تفجرت تقذف ظهورها ببطونها – ويأمرها بأن تسكن فتسكن وأن تبتلع ماءها فتبتلعه إلا الذي أمرها بأن تكون فكانت، ليس الإعجاز في يا أرض لأننا جميعا نقول يا أرض، وإنما الإعجاز في أن استمعت الأرض لنداء من قال لها يا أرض، الإعجاز في الأمر الإلهي الذي نفذت فيه القدرة في المقدور، وهذه الخصوصيات اللغوية التي ذكر الشيخ أنها موضع الفخامة والإعجاز، وإنما كانت العظمة في أن نوديت الأرض؛ لأنه ليس نداء يرتد صداه إلى من ناداه كندائك وندائي، وإنما هو نداء ينفذ إلى المنادى، والمنادى –هنا– هي الأرض والسماء الذين خوطبا في سورة فصلت في قوله جل شأنه: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾ [سورة فصلت: 11]، وهذا مما يستصحب ونحن في سورة هود هذا هو المعنى الذى تعمر به تلك الأبنية اللغوية في مثل هذا، بل هذه هي البلاغة التي خلعت قلوب من أدركوها فخلعوا أنفسهم من أنفسهم، وجعل الله لهم منها نورا ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [سورة الأنعام: 122].

وشرط الفخامة في إضمار السفينة قبل ذكرها ليس المراد به تفخيم السفينة لأنها ألواح ودسر، وإنما فخامتها في أنه عليها هذا النبي الجليل والذين آمنوا معه، عليها أهل التوحيد وأهل المعرفة الحقة، وأبعد عنها أهل الباطل وأصحاب الفكر المختلط الذي رمز له القرآن على لسان ابن نوح عليه السلام لما قال: "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" وهو بهذا يراجع والده الذي يقول له "يا بني اركب معنا" وقد حاول نوح أن يرجعه عن هذا الفكر المدمر وقال له: "لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم"، وهذا وراءه وحي يهدي لأنه عليه السلام قد أوحي إليه: "أن اصنع الفلك بأعيننا" وأن المكذبين مغرقون، والشيخ الجليل ينادي بالحق الذي لا يشوبه باطل، وقد علقت بنفس الولد بدايات الفلسفة المكذوبة، فكذب الوحي واستعصم بالحس جبل يعصمه من الماء فكان من الهالكين([22]).

5-    النكت البلاغية في تصوير هلاك قوم نوح:

النكت البلاغية في القرآن الكريم هي وجه من وجوه إعجازه، ومظهر من مظاهر بلاغته وبيانه، التي يعجز أمامها الإنس والجن على أن يأتوا بمثلها؛ حيث " أعجزتهم مزايا ظهرت لهم في نظمه، وخصائص صادفوها في سياق لفظه، وبدائع راعتهم من مبادئ آية ومقاطعها ومجاري ألفاظها، وفي مضرب كل مثل، ومساق كل خبر، وصورة كل عظة وتنبيه، وإعلام وتذكير، وترغيب وترهيب، ومع كل حجة وبرهان، وصفة وتبيان..."([23]).

ومن أهم النكت البلاغية في الآيات محور البحث ما يلي:

-   قوة النظم؛ حيث إن نظم القرآن خارج عن المعهود من كلام العرب بما يشتمل عليه من الفصاحة والتصرف البديع الذي يترك مساحات يتحرك فيها الذهن البشري لتستيقظ المشاعر والأحاسيس، ويتحرك الفكر والعقل من أجل التأمل والتدبر" فهو بديع النظم عجيب التأليف، متناه في البلاغة إلى الحد الذي يعلم عجز الخلق عنه، وقد شعر العرب أنفسهم بما في القرآن من سمو عن قول البشر، فنسبوه إلى السحر، كأنهم يقولون: إن القرآن لا يستطيع أن يقوله إلا من أوتي قوة خارقة ليست من جنس قوى البشر"([24]).

فإعجاز القرآن الكريم يتمثل في قوة نظمه العجيب، و هو ما ذهب إليه منظِّر علم البلاغة الإمام عبد القاهر الجرجاني؛ حيث قال بأن النظم البليغ هو أن يوضع الكلام وضْعه الذي يقتضيه علم النحو، و العمل وفق قوانينه و أصوله، و معرفة مناهجه فلا يُزاغ عنها، ولا يُخَلَّ برسومه التي رُسمت في وجوه كل باب وفروقه، والنظر في الجمل التي تسرد فيعرف موضع الفصل فيها من موضع الوصل، ويعرف فيما حقه الوصل، وموضع الواو من موضع الفاء، وموضع الفاء من موضع "ثم"، وموضع "لكن" من موضع "بل"، ومعرفة كيفية التصرّف في التعريف و التنكير، والتقديم والتأخير في الكلام، وفي الحذف والتكرار والإضمار، فيوضع كلًا من ذلك مكانَه، هذه النظرية التي تنسب إلى عبد القاهر الجرجاني، تعد الوجه الأشهر في بيان إعجاز القرآن الكريم، وتعتمد هذه النظرية على منطق العلاقات النحوية وتأثيره في المعنى، ولذا فإن الجرجاني يعرف النظم بأنه: " توخي معاني الإعراب"([25]).

فمثلًا حين يناقش الإمام عبد القاهر سر بلاغة آية ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، يقول بأنه لا يمكن أن يكون إعجاز الآية راجعًا إلى بلاغة ألفاظها؛ ذلك أننا نستطيع أن نأخذ كل لفظ منها على حدة فنجده لفظًا عاديًّا، وتأمل مثلًا كلمة "ابلعي" أو "قيل" أو "استوت"، فإنك تجدها كلامًا عاديًا مما تستعمله اللغة العادية في بناء أساليبها وتراكيبها، ولكن موطن الإعجاز الحقيقي يرجع إلى سر التركيب، والنسيج، وشدة التماسك، والمواءمة بين عنصري الاختيار والتأليف، وبين المعاني التي تكمن وراء التعبير([26]).

-   المشاهد الحيّة أو ما يسمى عند "سيد قطب" بالتصوير الفني في القرآن الكريم، والذي يرى "أن التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن، فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس، والمشهد المنظور، وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية، ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة"([27])،  وهذه الرؤية تعد نقلة جديدة في مجال دراسة البلاغة القرآنية المعجزة؛ إذ إنها تنظر إلى الصورة الكلية التي تتكون من صور جزئية تصنع مشهدا ما، فتحيله إلى حياة متحركة، يتسق فيها اللفظ مع التركيب مع الصورة مع المضمون، وهذا ما يسمى بالتناسق الفني الذي يبلغ الذروة في القرآن الكريم، سواء في العبارات أو الإيقاع الموسيقي، أو النكت البلاغية، أو التسلسل المعنوي بين الأغراض في سياق الآيات"([28]).

ويبرز في تلك الآيات التي هي محور البحث التحام نسجها، وارتباط بناء بعضها ببعض بحيث تسلم الجملة إلى أختها في التئام تام واتساق محكم، فآية القمر فيها من الدلالة على كمال القدرة وسلطان الألوهية وانقياد الأشياء لأمره سبحانه مثل ما في آية هود، وفيها من الإيجاز وسعة الدلالة ما في آية هود، ولم يقف علماء البلاغة عندها كما وقفوا عند آية هود، وذلك لأن موقع آية هود في سياقها هيأ للعناية بها، فقد جاءت بعد تصوير موقف زاخر بالحزن والفجيعة لهذا النبي العظيم – صلوات الله وسلامه عليه – وهو ينادي ولده، والطوفان هائج، والسفينة تجري في موج كالجبال، ونبي الله ينادي بكل ما في قلب الأب من لهفة "يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين" وترى في هذا النداء تحننا وتحببا  في قوله "يا بني" بصيغة التصغير، الذي فيه تحبب الأب وترؤمه، ولكن الولد كانت قد حقت عليه كلمة العذاب، ومن ثم كانت المحاورة - هنا- هي البوتقة التي جمعت كل أطراف الحكاية، واستطاع المشهد الحواري أن يعرض اللحظات المشحونة والأكثر توترًا في القصة؛ مما يجعل المتلقي مشاهدا يعاين الصورة بنفسه، وينفعل بها، ويتفاعل معها كأنه يراها ويشاهدها، فكان للحوار دور كبير في استحضار تلك المشاهد واضحة ومؤثرة في نفوس المتلقين، وسبحان من له الأمر، وإن قلبك لينفطر بدعاء (نوح) ولا تقول إلا ما قاله "إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم" وتمام العبودية لله سبحانه أن يحمل نوح في سفينته حتى الحية والعقرب، ثم لا يحمل ولده وزوجه، وقد ذكروا أن موجة ابتلعت ولده وهو يراجع الكلام مع أبيه"([29]).

-   الإقناع؛ حيث يعتمد أسلوب القرآن الكريم على وسيلة الإقناع بالدليل والحجة والبرهان، وأيضا على وسيلة مخاطبة العقل بأسلوب مقنع لا يتأتى معه إلا التصديق والتسليم، ولا يتصور منه إلا التدبر والخشوع، فالآيات- كما نرى – تتناول الحديث عن هلاك قوم " نوح "– عليه السلام -: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (11) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (12) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (17) [سورة القمر الآية 11-17].

وقوله – تعالى -: ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)﴾ [سورة هود: 42-43]، كان هذا الرد تأكيدا لرد سابق يفصل مجمله فيزيد رسوخه في النفس تثبيتا وتوطيدا، فإذا جاء قوله – تعالى - ﴿جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (14) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (15) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (16)﴾ [سورة القمر: 14-16]، وقوله – تعالى -: ﴿وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[سورة هود: 44] بعد ذلك، كان بمثابة البرهان العملي الذي لا يقبل الشك، والقرآن الكريم – كما رأينا – في هذا المثال يعتمد على الإقناع المنطقي المباشر، ويصوره في أسلوب سهل محكم ومعجز، كي يصل الإقناع إلى غايته في سلاسة ويسر.

-   ربط عام لبداية الآيات مع خواتيمها؛ حيث نلاحظ التناسب في داخلها، والتوازي فيما بين تراكيبها دون افتعال أو تكلف، من ذلك ما ذكره الدكتور محمد أبو موسى بقوله: "أما الملائمة الأخيرة فقد كان الشيخ عبد القاهر فيها بالغ الإحساس واليقظة حين أشار إلى التقاء طرفي الكلام، ومقابلة قيل في الخاتمة بقيل في الفاتحة، إحاطة هذا الفعل المبني للمجهول بهذه الأحداث، وأولها نجاة المؤمنين وآخرها بعدا للقوم الظالمين، وكأن الدائرة قد تمت والتقى الطرفان وانتهت القصة وطويت صفحة هذا الحديث"([30]).

-   عدم التناقض؛ حيث خلى القرآن الكريم من التناقض؛ لأن القرآن الكريم يفسر بعضه بعضا، وهذا سر آخر من أسرار الإعجاز حيث يذكر القصة الواحدة في أكثر من موضع دون تقصير مخل أو تكرار ممل.

فقوله تعالى: "وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر" هذه الآيات في القمر أقرب آيات القرآن إلى ما في سورة هود "وقيل يا أرض ابلعي ماءك"  وكأنهما وجهان لحقيقة واحدة، وقوله "يا أرض ابلعي ماءك" هو المقابل لقوله "وفجرنا الأرض عيونا"، وقوله "يا سماء أقلعي" هو المقابل لقوله "فتحنا أبواب السماء بماء منهمر"، وقوله "وغيض الماء" هو المقابل لقوله "فالتقى الماء على أمر قد قدر"، وقد نزلت "اقتربت الساعة" قبل هود، يعني نزل الحديث عن تفصيل بداية الطوفان قبل الحديث عن نهايته، وهذا ترتيب طبيعي واضح([31])، فالمغايرة بين المفردات تأتي في التعبير القرآني لدواعٍ دلالية يتطلبها السياق الذي ترد فيه ويمتزج بها، وقد أشار إلى ذلك صاحب منهاج بقوله: "وإنما الوضع المؤثر وضع الشيء الموضع اللائق به، وذلك يكون بالتوافق بين الألفاظ والمعاني والأغراض من جهة ما يكون بعضها في موضعه من الكلام متعلقًا ومقترنًا بما يجانسه ويناسبه ويلائمه في ذلك، والوضع الذي لا يؤثر يكون بالتباين بين الألفاظ والمعاني والأغراض من جهة ما يكون بعضها في موضعه من الكلام متعلقًا ومقترنًا بما يناقضه ويدافعه وينافره"([32]).

  فنلاحظ انتقال القرآن الكريم من قصة إلى قصة، كما يذكر القصة الواحدة في أكثر من موضع، تنوع طرق عرض القصة؛ فتارة تعرض من أولها، وتارة من وسطها، وتارة من آخرها، وتارة تعرض كاملة، وتارة يكتفى ببعض حلقاتها، وتارة تتوسط بين هذا وذاك حسبما تكمن العبرة في هذا الجزء أو ذاك، كل هذا من غير خلل يقع في نظمه، أو تعارض يتصور في وصفه مما يدل على بديع التأليف وبليغ التنزيل.

كما تعددت أوجه الإعجاز في كتاب الله بتعدد جوانب النظر فيه,‏ فكل آية من آياته فيها إعجاز لفظي وبياني ودلالي،‏ وكل مجموعة من الآيات،‏ وكل سورة من السور طالت أم قصرت‏،‏ بما فيها من قواعد عقدية‏،‏ أو أوامر تعبدية‏،‏ أو قيم أخلاقية، أو ضوابط سلوكية‏، أو إشارات علمية‏، إلى شيء من أشياء هذا الكون الفسيح وما فيه من ظواهر وكائنات‏,‏ وكل تشريع،‏ وكل قصة‏،‏ وكل واقعة تاريخية‏، وكل وسيلة تربوية،‏ وكل نبوءة مستقبلية‏،‏ كل ذلك يفيض بجلال الربوبية‏، ويتميز عن كل صياغة إنسانية ويشهد للقرآن بالتفرد كما يشهد بعجز الإنسان عن أن يأتي بشيء من مثله.‏

أعلى النموذج

 

أسفل النموذج

 

الخـاتمـــــــة:

قد ظهر من خلال ما عرضناه ما يلي:

1-      أن النكت البلاغية عبارة عن مسائل ولطائف لها تأثيرها في النفوس، ووقعها في القلوب بدقة دلالتها وبديع تركيبها وحسن نظمها.

2-      تتميز كل نكتة بلاغية بمدى فائدتها وجمال صياغتها؛ مما يجعل تحديد معايير وقواعد لها أمرًا صعبًا بل ربما يكون مستحيلًا، فهي "أكثر من أن يضبطها القلم" كما ذكر التفتازاني.([33])

3-      أن الجملة العربية لها كثير من الخواص، وعلى قدر تعدد تلك الخواص تتعدد فروع العلوم اللغوية التي تدرس هذه الجملة.

4-      كثرة تلك النكت التي تتجلى في جميع الآيات القرآنية؛ حيث إن معجزة القرآن تظهر لأهل العلم في كل مجال من مجالاته فهي ظاهرة في نظمه ولغته وبلاغته، فألفاظ القرآن الكريم تميزت بإعجازها بحيث لا يمكن أن يحل محلها ألفاظ أخرى ولا يمكن أن يؤدي المعنى سواها.

5-      أن معجزة القرآن تظهر لأهل العلم في كل مجال من مجالاته فهي ظاهرة في نظمه، في لغته، في بلاغته في عدده، وفى إخباره عن الأولين، وفى إنبائه بحوادث المستقبل، وحكم التشريع وغيرها.

6-      أن آيات سورة القمر في أجزائها ومجملها تطرد فيها أوجه الإعجاز من حيث وحدة موضوعها وجمال الأسلوب والتراكيب، وكذلك ما جاء من أوجه إعجاز في تشريعها والإخبار بالغيبيات فيها.

7-      أن ألفاظ القرآن الكريم تميزت بإعجازها بحيث لا يمكن أن يحل محلها ألفاظ أخرى ولا يمكن أن يؤدي المعنى سواها.

8-      أن تنوع المعاني في الآيات يترتب عليه تنوع في الدلالات البلاغية وهذا من أعظم الإعجاز، فعلى كل معنى يكون تمام البيان والبلاغة.


 

المصادر والمراجع

الإتقان في علوم القرآن، الحافظ جلال الدين السيوطي، ت محمد صادق درويش،  الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1394هـ/ 1974م.

من آيات الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، د. زغلول النجار، دار الكتب العلمية، 2007م.

  البرهان في علوم القرآن، الزركشي، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، 1971م.

إعجاز القرآن، الباقلاني، تحقيق: السيد أحمد صقر، دار المعارف،1997م.

إعجاز القرآن، مصطفى صادق الرافعي، مؤسسة المختار، القاهرة ط1 2003م.

الإيضاح في علوم البلاغة، محمد بن عبد الرحمن بن عمر، أبو المعالي، جلال الدين القزويني الشافعي، المعروف بخطيب دمشق (المتوفى: 739هـ)، تحقيق: محمد عبد المنعم خفاجي، دار الجيل – بيروت، الطبعة الثالثة.

البلاغة القرآنية، دراسة في جماليات النص القرآني، د. أحمد درويش، د. عزة جدوع، مكتبة الرشد 2010م.

البلاغة والإعجاز في القرآن الكريم، د. عزة محمد جدوع، مكتبة الرشد، الرياض،1434= 2013م.

البيان القرآني، محمد رجب الفيومي، مجمع البحوث الإسلامية، القاهرة 1391هـ =1971م.

التصوير الفني في القرآن الكريم، سيد قطب، دار المعارف، القاهرة 1975م.

النبأ العظيم، محمد عبد الله دراز، دار القلم، الكويت 1993م.

ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، الرماني والخطابي وعبد القاهر الجرجاني تحقيق: محمد خلف ومحمد زغلول سلام، دار المعارف 1991م.

جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، القاضي عبد رب النبي بن عبد رب الرسول الأحمد، تحقيق حسن هاني، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان 2000م.

خزانة الأدب وغاية الأرب، تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي، ت: عصام شعيتو، دار الهلال بيروت، 1987، ج2

خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية، عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني (المتوفى: 1429هـ)، مكتبة وهبة، الطبعة: الأولى، 1413 هـ - 1992 م

خصائص تراكيب اللغة العربية، عبد الله علي الثوري، منصة المنهل الإلكتروني، اليمن،2014 م.

دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني – ت محمود شاكر، مكتبة الخانجي 1984م.

السرد القصصي في القرآن الكريم، ثروت أباظة، دار نهضة مصر القاهرة (د.ت).

الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، يحيى بن حمزة بن علي بن إبراهيم، الحسيني العلويّ الطالبي الملقب بالمؤيد باللَّه (المتوفى:745هـ)، المكتبة العنصرية – بيروت، ط1، 1423 هـ.

الكليات، أبو البقاء بن أيوب الكفوي، ت: عدنان درويش ومحمد المصري، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان 1998م.

لسان العرب، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري (المتوفى: 711هـ)، دار صادر – بيروت، الطبعة الثالثة - 1414 هـ.

مدخل إلى البلاغة القرآنية، د. حلمي محمد القاعود، دار النشر الدولي الرياض ط1، 1428ه – 2007 م -2007م.

مختصر المعاني، سعد الدين التفتازاني، دار الفكر، بيروت، 1411 هـ.

مدخل إلى كتابي عبد القاهر الجرجاني، د محمد أبو موسى، مكتبة وهبة 1998م

معاني القرآن وإعرابه، أبو إبراهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج (ت: 311هـ) تحقيق: عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب – بيروت، الطبعة الأولى 1408 هـ - 1988 م.

مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزُّرْقاني، دار السلام للطباعة والنشر،2015م.

من بلاغة القرآن، د. أحمد أحمد بدوي، دار نهضة مصر، القاهرة1370ه = 1950م.

منهاج البلغاء وسراج الأدباء، حازم القرطاجني، ت محمد الحبيب، دار الغرب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط3، 1986م.

المفردات في غريب القرآن، الحسين بن محمد أبو القاسم المعروف بالراغب الأصفهاني، ت/ محمد سيد كيلاني، مطبعة امبابي الحلبي، القاهرة 1961م.

نظرية النظم عند عبد القاهر، د. درويش الجندي، مكتبة نهضة مصر، القاهرة، 1960م.

النكت البلاغية: مفاهيم وآليات، د. حسين محمد زعطوط، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 43، العدد 2 ت 2016م.



([1]) ينظر: ثلاث رسائل في إعجاز القرآن: 16.

([2]) لسان العرب (ن ك ت): 14/277.

([3]) جامع العلوم في اصطلاحات الفنون: 3/289.

([4]) الكليات: 1 /1632.

([5]) ينظر: النكت البلاغية: 741.

([6]) خزانة الأدب: 2/307.

([7]) ينظر: النكت البلاغية: مفاهيم وآليات: 742.

([8]) ينظر: السرد القصصي في القرآن الكريم: 14.

([9]) ينظر: دلائل الإعجاز: 45، وخصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية: 23.

([10]) المفردات في غريب القرآن: 6.

([11]) المفردات في غريب القرآن: 6.

([12]) إعجاز القرآن :261.

([13]) من بلاغة القرآن: 55، بتصرف.

([14]) دلائل الإعجاز: 45- 46، وينظر: مدخل إلى كتابي عبد القاهر: 241 بتصرف.

([15]) دلائل الاعجاز: 48-50.

([16]) خصائص تراكيب اللغة العربية:7.

([17]) إعجاز القرآن (الرافعي): 68.

([18]) ينظر: دلائل الإعجاز: 55.

([19]) ينظر: نظرية النظم عند عبد القاهر: 317.

([20]) مدخل إلى كتابي عبد القاهر: 239، بتصرف.

([21]) مدخل إلى كتابي عبد القاهر: 234، وجماليات المفردة القرآنية: 71.

([22]) ينظر: دلائل الإعجاز: 65-70، ومدخل إلى كتابي عبد القاهر: 241-244.

([23]) دلائل الإعجاز: 9، و10.

([24]) إعجاز القرآن الباقلاني): 35.

([25]) دلائل الإعجاز: 55، وانظر: الطراز لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز: 212.

([26]) انظر: البلاغة القرآنية، دراسة في جماليات النص القرآني: 73.

([27]) التصوير الفني في القرآن الكريم: 34.

([28]) مدخل إلى البلاغة القرآنية: 150.

([29]) مدخل إلى كتابي عبد القاهر: 240، وانظر: جامع البيان في تأويل آي القرآن: 62، بتصرف.

([30]) مدخل إلى كتابي عبد القاهر: 244، والإيضاح في علوم البلاغة: 45.

([31]) مدخل إلى كتابي عبد القاهر:240.

([32]) منهاج البلغاء: 153، والبلاغة والإعجاز في القرآن الكريم:62.

([33]) مختصر المعاني: 1/271.