صورةُ الليل في شعر صلاح عبد
الصبور
أ. د. محمد محمود أبو
علي
جامعة دمنهور، مصر
البريد الإلكتروني: mohamed.aboali@art.dmu.edu.eg
معرف (أوركيد): 0000-0003-0347-5426
بحث أصيل |
الاستلام: 15-3-2022 |
القبول: 25-4-2022 |
النشر: 30-4-2022 |
الملخص:
يهدف هذا البحث إلى إبراز صورة الليل،
بوصفها أداة الخيال الفاعلة التي تَقُودُ إلى ولوج عالَم صلاح عبد الصبور النفسيّ،
ومعرفة نظرته إلى هذا الكِيان، الذي يُرَاقِبُهُ مَلِيًّا، ويُصَوِّرُهُ على وَفْق
حَالَتِهِ النفسية؛ فهو تارة زمن التدبُّر العميق في الكون وأمور الحياة، وتارةً
أُخْرَى بَاعِثٌ لِلهموم، وجَالِبٌ للأحزان، وتارةً ثالثة مصدرٌ للمُتْعَة، إِنْ
صَارَ زَمَنًا لِلِقَاءِ المحبوبة، وتارةً رابعة مُرَادِفٌ للموت، وانتهاء دورة
الحياة.
وقد لجأ صلاح عبد الصبور إلى تشكيل صورة
الليل على نحوٍ يُكْسِبُهَا قيمة إيحائية تعبيريَّة أغنى، تجعلها أقدر على التعبير
عن عَالَمَيه: الداخليّ والخارجيّ، وتُصَوِّر موقفه من الزمن بشكل عامّ؛ لأنها
تشير إلى دِلالات مُكَثَّفَة غَائِبَة عن النصّ الشعريّ.
وأثبت البحثُ أَنَّ صورة الليل في شعر
صلاح عبد الصبور أكثر عُمْقًا منْ سَابِقِيهِ العَرَب، ويرجع ذلك إلى
المُؤَثِّرَات الغربيَّة التي كونت جُزْءًا كبيرًا في تجربته الشعريَّة.
وقد اتَّبَعْتُ المَنْهَجَ الفَنِّيّ
لدراسة شعر الشاعر، والمنهج الوصفيّ؛ لتتبع صورة الليل، ورصدها، ثم تفسيرها.
الكلمات المفتاحية:
الأدب، نقد أدبي، صلاح عبد الصبور، الليل، الصورة الأدبية.
للاستشهاد/Atif İçin / For Citation: أبوعلي، محمد. محمود (2022). صورة الليل في شعر صلاح
عبد الصبور. ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها. مج3، ع5، 55- 105 https://www.daadjournal.com/ /
The
Image of the Night in Salah Abdel-Sabour's Poetry
Prof. Dr. Mohammad Mahmoud Abuali
University of Damanhour, Egypt
E-mail: mohamed.aboali@art.dmu.edu.eg
Orcid ID: 0000-0003-0347-5426
Published: 30.04.2022 |
Accepted: 25.04.2022 |
Received: 15.03.2022 |
Research Article |
Abstract:
This research aims to discuss the image of the
night as the tool of imagery that enables us to discover the psychological
world of Salah Abdel-Sabour. He uses the image of the night according to his
psychological state. He uses the image of
the night as the time of reflection and contemplation of the universe and life، as the cause of sorrows and worries، as the source of pleasure where lovers meet، and as the symbol of death and the end of life cycle.
The image of the night in Salah Abdel-Sabour's
poems is characterized by expressive and evocative values that express his
inner and outer world. In addition، it expresses his attitude
towards time because of the implicit connotations in his poetic writings.
This research proves that the image of the night in Salah Abdel-Sabour's
poetry is the most profound in comparison to his Arab predecessors. This is due
to the Western poetic tools and influences that affected his poetic writings.
This research adopts the technical method in the poetic analysis and the
descriptive method in tracing، analyzing، and interpreting the images of the night.
Keywords:
literature, Literary
Criticism, Salah Abdel-Sabour, The Image of the Night, literary
imagery.
Salah Abdu’s-Sâbur’un Şiirinde Gece İmgesi
Prof. Dr.
Mohammad Mahmoud ABUALI
Demenhur Üniversitesi,
Mısır
E-posta:
mohamed.aboali@art.dmu.edu.eg
Yayın:
30.04.2022 |
Kabul: 25.04.2022 |
Geliş: 15.03.2022 |
Araştırma Makalesi |
Orcid ID:
0000-0003-0347-5426
Özet:
Bu çalışma, Salah Abdu’s-Sâbur'un
psikolojik dünyasına girmeyi sağlayan ve etkili bir hayal gücü aracı olan “gece
imgesini” ortaya çıkartmayı ve yakından izlediği bu varlık hakkındaki görüşünü
bildirmeyi amaçlamaktadır. O, geceyi psikolojik durumuna göre tasvir
etmektedir. Ona göre gece, bazen evreni ve hayatın önemli olduğunu derin derin
düşünmenin zamanıdır. Bazen endişelere sürükler ve üzüntü getirir. Bazen
sevgiliye kavuşma zamanı ise bir zevk kaynağıdır. Bazen de ölümün eş anlamlısı
ve yaşam döngüsünün sonudur.
Salah Abdu’s-Sâbur gece imgesini,
ona daha zengin ve değerli bir anlam katacak bir tasvirle şekillendirmeye
başvurmuştur. Bu da onun iç ve dış dünyasını daha iyi ifade etmesini
sağlamıştır. Genel olarak gecenin zaman içindeki konumunu tasvir etmiştir. Çünkü
şiirsel metinde olmayan yoğun çağrışımlara gönderme yapmaktadır.
Bu çalışma, Salah Abdu’s-Sâbur'un
şiirindeki gece imgesinin, önceki Arap Şiirlerinden daha derin olduğunu
göstermektedir. Bu durum, onun şiirsel deneyiminin büyük bir bölümünü oluşturan
Batı etkilerinden kaynaklanmaktadır.
Şairin şiirini incelemek için
sanatsal yöntemi ve betimleme yöntemini takip ettim ve onun, önce gecenin
görüntüsünü izleyip ardından yorumladığını gözlemledim.
Anahtar Kelimeler:
Edebiyat, Edebî Eleştiri, Salah Abdu’s-Sâbur, Gece,
İmge
تقديم:
يدخل صلاح عبد
الصبور في نطاق رُوَّاد الشعر العربيّ المعاصر، الذين تَأَثَّرُوا بالفِكْر الغَرْبِيّ
وإليوت (Thomas Stearns
Eliot) خاصَّة، وقد نجح في
توظيف صورة الليل في شعره، وكشف بها عَمَّا يُضْمِرُهُ فِي نَفْسِهِ من انفعالاتٍ
نفسيَّة كامنة ومتنوعة، سواء في الشعر الغنائيّ أو الشعر المسرحيّ.
نشأ صلاح عبد الصبور في ظلال انتشار عِدَّة مذاهب أدبيَّة ومنها
الرومانتيكيَّة، التي أُعْجِبَ بها، سواء أكانت عالميَّة، أم عربيَّة، أم
مِصْرِيَّة؛ لذا جاءت تجربته أكثر نُضْجًا من أسلافه، وأكثر ميلاً إلى الواقعيَّة
- في بعض الأحيان - دون أن ينفصل عنها، وشاركه جيله في ذلك، وقد حاول أن يتجاوز
ذلك باستعمال المفردات الحداثيَّة، والألفاظ التي تقترب إلى العاميَّة.
ومن ثم نجد الطبيعة واضحة في شعر صلاح عبد الصبور، وأثرها جليٌّا، وعناصرها
أعمدةٌ لتجربته الأدبيَّة، شعرًا كان أو مسرحًا.
ومن تلك العناصر الواضحة بجلاء عنصر (الليل)؛ فقد اهتم صلاح عبد الصبور به
الاهتمام اللافت للنظر، مُحَمِّلاً إياه دلالات شَتَّى، صانعًا بهذه الدلالات
عالَمًا شعريًّا خَاصًّا به، وإِنْ تَشَابَهَ مَعَ غَيرِهِ من الشعراء؛ فعنصر
الليل له حضوره في شَتَّى التجارب، وعلى الأخصِّ في التجارب الرومانتيكيَّة؛ فهم
يحبونه، ويُفَضِّلُونَهُ، ويحتفونَ به.
لجأ صلاح عبد
الصبور إلى تشكيل صورة الليل على نحوٍ يُكْسِبُهَا قيمة إيحائية تعبيريَّة أغنى،
تجعلها أقدر على التعبير عن عَالَمَيه: الداخليّ والخارجيّ، وتُصَوِّر موقفه من
الزمن بشكل عامّ؛ لأنها تشير إلى دلالات مكثفة
غائبة عن النصّ الشعريّ، لا
يمكن فهمها إلا بالتعمّق في السياق؛
فأصبح الليلُ عنده جديرًا بالتأمُّل، وزَمَنًا للحُزْن
تَارة، ومَوعِدًا لِلقاء المَحْبُوبة تارةً أُخْرَى، وأحيانًا رمْزًا للموت.
ومحاولة مني
في تتبع الليل بهذه التجليات قسمت البحثُ إلى تمهيدٍ وأربعة مباحث وخاتمة:
عَرَضْتُ فِي
التَّمْهِيد: نُبْذَة عن صلاح عبد الصبور، والطَّبِيعَةُ مَصْدَرُ إِلْهَامِ
الشُّعَرَاءِ، ووَصَفُ الطَّبِيعَةِ فِي الرُّومَانِسِيَّة الغَرْبِيَّة،
وتَجَلِيَّاتُ اللَّيلِ فِي الشِّعْر العَرَبِيّ.
جاء المَبْحَثُ الأَوَّلُ عن: اللَّيلُ
تَأَمُّلاً (هَوَاجِس)، وتناول المَبْحَثُ الثَّانِي: اللَّيلُ حُزْنًا، ورصد
المَبْحَثُ الثَّالِثُ: اللَّيل حُبًّا، ودرس المَبْحَثُ الرَّابِعُ: اللَّيلُ
مَوتًا (نِهَاية).
وقد
اتَّبَعْتُ المَنْهَجَ الفَنِّيّ لدراسة شعر الشاعر، وتَتَبُّع رمزيَّة الليل في
شعره بكل ما تحمله من إيحاءات ودلالات، وكذلك حاولت تتبع صورة الليل، ورصدها،
ثُمَّ تفسيرها.
التَّمْهِيدُ:
أولاً: نبذة عن صلاح عبد الصبور:
مُحَمَّد صلاح
عبد الصبور يُوسُف الحكواتيّ، ولد في مدينة الزقازيق سنة 1931م، وتُوُفِّيَ في
مدينة القاهرة سنة 1981م، عَمِلَ فِي التَّدْرِيس، ثُمَّ في الصحافة، ثُمَّ
مُسْتَشَارًا في السفارة المِصْرِيَّة في الهند، وخَتَمَ مسيرته الوظيفيَّة
رَئِيسًا للهيئة المصريَّة العامَّة للكتاب ([1]).
وأعماله
الشعرية: (الناس في بلادي)، (أقول لكم)، (تأملات في زمن جريح)، (أحلام الفارس
القديم)، (شجر الليل)، (الإبحار في الذاكرة)، وأعماله المسرحيَّة: (الأميرة تنتظر)،
(مأساة الحلاج)، (بعد أن يموت الملك)، (مسافر ليل)، (ليلى والمجنون)، وأعماله
النثرية: (على مشارف الخمسين)، (وتبقى الكلمة)، (حياتي في الشعر)، (أصوات العصر)،
(ماذا يبقى منهم للتاريخ)، (رحلة الضمير المصري)، (حتى نقهر الموت)، (قراءة جديدة
لشعرنا القديم)، (رحلة على الورق) ([2]).
ويخبرنا صلاح عبد الصبور بتأثره الشديد في زمنه الشعري الأول، بِعِدَّة
شعراء رومانتيكيين حَدَّ الفتنة، هم: الشاعر التونسيّ أبو القاسم الشابي (ت1934م)،
والشاعر السوداني التجاني يوسف بشير (ت1937م)، والشاعر اللبنانيّ إيليا أبو ماضي
(ت1957م) ([3]).
إلى جانب الشاعر الرومانتيكيّ علي محمود طه (ت1949م) الذى
يقول عنه صلاح عبد الصبور: «لقد كان يُجَسِّدُ لنا ما تصبو إليه أجسامنا الفائرة،
وعقولنا الغَضَّة، كان ضربًا من أحلام اليقظة، ولقد كان علي محمود طه في ذلك
الزمان قد فَرَغَ من ديوانه الأول (الملاح التائه)، وصَوَّرَ نَفْسَهُ شاعرًا
رومانتيكيًّا أسيان حزين النفس منكسر الخاطر» ([4]).
ولَمَّا كان صلاح عبد الصبور أحد هؤلاء الشعراء الذين تَلَقَّوا هذا الإرث
الوِجْدَانيّ لا سيما أنه كان مؤهلاً لهذا التأثُّر؛ لِمَا تقتضيه طبيعته ذات الحس
الثقافيّ الرحيب، التي تستطيع أن تحتوى كل شيء أصيل دون النظر إلى زمن قائله أو
جنسه، يقول: "وقد درجت في السنوات الأخيرة على أنْ
أُوَطِّنَ نَفْسِي على الإحساس بقرابتي إلى الشعراء في كل صُقْع من أصقاع العالَم...
بحيث انتظمَ موروثيّ الأدبيّ، أبا العلاء وشكسبير، وأبا نُوَاس وبودلير، وابن الرومي وإليوت، والشعر الجاهليّ ولوركا، فضلاً
عن عديد من الشعراء والقصائد المتفرقة، والأفكار والخواطر الشعريَّة"([5]).
وكان للشاعر الناقد إليوت عظيم الأثر في صلاح عبد الصبور؛ فقد مَثَّلَتْ
قصيدته (الأرض الخراب) منبعًا رئيسًا له في كثير مِمَّا كتب، وتَأَثَّرَ - كذلك -
بنظرياته النقديَّة؛ حتى كاد يُعِيدُ صِيَاغَةَ أفكارِه بِالعربيَّة في بعض الأحيان([6]).
دفع هذا
التشابُه نفرًا مِنَ النُّقَّاد باتهامه باقتباس أفكاره وأتراحه وهمومه مِن
الغربيين، وعلي رأسهم سارتر، وكامو، وأونامونو
(Miguel De Unamuno)،
وصلاح عبد الصبور يَرُدُّ عليهم بأنه من جيل مسؤول، لا يعيش بين دفات الكُتُب
المُحَنَّطة، ويرى في الأمر كله شظايا فلسفة تُحَاوِلُ أَنْ تُدَافِعَ عن الواقع
العربي، كما أن المشكلات التي فَجَّرَتْها الفلسفات الحديثة لديه مشكلات قديمة،
وما جهود هؤلاء الفلاسفة والفنانينَ إلا تنويع على تلك المشكلات الإنسانيَّة
الخالدة ([7]).
وجاء وليام وردزورث (William Wordsworth) في مُقَدِّمَة من تأثّر بهم في صياغة الجملة الشعرية، ومحاولة
استخدام لغة سهلة، تقترب من لغة العامة إن جاز التعبير([8]).
كذلك فُتِنَ صلاح عبد الصبور بشاعر إسبانيا
لوركا، الذي رآه نموذجًا للشاعر الثائر المسؤول الحُرّ في الوقت نفسه، إنه (آخر
أبناء الرب) كما يصفه في قصيدة (لوركا)، ديوان (أحلام الفارس القديم) ([9]).
أما الشاعر
الفرنسي بودلير؛ فقد تعلم منه الجرْأَة فِي اختيار
موضوعاته الشعريَّة،
يقول عنه صلاح عبد الصبور في قصيدته التي سَمَّاهَا بِاسْمِهِ:
شَاِعرٌ أنْتَ
والكَوْنُ نَثْر
والنِفَاقُ
ارْتَدى أَجْنِحَة
وتَزَيَّا
بِزَيِّ مَلاكٍ جَمِيل
والطَّريقُ
طَوِيل
والتَّغَنِّي
اجْتِراءٌ على كَشْفِ سِرّ ([10])
لقد تأثر صلاح
عبد الصبور تأثُّرًا كبيرًا بِكِبَار الأُدَباء الغَرْبِيِينَ، كذلك قرأ التراث
العربيّ قراءةً واعية؛ فجاء شِعْرُهُ نسجًا جديدًا، اعتمد فيه على تناوُل بعض
الموضوعات التراثيَّة بطريقة جديدة، لا نعدم فيها رائحة الفلسفات الغربيَّة التي
تجلت في أدب الرُّوَّاد مِمَّنْ تَأَثَّرَ بهم.
ومن ثم كانت
الغاية من هذا البحث هي تناول الليل عند صلاح عبد الصبور، وبيان كيف جاء ليلُهُ
مختلفًا - إلى حَدٍّ بعيد - عن ليل غيره من الشعراء، سواء في القديم أو الحديث.
ثانيًا: الطَّبيعَة مصدر إلهام الشعراء:
لقد كانت
البيئةُ على الدوام عُنْصُرًا بَارِزًا في التجارب الفنيَّة باختلاف الأجناس
والعصور، بِوَصْفِهَا أُفُقًا للواقع، وامتدادًا للخيال؛ فالخيال بغيرها مسخًا بلا
أقدام صُلْبَة يتنامى بها ليوازي الحقيقة، ويفوقها في كثير من الأحيان؛ فعناصر
الطبيعة - إذن - دَوَال واقعيَّة خياليَّة في الوقت نفسه، يُقِيمُ الشَّاعِرُ
عبرها جسرًا ما بين خياله وواقعه، وبِهَا يُشَكِّل وُجُودَهُ عَلَى هَوَاه الذي
يرتضيه، ويُوَاكِبُ فِكْرَتَهُ، التي هي جوهر الأمر وذِرْوَة سَنَامِهِ، بشيء من الخيال، والتجريد؛
"فالأصل
الأصيل في الخيال أن الشعراء لا يستخدمونه زِيْنَة أو حِلْيَةً كما قد يُظَنّ،
وإنَّمَا يَسْتَخْدِمُونَه لِيَسْتَتِمُّوا تعبيرهم
إزاء عالم النفس والوجود الملغوز؛ فإنهم مهما عَبَّرُوا
عن هذا العالم أحسُّوا قُصُورًا في تعبيرهم، وَمِنْ ثَمَّ يستكملون بخيالهم - أو
يتلافون به - نقص لغتهم، وإذا كانوا يُشَخِّصُونَ الطبيعة ويملأونها
أو يملأون عناصرها من الشمس والقمر والسماء والأرض
والبحار والأنهار والأشجار بالعواطف والوجدانات
والمشاعر؛ فلأنهم يريدون أن ينفذوا إلى الروح الداخليَّة للكون كله، تلك الروح
التي تَتَشَكَّلُ أشكالاً مختلفة تحت بصائرهم"([11]).
إنَّ عَينَ
الفَنَّانِ هِي أَدَاتُهُ الكُبْرَى، من خلالها تتبلور نظراته الأولى إلى الحياة،
وتتكون أفكاره من خلالها نحو الوجود بأكمله، إلى جانب حواسه الأخرى، وهذا ما
أَكَّدَهُ ليورناردو دا
فينشي (Leonardo da vinci)
أحد عباقرة التاريخ الإنساني؛ فبالعين ينعكس جمال الكون لِمَنْ شَاهده، ويا لها
مِنْ قُدْرَة رائعة؛ فإنَّ مَنْ يفقدها يُصْبِحُ محرومًا مِنْ مُشَاهَدة مظاهر
الطبيعة، تلك المشاهد التي برؤيتها تسعد الروح بالاستقرار في سجنها البشريّ، وعن
طريق العين تتكشف لهذه الروح مختلف مناظر الطبيعة، ومَنْ يفقد العين يترك هذه
الروح في سجنٍ مُعْتِم ([12])؛ ولأنَّ الشعر يحظى بأعلى درجات التذوُّق والفَهْم لدى
العُمْيَان، وبالمِثْلِ يَنَالُ التصويرُ التقديرَ مِنَ الصُّمّ؛ فإن ذلك سيؤدى
إلى أن نضع التصوير في مرتبة تسمو على الشعر؛ لأنه يَتَوَجَّهُ إلى حاسة تسمو على
تلك التي يُخَاطِبُهَا الشَّاعِرُ؛ فالعين تَفُوقُ بثلاثة أضعاف ثلاثة حواس أخرى،
وهي السمع والشم واللمس؛ لأنَّ الإنسانَ سَيُفَضِّلُ - بلا جدال - أَنْ يَفْقِدَ
هذه الحواس الثلاث مجتمعة على أنْ يفقدَ بَصَرَهُ؛ لأنَّ مَنْ يَفْقِد البَصَرَ
يفقد معه جمال العالَم كله؛ ولذلك فإنه يُصْبِحُ مِثْل مَنْ أُغْلِقَتْ عليه أبواب
المقبرة، وهو ما زال على قيد الحياة ([13]).
وكلام دافينشي صحيح من جهة إعلاء قيمة البَصَر عَمَّا سِوَاهُ مِنَ
الحَوَاسّ، ولكنه جَانَبَهُ الصَّواب حين فَضَّلَ التصوير التشكيليّ على الشعر؛
فليس المحك في إلى مَنْ يَتَوَجَّهُ العمل الفني بقدر ما هو كيف يَتَشَكَّلُ هذا
العمل أصلاً؛ فالعملُ الفنيُّ - سواء أكان شعرًا أم تصويرًا أم غير ذلك - قَائِمٌ
بِذَاتِهِ مستقلٌّ عَنْ مُتَلَقِّيهِ.
فسلطان الطبيعة طاغٍ على الأعمال الأدبيَّة، وتأثيرها واضح، سواء أكان
العملُ الفنيّ واقعيًّا أو خياليًّا؛ ولا فرق؛ فهي التي يُكَوِّنُ بها الفنانُ
عَالَمَهُ المَخْصُوص، عن طريق الأشكال والألوان، وتمديد العناصر، وإعادة تشكيلها؛
حتى في أكثر التجارب إيغالاً في التجريد؛ فعلى الرغم من "هذا
التجريد لا يمكن للشاعر أنْ يُصَوِّرَ شيئًا إلا على نحو ما من شأن الحس أنْ
يُؤَدِّي إليه، ومَهْمَا تَبَاعَدَ الشِّعْرُ عن الواقع، وابتكر أشكالاَ وصُوَرًا
خياليَّة لا وجود لها في عالَمِ الحِسِّ؛ فإنه لا يُمْكِنُ أنْ يَبْتَكِرَ شيئًا
لَمْ يُؤَدِّ إليه الحِسِّ بِنَحْوٍ مِنَ الأنحاء؛ فَالتَّخَيُّل تَابِعٌ لِلحِسّ،
ومن هنا كان الإنسان يتخيل الأشياء التي لا يَعْرِفُهَا عن طريق ما يَعْرِفُهُ
مِنْ مُدْرَكَاتِ الحِسِّ المَأْلُوفة لَدَيهِ" ([14]).
والفنانُ بذلك
إنما يستكشفُ شيئًا من نفسه حين يُصَوِّرُ عناصر الطبيعة؛ "فعندما يحاولُ أن
يكشف أسرار نفسه لنفسه سوف يَجِدُ نَفْسَهُ متفاعلاً مع الطبيعة؛ لأنه هو نفسه
جزءٌ من هذه الطبيعة... التي تشمل القُوَى الإلهيَّة والطبيعة البشريَّة، فضلاً عن
ظواهر الطبيعة الماديَّة؛ ولذلك جعل الناسُ مُنْذُ القِدَمِ الطبيعة موضوع الشعر،
ولقد جعل قدماء اليونان الفنّ مُحَاكَاةً للطبيعة... والمقصود أنَّ الفنان يتخذ
موضوع تصويره من الطبيعة؛ لأنها هي التي تُوحِي إليه، وتُحَرِّكُ إِحْسَاسه
الشاعريّ بعد تأمُّل وانفعال؛ فلا يعطي صورة الطبيعة كما هي، وإنما يُعْطِي صورتها
بعد أن انفعلت بها نفسه... وأخرجها شيئًا آخر فيه جوهر الطبيعة وليس شكلها
الظاهريّ" ([15]).
فالطبيعة هي
مُلْهِمَة الشاعر، وأداتُهُ في الوقت نفسه، كما أن فكرة الشاعر وعاطفته الأصيلة
التي تميزه عَمَّنْ سِوَاهُ هي التي تُشَكِّل الطبيعة عَلَى وَفْق إرادتها،
وتَصْبِغُهَا بِصِبْغَتِهَا لا محالة؛ "إذ إن الفنان الحقّ هو الذى لا يُسَلِّم نَفْسَه للطبيعة تُوَجِّهُهُ كيف تشاء، إنما
هو الذي يُوَجِّهُ الطبيعة كيف شاء، ولا يكون منها بمنزلة التابع بل بمنزلة الندِّ
المُنَافِس"
([16]).
وعلى ذلك
فإنَّ سماوات بابلو بيكاسو (Pablo Picasso) المُكَعَّبَة، هي
نفسها سماوات فان جوخ (Vincent Van Gogh) الانطباعيَّة التي لا تُشْبِه السماوات الحقيقية إلا لونًا، هي
نفسها البُقَع الزرقاء عند فاسيلي كاندينيسكي
(Wassily Kandinsky)، وكلها مختلفة عن السماوات في الواقع.
ثَالِثًا: وَصَفُ الطَّبِيعَةِ فِي الرُّومَانِسِيَّة
الغَرْبِيَّة:
الطبيعة هي
المادة الأولى لِكُلِّ فَنّ على اختلافه، منذ أن شعر الإنسان بشيء يعتمل في صدره،
وتصوير الشمس ذات الأشعة والطيور على جُدران معابد المصريينَ القدماء خير دليل،
فضلاً عن شعر الرُّعَاة عند اليونانيين والرومان، ولكن الأمر لم يُبَلْوَرَّ
بالصورة اللافتة للنظر إلا عند الشعراء الرومانتيكيينَ، الذين لم يتخذوا الطبيعة بما تزخر به أُفُقًا لتجاربهم
وحسب، وإنما اتَّخذوا عناصرها موضوعات لهم؛ فالطبيعة أصل من أُصُول تلك النزعة...
ومِنْ ثَمَّ فقد دلّت على الأشياء المرتبطة بالخيال الجامح، والغراميات الملتهبة،
ولكن في القرن الثامن عشَر بدأ الناس ينظرونَ إليها نظرة أكثر احترامًا؛ بحيثُ
أَصْبَحَتْ مُرْتَبِطَة بالتأمُّل الفلسفيّ العميق في الكون والحياة والطبيعة([17]).
وتَمَاهِي شُعَرَاءُ الرومانسيَّة مع الطبيعة ظاهرٌ في شعرهم؛ فيرى ويليم هيزلت (William Hazlitt): (أنَّ للطبيعة
شعرًا يتمثل في حركة الموج وجمال الزهر)، ويقول كيتس
(John Keats): (إذا رأيت
عُصْفُورًا أمام نافذة حُجْرَتِي، كنتُ جزءًا منه، أَنْقُرُ مَعَهُ الحصى كُلَّمَا
نَقَر)، ويقول شيللي (Percy Bysshe Shelley): (إن الشاعر
بلُبْلُ جَلَسَ في الظلام يُسَرِّي عن الوحدة بالنغم العذب)، ويرى وردزورث أن: (الطبيعة تجسيم الروح القدسيّ) ([18]).
والحقُّ أنَّ الرومانتيكيَّة تُعَدُّ بمنزلة طريقة تعبير أكثر منها مذهبًا
أدبيًّا يختصُّ بِحِقْبَة زَمَنِيَّة مُعَيَّنَة، أو شُعَراء مُعَيَّنِينَ؛ فهي
وإنْ تَشَكَّلَتْ مَعَالِمُهَا فِي القرن الثامن عَشَرَ، وعُرفت مذهبًا أدبيًّا
وفنيًّا؛ فخصائصها مُتَّصِلَة بِكُلِّ شعر أصيل في أيّ عصر وجنس؛ ولذلك يقرر
هارولد م. مارش (Harold m.
Marsh) «أنَّ الرومانتيكيَّة الأدبيَّة لا يمكن تحديد طبيعتها
على وجه الدقة أو حصرها في حِقْبَة زمنيَّة مُعَيَّنَة؛ فالرومانتيكيَّة اصطلاح
شامل لعدد كبير من الاتجاهات نحو التَّغْيِير»([19]).
وهي أقرب المذاهب الأدبيَّة إلى ذلك العُمْق العاطفي والرهافة الشعوريَّة
التي هي صفات كل فنان حقيقيّ مهما كان جنسه أو عصره، وعلى ذلك فخصائص الرومانتيكية
الأصيلة هي خصائص الشعر نفسه، وبإمكاننا أنْ نُطْلِقَ مُسَمَّى رومانتيكيّ على أيّ
شاعر مهما كان مُغْرِقًا في الكلاسيكيَّة، والدراسات كثيرة في هذا الشأن من
ألكسندر بوب Alexander)
Pope) إلى أحمد شوقي.
وإذا أخذنا الشعر العربيّ الحديث مثالاً؛ فسنجد أنَّ أكثر التجارب فيه
رومانتيكيَّة، والمدارس الحديثة كلها على هذا المذهب، كمدارس شعراء المَهْجَر،
مُرُورًا بِمَدَارِسِ مصر (الديوان)، ثُمَّ (أبوللو)، فضلاً عن تجارب الشعراء
البارزينَ بعد ذلك التي تأثرت بهما كبدر شاكر السياب، ونازك الملائكة في العراق،
والشاعر المصريّ صلاح عبد الصبور، أو ما يُسَمَّى بجيل الرُّوَّاد.
وليس غريبًا أنْ يتأثرَ صلاح عبد الصبور بأسلافه الرومانتيكيينَ المصريينَ،
على الرغم من الخلاف الذي كان قائمًا بينه وبينهم متمثلاً في شخصيَّة عباس محمود
العقاد (ت1964م) الذي رفض شعر التفعيلة، بينما دافع صلاح عبد الصبور عن شعراء جيله.
رَابِعًا:
تَجَلِيَّاتُ اللَّيلِ فِي الشِّعْرِ العَرَبِيّ:
الليلُ «مَلِيء بالأسرار التي لا تُدرَك، ومثار الأحلام؛ لذا يُولَعُ
الشُّعَرَاءُ بِوَصْفِهِ... إذ تَثُور خواطرهم في هَدْأَةِ الكون، حين تبدوُ
الظُّلُمَات مَشُوبَة بأضواء شاحبة في طريقها إلى الفناء، وهذا الفناء الذى يُزْكِي الشعور بالموت يَفْتَحُ أمامَ الرومانتيكيينَ باب
الأبديَّة؛ لأنهم يعتقدون أنَّ الحقائقَ الكُبْرَى تَتَجَلَّى في ظلمات الأحلام»([20])؛ «فكل منظر هو حالة نفسية» ([21]).
برزت صورة الليل في الشعر الجاهلي، ولعلَّ من أشهر صُوَر اللَّيل قول امرئ
القيس (ت80 ق. هـ)، الذي يصف فيه الليل الطويل بأنه – في عُمْقِه وظَلامِهِ – كموج
البحر: (الطويل)
وَلَيلٍ كَمَوجِ البَحْرِ أَرْخَى سُدُولَهُ |
|
عَلَيَّ بِأَنْــوَاعِ الـهُـمُومِ
لِيَبْتَلِي |
فَقُلْتُ لَهُ لَمَّــا تَمَطَّـى بِجَوزِهِ |
|
وَأَرْدَفَ أَعْجَــازًا وَنَـاءَ بِكَـلْكَلِ |
أَلا أَيُّهَا اللَّيلُ الطَّوِيلُ أَلا انْجَلِـي |
|
بِصُبْحٍ وَمَا الإِصْبَــاحُ فِيكَ بِأَمْثَلِ ([22]) |
يقول الآمدي (ت370هـ): يعود الفضل لامرئ القيس؛ «لأن الذي في
شعره من دقيق المعاني وبديع الوصف ولطيف التشبيه وبديع الحكمة فوق ما في أشعار
سائر الشعراء من الجاهلية والاسلام؛ حَتَّى إِنَّهُ لا تكاد تخلو له قصيدة واحدة
من أن تشتمل من ذلك على نوع أو أنواع، ولولا لطيف المعاني واجتهاد امرئ القيس فيها
وإقباله عليها لما تقدم على غيره، ولكان كسائر شعراء أهل زمانه»([23]).
فليل امرئ
القيس «لِطُولِ
زَمَنهِ، وكثافة ظلمته، وكثرة هُمومه، وشِدّة أهواله، ولمُلازِمة النَّاصِّ له، ولملازِمة الليل للنَّاصّ:
مسافِرًا يتسقَّطُ المجْد، وظاعِنُا يحاول السُّؤُدْدُ، وأرِقًا يتجرّع العِشّق،
وساهِرًا يَحْتَسِي كؤوس الرَّاح، وشاعرًا يلتمس بناتِ الشعر: اندمج في هذا الليل،
واندمج الليل فيه؛ فذاب ما كانَ بينهما من فروق: أحدهما إنسان حيّ عاقلٌ واعٍ،
والآخر زمن مظلم غير عاقل ولا واع؛ فإذا هذا ذاك؛ وإذا ذاك هذا؛ وإذا النَّاصُّ يُلفي سبيلَه على ليله؛ فتَنْزَاح لَهُ الحُجُب،
وتتكشَّفُ له الأسرار، وَيُؤْتَى من هذه الأسرار ما يُتيح له الفهمَ عن الليل؛ بل
يُتيح له ما يجعله يجعل هذا الليلَ يفهم عنه، وَيَعِيَ خطابه، ويستجيب لندائه»([24]).
وكذلك قول النابغة الذبيانيّ (ت18 ق. هـ): (الطويل)
فإنَّكَ
كَاللَّيلِ الذِي هُوَ مُـدْرِكِـي
وَإِنْ خِلْتُ أَنَّ المُنْتَأَى عَنْكَ وَاسِعُ ([25])
يُرِيدُ
الشَّاعِرُ أَنْ يُدَلِّلَ على أن سَطْوَةَ المُنْذِر بن النُّعْمَان قادرة على
الوصول إليه في أيّ مكان يذهب إليه؛ لذا تَمَلَّكَهُ الخَوف، وسيطر عليه الفزع.
يُوقِظُ
الليلُ آلامَ الشاعرِ وهُمُومه، التي يزيدها طُولَ الليلِ، وتكاد صورةُ الليلِ لا
تخرج عن هذا التناوُل - إلا قليلاً كليل سمر الأصدقاء، ومغامرات العاشقينَ - منذ
الشعر الجاهلي، مرورًا بأبي تَمَّام (ت231هـ) والمُتَنَبِّي (ت345هـ)، إلى أحمد شوقيّ (ت1932هـ) وخليل مُطْرَان (ت1949هـ).
واختلف الأمر إلي حد كبير مع الرومانسيين في موقفهم من الليل؛ فالليل – معهم
- ليس صورة للموت، ولكنه مليء بالأسرار؛ فهو كما يقول لامرتين
Lamartine)): «إن من يرى هذا العالم
ليلاً لا أصداء فيه؛ حيث تستروح فيه الأذن بهدوء سحريّ... حيث لا شاهد على وجود
الأشياء سوى النظر، إِنَّ مَنْ يَرَاهُ يَحْسَبُ أنه يتأمل في حُلم، عبر الماضي
شبح عَالمَ فارقته الحياة! غير أن في جذوع الصنوبر ذي الذرا
العريضة التي تنمو سوامقها الضاربة في مهاوي الظلمات،
تسري أنفاس الليل متقطعة من حين لحين، ناشرة في أبعاد الفضاء أصواتًا كالألحان المُوَقَّعة،
وكأن حَفيف هذه الذرا شاهد على أن العالم الناعس لا يزال
ينبض ويحيا»([26]).
لقد ارتبط الليل بتجربة العاشق؛ فالليل زمن الوصال؛ فالعاشق يتجنب لقاء محبوبته أمام الرقباء، ويسعى للقائها بعيدًا من أعينهم، والليلُ
الطويلُ مصدرٌ للهموم؛ ففيه ينفردُ الإنسانُ بنفسه، وتُلِحُّ عليه
ذِكْرَى مَوَاجِعِهِ، فيتمنى قدوم الصباح، وسيَظَلُّ الليلُ صَدِيقَ الشُّعَرَاءِ، الذِي
يُلْهِمَهُمْ أَبْدَعَ القَصَائِد؛ فيبدعوا في وصفه، وإبراز أثره الكبير فيهم،
ودوره الفَعَّال في حياتهم.
والحق أن صورة الليل في شعر صلاح عبد الصبور أكثر عُمْقًا منْ سَابِقِيهِ
العَرَب، إذا نَظَرْنَا إلى هذه المُؤَثِّرَات الغربيَّة التي كونت جُزْءًا كبيرًا
في تجربته الشعريَّة، فضلاً عن اهتمامه بهذه الدالة التعبيريَّة، بصورة لافتة
للنظر؛ فقارئ دواوين الشاعر يجد عناوين قصائده ودواوينه خير شاهد على هذا الهاجس
لديه؛ فنرى عناوين مثل: (رحلة في الليل)، (أُغْنِيَّة الليل)، (ذَلِكَ المَسَاء)،
(أعود إلى ما جرى ذلك المساء)، و(انتظار الليل والنهار)، (شجر الليل)، و(تأملات
ليلية)، و(مساءات)، و(مساءات أخرى)، و(أصوات ليلية للمدينة المتألمة)، و(تقرير
تشكيلي في الليلة الماضية).
وإذا حصرنا مفردات الليل في دواوينه نجدها تتكرر بكثرة لافتة للنظر، نعرضها
على النحو الآتي:
* ديوان (الناس في بلادي):
لفظة (مساء): تكررت 38 مرة.
لفظة (ليل/ ليال): تكررت 22 مرة.
لفظة (ظُلْمَة/ ظلماء/ ظلام): تكررت 11 مرة.
لفظة (الأسحار/السحر): تكررت مرتين.
لفظة (دُجَى): تكررت مَرَّة واحدة.
لفظة (عتمة): تكررت مَرَّة واحدة.
* ديوان (أقول لكم):
لفظة (مساء): تكررت 6 مَرَّات.
لفظة (ليل/ ليال): تكررت 7 مَرَّات.
لفظة (ظُلْمَة/ ظلماء/ ظلام): تكررت 5 مَرَّات.
لفظة (الأسحار/السحر): تكررت مَرَّة وَاحِدَة.
لفظة (دُجَى): تكررت مَرَّة واحدة.
لفظة (عتمة): تكررت مَرَّة واحدة.
* ديوان (أحلام الفارس القديم):
لفظة (مساء): تكررت 11 مَرَّة.
لفظة (ليل/ ليال): تكررت 14 مَرَّة.
لفظة (ظُلْمَة/ ظلماء/ ظلام): تكررت 3 مَرَّات.
لفظة (عتمة): تكررت مَرَّة واحدة.
* ديوان
(تَأَمُّلات فِي زَمَن جَرِيح):
لفظة (مساء): تكررت 13 مَرَّة.
لفظة (ليل/ ليال): تكررت 25 مَرَّة.
لفظة (ظُلْمَة/ ظلماء/ ظلام): تكررت 7 مَرَّات.
لفظة (عتمة): تكررت مَرَّة واحدة.
* ديوان (شَجَر اللِّيل):
لفظة (مساء): تكررت 12 مَرَّة.
لفظة (ليل/ ليال): تكررت 15 مَرَّات.
لفظة (ظُلْمَة/ ظلماء/ ظلام): تكررت 6 مَرَّات.
لفظة (دُجَى): تكررت مَرَّتَينِ.
فضلاً عن هيئات تراكيب ارتبطت بالليل وتكررت بصورة بارزة، يستخدمها الشاعر
عنصرًا ثابتًا يبدأ من خلاله دفقة شعريَّة مَرَّة إِثْرَ مَرَّة، يستحضر عَبْرَ
هذه الدالة اللفظيَّة عوالمه الوجدانيَّة التي تُكَوِّن تجربته في القصيدة، أو في
المجموعة الشعريَّة بأكملها في بعض الأحيان من هذه الهيئات تكرَّرت: (ذات مساء) ([27])، (كل مساء) ([28])،
(ذلك المساء) ([29])؛ مِمَّا يجعل من صورة الليل - على اختلافها في شعره -
دعامةً بارزة، وأُفُقًا يتكون - من خلاله - عالَمه الشعريّ المَخْصُوص، وهو
يُوَضِّح ذلك إجمالاً إذ يقول في قصيدته (أصوات ليليَّة للمدينة المتألمة):
آهٍ،
لَيسَ هُوَ اللَّيلُ،
بَلِ الرَّحم،
القَبْرُ،
الغَابِه
آهٍ،
لَيسَ هُوَ اللَّيلُ،
بَلِ الخَوف الدَّاجِي،
أَنْهَار الوَحْشَةِ
وَالرُّعْبِ المُتَمَدِّد،
وَالأَحْزَانُ البَاطِنَةُ الصَّخَابَه
آهٍ،
لَيسَ هُوَ اللَّيلُ،
بَلِ القَدَر
الرُّؤْيَا الهَولِيَّة،
وَسُقُوط الحَاضِر فِي المُسْتَقْبَل
آهٍ،
لَيسَ هُوَ اللَّيلُ،
بَلِ الجُرْحِ اليَومِي،
يَنِزُّ دَمًا أَسْوَد،
فِي الصُّبْحِ المُقْبِل ([30])
ويتضح في النص السابق أنَّ دلالة الليل قويَّة لدى الشاعر بصورها الكثيرة
التي أوردها في قصيدته التي حاول فيها أن يُعَرِّفَ الليل، ويحاول أن يسبر غوره
رأسًا، وذلك شيء لم يهتم به صلاح عبد الصبور إلاَّ في مواضع مُعَيَّنَة، وعناصر
بارزة في تجربته الشعريَّة على الصعيد الفكريّ والوجدانيّ معًا، منها: (الحبّ)
و(الموت) و(الحُرِّيَّة).
ولذلك فبوسع الناقد لشعر الرجل أن يضيف لهما بُعْدًا رابعًا، أو ظِلاًّ لهم
لا ينفصل عنهم، وهو صورة الليل، وذلك واضح من صُوَره في القصيدة السابقة؛ فهو
(الرَّحِم)، و(القبر) و(الغابة) و(الخوف) و(الوحشة)، وهو (الحُزْن) و(القَدَر)،
وهو الجُرْح النَّفْسِيّ الذي يُرَافِقُهُ طَوَال أَيَّامِهِ.
ونستطيع أن نُفَسِّرَ ما أورده في قصيدته من خلال قراءة مجموعاته الشعريَّة؛
حيثُ اتَّخَذَ الليلَ لديه صُوَرًا شَتَّى.
المَبْحَثُ الأَوَّلُ: اللَّيلُ تَأَمُّلا (هَوَاجِس):
صُوَرة اللَّيل من أكثر الصُّور شيوعًا لدى الشعراء؛ فَمَعْلُومٌ أَنَّ
الظلامَ ومَا يَجْلِبُهُ مِنْ هُدُوء، وسُكُون، ثُمَّ هذه الرهبة التي يبعثها في
نُفُوسِ المَهْمُومِينَ عِشْقًا أو وَحْشةً، أو ألمًا جسديًّا، أو تفكيرًا في
أُمُورِ الحياة عامَّةً، تجعله ميدانًا للتأمل، مَلِيئًا بالهواجس، يقول صلاح عبد
الصبور:
اللَّيلُ يَا صَدِيقَتِي يَنْفُضُنِي بِلا ضَمِير
وَيُطْلِقُ الظُّنُونَ فِي فِرَاشِيَ الصَّغِير
وَيُثْقِلُ الفُؤَادَ بِالسَّوَادْ
وَرِحْلَةِ الضَّيَاعِ فِي بَحْرِ الحِدَاد
فَحِينَ يُقْبِلُ المَسَاءُ، يُقْفِرُ الطَّرِيقُ، وَالظَّلامُ
مِحْنَةُ الغَرِيب
...
أَعُودُ يَا صَدِيقَتِي لِمَنْزِلِي الصَّغِيرْ
وَفِي فِرَاشِيَ الظُّنُونُ، لَمْ تَدَعْ جَفْنِي يَنَام([31])
إنَّ ظلامَ صلاح عبد الصبور هنا على وجهينِ: ظلامٌ مَادِيّ يُمَثِّلُهُ
الليل، وآخر معنويّ يُمَثِّلُهُ خيالاته، وهواجسه، هذا الظلام هو محنة الغريب
(المفكر/ المتأمل) لديه،
ومِنْ أهم أسباب أَرَقِهِ.
استخدم صلاح عبد الصبور اللون الأسود في قصائده، ووَظَّفَهُ بِشَكْلٍ
بَارِز، وهو «انعكاس للحالة النفسيَّة التي يعيشها الإنسان، من خلال ربط الألفاظ
بالزمن: السنوات السوداء، الأيام السوداء، الليالي السوداء... ويكون للون أثره في
تشكيل النص، ويختلط الزمان بالمكان؛ ليخرج لنا دالاًّ على هموم تكاد تحمل لونًا
مُشَابِهًا لليالي السوداء»([32]).
ويُوَضِّحُ عبد الصبور ذلك إذ يقول:
سِنِينَ طِوَالَ، فِي بَطْنِ اللُّجَاجِ، وَظُلْمَةِ
المَنْطِق
وَكُنْتُ إِذَا أَجَنَّ اللَّيلُ، وَاسْتَخْفَى الشَّجِيُّونَا
وَحَنَّ الصَّدْرُ لِلمِرْفَقْ
وَدَاعَبَت الخَيَالاتُ الخَلِيِّينَا
أَلُوذُ بِرُكْنِيَ العَارِي، بِجَنْبِ فَتِيلِيَ المُرْهَقْ([33])
إِنَّ الليلَ يَشْمَلُهُ هُدُوءٌ ظَاهِرِيّ؛ فإذ يَجْتَمِع شَمْل الشاعر/
المتأمل / المفكر بِنَفْسِهِ لا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ وحيدًا أبدًا، وإنما
تُصْهِلُ أَفْرَاس الذكرى، والرغائب، والشهوات.
إنَّ الليلَ عند صلاح عبد الصبور معادلٌ للوحشة، وليست الوحدة كما
يُعَبِّرُ ألبير كامو (Albert Camus)
في مسرحية كاليجولا (Caligula)؛ إذ يقول: "الوحشة... هل
جربتها؟ أية وحشة؟ أنت لا تفرق بين الوحدة والوحشة أبدا، إننا نحمل دائما معنا
جميع أوزار الحاضر والماضي، أولئك الذين قتلناهم، وهذا ليس أفظع الأمور، ونحمل
معنا أيضا من أحببنا ومن كرهنا، من أحبنا وأمنياتنا ومراراتنا، لطفنا وكل ما
ارتكبته الآلهة من آثام... كن وحيدا، إن لدي قدرة كافية على تحمل الوحدانية، لا
على أنها كراهية وجود الآخرين، بل تلك الوحدانية الحقيقية، عندما يصير الهدوء
مراقصا لأشجار...لا يا سيبيون، الوحشة تخترق كل شيء،
صرير الأسنان، كل ما يرن بأصوات وحناجر صامتة، حتى النسوة الملعونات اللواتي
ألاطفهن عندما يخيم الظلام وأسلبهن الشهوات..."
([34]).
إِنَّ ضَجِيجًا يَمْلأُ نَفْسَ الشَّاعِرِ وعقله، ويُجْبِرُهُ على التأمُّل،
واسترجاع الماضي، واسْتِشْرَاف المُسْتَقْبَل، وافتتاحية قصيدة (رؤيا) لصلاح عبد
الصبور تُوَضِّح ذلك:
فِي كُلِّ مَسَاءٍ؛
حَينَ تَدُقُّ السَّاعَةُ نِصْفَ اللَّيلِ،
وَتَذْوِي الأَصْوَات
أَتَدَاخَلُ فِي جِلْدِي، أَتَشَرَّبُ أَنْفَاسِي
وَأُنَادِمُ ظِلِّي فَوْقَ الحَائِطِ
أَتَجَوَّلُ فِي تَارِيخِي، أَتَنَزَّهُ فِي
تَذْكَارَاتِي
أَتَّحِدُ بِجِسْمِي المُتَفَتِّت فِي أَجْزَاءِ اليَومِ
المَيِّت
تَسْتَيقِظُ أَيَّامِي المَدْفُونَة فِي جِسْمِي
المُتَفَتِّت
أَتَشَابَكُ طِفْلاً وَصَبِيًّا وَحَكِيمًا مَحْزُونًا
يَتَآلَفُ ضَحِكِي وَبُكَائِي مِثْلَ قَرَارٍ وَجَوَاب
أَجْدِلُ حَبْلاً مِنْ زَهْوِي وَضِيَاعِي
لأُعَلِّقَهُ فِي سَقْفِ اللَّيلِ الأَزْرَق
أَتَسَلَّقَهُ حَتَّى أَتَمَدَّدَ فِي وَجْهِ قِبَابِ
الُمدُنِ الصَّخْرِيَّة
أَتَعَانَقُ وَالدُّنْيَا فِي مُنْتَصَفِ الَّليلِ([35])
إنها لحظة تأمل، واتحاد وتَفَتُّت معًا، وهي مرحلة لا بُدَّ مِنْهَا
لِكُلِّ شَاعِرٍ مُفَكِّر؛ حَيثُ إِنَّهُ يَكْتَشِفُ لِيَفْهَمَ بِعُمْقٍ، ويَضَعُ
العَالَمَ نُصْبَ عَينَيهِ مُحَاوِلاً التوحيد بينهما، وجعلهما ذاتًا أكثر
شموليَّة، إنه يَعْرِفُ العَالَم مِنْ خِلال ذَاتِهِ، ويَكْتَشِفُ ذَاتَهُ عَبْرَ
تَأَمُّلِهِ لِلعَالَم، ولعلَّ ذلك شَبِيهٌ جِدًّا بافتتاحيَّة أمل دنقل (ت1983م) في قصيدة (يوميات كهل صغير السِّنّ):
أَعْرِفُ أنَّ العالمَ في قلْبي مَات
لَكنِّي حِينَ يَكُفُّ المِذْياعُ وتَنْغَلِق الحُجْرَات:
أنْبِشُ قلْبي، أُخْرِج هذا الجَسدَ الشَّمْعِيّ
وأُسَجِّيه فوْق سَرِيرِ الآلام
أَفْتَح فَمَهُ، أُسْقِيهِ نِبيذَ الرَّغبة
فلَعلَّ شُعاعًا يَنْبِض في الأطْراف البارِدَة
الصُّلْبَة
لَكِن تَتَفتَّتْ بَشْرَتُه فِي كَفِّي
لا يَتَبَقَّى مِنْهُ سِوى جمْجمَةٍ وعِظَام([36])
وأغلب الظنّ أن هذه الافتتاحيَّة كانت في ذهن صلاح عبد الصبور، وهو يكتب
افتتاحيَّة قصيدته، ولا نستبعد كذلك أنَّ كليهما قد تأثَّرَا بافتتاحية ت. س إليوت
في قصيدة (رابسوديا في ليلة عاصفة)؛ إذ يقول:
السَّاعَة الثَّانِيَة عَشْرَة
عَلَى طُولِ امْتِدَادَاتِ الشَّارِع
وَقَدْ قَامَ فِي تَرْكِيبَةٍ قَمَرِيَّة،
يَهْمِسُ رُقَى قَمَرِيَّة
تَذُوبُ أَرَاضِي الذَّاكِرَة
وَكُلّ عِلاقَاتِهَا الوَاضِحَة،
وَتَقْسِيمَاتِهَا وَدَقَائِقِهَا،
إِنَّ كُلَّ مِصْبَاحٍ شَارِع أَمُرُّ بِهِ
يَخْفِقُ مِثْل طَبْلة قَدَرِيَّة
وَمِنْ خِلال فَرَاغَات الظُّلْمَة
يَهُزُّ مُنْتَصَفُ اللَّيلِ الذَّاكِرَة
مِثْلَمَا يَهُزُّ مَجْنُونُ زَهْرَة جِيرَانيوم ميتة
... الذَّاكِرَة تَلْفَظُ عَلَى الشَّاطِئِ
حَشْدًا مِنَ الأَشْيَاءِ المُلْتَوِيَة
غُصْنًا مُلْتَوِيًا عَلَى الشَّاطِئِ
وَقَدْ تَآكَل وَالتَمَعَ
كَأَنَّمَا العَالَمُ قَدْ تَخَلَّى
عَنْ سِرِّ هَيكَلِهِ العَظْمِيّ
مُتَصَلِّبًا أَبْيَض
نَابِض مَكْسُور فِي فنَاء مَصْنَع
صَدَأ يَتَعَلَّق بِالشَّكْلِ الذِي تَرَكَتْهُ القُوَّة
صُلْبًا مُلْتَوِيًا عَلَى أُهْبَةِ الانْقِصَاف ([37])
ولا يهمنا -هنا- ليس بالطبع أيهما تأثَّر بالآخر؟ وإنما التدليلُ على علاقة
الليل بهما، وصورته التي اتخذاها ليكون معادلاً للتأمل، واستنزاف الهواجس، وصوغ
الخيالات، وإعداد الرُّوح لميلاد جديد كذلك عبر اغتراب قد يكون مقصودًا «يبدأ من
الاغتراب عن عالَم النهار وفيه؛ لتتحرك الأنا مُفَارِقَة الآخرين، نَافِرَة مِنَ
الاتِّصَالِ بِهْم، ساعية للانفصال عنهم؛ لتستبدل بحضورها في عالَمهم حضورها في
عالَم بديل يُنَاقِض العالَم الأول، وينطوي على الأقانيم المُفْتَقَدة فيه. وفي
هذا العالم البديل تنطوي الأنا على نفسها، وتخلق بنفسها ولنفسها ما تجد فيه ملاذها،
والارتحالُ من العالَم الأول إلى العالَم الثاني ارتحالٌ في الشعور يستبدل فيه
بالمكان الذي يقتحمه الآخرون، المكان الذي تنفرد فيه الأنا، ويستبدل فيه الزمان
النفسيّ للأنا بالزمان العمليّ للآخرين، والحُلْم
والتَّذَكُّر والاستبطان معاريج تنتقل بها الأنا في هذا الارتحال ما بين الحاضر
والماضي والمستقبل» ([38]).
ويُجَلِّي صلاح عبد الصبور ذلك المعنى؛ إذ يقول:
الحَمْدُ لِنِعْمَتِهِ مَنْ أَعْطَانَا هَذَا اللَّيل
صَمْتُ الأَشْيَاءِ، وَسَادَتِنَا
وَالظُّلْمَة فَوقَ مَنَاكِبِنَا
سِتْرٌ وَغِطَاء
الحَمْدُ لِنِعْمَتِهِ مَنْ أَعْطَانَا الوَحْدَه
لِنَعُودَ إِلَيهَا حِينَ يَمُوتُ اليَومَ الغَارِب
وَنُلِمَّ الأَشْلاء([39])
وإذا كَانَ اللَّيلُ مَيدَانًا لظنون الشاعر وهواجسه؛ فَإِنَّ النَّهَارَ
على الضِّدِّ من ذلك؛ فهو تبديدٌ لهذه الخيالات، والتأملات، نجد ذلك في غير موضع،
يُوجز صلاح عبد الصبور ذلك إذ يقول مُكَمِّلاًّ المقطع السابق:
وَأَبْعَثُ مِنْ قُبُورِهِمُ عِظَامًا نَخِرَةً
وَرُؤُوسْ
لِتَجْلِسَ قُرْبَ مَائِدَتِي، تَبُثُّ حَدِيثَهَا
الصَّيَّاحَ وَالمَهْمُوسْ
وَإِنْ نُثِرَتْ سِهَامُ الفَجْرِ، تَسْتَخْفِي كَمَا الأَوهَامْ([40])
إن خيالات المساء، وذكرياته تتلاشى مع الصباح كأيّ وهم من الأوهام، وأيّ
حُلْم مِنْ أحلام المَسَاء عذبةً كانت أم مُرَّةً.
والصباح لدى صلاح عبد الصبور (يقين)، يقول:
وَذَاتَ صَبَاحْ
رَأَيتُ حَقِيقَةَ الدُّنْيَا
سَمِعْتُ النَّجْمَ وَالأَمْوَاهَ وَالأَزْهَارَ
مُوسِيقَى
رَأَيتُ اللهَ فِي قَلْبِي([41])
وهو لديه كذلك صورة الواقع على خلاف الليل، يقول:
كُلّ صَبَاح، يُفْتَحُ بَابُ الكَونِ الشَّرْقِي
وَتَخْرُجُ مِنْهُ الشَّمْسُ اللَّهَبِيَّه
وَتُذَوِّبُ أَعْضَائِي، ثُمَّ تُجَمِّدُهَا
تُلْقِي نُورًا يَكْشِفُ عُرْيِي
تَتَخَلَّعُ عَنْ عَورَتِي النَّجْمَات
أَتَجَمَّعُ فَأْرًا، أَهْوَى مِنْ عَلْيَائِي،
إِذَا تَنْقَطِعُ حِبَالِي اللَّيلِيَّه
يُلْقِي بِي فِي مَخْزَنِ عَادِيَات
كَي أَتَأَمَّلَ بِعُيُونٍ مُرْتَبَكَه
مِنْ تَحْتِ الأَرْفُفِ أَقْدَامَ المَارةِ فِي
الطُّرُقَات.. ([42])
فضوء النهار - إِذَن - هو اليقظة التي تهوي به من عليائه،
والمُدْيَة الحَادَّة التي تقطع حِبَاله الليلية، ليجد نفسه على أرض الواقع حزينًا
آسِفًا، يقول في قصيدة (الحُزْن)، في ديوان (الناس في بلادي):
يَا
صَاحِبي، إِنِّي حَزِين
طَلَعَ
الصَّباحُ؛ فَمَا ابْتَسَمْتُ، وَلَمْ يَنِرْ وَجْهِي الصَّبَاح
وَخَرَجْتُ
فِي جَوفِ المَدِينَةِ أَطْلُبُ الرِّزْقَ المُتَاح
وَغَمَسْتُ
فِي مَاءِ القَنَاعةِ، خُبْزَ أَيَّامِي الكَفَاف ([43])
فالصباح عنده
يمثل هذه الحياة التافهة، بما فيها من انشغالات بتوافه الأمور من بحث عن فُتَاتِ
العَيش؛ فَهُو بِمَنْزِلَة مُقَدِّمة لأحزان الليل التي سَتُدْرِكُهُ لا مَحَالة،
ولن يستطيعَ الهَرَبَ مِنْهَا.
المَبْحَثُ الثَّانِي: اللَّيلُ حُزْنًا:
إِذَا كَانَ اللَّيلُ عند صلاح عبد الصبور ميدانًا للهواجس والظنون
والأخيلة؛ فهو بالضرورة أرضًا خِصْبَة للمشاعر القاتمة، أو (الأحزان الباطنة
الصَّخَابَة) على حَدِّ تعبيره، بل لَعَلَّ تلك المشاعر القاتمة هي بعض نِتَاج
تأمله الليليّ ذلك، يقول:
وَأَتَى المَسَاءُ
فِي غُرْفَتِي دَلَفَ المَسَاءُ
وَالحُزْنُ يُولَدُ فِي المَسَاءِ؛ لأَنَّهُ حُزْنٌ
ضَرِير
حزنٌ طَوِيلٌ كَالطَّرِيقِ مِنَ الجَحِيمِ إِلَى
الجَحِيم
حُزْنٌ صَمُوتْ ([44])
ويقول كذلك:
يَسْتَيقِظُ الشَّيءُ الحَزِينُ فِي أَوَاخِرِ المَسَاءْ
يَمُورُ فِي الأَطْرَافِ وَالأَعْضَاءْ
وَيُثْقِلُ العَينَينِ وَالنَّبْرَةَ وَالإِيمَاءْ ([45])
فميلاد الحُزْن مرتبطٌ لَدَيهِ عادةً مع مجيء الليل، بِكُلِّ مَا لَدَيهِ
مِنْ سُكُونٍ وتأمُّل، وهي صورة مألوفة تمامًا، وصلاح عبد الصبور يُوَضِّح - بجلاء
- سَبَبَ حُزْنِهِ البَيِّن فِي كِتَابِهِ (حياتي في الشعر)، ويُخْبِرُنَا بِأَنَّ
الكَونَ لا يُعْجِبُهُ، ويُؤَكِّدُ أَنَّهُ يَشْتَرِكُ مَعَ شيللي
في الرؤية؛ فكلاهما يحملانِ على عاتقهما شهوة إصلاح العالَم ([46])،
تلك الشهوة التي كانت بمنزلة جُرْثُومَة الثَّورة، التي هي أساس كل شعر صادق
العاطفة.
فحُزْن صلاح عبد الصبور هو في الأساس حُزْن مُفَكِّر، وتلك صِبْغَة
صَبَغَتْ تَجْرِبَته؛ مِنْ جَرَّاء تأثُّره البالغ بالثقافات الأجنبية، ولا
سِيَّمَا الأوربيَّة منها، وقد بحث غير باحث هذا الشأن، خصوصًا تأثُّره بالشاعر ت.
س. إليوت، الذي اشتهر بهذا اللون، وخصوصًا في قصيدته (الأرض الخراب).
نبَعَ هذا الحُزْن الفَلْسَفِيّ مِنْ رَحِم هَوَاجِس اللَّيل وَوَحْشته،
وزاد من خلاله، ولهذا اقترنت شَكْوَاهُ الحزينة بصورة الليل لديه عادةً، كأن يقول:
حُزْنِي ثَقِيلٌ فَادِحٌ هَذَا المَسَاءْ
كَأَنَّهُ عَذَابُ مُصْفَدِينَ
فِي السَّعِير ([47])
ويقول:
فِي ذَلِكَ المَسَاء
كُنْتُ حَزِينًا مُرْهَقًا فِي ذَلِكَ المَسَاء
لَعَلَّكُمْ لا تَعْرِفُونَ الحُزْنَ يَا سَادَتِي
الفُرْسَان
(وَإِنْ عَرَفْتُمُوهُ؛ فَهُو لَيسَ حُزْنِي)
حُزْنِي لا تُطْفِئُهُ الخَمْرُ وَلا المِيَاه
حُزْنِي لا تَطْرُدُهُ الصَّلاه
قَافِلَةٌ مَوسُوقَة بِالمَوتِ فِي الغِرَار،
وَالأَشْبَاح فِي الجِرَارِ، وَالنَّدَم
عَلَيَّ وَحْدِي أَنْ أَقُودَهَا إِذَا دُعِيَ النَّفِير
نَفِير نِصْف اللَّيل([48])
فصلاح عبد الصبور هنا من خلال قناع (المُغَنِّي الحَزِين)، الذي يُمَثِّلُ
لديه الشاعر المفكر المُتَأَلِّم، يخاطب الفُرْسَان الذينَ يُمَثِّلُونَ لديه
الجانب العمليّ من الحياة؛ حيثُ يصفهم في القصيدة بأنهم الخبراء في الخيل
والطِّعَان، والضِّرَاب والكمائن، والفتح، والتعمير، والتدمير والتحبير والتسطير،
والتفكير والتخريب والتجريب والتدريب والألحان والأوزان والألوان والبناء والغناء
والنساء والشراء والكراء والعلوم والفنون واللغات والسمات، أو كما يختصرهم بوصفهم
هدية السماء للتراب الآدمي([49]).
وهو إذ يصف لهم حُزْنه الذي يزداد في منتصف الليل يُفَسِّرُهُ؛ حتى لا
يختلط مفهومه بمفهوم أحزانهم الصغيرة الساذجة؛ فهو حزنٌ وَلِيد فِكْر مُتَأَمِّل،
حُزْنٌ لَيلِيّ إن جاز التعبير، لا تُطْفِئُ جَذْوَتَهُ الخَمْرُ، ولا المِيَاه،
ولا تَطْرُد هَوَاجِسَهُ الصَّلاةُ، ولا سائر الوسائل التي يتشاغل بها المرءُ عن
مُرَاقَبَةِ نَفْسِهِ.
الحُزْنُ – إذن - صورة من أهم صُوَر الليل عند الشاعر، وهي صورة لا تنفصل
كثيرًا عن صورته الأولى التي أوردناها، بل هي تتمة لها ونتيجة لازمة.
المَبْحَثُ الثَّالِثُ: اللَّيلُ حُبًّا:
من صور الليل المُهِمَّة كذلك، صُورَته المُرْتَبِطَة بِالحُبّ، والهُيام
فيما بين المُحِبِّينَ؛ حيثُ يَكُونُ مَجالاً للتلاقي حينًا، ولاسترجاع اللُّقْيَا
حينًا آخر، تلك الحال التي أبانها قديمًا الإمام ابن حَزْم (ت456هـ)؛ إذ يقول: «السَّهَرُ
مِنْ أَعْرَاض المُحِبِّينَ، وقد أكثر الشعراءُ في وَصْفِهِ، وحَكَوا أَنَّهُم
رُعَاة الكَوَاكِب، وَوَاصِفُو طُولَ اللَّيلِ»
([50]).
ثم يشرع ابن حزم في إيراد الشواهد للتدليل على فكرته، ولكنا هنا لا نحتاج
إلى إيراد الشواهد عليها؛ فَجُلّ الشِّعْر العربيّ قديمه
وحديثه – فضلاً عن الشعر الغربي- يمتلأ بهذه الشواهد.
وهذه الصورة نجدها بشكل واضح، في تجربة صلاح عبد الصبور؛ فإن كان الليل
لديه زمن سكون وتأمُّل وحزن؛ فهو كذلك مجالٌ للحب، وثَمَّة فَرقٌ كبير بين صُوَر
الليل السابقة، وتلك الصورة، كأن يقول:
وَمَشِينَا مَرَّةً فِي اللَّيلِ، وَالوَجْدُ طَلاسِمْ
فَنَشَقْنَا ثَورَةَ العِطْرِ، وَقَبَّلْنَا الكَمَائِمْ
وَشَهِدْنَا فِي انْتِصَافِ اللَّيلِ مِيلادَ
النَّسَائِمْ
وَرَجَعْنَا فِي ثِيَابِ الفَجْرِ، نَبْدُو
كَالتَّوَائِمْ ([51])
إنَّ الليلَ هناك كان قاتمًا، ولكنه هنا على الضدِّ تمامًا، وكأنَّ الحُبَّ
يحيله إلى شخصٍ آخر، ويحيلُ الليلَ إلى ليلٍ آخر مُتوهج الظلمة؛ كُلُّهُ تفاؤل
واستبشار، يقول:
أَوَاحِدَتِي، فِي المَسَاءِ الأَخِير
أَلُوبُ إِلَى غُرْفَتِي
وَيَزْحَمُ نَفْسِي انْبِهَارَ غَرِيبْ
وَأَنْظُرُ يَا فِتْنَتِي لِلسَّمَاءْ
وَمِنْ بَابِهَا الذَّهَبِيِّ الضِّيَاءْ
يُضِيءُ الدُّجَى بِانْهِمَارِ النُّجُومْ
يُنَوِّرُ فِي وَجْنَتَيهَا السَّلامُ...
وَتَصْدَحُ أَجْرَاسُهَا بِالفَرَح
وَأَفْرَحُ يَا فِتْنَتِي بِالحِيَاةِ
بِالأَرْضِ،
بِالمُلْكِ،
المُلْكُ لَكَ([52])
وإذا كانت الوحدة الليليَّة مَدْعَاة للتأمُّل والتألُّم هناك؛ فإنها هنا
تكون لحنًا رقيقًا على إيقاعه يتراقص المُحِبَّانِ، بعيدًا من ضجيج العالَم الذي
يَعْرِفه الشاعر جَيِّدًا، يكون الحُبُّ وقتئذٍ ملاذًا له، يقول:
لَقَدْ صَنَعْتُ مِنْ ضُلُوعِي ذَلِكَ الصُّنْدُوق
أَوتَارُهُ الظَّلامُ وَالخِيَالُ، مُقْلَتَايَ
عَازِفَانْ
وَجِئْتُ بُسْتَانَكِ الصَّغِيرَ، يَا مُلَيكِيَّةَ النِّسَاء
فِي غَبْشَةِ المَسَاء
مِنْ بَعْدِ أَنْ أَنْفَقْتُ يَومِي فِي الغِنَاءِ
لِلصِّحَاب
حَدَّثْتُهُمْ عَنْ لَوعَتِي، يَا جَرْحِي، المُخَضَّلَ،
يَا ذُلِّي،
وَكُلُّهُمْ جَرِيحْ([53])
وعلى هذا فإنَّ الحُبَّ لديه ضَرْبٌ من ضُرُوبِ الحُلْم، يَرْتَبِط بالليل،
ولا يعيش إلا من خلاله، ولا ينمو إلا به، يقول:
هَلْ كَانَ مَا بَينَنَا
حُبًّا... وَعِشْنَاهُ
أَمْ كَانَ حُلْمًا... عِنْدَمَا
أَدْرَكْنَا الصُّبْحُ نَسَينَاه([54])
وإذا كان الليل مجالاً للحُبِّ؛ فالنهار عنده تعريَّة له، أو كشف عن
تجاعيده التي لا تُرى في غبشة الليل المُسْكِر:
فِي يَومٍ كَانَتْ وَرْدَه
تَغْفُو فِي كُمِّ اللَّيلْ
الشَّمْسُ رَعَتْهَا
حَتَّى دَبَّتْ فِيهَا الرُّوح
وَالشَّمْسُ،
الشَّمْسُ أَمَاتَتْهَا
وَقْدًا وَتَبَارِيح ([55])
فالارتباطُ بينَ الحُبِّ والليلِ ارتباطٌ وثيق، ارتباط كائن بحياته، وليس
مجرد ذلك الارتباط الساذج الذى يشيع في التجارب التي لا
تملك عُمقُ تجربة صلاح عبد الصبور الوجوديَّة بكل ما فيها من تأثُّر بالفكر
الغربيّ وفلسفاته المُتَعَدِّدَة.
المَبْحَثُ الرَّابِعُ: اللَّيلُ مَوتا (نِهَاية):
من صُوَرِ الليل الأزليَّة كذاك صورته بوصفه رديفًا للنهايات؛ فالليل في
حَدِّ ذاته نهاية لليوم، كما أن الصباح بداية له، ذلك الرمز الشائع ليس في التجارب
الفنيَّة وحسب، وإنما حتى على ألسنة العوام، هذا المعنى الذي أوجزه في بلاغة
الشاعر أحمد عبد المُعْطِي حجازي؛ إذ قال:
يَا أَصْدِقَاء
لَشَدّ مَا أَخْشَى نِهَايَة الطَّرِيق
وَشَدّ مَا أَخْشَى تَحِيَّة المَسَاء
إِلَى اللِّقَاء
أَلِيمَة إِلَى اللِّقَاءِ وَاصْبَحُوا بِخَير
وَكُلُّ أَلْفَاظِ الوَدَاعِ مَرَّة
وَالمَوتُ مُرّ
وَكُلُّ شَيءٍ يَسْرِقُ الإِنْسَانَ مِنْ إِنْسَان ([56])
قضية الموت في شعر صلاح عبد الصبور محور من محاوره الأساسية، كما هي
محور من محاور الوجود الإنسانيّ والبشريّ؛ فإذا تأملنا نتاجه الشعري كله عبر
الدواوين الستة لوجدنا هذا الحِسّ كثير الإطلال علينا؛ حَتَّى في القصائد التي لا
تتحدث عن الموت، أو التي تموج بإحساس الحياة ([57]).
إنَّ شيئًا في الليل يُنْذِرُ على الدوام بالنهاية، وعلى هذا يتخذُّ صلاح
عبد الصبور من الليل صورة للموت (النهاية الكبرى)، بصورة ملحوظة؛ حَتَّى لا يكاد
يذكر لفظة الموت، إلا ويقرنه بالليل، والأمثلة كثيرة على ذلك، كأن يقول:
وَفِي مَسَاءٍ وَاهِنٍ الأَصْدَاءِ جَاءَهُ عِزْرَيل
يَحْمِلُ بَينَ إِصْبَعَيهِ دَفْتَرًا صَغِير
وَمَدَّ عِزْرَيلٌ عَصَاهْ
بِسِرِّ حَرْفِي (كُنْ)، بِسِرِّ لَفْظِ (كَان) ([58])
ويقول:
وَكَانَتْ خُطَاهُ خُطَى العُنْفُوَانْ
وَفِي عَينِهِ وَمْضَةُ الكِبْرِيَاء
وَفِي لَيلَةٍ عَادَ مِنْ حَقْلِهِ
وَقَدْ قَطَّبَتْ وَجْهَهُ عِلَّتُه
وَمَات ! ([59])
ويقول:
لَكِنَّهُ انْتَفَضَا
ذَاتَ مَسَاءٍ مُظْلِمٍ، وَصَعَّدَا
أَنْفَاسَهُ وَقَضْقَضَا
وَانْشَرَخَتْ قَارُورَةٌ طِلِّسْمُهَا مَا رُصِدَا
وَعَنْ سَرِيرِ أُمِّهِ وَأُخْتِهِ صَعَدَا
إِلَى السَّمَا رَكَضَا
وَأَنْتِ يَا أُمّ تُنَوِّحِينَ سُدى... ([60])
فالموت إذن لديه قرين الليل، لا ينفصل أحدهما عن الآخر، ناعيًا بذلك
المصائر بمنطلق وجوديّ، باعثًا بذلك الشيء كثيرًا من الرهبة، والخشوع إزاء هذا
الكائن الخرافيّ الذي لا ينجو أحدٌ منه، ولا يستكشف أسراره إنسان، إنَّ الليلَ
عنده وقتٌ مُنَاسِبٌ لزيارة هذا الكائن، وهي فكرة رومانتيكيًّة تمامًا، وجوديًّة
تمامًا في الوقت نفسه؛ لذلك لا يجد صلاح عبد الصبور أنسب من هذه الصورة، حين
يَرْثِي نَفْسَهُ؛ إذ يقول:
يُنْبِئُنِي شِتَاءُ هَذَا العَامِ أَنَّنِي أَمُوتُ
وَحْدِي
ذَاتَ شِتَاءٍ مِثْلَهُ، ذَاتَ شِتَاءْ
يُنْبِئُنِي هَذَا المَسَاءُ أَنَّنِي أَمُوتُ وَحْدِي
ذَاتَ مَسَاءٍ مِثْلَهُ، ذَاتَ مَسَاءْ
وَأَنَّ أَعْوَامِي التِي مَضَتْ كَانَتْ هَبَاءْ
وَأَنَّنِي أُقِيمُ فِي العَرَاءْ
يُنْبِئُنِي شِتَاءُ هَذَا العَامِ أَنَّ دَاخِلِي...
مُرْتَجِفٌ بَرْدًا
وَأَنَّ قَلْبِي مَيِّتٌ مُنْذُ الخَرِيف...([61])
إنها الصورة نفسها مع إضافة عنصر آخر لا يَقِلُّ عن عنصر الليل، وهو
(الشتاء)، وهو رمز آخر للنهايات الحزينة لدى الرومانتيكيين؛ «فالليل معبر إلى
اللانهاية، وهذه ناحية صوفية في أدب الرومانتيكيين، وليس الليل الرومانتيكيّ صورة
للموت، خاليًا من كل أمارات الحياة، ولكنه مليء بالأسرار والحركات المُسْتَتِرَة؛
ففيه تطوف الأرواح حول قبورها، وفيه تتحرك أشباح الخيال»
([62]).
وعلى هذا فإنَّ الليلَ عند صلاح عبد الصبور وقت استقبال أرواح موتاه؛ ففي
قصيدة (الشهيد) في أول دواوينه (الناس في بِلادِي) يقول:
يَا عَجَبًا، كُلَّ مَسَاءٍ مَوعِدِي مَعَ المُضَرَّجِ
الشَّهِيد
كَأَنَّ مِنْدِيلَ الشَّفَقْ
دَمُهْ
كَأَنَّ مَدْرَجَ الهِلالِ كَفُّهُ وَمِعْصَمُهُ
كَأَنَّ ظُلْمَةَ المَسَاءِ مِعْطَفُهُ
وَبَدْرَةَ السَّنَا أَزْرَارُ سُتْرَتِهْ
كَأَنَّهُ مُسَافِرٌ عَلَى جَوَادِ اللَّيلِ مَشْرِقًا
وَمَغْرِبَا ([63])
ويقول في قصيدة (زيارة الموتى)، في ديوان (تأملات في زمن جريح):
كَانَتْ أَطْيَافُكُمْ تَأْتِينَا عَبْرَ حُقُولِ
القَمْحِ المُمْتَدَّه
مَا بَينَ تِلالِ القَرْيَةِ حَيثُ يَنَامُ المَوتَى
وَالبَيتِ الوَاطِيء فِي
سَفْحِ الأَجْرَان
كَانَتْ نَسَمَاتُ اللَّيلِ تُعِيركُمْ رِيشًا
سِحْرِيًّا
مَوعِدُكُمْ كُنَّا نَتَرَقَّبُهُ فِي شَوقِ هَدْهَدَهُ
الاطْمِئْنَان
حِينَ الأَصْوَاتُ تَمُوت،
وَيَجْمُدُ ظِلُّ المِصْبَاحِ الزَّيتِي عَلَى
الجُدْرَان ([64])
ومثلما كان النهارُ تبديد للأوهام؛ فإنه كذلك تبديد للأشباح عند الشاعر؛
فإذا كان شرط مجيء الأرواح هو سِتر الليل وسكونه؛ فَإِنَّ ضَوءَ النَّهَارِ
وَصَخَبَهُ طاردًا لهم، يقول في قصيدة (الشهيد):
لَكِنَّمَا دِيكُ الصَّبَاحِ صَاحَ فِي الأُفْق
لِنَفْتَرِق
لا تَلْهُ عَنْ مَوعِدِنَا، إِلَى اللقا([65])
ويقول في القصيدة الأخرى (زيارة الموتى):
حَتَّى يَدْنُو ضُوءُ الفَجْرِ، وَيَعْلُو الدِّيكُ
سُقُوفُ البَلْدَهْ
فَنَقُولُ لَكُمْ فِي صَوتٍ مُخْتَلِجٍ بِالعِرْفَان:
عُودُوا يَا مَوتَانَا
سَنُدْبِرُ فِي مُنْحَنَيَاتِ السَّاعَاتِ هُنيهات
نَلْقَاكُمْ فِيهَا، قَدْ لا تُشْبَعُ جُوعًا، أَو
تُرْوَى ظَمَأ
لَكِنْ لُقَمٌ مِنْ تَذْكَارٍ،
حَتَّى نَلْقَاكُمْ فِي لَيلٍ آت([66])
فالنهار إذن بعث، وحياة جديدة، في مقابل الليل بصُوَرِهِ القائمة، سواء
أكانت حزنًا أم موتًا، وهما صورتانِ متشابهتانِ، مرتبطتانِ.
إِنَّهُ
يَنْظُر إلى الليل في إطار الفَنَاءِ، ضمن إحساسه بالتغيُّر، وحسه الدقيق بالصراع بينه وبين الزمن ([67])، يقول:
ثُمَّ بَلَوتُ الحُزْنَ حِينَمَا يَفِيضُ جَدْوَلاً مِنَ
اللَّهِيبْ
نَمْلأُ مِنْهُ كَأْسَنَا، وَنَحْنُ نَمْضِي فِي
حَدَائِقِ التَّذَكُرَاتْ
ثُمَّ يَمُرُّ لَيلُنَا الكَئِيبْ
وَيُشْرِقُ النَّهَارُ بَاعِثًا مِنَ المَمَاتْ
جُذُورَ فَرْحِنَا الجَدِيبْ
لَكِنَّ هَذَا الحُزْنَ مِسْخٌ غَامِضٌ، مُسْتَوحِشٌ،
غَرِيبْ
فَقُلْ لَهُ يَا رَبُّ، أَنْ يُفَارِقَ الدِّيَارَ
لأَنَّنِي أُرِيدُ أَنْ أَعِيشَ فِي النَّهَارْ ([68])
إن الليل لدى عند صلاح عبد الصبور مرآة لروحه إن جاز التعبير، وهو صديقه أو
بلغته (أخوه، زميل غُرْبَته) ([69])، يقول:
اللَّيلُ سُكْرَنا وَكَأْسُنَا
أَلْفَاظُنَا التِي تُدَارُ فِيهِ نُقْلُنَا وَبَقْلُنَا
اللهُ لا يَحْرِمُنِي اللَّيلَ وَلا مَرَارَتَهُ
وَإِنْ أَتَانِي المَوتُ؛ فَلأمتْ مُحْدِثًا أَو
سَامِعًا
أو فلأمتْ، أَصَابِعِي فِي شَعْرِهَا الجَعْدِ
الثَّقِيلِ الرَّائِحَهْ
فِي رُكْنِيَ اللَّيلِيَّ، فِي المَقْهَى الذِي
تُضِيئُهُ مَصَابِحٌ حَزِينَهْ
حَزِينَةٌ كَحُزْنِ عَينَيهَا اللَّتَينِ تَخْشَيَانِ
النُّورَ فِي النَّهَار
عَينَانِ سَودَاوَانْ
نَضَّاحَتَانِ بِالجَلالِ المُرِّ وَالأَحْزَانْ
مَرَّتْ عَلَيهِمَا تَصَارِيفُ الزَّمَانْ
فشالتا مِنْ كُلِّ يَومٍ أَسْوَدٍ ظِلاًّ... ([70])
وصلاح عبد الصبور حين يذكر الموت مقترنًا بالنهار؛ فَهُو يُحَمِّلُهُ
دلالات أخرى غير التي حَمَلَهَا هُنَاك، يقول في قصيدة (موت فلاح):
لَكِنَّهُ، وَالمَوتُ مَقْدُورُ،
قَضَى ظَهِيرَةَ النَّهَارِ، وَالتُّرَابُ فِي يَدِهِ
وَالمَاءُ يَجْرِي بَينَ أَقْدَامِهْ
وَعِنْدَمَا جَاءَ مَلاكُ المَوتِ يَدْعُوهُ
لَوَّنَ بِالدَّهْشَةِ عَينًا وَفَمَا
وَاسْتَغْفَرَ اللهَ
ثُمَّ ارْتَمَى...
وَالفَأْسُ وَالدُّرَّةُ فِي جَانِبِهِ تَكَوَّمَا
وَجَاءَ أَهْلُهُ، وَأَسْبَلُوا جُفُونَهْ
وَكَفَّنُوا جُثْمَانَهُ، وَقَبَّلُوا جَبِينَهْ
وَغَيَّبُوهُ فِي التُّرَابِ، فِي مُنْخَفَضِ الرِّمَال
وَحَدَّقُوا إِلَى الحُقُولِ فِي سَكِينَه
وَأَرْسَلُوا تَنْهِيدَةً قَصِيرَةً... قَصِيرَهْ
ثُمَّ مَضَوا لِرِحْلَةٍ يَخُوضُهَا بِقَرْيَتِي الصَّغِيرَه
مِنْ أَوَّلِ الدَّهْرِ، الرِّجَالْ
مِنْ أَوَّلِ الزَّمَانِ...
حَتَّى المَوتِ فِي الظَّهِيرَه...
([71])
فالسياق هنا مختلف؛ فالشاعر إنما يصفُ موتًا آخر -إن جاز التعبير- موتًا
(في الظهيرة) لفلاح مشغول -كُلّ الانْشِغَال- عن مراقبة الليل، وهواجسه، إِنَّ
كُلَّ ذلك لِشَخْصٍ يُصَارِعُ للبقاء، وللقمة العيش، إنه مَوتٌ مَمْزُوج بِالعَرَق،
وهو موت مكرور، مُعْتاد عليه، مَقْبُول دُون ضَجَّة؛ لأنه متوقع، وبهذا لم يستحقْ
-كما رأى الشاعر- كثيرًا من التمعُّن، فقط تنهيدة قصيرة، ثُمَّ المُضِيّ في الحياة
من جديد، وتلك صورة للموت تختلف تمامًا عن صورته الليليَّة.
هكذا جاء الليل مع صلاح عبد الصبور مختلفًا عن ليل الآخرين من شعراء
العربية؛ لارتباطه بروافد غربية سبق التنويه بها.
الخاتمة:
لقد كان الليلُ بصُوَرِهِ العديدة عنصرًا بارزًا فِي تجربة صلاح عبد الصبور،
كَوَّنَ مِنْ خلاله بُعْدًا رَابِعًا إلى جانب (الحب)، و(الموت)، و(الحرية)،
بُعْدًا شَرِيكًا لكل هذه الموضوعات في الوقت نفسه، فلم تنفصل نزعته للتحرر، لا
سيما على الصعيد النفسي عن صورة الليل، كما لم تنفصل صورة الليل عن الحب، والموت،
مشكلاً منها مجالاً، وأُفُقًا تدور فيه عناصر تجربته الغَنِيَّة.
والحقُّ أَنَّ صُورَةَ الليلِ في شعر صلاح عبد الصبور أكثر عُمْقًا منْ
سَابِقِيهِ العَرَب، إذا نَظَرْنَا إلى هذه المُؤَثِّرَات الغربيَّة التي كونت
جُزْءًا كبيرًا في تجربته الشعريَّة، فضلاً عن اهتمامه بهذه الدالة التعبيريَّة،
بصورة لافتة للنظر؛ فقارئ دواوينه يجد عناوين قصائده ودواوينه خير شاهد على هذا
الهاجس لديه؛ فنرى عناوين مثل: (رحلة في الليل)، (أُغْنِيَّة الليل)، (ذَلِكَ
المَسَاء)، (أعود إلى ما جرى ذلك المساء)، و(انتظار الليل والنهار)، (شجر الليل)،
و(تأملات ليلية)، و(مساءات)، و(مساءات أخرى)، و(أصوات ليلية للمدينة المتألمة)،
و(تقرير تشكيلي في الليلة الماضية).
وقد أثبت
البحث أن صورة الليل تدل على عُمْق الألم والحزن والظلام، وعلى الخوف من المجهول،
الذي يصبغ كل شيء بلون السواد، وعلى الإحساس بالمرارة والهزيمة.
إن الليل لدى عند صلاح عبد الصبور مرآة لروحه إن جاز التعبير، وهو صديقه أو
بلغته (أخوه، زميل غربته)، يعيش من خلاله أفراحه وأحزانه، ويُقَلِّبُ على ضوئه
دفاتر حُبِّهِ، وفيه يرتجى أن تكون نهايته.
إِذَا كَانَ اللَّيلُ عند صلاح عبد الصبور ميدانًا للهواجس والظنون
والأخيلة؛ فهو بالضرورة أرضًا خِصْبَة للمشاعر القاتمة، أو (الأحزان الباطنة
الصَّخَابَة) على حَدِّ تعبيره، بل لَعَلَّ تلك المشاعر القاتمة هي بعض نِتَاج
تأمله الليلي، وكذلك من صُور الليل المُهِمَّة كذلك، صُورَته المُرْتَبِطَة
بِالحُبّ والهُيام فيما بين المُحِبِّينَ؛ حيثُ يَكُونُ مَجالاً للتلاقي حينًا،
ولاسترجاع اللُّقْيَا حينًا آخر، ومن صُوَرِ الليل الأزليَّة، كذاك صورته بوصفه
رديفًا للنهايات؛ فالليل في حَدِّ ذاته نهاية لليوم، كما أن الصباح بداية له، ذلك
الرمز الشائع ليس في التجارب الفنيَّة وحسب، وإنما على أَلْسِنَة العوام أيضًا.
المصادر والمراجِع
تاريخ الأدب الأندلسي؛ عصر الطوائف والمرابطين، إحسان عباس،
دار الثقافة، بيروت، ط 5،
١٩٧٨م.
حياتي في
الشعر،
صلاح عبد الصبور، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1995م.
ديوان أحمد عبد
المعطى حجازي، أحمد عبد المعطى حجازي، دار
العودة، بيروت، ط 3، 1982م.
ديوان النابغة
الذبياني،
النَّابِغَة الذُّبْيَانِيّ، أبَوُ أُمَامَة زِيَاد بْن
مُعَاوِيَة (ت18 ق. هـ)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، سلسلة ذخائر العرب (52)،
دار المعارف، القاهرة، ط1، 1977م.
ديوان امْرِئ
القَيس،
امْرُؤ القَيسِ بن حُجْر بن الحَارِث بن عَمْرو بن
الكِنَديّ (ت80 ق. هـ)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، ذخائر العرب
(24)، دار
المعارف، القاهرة، ط3، 1969م.
ديوان أمل دنقل، الأعمال الكاملة، أمل دنقل، مكتبة مدبولي،
القاهرة، د. ت.
ديوان صلاح عبد
الصبور، صلاح عبد
الصبور، دار العودة، بيروت، ط1،
1972م.
الرومانتيكية، محمد غنيمى هلال نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة،
د.ت،
الرومانتيكيَّة، هارلد م مارش مقال ضمن كتاب (مختارات ضمن الشعر الرومانتيكيّ
الإنجليزيّ)، ترجمة عبد الوهاب المسيريّ، محمد على زيد، المؤسسة العربية للدراسات
والنشر، بيروت، ط 1، 1979م.
رُؤى العالَم؛
عن تأسيس الحداثة العربيَّة في الشعر، جابر عصفور،
الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط2، 2011م.
رؤيا حكيم
محزون؛ قراءات في شعر صلاح عبد الصبور، جابر عصفور،
كتاب دبي الثقافية، الإصدار (145)، دار الصدى، دبي، ط1، مارس 2016م.
شعر الطبيعة
في الأدب العربي، سيد نوفل، مطبعة مصر، القاهرة، 1945م.
طوق الحمامة في
الألفة والألاف، ابن حَزْم الأَنْدَلُسِيّ، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد
(ت456هـ)، مكتبة عرفة، دمشق، 1349 هـ - 1931م.
على مشارف
الخمسين،
صلاح عبد الصبور، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1983م.
الفن والحياة، ثروت عكاشة،
دار الشروق، القاهرة، ط1، 2002م.
في النقد الأدبي، شوقي ضيف، مكتبة
الدراسات الأدبية (26)، دار المعارف، القاهرة، ط9، 2004م.
قصائد ت. س.
إليوت،
ت. س إليوت، ترجمة ماهر شفيق، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب،
القاهرة، 2013م.
كاليجولا، ألبير كامو، ترجمة
يوسف إبراهيم الجهماني، حوران للنشر، سورية، دمشق، د.
ت.
لم توجد حريته في المُطْلَق؛ إطلالة في شعر صلاح عبد
الصبور، أحمد كمال زكي مجلة فصول، بعنوان (الأدب والحرية، ج1)، الهيئة المصرية
العامة للكتاب، القاهرة، المجلد الحادي عشر، العدد الأول، ربيع 1992م.
اللون ودلالته في الشعر؛ الشعر الأردنيّ نموذجًا، ظاهر محمد هراع الزواهرة، دار الحامد، عما ن، ط1، 2008م.
المجمل في فلسفة الفن، بندتو كروتشه، ترجمة سامي الدروبي، القاهرة، ١٩٤٧م.
المذاهب
الأدبية؛ من الكلاسيكية إلى العبثية، نبيل راغب، المكتبة الثقافية
(343)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1977م.
المسرح الشعري
عند صلاح عبد الصبور، نعيمة مراد محمد، الهيئة المصرية
العامة للكتاب، القاهرة، ط1، 1990م.
مفهوم الشعر؛
دراسة في التراث النقدي، جابر عصفور، الهيئة المصرية العامة
للكتاب، القاهرة، ط5، 1995م.
مقدمات جمالية، جمال المرزوقى، وعصام عبد الله دار الاتحاد العربي للطباعة والنشر
والتوزيع، القاهرة، ط1، 2002م.
الموازنة بين شعر
أبي تمام وَالبحتريّ، الآمِدِي، أَبُو القَاسِم الحَسَن
بْن بِشْر بن يحيى (ت370هـ)، تحقيق السيد أحمد صقر، ذخائر العرب (25)، دار
المعارف، القاهرة، ط2، 1392هـ- 1972م.
المُؤَثِّرَات
الأجنبيَّة في مسرح صلاح عبد الصبور، مراد حسن
عباس، سلسلة آماد (1)، إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي، الهيئة العامة لقصور
الثقافة، الإسكندرية، د. ت.
النابغة
الذبياني؛ مع دراسة للقصيدة العربيَّة في الجاهلية، محمد زكي
العشماوي، دار الشروق، القاهرة، ط5، 1994م.
هاجس الموت في
شعر صلاح عبد الصبور، متقدم الجابري، جامعة قاصدي مرباح، ورقلة، مجلة الأثر، العدد (10)، مارس 2011م.
Kaynakça / References
Alfanu Walhayatu, Tharwat Eukaashata, dar
alshuruqi, Alqahira, ta1,
2002m.
Allawn Wadalalatuh fi Alshir; Alshir Alordny Namwdhjan, Zahir Muhamad Hirae Alzawahirati,
dar alhamidi, Amman, ta1,
2008m.
Almadhahib
Al'adabiatu; Min Alkilasikiat 'Iilaa Aleabathiati, Nabil
Raghib, almaktabat althaqafia
(343), alhayyat almisriat aleamat lilkitabi, Alqahira, 1977m.
Almasrah
Alshieri Eind Salah Abd Alsabur, Naeimat Murad Muhamad, alhayyat almisriat aleamat lilkitabi, Alqahira, ta1, 1990m.
Almuaththirat
Alajnbya fi Masrah Salah
Abd Alsabur, Murad Hasan Abaas, silsilat amad (1), 'iiqlim gharb wawasat
aldilta althaqafii, alhayyat aleamat liqusur althaqafati, Al'iskandaria.
Almuazanat Bayn Shir Abi Tammam wal-Bohtory, Alamidi, 'Abu Alqasim
Alhasan bn Bishr bin Yahyaa (t370h), tahqiq Alsayid Ahmad Saqa, dhakhayir alearab (25), dar almaearifi, alqahirati, ta2, 1392hi- 1972m.
Alnaabigha Aldhibyani; Mae Dirasat Lilqasidat Alerbyat fi Aljahiliati, Muhamad Zaki Aleashmawi, dar alshuruqi, Alqahira, ta5, 1994m.
Alruwmantikiati, Muhamad Ghunimi Hilal, nahdat misr liltibaeat walnashr waltawzie, Alqahira.
Diwan 'Ahmad Abd Almuti Hijazi, Ahmad Abd Almuti
Hijazi, dar aleawdati, bayrut,
t 3, 1982m.
Diwan Alnaabighat Aldhibyanii, Alnnabighat Aldhdhubyani,
Abaw 'Umamat Ziad bn Mueawia
(t18 q. ha), tahqiq Muhamad 'Abu Alfadl
Ibrahim, silsilat dhakhayir
alearab (52), dar almaearifi, Alqahira, ta1, 1977m.
Diwan Amal Donkol, al'aemal
alkamilati, Amal Donkol, maktabat madbuli, Alqahirata, du. t. ealaa masharif alkhamsina, salah eabd alsabur,
dar alshuruqi, alqahirati,
ta1, 1983m.
Diwan Imri`lKays,
ibn Hujr bn Alharith bin Eamrw bn Alkindy (t80 q. ha), tahqiq Muhamad Abu Alfadl Ibrahim, dhakhayir alearab (24), dar almaearifi, Alqahira, ta3, 1969m.
Diwan Salah
Abd Alsabur, Salah Abd alsabur, dar aleawdati,
bayrut, ta1, 1972m.
Fi Alnaqd Al'adbi, Shawqi Dayf, maktabat aldirasat al'adabia (26), dar almaearifi, Alqahira, ta9, 2004m.
Hayaati fi alshir, Salah Abd Alsabur, maktabat
al'usrati, alhayyat almisriat aleamat lilkitabi, Alqahira, 1995m.
Mafhum Alshiir;
Dirasat fi Alturath Alnaqdii, Jabir Eusfur, alhayyat almisriat aleamat lilkitabi, Alqahira, ta5, 1995m.
Muqadimat
Jamaliatun, Jamal Almarzuqii, Waeisam
Abd Allah dar aliatihad alearabii liltibaeat walnashr waltawzie, Alqahira, ta1, 2002m.
Qasayid
Ti. Si. 'Iilyut, Ti. S 'Iilyut,
tarjamat Mahir Shafiq, maktabat
al'usrati, alhayyat almisriat aleamat lilkitabi, Alqahira, 2013m.
Rua Alealam; Ean Tasis Alhadathat Alerbyat fi Alshiir, Jabir easfur, alhayyat
almisriat aleamat lilkitabi, Alqahira, ta2, 2011m.
Ruya Hakim Mahzun; Qira'at
fi Shir Salah Abd Alsabur, Jabir Asfur, kitab dubay althaqafiati, al'iisdar (145), dar alsadaa, dubai,
ta1, maris 2016m.
Shir Altabieat fi Al'adab
Alearabii, Sayid Nufl, matbaeat masri, Alqahira, 1945m.
Tarikh Al'adab Al'andalsi; Easr Altawayif Walmurabitina,
Ihsan Eabaas, dar althaqafati, Bayrut, t 5, 1978m.
Tawq Alhamama fil'ulfati Walolaf, Ibn Hazm Al'andalusi, 'Abu Muhamad Ealiin bn 'Ahmad bn Saeid (t456ha), maktabat earfata, dimashqa, 1349 hi -
1931m.