صورة الشرق في السينما العالمية المعاصرة؛ فيلم "علاء الدين" (2019) أنموذجا

سمية فقير

جامعة البليدة 2، علي لونيسي، الجزائر

البريد الإلكتروني

 es.fekir@univ-blida2.dz

معرف (أوركيد)

  0000-0002-1534-0687

 

د. رجاء مستور

جامعة البليدة 2، علي لونيسي، الجزائر

البريد الإلكتروني

 r.mestour@univ-blida2.dz

معرف (أوركيد)

  0000-0003-2466-4410 

 

 

                  

 

 

                                                                

 

 

بحث أصيل

الاستلام: 9-2-2022

القبول: 29-4-2022

النشر: 30-4-2022

 

                                                                         

 

الملخص:

تعددت صور العرب والمسلمين في الإنتاجات الاستشراقية باختلاف أنواعها، خاصة الإنتاج السنيمائي العالمي، باعتبار صورة الشرق أنسب عرض لثنائية الشرق والغرب، وتنميط الشرق كآخَر مختلف وأقل قيمة من الغرب، وهذا يؤدي بالضرورة إلى مصادرة ملكية الشرقي باستلاب أهم ما يملك: الهوية، ويظهر لنا هذا من خلال النموذج المسلط عليه الضوء في هذه الدراسة وهو فيلم "علاء الدين" من إنتاج شركة ديزني العالمية، التي حاوَلَتْ من خلاله تعديلَ الصورة النمطية القديمة للشرق جاهدة لإخفاء محاولات تغيير الهوية تحت ستار من العجائبية والسحر المذهل بدلا من الصورة الإرهابية العنيفة؛ فكلا الصورتين محاولة كبيرة لتغيير هوية الشرق التي تتنافى مع الصورة المقدمة له في هذا الفن، وهذا بالطبع سيفقده حق ملكيته للأمور التي يمتلكها في الواقع بسبب أنها مغلوطة ومزيفة أمام الجمهور، ومع ذلك بقي الأمر محل جدل عمّا إذا كان هذا الأمر مقصودا أم أنه متأصّل في الفكر الاستشراقي لدرجة لا يمكن إخفاؤها.

الكلمات المفتاحية:

صورة الشرق، الاستلاب، الاستشراق، السينما، علاء الدين، الهوية.

 

للاستشهاد/ Atif İçin / For Citation : مستور، رجاء؛ فقير، سمية (2022). صورة الشرق في السينما العالمية المعاصرة؛ فيلم "علاء الدين" (2019) أنموذجا. ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها. مج3، ع5، 106- 127https://www.daadjournal.com/ //.

The Image of the East in Contemporary World Cinema

-"Aladdin" the movie (2019) as a model-

 

Dr. Radja Mestour

Assistant Professor, University Blida 02 –Ali Lounici, Algeria

E-mail:  r.mestour@univ-blida2.dz

 Orcid ID: 0000-0003-2466-4410

 

Soumia Fekır

PHD Student, University Blida 02 –Ali Lounici-, Algeria

E-mail:  es.fekir@univ-blida2.dz

 Orcid ID: 0000-0002-1534-0687

 

Published: 30.04.2022

Accepted: 29.04.2022

Received: 09.02.2022

Research Article

Abstract:

There are many images of Arabs and Muslims in Orientalist productions of various kinds, especially the cinema -American in particular. Considering the image of the East as the right place to present the duality of East and West, and the stereotyping of the East as the different and less valuable “Other” than the West. This latter’s desire to change the East necessarily leads to the confiscation of the property of the Easterner by changing its most important possession, which is identity. This alienation - whether apparent or hidden - is a form of negative Orientalism that insists that the eastern is in need modification it in order to reach western civilization. This is clear through the study model, the Disney "Aladdin" (2019), which tried to change the old East image under the guise of miraculous and amazing magic instead of the violent terrorism. Both images attempt to change the Eastern identity, which will cost it the right of its own properties that are supposed to be fake in front of the audience. Nevertheless, the matter remained a debate whether this was intended or not in Orientalism to such an extent that it cannot be hidden.

Keywords:

 Image of the East, Alienation, Orientalism, Cinema, Alladin, Identity.

Modern Uluslararası Sinemada Doğu İmajı

- Alaaddin Filmi (2019) Örneği-

 

Dr. Öğr. Üyesi Radja Mestour

Blida 02 –Ali Lounici-Üniversitesi, Cezayir

E-Posta: r.mestour@univ-blida2.dz

 Orcid ID: 0000-0003-2466-4410

Soumia Fekır

lisansüstü Araştırmacı, Blida 02 –Ali Lounici-Üniversitesi, Cezayir

E-Posta: es.fekir@univ-blida2.dz

 Orcid ID: 0000-0002-1534-0687

yayın : 30.04.2022

Kabul: 29.04.2022

Geliş: 09.02.2022

Araştırma Makalesi

 

Özet:

 

Oryantalist yapımlarda farklı Arap ve Müslüman imajları vardır. Özellikle küresel film üretimindeki Doğu tasviri, Doğu ve Batı ikiliğinin, Doğu’nun ötekileştirilmesinin ve Batı’dan daha düşük değerde olduğunun en uygun göstergesidir. Bu, Doğu'nun sahip olduğu şeylerin en önemlisini yani kimliğini gasp ederek, Doğu'nun mallarına zorunlu olarak el konulmasına yol açar. Çalışmada, dünyaca ünlü Disney şirketinin yapımı olan “Alaaddin” filmi model gösterilerek, bu durum vurgulanmıştır. Bu filmde Doğu'nun eski ötekileştirilmiş tasviri değiştirilmeye çalışılmıştır. Doğu’nun kimliğini değiştirme girişimlerini, şiddetli terörist imajı yerine mûcizevi ve şaşırtıcı sihir kisvesi altında saklamaya çalışmışlardır. Her iki imge de bu sanatta kendisine sunulan tasvirle çelişen Doğu'nun kimliğini değiştirmeye yönelik büyük bir girişimdir. Bu elbette, halkın önünde sahte gibi gösterildiği için gerçekte sahip olduğu şeyler üzerindeki mülkiyet hakkını kaybetmesine neden olacaktır. Ancak bunun kasıtlı mı yapıldığı yoksa gizlenemeyecek kadar Oryantalist düşünceye sahip olmalarına mı dayalı olduğu tartışma konusu olmaya devam edecektir.

Anahtar Kelimeler:

 Doğu İmgesi, Yağmalama, Oryantalizm, Sinema, Alaaddin, Kimlik.


تقديم:

استعمل الغرب عدة طرق لاستلاب الهوية العربية في سبيل مصادرة ملكيتها، ومن بين هذه الطرق الإنتاج الاستشراقي البصري باختلاف أنواعه: السينما، التلفزيون، الدعاية... الذي يسعى إلى تحويل الرأي العالمي حسب ما يخدم مصالحه، فالذي يطالع المنجز الاستشراقي في المقام الأول هو الغربي الذي يريد الاطلاع على الحياة العربية من خلال زاوية رؤية المستشرق الذي رآها وعايشها بشكل كاف يخوّله نقل صورها، ويحمل في الوقت ذاته هوية القارئ الذي سيثق به بمجرد معرفته بأنه من نفس جنسه ولغته، أما العربي فلن يحتاج بطبيعة الحال أن يقرأ عن عالمه الذي يعيش فيه ويعايش أحداثه من خلال شخص يمكن أن نطلق عليه اسم "الغريب" بالنسبة لوطنه الأم، وبالتالي تغيير الصورة المنقولة حسب وجهة نظر المستشرق لن يكون أمرا صعبا خاصة إذا تكرّرت، وستحل مع مرور الوقت محل الصورة الأصلية.

وبحديثنا عن صور الإنتاج الاستشراقي ودورها في تقديم رؤية عن الحياة العربية فإن أكثر الإنتاجات الاستشراقية انتشارا ورسوخا وتأثيرا على المستقبِل السينما، لأن الصورة المرئية تعلق بالذهن أكثر من غيرها، ومع تطور طرائق التصوير والتمثيل والإخراج والمؤثرات الصوتية والبصرية وغيرها صار التأثير أكبر وأوضح وأكثر شمولية، وبهذا صارت الأفلام والمسلسلات أحد أهم الوسائط الناقلة للأفكار العالم بوسعه، وهذا سبب اختيارنا مجال السينما وذلك من أجل توضيح أثر الاستشراق في استلاب الهوية العربية عن طريق الصورة المقدّمة للعالم عن الشرق –أو العرب كافة-بطريقة (مغلوطة) نمطيّة مُعَمّمة؛ لنطرح تساؤلا نحاول استقصاء إجابته من خلال هذا المقال: كيف استطاعت السينما الاستشراقية استلاب الهوية العربية ومصادرة ملكيتها من خلال أفلامها المقدمة للعالم؟


 

1-  الهوية العربية.. استلاب أم استسلام:

أ‌. مفهوم الهوية (Identity):

بالإمكان القول إن الهويّة أهم فطرة في الإنسان؛ فهو بمجرد وعيه بما يحيط به يبدأ بصناعتها من خلال اختياراته وتفضيلاته، لكن المفهوم الأعمق لها ليس مجرد اختيارات الإنسان –بالرغم من أنها جزء منها-بل هي أيضا ما يصنع كيانه من عناصر مجتمعه ومحيطه، فـــ"مفهوم الهويّة قد تناولها الكتّاب والباحثون بصور مختلفة ووفق اتجاهات متباينة" (الباليساني، 1971، ص 3) ولهذا نجد اختلافات شتى في تعريفها بالرغم من أنها "ينبغي أن تعبّر عن جواهر ثابتة وحقائق دائمة وأمور مكوّنة" (الباليساني، 1971، ص 3)، فمهما تغيّر الشكل الخارجي للهوية فإن لبّها الداخلي يبقى قائما على المبادئ ذاتها، تنساب بليونة مع تغيرات العصور لكنها تحافظ على ما أبقاها حية خلالها، ومع ذلك يبقى البحث في مفهوما أمرا غائرا في الغموض والتقلبات التي لا يمكن الغوص فيها دون الدخول في متاهات عديدة، ولهذا فضلنا التطرق إلى مفهوم الهوية بشقيه اللغوي والاصطلاحي بشكل عامّ يجنّبنا الإطالة المخلّة بهذا المقام؛ فمفهوم الهوية واسع فضفاض صعب الإحاطة بكل جوانبه في مقام قصير.

الهوية لغة: إن العجيب في أمر تعريف الهوية اللغوي أنه لا يوجد لهذا المصطلح تعريف بمعناه السائد حاليا (أي الإجابة عن سؤال الكينونة أو التعريف بالشخص) في أي من المعاجم والقواميس العربية الأولى، ونأخذ مثالا من "لسان العرب" حيث نجد تعريف الهوية كما يلي: "قال: هُوَيّةٌ تصغير هُوّة، وقيل الهَوِيّة بئر، والهَوِيُّ أو الهُوِيُّ من الليل أي هزيع منه وهو أيضا السريع إلى فوق، والهَوِيَّة ج هَوَايَا: البئر البعيدة القعر" (منظور، د.ت، ص 4727).

الهوية اصطلاحا: وضع الجرجاني في معجم التعريفات تعريفا للمصطلح قائلا: "الهوية: الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النّواة على الشجرة في الغيب المطلق" (الجرجاني، د.ت، ص 216)، وهو تعريف يبين كيف أن الهوية تبدأ من الداخل متفرعة للخارج كما الشجرة التي مهما تمّ تشذيبها وتهذيب غصونها إلا أن بذرتها لم تتغير، ولذا فالهوية كما يقول عبد الوهاب المسيري "ليست مجرد فولكلور، ولكنها الرؤية الفلسفية للإنسان" (السويدان، 2018، ص 65)، كما أنها مجموعة من الصفات والمبادئ والقيم والأسس التي تتميز عن غيرها من الهويات، وتلك هي عناصر الهوية التي قد تختلف من فرد لآخر ومن مجموعة لأخرى، أهمها العرق واللغة والوطن والتاريخ والدين، لننتهي إلى التعريف الأبسط الذي يقدمه طارق السويدان عن الهوية أنها: "السِّمات أو القيم التي تميّز الفرد أو الجماعة، وتصبغ السلوك"، (الجرجاني، د.ت، ص 64)

ب‌.    الهوية الثابتة والمتجددة:

يقال إن العود الصلب إن أردت تقويمه انكسر، والأمر ذاته ينطبق على الهوية؛ فالثبات في مسألة الهوية أمر فاصل لا جدال فيه، لكن الثبات يختلف عن الجمود لأن الأوّل يضمن الاستمرارية والثاني يعرّضها للصدأ تماما كالمحرك الذي لا يشتغل لمدة طويلة فيتوقف عن العمل لكن إن اشتغل وبقي محافظا على ثباته فإنه ينجو لفترة أطول، ويبدو أن الهوية العربية قد وقعت في صراع بين المصطلحين أثناء محاولة الحفاظ على هويتها لدرجة أن هنالك من أسمى ذلك عطبا؛ أي "العطب الذي أصاب ويصيب الهوية الثقافية في العالم العربي والإسلامي، هذا العطب يتمثّل أساسا في صورة التناقض والصراع بين الموروث والوافد، بين ما يسمى اليوم الأصالة والمعاصرة" (بن سماعين، 2018، ص 279)، وفي هذا الصراع طرفان، أحدهما يدعو للتمسك بالمجد التاريخي والموروث الماضي وغلق دائرة التواصل مع ما يمكن أن يمحو أو يغير هذا، والآخر يدعو للانفتاح على ثقافة الآخر تاركين الماضي خلفنا؛ فالأول يتسبب بالجمود والثاني قد يؤدي إلى الاضمحلال الواعي داخل هوية أخرى، بينما الأنسب في هذه الحالة هو الاتكاء على الماضي والموروث للتقدّم نحو الحضارة الحديثة والتجديد، فتُخلَق بذلك هويّة ثابتة غير جامدة ولا مُستَلَبة.


 

2. مفهوم الاستلاب (Alienation):

يسعى كل إنسان على وجه المعمورة لإثبات ذاته والحصول على هويته التي تميزه وتمنحه حقوقا وامتيازات، وتمكنه من امتلاك ما يحتاجه كالاسم والأرض؛ فالهوية صفة فطرية أوجدها الله في كل مخلوقاته، وقد حارب الإنسان بطرق عديدة للحصول على هويته أو لاستعادتها أو لحمايتها، وفي خضم هذه الحرب –باختلاف أشكالها وأنواعها-هنالك من قام في الجانب الآخر بانتزاع هويات الآخرين أو طمسها أو تغييرها، إما حمايةً لهويته وحفاظا عليها، أو محاولةً لبسط الهيمنة من خلال فرض كيانه كهوية موحدة، وهذا ما نجد الغرب يقوم به حاليا تحت مسمى العولمة والعقلانية لجعل العالم كله تحت جناح فكري وثقافي واحد يصبّ كله في القالب الغربي وينتهي به الأمر في خدمة مصالحه، و"تُنَظِّر العقلانية الغربية بعمق لحوار الثقافات، لإزاحة ما يبدو من تناقض أو تضادّ بين الكونية والخصوصية، وتؤسس فعلاً لثقافة كونية تتلاءم حقا مع ما تفرضه العولمة، ثقافة ينخرط فيها الفرد في أي موقع كان" (سماعين، 2018، ص 276)، وتمنحه حرية التصرف والتموقع والتحرك دون الإحساس بالغربة، "فكانت لهذه العقلانية الريادة، حتى بدت للمهتم بها هي النموذج الوحيد السائد" (سماعين، 2018، ص 276)، وتغيير الهوية لن يضر الغرب باعتباره هو من يروّج لأفكاره وثقافته وحتى لغته، لكنه سيبدو مع الوقت ذا ضرر على الثقافات الموازية التي تبدأ تدريجيا بالاندماج مع هذ الفكر المسيطر حتى يتم استلاب هويتها بوعي أو بغير وعي فتتغير ملامح هويتها الأصلية أو تطمس نهائيا، وبالتالي يُصَادَرُ حقّها في امتلاك ما كانت تملكه باسم هويتها السابقة، بل وتصير ملكيتها هذه من حق الهوية الجديدة التي انضوت تحت لوائها.

والبحث في مفهوم الاستلاب سيضعنا في مفترقات طرق عدّة كونه غير ذي نوع واحد، إلا أن أصله واحد؛ فالاستلاب ورد في لسان العرب في لفظة "سلب": "سَلَبَهُ الشيءَ يسْلُبُهُ سَلْبًا، واسْتَلَبَهُ إِيَّاهُ... والاِسْتِلَابُ: الاِخْتِلَاسُ... ورجُلٌ سَلِيبٌ: مُسْتَلبُ العَقْلِ" (منظور، د.ت، ص 2057)، و"السَّلْبُ" يعرّفه الجرجاني في معجم التعريفات بأنه: "انتزاعُ النِّسبة" (الجرجاني، د.ت، ص 104)، أما الاستلاب كمفهوم فكري فقد اكتسب "حق الوجود الفكري الراسخ، منذ أواخر القرن الثامن عشر، ولا يزال حتى يومنا هذا، بين المفاهيم الفكرية البارزة في الفلسفات الحديثة، والمعاصرة، كما في علم الاجتماع، وعلم النفس" (الجبار، 2018، ص 11)، وتم التعبير عنها في عمومه بمصطلحات النزع، والسلب، والاستلاب، أي "نقل الملكية، نقل الحق، التخلي عنه، التنازل عنه إلى آخر بالبيع... واستلاب الملكية أو الحق وتحويلها إلى آخر قسرا" (الجبار، 2018، ص 174)، وهذا يعني أن الاستلاب يمكن أن يكون طوعا أو كرها، لكن كلاهما يصبان في قالب واحد هو "غياب الشيء أو الشخص عن فضائه الخاص، وتحوّله إلى حالة أخرى، غير ما كان عليه، فيفقد ذاته ويصير إلى غير ما عليه الآخر" (دواق، 2012، ص 93)، وهذا يعرّضه إلى مُصادَرة ملكيته، لأن الطبيعة لا تقبل الفراغ وبشكل تلقائي سيسبب الغياب الآنف الذكر تخليا عن الملكية (Property) لتبحث هذه الأخيرة عن مالك جديد.

وبما أن الهوية سمة ثابتة في الإنسان أيا كان جنسه أو عرقه أو مكانه أو عصره، فمن لا هوية له سيتعرض حتما للتهميش والإقصاء وهو ما لا يستطيع الإنسان احتماله كونه مجبولا على العيش في جماعات شاء ذلك أم أبى، وعلى الجانب الآخر فإن أي طرف قوي سيفرض هويته وسيحاول تعميمها وتوحيد العالم بها؛ فهذا الأخير مبني على محورين يقدّمان التوازن لاستمراريته: مركز وهامش، حاكم ومحكوم، مُسيِّرٌ ومُسَيَّر، والطرف الأقوى يكون هو من يبسط هيمنته ويفرض هويته كهوية جماعية غالبة هي الأمثل للتقدم الحضاري، بينما الهوية الأخرى تبقى محدودة غير مواكبة لتطور العالم وبالتالي تبقى مهمشة إلى أن تضمحل، وفي أحسن الأحوال تتحول إلى كيان أَثَرِيٍّ يعبر عن الإنسان البدائي، فتكون هوية قابلة للمشاهدة فقط لا الانتساب والتطبيق، أما أصحابها فعليهم الارتباط بهوية الطرف الأقوى حتى يواكبوا مسيرة الحياة.


 

3. السينما الاستشراقية والاستلاب الهوياتي:

إن هذا ما حدث ويحدث مع العالم العربي في صراعه مع الغرب، ذلك الصراع الطويل بين المركز والهامش، صراعٌ له عدة فروع دينية وفكرية وإيديولوجية وثقافية، والذي نتج عنه استلاب الهوية العربية مخلفا في الأذهان سؤالا مترددا: هل تم استلاب الهوية العربية من قِبَل الغرب أم أنه تم التخلي عنها بوعي؟ هذا السؤال يجعلنا نبحث في أعماق المشكلة، مركزين على الاستشراق السينمائي ودوره في استلاب الهوية العربية باعتباره أحد فروع الاستشراق العام، وهنا يمكننا التعريج على منعطف صغير لإلقاء نظرة على هذا المفهوم.

 يقول إدوارد سعيد إن "الشرق اختراع أوروبي" (سعيد، 2006، ص 42)، ومن هنا ينبع تعريفه للاستشراق الذي يراه طريقة الغرب في تصوير العالم العربي، وهي ذاتها الصورة الراسخة في ذهن الغربي الذي لم يزر قط العالم الشرقي، أما المستشرق فهو "كل من يعمل بالتدريس أو الكتابة أو إجراء لبحوث في موضوعات خاصة بالشرق، سواء كان ذلك في مجال الأنثروبولوجيا أي علم الإنسان، أو علم الاجتماع، أو التاريخ، أو فقه اللغة، وسواء كان ذلك يتصل بجوانب الشرق العامة أو الخاصة، والاستشراق إذن وصف لهذا العمل" (سعيد، 2006، ص 44)؛ وتوسعت دائرة الاستشراق إلى أي إنتاج غربي يتناول "الشرق" موضوعا لدراسته وتصويره حتى صار "أسلوبا غربيا للهيمنة على الشرق، وإعادة بنائه، والتسلط عليه" (سعيد، 2006، ص 45)، وهذا الأسلوب اختلف أشكاله وصوره متماشية مع متطلبات العصر.

وكما نعلم فالأفلام أكثر الوسائل الترفيهية المقبولة في المجتمعات كلها عموما ولم يخبُ تأثيرها حتى الساعة مع كل ما يزاحمها من وسائل الترفيه الأخرى، والمجتمع العربي من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب غير مستثنى من هذه الحال، وإقباله الكبير على الأفلام الهوليوودية وقبوله لما يرد فيها سواء كان ذلك بوعي أو بغير وعي، ومن ثم فهو يسهم بطريقة أو بأخرى في استلاب هويته من قِبَل الغرب من خلال مشاهداته واستمتاعه بما يرد فيها من أفكار ومشاهد حتى لو قدّمت صورة سيئة أو نمطية أو ساخرة عن العربي؛ إذ لا يزال يحضرنا حتى الآن مشهد من فيلم "Speed" (1994) حين سألت "آني" الشرطي "جاك" عن سبب قيام "المُفَجِّر" بوضع قنبلة على متن الحافلة قائلة بتهكّم: "هل هو شخص ما قمنا بقصف بلده؟" إشارة إلى كونه عربيا أو مسلما بالرغم من أن المفجّر كان أمريكيا، إلا أن الإشارة التي لم تدم أكثر من خمس ثوانٍ كانت كفيلة بوضع العربي محلّ اتهام بالإرهاب؛ ومع ذلك فقد بقي فيلم "Speed" أحد أكثر أفلام الأكشن مشاهدة في العالم العربي.

 وعلى جانب آخر نجد مشهدا عابرا في فيلم "Sweet Home Alabama" (2002) حين تحدثت "تاباثا" صديقة "ميلاني" عن أحد العرب الذين أُعجِبوا بها معبّرة: "أتذكرون ذلك الشيخ؟ لقد طلب مني الزواج وأضنني أحببته بغض النظر عن ثروته"، قصَدَتْ بالشيخ تاجرا عربيا لم يظهر قطّ في الفيلم إلا من خلال ذكره في هذا المقطع الذي لم يدم أكثر من ثلاثين ثانية لم يذكر بعدها أبدا، وذكَرَتْ ثروته كنوع من الصورة النمطية للعربي الثري الذي يبحث عن زوجة أجنبية جميلة على الدوام، وهذا الفيلم أيضا بقي كأحد أكثر الأفلام الرومنسية مشاهدة في العالم العربي، مما يعزّز فكرة أن المشاهد العربي لا تهمّه كثيرا الصورة المرسومة عنه في السينما الهوليوودية مادام يستمتع بالقصة والتمثيل.

ولأن التكرار يجعل الدهشة الأولى تزول تدريجيا ليحل محلها التعوّد، فقد وجدنا أن هذا التصوير الهوليوودي للعرب صار مُتَقَبَّلا من العرب أنفسهم لدرجة صاروا يؤمنون بالكثير من الصور المصدَّرة عنهم والتي يعلمون في قرارتهم أنها لا واقع لها، لكن صدورها من المركز الغربي جعلها مهيمنة تحت شعار "حكم القوي" الذي لا يمكنهم تغييره كونهم الطرف الأضعف أو الهامش، وبالتدريج صار التأثر الغربي يزداد قوة ومتانة لدرجة أن العربي صار يرغب في التخلي عن هويته ليندمج مع الهوية الغربية دون وعي منه، وبالرغم من بعض المحاولات العربية التي تندفع أحيانا لتغيير الصورة التي ترسمها سينما هوليوود عن العربي، إلا أنها إما أن تأفل تدريجيا أو يتم استبدالها بصورة أخرى تبدو أقل استفزازا، وهذا ما حدث في نقل صورة العربي من "الإرهابي" إلى "العجائبي" في فيلم "علاء الدين" (2019).

4. علاء الدين (2019) Aladdin:

فيلم علاء الدين هو أحد أشهر إنتاجات شركة ديزني العالمية التي تقف "شامخة في هوليوود كأكبر إمبراطورية إعلامية... من خلال الأفلام بشتى أنواعها والقنوات والمدن الترفيهية" (النعيمي، 1434هـ/2013م، ص 4)، وقد تمّ إنتاج فيلم علاء الدين الأول على شكل رسوم متحركة عام 1992، لكن تطور المجال السينمائي واتساع نطاق معجبي أفلام ديزني وفئاتهم العمرية دعا الشركة إلى إصدار نسخة جديدة سنة 2019بممثلين حقيقيين لاستقطاب عدد أكبر من المشاهدين، وتجاوزت إيرادات الفيلم في شبابيك السينما حول العالم أكثر من مليار دولار أمريكي أي ضعف إيرادات النسخة الأولى، فقد أخذ شخصية علاء الدين الممثل الكندي من أصل مصري (مينا مسعود)، ودور ياسمين فقد عاد للممثلة البريطانية من أصل هندي (نعومي سكوت)، أما شخصية المارد السحري فكانت من نصيب الممثل الأمريكي (ويل سميث).

ويحكي الفيلم إحدى قصص ألف ليلة وليلة: "علاء الدين والمصباح السحري"، ومع بعض التعديلات الذي يدعو إليها السيناريو السينمائي فقد حدثت بعض التغييرات على القصة المكتوبة، علاء الدين في فيلم ديزني هو شاب فقير يمارس النشالة ليكسب قوت يومه، وخلال تجواله بالسوق في أحد الأيام يصادف الأميرة ياسمين التي واجهت مشكلة مع أحد التجار وهي تتجول متنكرة وسط العامة، وبينما يتطوع علاء الدين لإنقاذها من مأزقها يُعجَب بها، وخلال ذلك يوقِع الوزير جعفر الطامع في العرش بعلاء الدين مستغلا إياه لجلب المصباح السحري من كهف العجائب، لكن الأمور تنقلب لصالح علاء الدين ليصير المصباح ملكه ويعود إلى المملكة متنكرا في هيئة الأمير علي ذي الجاه والثروة والسلطة بمساعدة مارد المصباح، وهذا حتى يكسب قلب الأميرة المعجب بها، وتتطور الأحداث بين مكر جعفر ووقوع علاء الدين في إغراءات المال والسلطة ومحاولة ياسمين إنقاذ مملكتها وشعبها وعجز السلطان الذي يخاف التغيير، لينتهي الفيلم في الأخير بخسارة جعفر وزواج الأميرة وعلاء الدين وتحرر المارد من سلطة المصباح.

أ‌.    علاء الدين وأصل القصة:

قبل البدء في الحديث عن هذا الفيلم لا بدّ من التوقف عند أصله ومُنطَلَقِه: قصة علاء الدين والمصباح السحري، انتشرت هذه القصة بشكل واسع وعالمي على أساس أنها إحدى قصص ألف ليلة وليلة الشهيرة، لكن القارئ للسلسلة الأصلية بمجلداتها الأربعة ولياليها الألف وواحدة لن يجد أثرا لقصة علاء الدين مطلقا، ولربما كانت الشخصية الوحيدة التي تحمل الاسم ذاته هي شخصية قصة علاء الدين أبي الشامات الذي بدأت قصته في المجلد الثاني من الليلة 286 إلى غاية الليلة 313، ومن هنا يحضرنا التساؤل: من أين أتت قصة علاء الدين ذي المصباح السحري؟ لنجد أن المستشرق الفرنسي أنطوان غالان قد أضافها للسلسلة أثناء ترجمتها من العربية للفرنسية في القرن الثامن عشر، وخلال البحث عن أصل القصة وإن كانت من بنات أفكار غالان تقودنا الدراسات إلى أنه كان يبحث عن تتمة لليالي التي لم يعثر لها على مخطوطاتها إلى أن التقى الحكواتي السوري حنا دياب الذي ساعده في الترجمة وألقى على مسامعه بعض الحكايا الأخرى التي أضافها إلى ترجمة السلسلة كما لو أنها جزء منها ومن بينها حكاية علاء الدين والمصباح السحري (الزيباوي، 2019).

وانتشرت قصة علاء الدين في العالم كالنار في الهشيم، وتم تحويلها لمسرحيات وأفلام ومسلسلات كرتونية للأطفال، ولاقت رواجا كبيرا لدى كل من المنتجين والمُتَلَقِّين، مما يثير العجب كون القصة المضافة مشهورة أكثر من القصص الأصلية نفسها،  وهذا يعزّز طرح إدوارد سعيد بقوله إنّ الشرق اختراع أوروبي، وكان منذ الزمن الغابر مكانا للرومانس، أي قصص الحب والمغامرات، والكائنات الغريبة، والذكريات والمشاهد التي لا تُنسى" (سعيد، 2006، ص 42)؛ فصحيح أن حكايات ألف ليلة وليلة كلها عجائبية، لكن أكثرها انتشارا ورواجا هي قصة علاء الدين التي أخذ العالم منها فكرته عن الشرق كعالم عجائبي سحري، والأغرب هنا أن القصة المكتوبة تأخذ أحداثُها حيزا في بلاد الصين بالرغم من أن كل شخصياتها -بأسمائهم وثقافتهم ولغتهم-عربية، وهو مخالف لما ألفنا وجوده في الحكايات الأصلية التي تجري معظمها في بغداد، ومن هنا يمكننا البدء في التشكيك في سبب استعمال القصة المُضافة من قِبَل مستشرق دون غيرها للتعريف بالشرق، ليقودنا إلى سلسلة من الاستلابات التي بدأت بتغيير الحقائق والأصول.

ب‌.    الاستلاب في فيلم علاء الدين:

1)   وطن مشترك:

يبدأ الفيلم بأغنية "ويل سميث" لأولاده، الأغنية حملت عنوان "الليالي العربية" والتي تصف بلاد علاء الدين كمكان بعيد جدا مليء بالجمال والقوافل، وهو التنميط المعتاد عن البلاد العربية أنها مجرد صحراء، وهذه الصحراء مكان خالٍ قاحل ليس ملك أحد، وبالتالي يمكن لأي أحد استيطانُه، ومع ذلك نرى المملكة في أبهى صورة يمكن أن نراها إذ تقع في صحراء لكنها في الوقت ذاته تطل على البحر وتملك ساحلا باهر الجمال وميناءً يعجّ بالحركة التجارية.

ويتبعها بكلمات "هو مكان تتجول فيه بين مختلف الثقافات واللغات" ونجد ذلك يتجسد في الخلفيات الصوتية لمشاهد السوق حيث يمكن سماع كلمات بمختلف اللغات بين العربية والإنجليزية والهندية والتركية، مما يؤيد الفكرة السابق ذكرها أن هذا المكان البعيد جدا ليس له مالك بل هو حق الجميع بمختلف لغاتهم وثقافاتهم، وهو الأمر الذي حدث بعد تقسيم الدولة العثمانية لعدة مستعمرات على الدول الأوروبية، وما زاد بعد ذلك من التدخل الأمريكي إلى حد الساعة في العالم العربي، لكن أكثر كلمة دعّمت الفكرة هي كلمة "فوضى" فيما يلي من الأغنية حين يقول "إنه مكان فوضوي، لكن مهلا! إنه الوطن"، وحين يتّضح في الأخير أن من كان يغني الأغنية هو المارد السحري ذاته يزداد التساؤل حول تلك الكلمات؛ فالمارد لم تُعرَف أصولُه ولا جنسيته في الحكاية، وبما أنه رمز للقوة والسيطرة المطلقة فلن يكون من الصعب الاستنتاج أنه يعود على الغرب، وقوله "الوطن" عن البلاد العربية يعني أنها يعدّها ملكه.

وخلال التجول بين مشاهد الفيلم سنجد العديد من الحضارات المتداخلة في مملكة واحدة؛ إذ لا يغفل المُشاهد –العربي خاصة-أن الثقافة المُصوَّرَة في الفيلم لا تعكس الثقافة العربية الصِّرفَة بل هي مزيج من الثقافات، فاللباس وإن بدا عربيا قديما إلا أنه ذو تفاصيل وألوان هندية بالأكثر ولباس ياسمين بصورة أكثر دقة ليس لباسا يلائم أميرة عربية، وحتى النمر المصاحب هو أيضا نمر هندي، حتى أن العمران مزيج من الهندسة العربية مع كثير من العمران الهندي، ولو أن هذا غير واضح كثيرا بسبب القباب المشتركة بين نوعي العمران، أما الأكثر جدلا هو اشتراك الثقافة الأمريكية في الفيلم ولو كان بشكل مخاتل، إلا أن التركيز في الأسلوب الأمريكي للحديث ونوع الحفلات المقامة في القصر يجعل المشاهد يميز وجودها، فأغنية "صديق مِثلي" تمزج موسيقى الجاز والراب والروك الأمريكية كلها في مكان واحد مع بعض المشاهد الخلفية التي تدعم الحضارة الغربية عموما.

 أما نوع الحفلة فهي كذلك من النوع الغربي الذي يعتمد أكثر على طريقة "البوفيه المفتوح" والخدم المتجوّلين بصينيات الشراب والمقبلات، وهو عكس الحفلات أو الأمسيات العربية –القديمة خاصة-والتي كانت بشكل عام أكثر هدوءً وحركة، وبإمكاننا كذلك الإشارة إلى أنواع الرقصات التي تجمع كلها بين الرقص الشرقي –الهندي-والرقص الغربي.

قد يتم التبرير لهذا المزج الثقافي بأنه جذبٌ لمُشاهِد القرن الحادي والعشرين الذي تأثر بالعولمة فصار مُطّلعا ومحبا لمختلف الثقافات وبالتالي نسبة مشاهدة أعلى، لكن هذا لا ينفي تمويه الصورة الشرقية عن أصلها لجعلها حضارة مشتركة للجميع الحق في امتلاكها، كما أن هذا المزج لم يأتِ من فراغ بل هو الأمر الواقع حاليا في المجتمعات العربية حيث صار إدخال الثقافات الأخرى على الثقافة العربية نوعا من أنواع التحضّر، سواء في طريقة اللباس أو نوع العمران أو شكل الحفلات وأسلوبها، وخاصة الأسلوب الغربي سواء الأوروبي أو الأمريكي، حتى صار هذا الانزلاق يبدو عاديا للدرجة التي تماهت فيها الثقافة العربية مع الثقافات الأخرى بطريقة تبدو للناظر عادية؛ أي الطريقة التي تجعله جُزءا من العالم المعاصر، لكنها في الواقع طريقة استلبته من ثقافته الأصلية لتجعله يبحث عن الانتماء إلى بديل أكثر قوة وانتشارا وديناميكية تمكنه من مجاراة العصر.

2)   تغيير الاسم وتزوير الهوية:

أوّل ما يلفت النظر في قصة علاء الدين هو اسم المملكة التي تجري فيها الأحداث: أغربة Aghraba، كما ذكرنا سابقا جرت القصة المكتوبة في الصين، لكن تحويل القصة للشاشة جعل العالم كله يعتقد أن علاء الدين من بغداد؛ إذ كانت كل الرسوم المتحركة والمسرحيات تحكي أن علاء شخصية بغدادية، حتى أن هنالك فيلما ذا قصة مشابهة إلى حد كبير عنوانه "لص بغداد"، أما اسم أغربة فقد جاء نتاج فيلم ديزني الكرتوني الأول عام 1992 حيث وجد المنتجون أن ورود اسم بغداد في تلك الفترة المحمومة من حرب الخليج قد يعرّض الفيلم للخسارة في دور السينما وكان أحسن حل هو تغيير الاسم إلى أغربة، وهو أقرب ما يكون إلى "الغرائبية" لما فيه من حوادث غريبة، لكنه في الوقت نفسه اسم قد أتاح للعالم كله الاشتراك في تلك البقعة الجغرافية، فجعلها مكانا خياليا ذا اسم خيالي يمنح الحق في امتلاكها من أي كان، بالرغم من أن المشاهد الأخرى كلها تدل على أنها وطن عربي، حتى إن نسبة معتبرة من المواطنين الأمريكيين ظنوا أن "أغربة" بلاد عربية حقيقية وأنها تشكل تهديدا إرهابيا على بلدهم ويتوجب قصفها.

تغيير الاسم لم يكن فقط في اسم البلاد، بل كان أيضا في اسم الأميرة التي وردت في القصة باسم بدر البدور، لكن سيناريو الفيلم قد حولها إلى ياسمين أو Jasmine، الاسم الذي يمكن نطقه باللغتين العربية والانجليزية دون صعوبة عكس اسم بدر البدور الذي قد يواجه غير العرب صعوبة في نطقه، وتغييره لاسم له نفس الاسم والمعنى باللغتين أحدث نقطة اتصال بين الثقافتين العربية والغربية ولّدَت حالة توهم لدى العرب أن هذا الاتصال هو نتاج التساوي، حتى أن هذه الحالة صارت مرغوبة وممارسة من قبل العديد منهم في تسمية أولادهم تسميات لها وجهان إما في النطق أو المعنى أو كليهما، كاسم ياسمين وآدم وسارة وإبراهيم (أبراهام) وغيرها، حتى يبدو فعل التسمية هذا حالة ثقافية حضارية.

 وعلى الجانب الآخر نرى الأمير علي الذي هو النسخة المزوّرة من علاء الدين، الأمير الذي يمتلك مالا وجاها لا متناهيين لكنه في جوهره لا يزال مجرد لص فقير عديم الثقة بذاته، إن حالة التزوير لدى علاء الدين تمثل انسلاخه من هويته وتخليه عنها مستلبا داخل فقاعة الجاه والسلطة، في إشارة إلى أن كل من وصل الحكم استعمل شعار "الغاية تبرر الوسيلة"، لكن لتلميع تلك الصورة تم جعل علاء الدين طيبَ القلب نقيَّ السريرة لا يراه أحد إلا وتعاطف مع كونِه زوّر هويته لأجل الحب الذي أراد الوصول إليه، وأن إغراء السلطة لم يدم طويلا حتى هزمه الندم والتراجع ليعيده الحب وحده إلى المكانة التي تخلى عنها بإرادته، دون أن نغفل ذكر أن الهوية الأصلية لعلاء الدين قد تم استلابها مسبقا حين تم تحويله من الحكاية من فتى كسول يتيم الأب فقط، إلى لص نشال في أسواق المدينة مجهول الهوية دون أبوين، وبهذا يمكن تفعيل خاصية البطل المضاد غير النموذجي وإثارة تعاطف المتلقي معه رغم ذلك، ومنحه امتياز الزواج بالأميرة وحكم المملكة.

3)   الاستلاب اللغوي:

مما لا شك فيه أن اللغة أساس مهم في بناء الهوية ودونها لا يستقر؛ فإذا تغيرت أو خالطها شيء من لغة أخرى آل أصحابها إلى الاستلاب وتنامت لديهم قابلية الاستعمار بأشكاله، في فيلم علاء الدين يتم التلاعب باللغة العربية على مرأى من المشاهد العربي الذي يدرك مدى اختلافها والمشاهد غير العربي الذي سيظنها حتما هي اللغة العربية الصحيحة، وقد ظهرت الكتابة باللغة العربية في مشهدين أساسين استغرق كل منهما أكثر من ثلاثين ثانية على عكس ما يحدث في بعض الأفلام من ومضات فقط لا يميز فيها المُشاهِد سوى كون الحروف عربية، المشهد الأول حين كان الوزير جعفر يطالع كتابا فلكيا مكتوبا فيه "كهف العجائب" وبعض دوائر الفلك والأبراج، أما المشهد الثاني فهو حين يمسك الجني مخطوطة قانون المملكة ويريها لعلاء الدين حتى يقرأها، كلا المشهدين أظهر بوضوح اللغة العربية بأسلوب لغوي سليم، وهذا يرفع ثقة العربي بذاته أكثر إذ أن الذي صنع الفيلم وأدرج لغته الأم فيه هو المركز الذي يستلب إليه بوعي أو بدونه، فينسى أن الأصل في هذه الحكاية كلها عربي ويدور محوره حول الامتياز الذي منحه إياه الغربي داخل أحد أكبر إنتاجاته السينمائية العالمية، وهذا يجذبه إليه بانبهار أقوى كمغناطيس.

وكسيف ذي حدّين يتم استعمال اللغة بشكل مخاتل للتعريف بالطرف الأقوى، فبالرغم من أن الكتابة كانت باللغة العربية السليمة الواضحة إلا أن بعض الكلمات العربية المنطوقة في خلفيات المشاهد كانت رديئة ويبدو معظمها فظا ذا نبرة سوقية، وأوضح مشهد ظهر فيه ذلك هو مشهد علاء الدين أمام صاحبة محل الرهن "زولا" وهي تستعجل الزبائن بصوت مرتفع فظ "يلّا يلّا"، أما بالنسبة للغة المستعملة طوال الفيلم وهي اللغة الإنجليزية فقد تم استعمال أسلوب آخر لجعلها تقوّي المركز وتضعف الهامش؛ حيث أنّ كل الشخصيات الطيبة تتكلم لغة انجليزية بلهجة أمريكية جيدة ومتقنة دون أخطاء، مثل علاء الدين وياسمين وخادمتها داليا، أما الشخصيات الشريرة أو الغبية أو من عامة الشعب أمثال التاجر جمال وزولا والسلطان وخادم جعفر فإنهم يتكلمون الإنجليزية بلكنة أجنبية بيّنة تجعل كلامهم مثيرا للسخرية، كما تجعلهم يبدون أجانب عن بلدهم الخاص، كما لو أن الإنجليزية الأمريكية هي المركز الوحيد المهم، حتى الوزير جعفر الذي تبدو لكنته سليمة يظهر عليه في بعض الأحيان لكنة أعجمية واضحة وقد بدت أوضح في مشهد مناداته لرئيس الجند "حكيم" بنطق سليم جدا لحرف الحاء بدل نطقه "هاء" كالبقية مما يؤكد أنه ليس إنجليزيا أو بالأحرى أمريكيا.

4)   الاستلاب الديني:

بالرغم من أن الفيلم كاملا لم يظهر أي أثر للدين الإسلامي الذي من المفترض أنه أحد أسس القصة؛ فإن المشاهد كلها تبين أن البيئة غير إسلامية، فأسلوب الحفلة ورقص أميرة مملكة عربية قديمة أمام الجميع ليس أمرا ممكنا في مملكة إسلامية، إلا أن مشهدا واحد في الفيلم رسخ فكرة الديانة المسيحية في القصة، وهو مشهد إجبار ياسمين على الزواج بجعفر؛ ففي هذا المشهد نرى الأميرة تقف قبالة الوزير وأمامهما رجل دين ليقوم بتزويجهما في مكان يشبه المذبح ونذورٍ كتلك التي يتلوها الكاهن على الزوجين أثناء مراسيم الزواج، وهو أمر غير رائج في البلاد العربية لا قديما ولا حديثا إلا بشكل نادر، فالمعروف بين الشعوب المسلمة أن ولي العروس هو من يقوم بمهمة قراءة صيغة الزواج مع العريس بحضور إمام، حتى لو كانت العروس جالسة معهم، كما أن نذور الزواج لدى المسيحيين تختلف عن صيغة الزواج لدى المسلمين، وهو أمر يسبب لُبسا للمُشاهد غير المسلم، وكذا يحفز رغبة لدى المستلبين من الدين بسبب انبهارهم بالمشهد الغربي؛ إذ صار تقليد طريقة الزواج المسيحية موضة بين فئة من العرب الراغبين في الانفتاح المطلق على الغرب كون طريقة نقلها للثقافات الأخرى بشكل مُغرٍ ورومانسي، واتباعها يعني السير على السجادة الحمراء للحضارة ومواكبة العالم المتقدّم.

5. ضاع دمه وتفرق بين القبائل:

إن حادثة مؤامرة قريش لقتل النبي محمد صلى الله عليه وسلم وخطة اجتماع عدة سيوف من كل قبيلة حتى إذا طالب أحد بثأره لم يجد ممن يطلبه هي حادثة تتكرر في الكثير من المواقف وبمختلف الأساليب، وهذا الفيلم واحد منها، فقد اختارت شركة ديزني ممثلي هذا الفيلم من أعراق وجنسيات مختلفة، فعلاء الدين (مينا مسعود) مصري الأصل كندي المنشأ، أما ياسمين (نعومي سكوت) فهندية الأصل بريطانية المنشأ، فيما يعد المارد السحري (ويل سميث) ذا جنسية ومولد ونشأة أمريكية، أما بقية الممثلين فاختلفوا بين أصول إيرانية وتونسية وتركية، كما أن الشركة "طلبت المشورة من مجلس استشاري مؤلف من باحثين مختصين بالشرق الأوسط وجنوب آسيا وناشطين ومبدعين مسلمين" (عبدالله، 2019)، إلا أن هذا المجهود المبذول كله كان بسبب أن النسخة الأولى عام 1992 تعرضت لوابل من الانتقادات التي تتهم الفيلم الكرتوني بالعنصرية والاستشراق المتطرف، ولهذا حاولت الشركة تجنب الانتقاد للحصول على مشاهدات أعلى للفيلم وليس هدفها تحسين الصورة عن الشرق، وإشراك كل هذه الثقافات والأعراق في بناء الفيلم لم يكن إلا خطة قريشية قديمة أُعِيدَت صياغتها بشكل هوليوودي جديد، حتى إذا تعرضت للانتقاد لم يجد المنتقد ممن يطلب ضالته بسبب التنوع العرقي والثقافي والديني لطاقم الفيلم من ممثلين ومخرجين ومستشارين.

 

الخاتمة:

حسب إدوارد سعيد فإن الشرق ليس مجرد خرافة أو خيال بل هو جزء من الحضارة المادية والثقافية الغربية؛ فهو يعكس ما يريد الغرب رؤيته فرسموه في مكان بعيد عنهم باعتباره مقابلا لهم، والسينما الاستشراقية ليست إلا امتدادا لتلك الكتب القديمة التي كانت تقدم صورة نمطية عن الشرق، ولا اختلاف سوى أنها قدمت تطورات وإضافات بما يتماشى مع تغير الشاشة ومتطلبات العصر، وهذا ما فعله فيلم علاء الدين (2019)، لكن، ولعدم إغفال كل جوانب الصورة، هل يمكن القول إن هذا التشكيك الدائم في النوايا الغربية أمر صائب؟ إذ يمكن أن يكون مجرد إحساس مبالغ بنظرية المؤامرة بأن الغرب يحاول السيطرة على الشرق من خلال أي عمل ينتجه ولذا وجب التنقيب في كل زاوية ومنعرج عن تلك المؤامرة، والاستلاب الواعي وغير الواعي للعربي ومحاولته المستميتة في الانخراط في الثقافة الغربية خير دليل على ذلك.


المصادر والمراجِع

ابن منظور. (د.ت). لسان العرب. القاهرة: دار المعارف.

الباليساني، أ. (1971). هوية الإنسان بين الثبات والتغير (دراسة علمية موضوعية عن ماهية الهوية وأنواعها). بيروت: دار الكتب العلمية.

سعيد، إ. (2006). الاستشراق: المفاهيم الغربية للشرق. (محمد عناني، المترجمون) القاهرة: رؤية للنشر والتوزيع.

الجرجاني. (د.ت). معجم التعريفات (المجلد د. ط). القاهرة: دار الفضيلة.

دواق، ح. (صيف, 1433هـ/2012م). التثاقف من مسلوبية الاحتواء إلى معقولية التعارف. مجلة إسلامية المعرفة، 18(69)، 93.

السويدان، ط. (2018). من أنا؟ وما هي هويتي؟ الكويت: شركة الإبداع الفكري.

عبدالله، ع. (2019, 06 10). الاستشراق سينمائيا.. الغريب بدل الإرهابي في "علاء الدين". Récupéré sur موقع الجزيرة الالكتروني:

https://www.aljazeera.net/news/cultureandart/2019/6/10/%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D8%A7%D9%84%D8%BA%D8%B1%D9%8A%D8%A8-%D8%A8%D8%AF%D9%84%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8%D9%8A

فالح، ع. (2018). الاستلاب: هوبز، لوك، روسو، هيغل، فويرباخ، ماركس. بيروت: دار الفارابي.

محمد، ز. (01 06, 2019). لغز علاء الدين. (نور الدين ساطع، المحرر) تاريخ الاسترداد أكتوبر، 2021، من المدن (جريدة إلكترونية مستقلة):

 https://www.almodon.com/culture/2019/6/1/%D9%84%D8%BA%D8%B2-%D8%B9%D9%84%D8%A7%D8%A1-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%86

بن سماعين، م. (ديسمبر, 2018). الهوية الثقافية وخطر الاستلاب المزدوج من منظور برهان غليون. مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، 19(39)، 279.

النعيمي، ي. (1434هـ/2013م). والت ديزني: الرجل وراء مملكة الأحلام (المجلد 1). بيروت: الدار العربية للعلوم ناشرون.

 

 

 


Kaynakça / References

Lisan al-‘arab, Ibn Manẓur, dar al-ma’arif, misr, d.t.

Huwiyatu al-insan bayna al-thabat wa al-taghayur (dirasailmia mawdu’iya ‘an mahiat al-huwiya wa anwa’iha), Ahmad Muḥammad taha albalisani,  dar al-kutub al-‘ilmiya, bayrut, lubnan, 1971.

Al-istishraq: al-mafahim al-gharbiyah lilsharq, Edward Sa’id, tar: muḥammadannani, ru’yah lilnashr waltawzi’, al-qahirah, 2006.

Mu’jam al-ta’arifat, Al-Jurjani, taḥqiq wa dirasah: Muḥammad siddiq al-minshawi, dar al-fadilah, al-qahirah, masr, d.t.

Al-tathaquf min maslubiyat al-iḥtiwa’a ila ma’quliyat al-ta’aruf, Al-ḥaj bin aḥmanah dawaqi, majallah islamiyah al-ma’rifah, e 69, jami’at batnah 01, al-jazayar, 2012.

Man ana? Wa ma hiya huwiyati?, Tariq Al-suwaydan,  sharikat al-ibda’e al-fikri, al-kuwayt, 2018.

Al-istishraq sinima’iyan. al-gharib badal al-irhabi fi ‘ala' al-din, ‘imranabd allah, mawqi’ al-jazirah al-iliktruni, qism al-thaqafah.

Al-iastilab: “hobz, luk, rusu, higl, fuyirbakh, marks”, Falih ‘abd al-jabbar, dar al-farabi, beyrut, lubnan, 2018.

Lughzu ‘ala' al-din, Muḥammad Al-zbibawi, al-mudun (jaridah iliktruniya mustaqillah).

Al-huwiyah al-thaqafiyah wa khaṭar al-istilab al-muzdawaj min manẓur burhan ghalyun, Musa bin sma’in, majalat al-‘ulum al-iajtima’iyah wa al-insaniyah, maj 19, e 39, jami’at batnah 1, al-jazayir, december 2018.

Walt Dizni: al-rajul wara' mamlakat al'ahlam, Yusuf Hatim Al-nu’aymi, al-dar al-‘arabiyah lil’ulum nashirun, beyrut, lubnan, t1, 2013.