خطاب الكذب في السّياسة  .. سحر الكلام وشروط التّأويل

 

د. جليلة يعقوب

جامعة منوبة، تونس

البريد الإلكتروني: yacoubjalila@yahoo.fr

معرف (أوركيد): 0000-0003-2031-5838

 

بحث أصيل

الاستلام: 3-5-2022

القبول: 25-9-2022

النشر: 28-10-2022

 

الملخص:

تتعلّق هذه الورقة البحثيّة بالخطاب السّياسيّ وعلاقة اللّسانيّ بالإيديولوجيّ، وهما جانبان قد لا يلتقيان  إلاّ بتَبيُّنِ الأعمال اللّغويّة وطبيعة التّركيب في النّصّ والتّأثير، وهو ما يبرّر الحرص على اختيار اللّفظ والتّركيب، والحجّة والدّليل ووضع نموذج لهما ضمن سحر الكلام في النّصّ ومقام إنشائه، فتكاد تنتفي جميع وظائف الإبلاغ والتّواصل حتّى يتحقّق وهْمُ صَهْر وجود الآخر في شروط بقاء الأنا التي تمثّل السّلطة، ومن هنا يأتي التّركيز على الخطاب في السّياسة وخصوصيّة الاستقطاب، وما يُقنَّع بمسمَّياتٍ عديدة تستدعي ضرورةً ثنائيّة الصّدق والكذب حين يُناظَر اللّفظُ والمعنى بمَا يُمكن إجراؤه في الواقع والتّسيير، الشّيْء الذي يُفقِد الكذبَ خاصيّته المعياريّة ليكونَ جُزْءًا من نمطيّة الخطاب إلاّ عند الخصوم السّياسيّين في مرجعيات الفهم والتّأويل منها تنبثق أهداف البحث وهي: 1- التّجاذبات التي تلحق كلمة "كذب" في المعجم والنّحو، والدّلالة والتّداول؛ 2- السّياسة في المجال والتّجلّي وما يخالفُ قناع الانسجام بيْن البثّ والتّلقّي؛ 3- وضع نموذج لِمَا يقال فيُبهر، ولكنّه يصطدم بحقيقة الفكر وقيْد التّأويل.

الكلمات المفتاحية:

المفهوم والمعجم والاصطلاح، الكذب والتّرادف والتّضادّ، السّياسة والمجال والنّقائض، صياغة الخطاب والمعنى، القول والفهم والتّأويل.

 


للاستشهاد/ :Atif İçin / For Citation يعقوب، جليلة. (2022). خطاب الكذب في السياسة سحر الكلام وشروط التأويل. ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها. مج3، ع6، 493- 516 https://www.daadjournal.com/ /

 

False Discourse in Politics

The Fascination of Speech and Conditions of Interpretation

 

Dr. Jalila Yacoub

Assistant Professor, Maounba University, Tunisia

E-mail: yacoubjalila@yahoo.fr

 Orcid ID: 0000-0003-2031-5838

 

Published: 28.10.2022

Accepted: 25.09.2022

Received: 03.05.2022

Research Article

 

Abstract:

This research paper addresses the political discourse and the relationship between linguistics and ideology. Those two domains may not match, except by clarifying the speech acts and the nature of structure in text and influence, which justifies the care in choosing words and structures, argument, and evidence, and setting up a model for them within the fascination of speech in text and its delivery. Almost all functions of reporting and communication are negated until the illusion of the other's existence fusion is realized under the survival of the ego’s conditions that represent power. Hence, the focus on discourse in politics and the specificity of polarization, as well as what is convincing by several names calls for the necessity of the duality of truth and falsehood whenever expression and meaning are compared with what can be done in reality and management. Thus, that loses lying its normative characteristic to be part of a typical discourse, except for political opponents in terms of understanding and interpretation from which the research objectives emanate, namely: 1. The interactions with the word "lying" in the lexicon, grammar, semantics, and pragmatics; 2. Politics: field and manifestation when the objective contradicts subjectivity and is moved to what contradicts it under the mask of coherence in delivery and reception; 3. Setting a model for dazzling speech which collides with the reality of thought and the limitation of interpretation.

Keywords:

Concept, lexicon, and terminology; Lie, synonym, and antonym; Policy, field, and rebuttals; Formulation of discourse and meaning; Speech, understanding, and interpreting.

Siyasette Yalan Söyleme, Hitabetin Sihri ve Yorumlamanın Şartları

 

Dr. Öğre. Üyesi. Jalila YACOUB

Maounba Üniversitesi, Tunus

E-Posta: yacoubjalila@yahoo.fr

 Orcid ID: 0000-0003-2031-5838

Yayın: 28.10.2022

Kabul: 25.09.2022

Geliş: 03.05. 2022

Araştırma Makalesi

 

 

Özet:

Bu araştırma makalesi, politik söylem ve dilbilimin ideolojiyle ilişkisi ile ilgilidir. Ve bu ikisi, dilsel eylemleri ve metindeki yapının doğasındaki etkiyi ayırt etmedikçe bir araya gelmeyebilecek iki yöndür. Sözü, söz dizimini, argümanın ve kanıtın seçilmesini, metindeki konuşma sihrini ve yaratılış yeri içinde bir model oluşturma endişesini haklı çıkaran budur. İktidarı temsil eden egonun hayatta kalması için, ötekinin varlığının kaynaştığı yanılsaması gerçekleşene kadar, raporlama ve iletişimin neredeyse tüm işlevleri ortadan kaldırılır. Bu nedenle, kelime ve anlam gerçeklikte ve yönetimde yapılabileceklerle çeliştiğinde, siyasetteki söyleme ve kutuplaşmanın, hakikatin ve yalanın tuhaflığına odaklanılır. İçinde yalanın ortaya çıktığı şey, anlama ve yorumlama referansları açısından siyasi muhalifler dışında, söylemin modülerliğinin bir parçası olmak için normatif özelliğini kaybeder. Araştırma hedefleri; 1. “Yalan” kelimesinin sözlük anlamı, terim anlamı, anlambilim ve tedavüldeki etkileşimleri, 2. Alanda siyaset, tezahür, yayıncılık ve algılama arasındaki uyum maskesiyle çelişen şeyler, 3. düşüncenin ve yorumun gerçekliği ile çatışan ancak etkilemek için söylenenlere bir model belirleme.

Anahtar Kelimeler:

Kavram, Sözlük Ve Terminoloji, Yalan, Eşanlamlılık Ve Çelişki, Politika, Kapsam Ve Çelişkiler, Söylem Ve Anlamın Formülasyonu, Söyleme, Anlama Ve Yorumlama.


تقديم:

يعرِض الخطابُ السّياسيُّ مسائلَ عديدةٍ يتمّ تقييمها -أو هكذَا يروّج للأمر- باستخدام اليوميّ وأحداثه أسبابًا للتّأثير وإيجاد نُهُجٍ يراها السّياسيُّ في القول يوحي بالفعل ولا يتحقّق، إنّه خطاب أحاديّ اللّغة والاتّجاه تدور إشكالياتهُ حول الاستخدام والرّغبة في التّأثير، وهو ما يستدعي مناقشة هذه الخيارات التي قد توهم بالتّوافق في الاستعمال وافتراض مقامات الاتّصال، وقد يكون إهمال جانب المناقشة وإمكانيّة الإعراض والنّقد من أسباب السّهو على نعت الخطاب السّياسيّ بالمراوغة ونفي مبدأ الصّدق، وبالتّالي لا تواصلَ، فيظلّ الكلامُ أسيرَ هياكله النّحويّة التّركيبيّة.

الإشكال أيْضًا في علاقة الصّيغ المَعنيّة بشروط قبولها وخصوصيات فهمها من طرف أفراد يتوقون إلى الأفضل في المواقف وليْس في تغيير أشكال إنتاج المعنى فيما يُقال ولا يُدرَك، فيكون تنوّع منطوق لا يتجاوز التّصوّر النّظريّ لعلاقة معقّدة بيْن اللّغة والسّلطة أوْ بيْن القوّة الرّمزيّة التي تتمتّع بها واستعارة مفاهيم الأخلاق والقيمة التي تظلّ تدور حولها دون التّوفيق في بلوغ الغاية منها إلاّ مع سلطة مضادّة هي النّخبة التي تسيْطر على النّموذج اللّغويّ ومنه تستمدّ القيمة باعتبارها نظريّة شاملة لا مواقع تستعير المفهومَ ولا معنى إلاّ الاسم ولا مسمّى في جدليّة الصّدق والكذب.

ثنائياتٌ وتناقضات تجعل الغاية من البحث في: 1- تبيين خصائص الخطاب السّياسيّ في الاستخدام والبدائل والمشاريع التي يقوم عليْها في صيغة النّصّ ومحتواه ومختلف الثّنائيات التي تحكمها في النّقل والعقْل، وفي حفظ اللّغة التّقليديّة وإمكانيّة تطويرها ونشرها؛ 2- تجلّيات أنماط الكلام في التّميّز والخصوصيّة، ولكن بما يصوغ السّياسيّ أيْضًا من محاكاة وتضمين يستدعيان النّظر في الكلمات المستعارة ومراجعها اللّغويّة من ناحية، واندراجها في بحث مقارن يولّد علاقة الخطاب السّياسيّ بالكذب في مفهومه ودلالته ورمزيّته من ناحية أخرى؛ 3- كيفيّة إدراج هذا النّوع من الخطاب ضمن مسارات منهجيّة ونظريّة مستمرّة في الأنظمة والمعتقدات، ولكنّها تبدو هشّة إذَا ما أُعيد البناء التّحليليّ في مواضع الكَلِم والافتراضات المتعلّقة بها في الأبعاد الزّمنيّة والمكانيّة والتّفاعل الاجتماعيّ، كذلك في أبعاد صنع المعنى حين يؤدّي التّعدّدُ إلى انحسار معنى القول في الخطاب السّياسيّ إلى مدلولاته السّيميائيّة والاجتماعيّة في القراءة والتّأويل.

1-   الكذب خصائص اللّغة ومناورات الاستعمال

المفهوم وإطار تقييمه السّياسةُ والخطاب السّياسيُّ بيْن أنْ يكونَ لغةً أو سلوكًا ممكنًا في الآن والمشهد الاجتماعيّ، فدلالة الكذب ليْستْ في لفظه بل في الممارسة الخطابيّة والاجتماعيّة، وهي ليْست بمعزل عن الاقتصاد والثّقافة وكلّ أشكال النّشاط الاجتماعيّ؛ وتحليل الخطاب السّياسيّ ينتظم وفق ثلاثة شروطٍ: 1. النّظام اللّغويّ وهيكلته التّركيبيّة؛ 2. وجهة نظر المتكلّم وفاعلّيته في الواقع: التّأسيس، أو الحفاظ على الرّاهن، أو إعادة إنتاجه في ضوء مطابقة القول لإمكانيّة الإجراء والرّغبة فيه والحرص عليْه؛ 3. تحليل هذا الخطاب والتّركيز خاصّة على المفاهيم المحايثة التي يستعملها المتكلّمُ في خطابه كالهُويّة والانتماء والمُواطنة وحقوق الإنسان وغيرها كثيرٌ، بما يشي في مستوى أوّل بموافقة أنظمة اللّغة لأنظمة المعرفة والمعتَقَد في الحياة والمجتمع؛ وفي مستوى ثانٍ بعدم الوثوقيّة أنّ التّأثيرَ في الإنسان والمكان أمرٌ بديهيٌّ خاصّةً مع التّغييرات التي تحدُثُ في العصر الحديث([1])؛ وفي مستوى ثالث تفكيك هذا الخطاب في لفظه ومعناه، وتبيُّن معاييره وتقييمه استنادًا إلى أصل المعنى ووضْع المفهوم في الاصطلاح والاستعمال.

1-1-   في مفهوم الكذب

الأصل في المعجم: كذب: الْكَذِبُ: نقِيضُ الصِّدْقِ؛ كَذَبَ يَكْذِبُ كَذِبًا وكِذْبًا وكِذْبَةً وكَذِبَةً([2])؛ والاستدلال على المعنى كان من مرجعيات متعدّدة هي الشّعر في جماليّة العبارة ومشابهة الأدلّة  بيْن الخيال وقيم المجتمع ينقلب معها الذّمّ في ظاهر اللّفظ إلى مدح في المضمر من المعنى؛ وهي الاشتقاق فيما يتحوّل معه الأصل إلى فروع يحكمها نظام الأصوات واختياراتها في البناء والحُكْم، وكلٌّ إلى مجال الدّين يؤول في سيرة الأنبياء والرّسل: الحياة والأنموذج حين تطمئنّ النّفوس وتتخلّص من هاجس الشّكّ يفنّده اليقين في الضّمير الجمعيّ والعقيدة الإيمانيّة تسليمًا ولا إدراكَ، فيخالف القول الحقيقةَ بمعايير الأخلاق أو الأعراف أو ما لا يوافق الواقع في الوضْع والحدث، على أنّ المتكلّمَ قد يُعرِب عن حاجته إلى إظهار أبنية الخطاب مناظِرةً لمعانيها، فلا تخرج الكلمةَ عن اعتقاداته إلاّ متى أُهمِل الغرض والقصد من وجهة نظر المتلقّي الذي يقيس الكلمةَ بضدّها أو بما به تكون المبالغة في الصّيغة الاشتقاقيّة او في التّخييل الشّعريّ أو في الانزياح بالكلمة من كون المعجم والنّحو إلى فضاء الإيديولوجيا، ف تقارب اللّفظة المعنى في ما به تكون غيْره باتّجاهيْن: أوّلهما متى يسبق المرجع في الاستدلال التّعريفَ وحدودَ الكلمة المعجميّة، وثانيهما في ضوء ما يُصاغ حول المفردات من مفاهيمَ تصبح بمثابة المقْولات في إيجاد السّياسيّ واتّخاذه ممارسة في الحياة؛ الكلمات معيّنَةٌ في صياغاتها المعجميّة، ولكنّها تتعدّد إذَا ما اتُّخِذَتْ مداخلَ لمقاربة حقائق الأشياء فماهي إلاّ "تضليل وبلبلة وتضبيب الفكرة لإعطاء صورة غيْر دقيقة تعكسها ملايين سطوح مراياها اللّفظيّة (...) إنّها الفوضى القوليّة التي تمنع من فهم ما يُراد حقيقة أو لماذا يقال أصلا"([3]) فتقترن الشّروح والإحالات بالكذب ومفهوم التّوهّم وانتحال المعنى، أو وجود الشّيْء في غيْر ما يُنسَب إليْه([4]) يُغري بالشّرح والتّوضيح لكنّ الكلمةَ تَثبت في موضوعها وتستبقيه جزءًا من استدلال في خطابٍ إيديولوجيّ وصْفه في الاصطلاح والبرهان.

في الاصطلاح قد يبدو من التّعسّف الحديث عن جانب اصطلاحيّ بالنّسبة إلى "الكذب"، فليْس المقصود منه المفردة التّقنيّة الدّالّة على حقل معرفيّ محدّد، وإنّما نريد من ذلك مجاله التّداوليّ وما يستدعيه من مرادفات "للدّلالة على الحقل ذاته حينًا، وعلى ما يجاوره أو ينتمي إليْه حينًا آخر"([5])، إنّه ممّا يمثّل المشترَك اللّفظيّ بيْن مدلولاتٍ عديدة تتغيّر في المواصفات والاستعمال، والوضع في اللّغة والنّحو، أو التّركيب والأسلوب البلاغيّ.

وتعلُّقُ الاصطلاح بالكذب في هذا البحث يُربَط بِـ:

-      اللّغة في الثّقافة والتّاريخ السّياسيّ، ومجاله بيْن خطاب الذّات ووهْم السّلطة، وخطاب الأنموذج "السّياسيّ" في إطار نسيج لغويّ هو "ملتقى الثّقافات الإنسانيّة، وهي الجسر الحضاريّ الذي يربط لغات العالم بعضها ببعض"([6])؛

-      المعرفة في التّواصل والتّداول، والاستعمال في دلالة محدَّدَة مباشرة تقترن بالمعنى عند المتكلّم، وبنقيضه عند المتلقّي حين يرى في العلامات اللّغويّة رموزًا تُستخدَم "بهدف المناورة والتّغطية كسبًا لموقف عابرٍ"([7])؛

-      الكذب وفق مجالات ضبط المفهوم ومعاييره في المذهب والظّرف، بما يُناسب القرار السّياسيّ في التّخطيط اللّغويّ والاستخدام ظاهِرُهُ دِقَّةٌ ووضوحٌ، وباطنُه تعقيدٌ وإبهامٌ؛ "اصطلاح" في مستويات الملفوظ عند المعنيّين به، وتغيير اتّجاهٍ في التّفكير والإمكان، ما يجعل مجالَ التّوافق بيْن السّياسيّ والاجتماعيّ يؤول إلى الضّيق وربّما فقْد الصّلة بيْن "المصطلح" وعمليّة التّكلّم التي تؤدّيه رغم التّعمية في الاستخدام([8])؛

-      مفهومَا الصّدق والكذب وعلاقتهما بمصادر القول ومستوياته اللّغويّة والاصطلاحيّة، إذْ تتبدّل نماذج المصطلح حسب مجالاته والإفادة منها بيْن التّجربة التّاريخيّة والإمكان الاستعاريّ، كذلك صيغ الاستعمال ومنطق التّبرير في توضيح الصّور الجزئيّة التي قد تكون صريحةً في اللّفظ ضمنيّة في المعنى، وقد تكون جزءًا من مفاهيم زمانيّة كالحديث عن التّراث والحداثة سلطةً ثقافيّة يستعملها السّياسيُّ قناعَ توجيهٍ وتأثيرٍ([9]).

ليس لنا أنْ نتحدّث عن الكذب وكأنّه، فعلاً، من المصطلحات التي يتمّ تقديمها بشكل سيّءٍ، ولكنّه في الاستعمال يُقنّعُ بالإيديولوجيا، وهو ما يُدرجه في دائرة التّعريفات المتناقضة، ويُعتَمَد في مناهج متباينة، ما يولّد خلافاتٍ كبيرة في الظّواهر اللّغويّة وأنماط التّحليل([10])؛ الكذب لفظٌ في المعجم، واصطلاحٌ في الاستعمال، وزئبقيّة في اختيار المعنى بيْن المشتقّ اللّغويّ وكفاية التّعبير، والتّناقض بيْن نوْع الخطاب والتباس المعاني المتباعدة في الذّهن عند الباثّ وبعض المتلقّين؛ انعكاساتٌ عديدة ليْس للخطاب السّياسيّ فيها من الإثبات إلاّ الكلمات في أصولها الحرْفيّة تُكتَنَفُ بالضّبابيّة في التّركيب حين تُلقي عليْها سائر الكلمات بظلالها ويصير المعنى كُلّيًّا جامعًا لعناصرَ مختلفة وأطرافٍ عديدة، فإذَا هو رهين المناسبة في القاعدة والتّداول، قد تتحقّق أو تظلّ متعلّقةً بالفعل في غير زمان التّلقّي.

يبدو الكذب في الخطاب السّياسيّ من خلال استعمال المصطلح للدّلالة على مفاهيم متشابهة تبتعد به في الحقيقة عن حقوله المعجميّة إلى مترادفاتٍ توحي بالممكن ولا تُؤدّي المعنى بدقّةٍ ووضوحٍ؛ إنّه تنكير التّعريف والحرص على تحاشي ما لا يوافق الذّوْق، ولكنّ بيان اللّفظ – بمفهوم الخطاب والبلاغة – يتفاوت قوّةً وضعفًا و"صِدقًا" وخُلْفًا في بناء المعنى ما يحيل إلى تحوّلاتٍ عديدة حسب السّياقات ومقتضى الحال.

1-2-  الكذب المعيار وحقيقة المفهوم والتّجلّي في الخطاب السّياسيّ:

يعتقد السّياسيّون أنّ ما يقولون ليْس شيْئًا ممدوحًا ولا مذمومًا، وأنّ ما يُعبّرون عنه هو الضّروريّ في كلّ نظام لا يهمّه النّفوذ بقدر الوظيفة في أدقّ مناهجها وسُبُلها؛ خطابٌ من اليسير تمريره في قنوات النّفوذ ذاتها بقناع المحاورة وخلْق حركيّة بيْن مختلف العناصر "الفاعلة" في السّياسة والمجتمع، وقد يكون جُمّاعها وسائل الإعلام، هذا التّحوّل لخطاب "أصل" هو ذاته قد يكون وُضِع بخلفيات جدل وحجاج ظاهره المشترك بيْن مختلف فئات المجتمع، وباطنه خطاب الذّات في قراءة خطاب الآخر، يصبح من خلاله السّياسيّ ذا صبغة اجتماعيّة، ولكن، إنْ لمْ يكن هناك تقاطع أو تواصل بيْن مختلف المجالات ففيمَ التّخصيص، ولمَ تنشأ الصّراعات الفكريّة التي تستدعي ضرورةً ثنائيّةَ الصّدق والكذب؟ هل يتكلّم أصحاب النّفوذ فعلاً في شواغل الحياة والمجتمع؟ لماذا تغلب التّعميةُ في القول، فيكون الضّمنيُّ هو الطّاغي على خطابٍ يُفتَرَض أنّه صريح موجّه إلى كلّ الطّبقات الاجتماعيّة باختلاف انتماءاتها وتوجّهاتها واختياراتها؟

خطاب السّياسة ليْس خطاب صدْق ولكنّه خطاب مناورة ومخاتلة: "السّلطة وممثّلوها والفاعلون فيها، وضحاياها والآليات التي بها يُوقِعُونَهم فيها غالبًا ما تكون حديث المجتمع، بل حديثنا اليوميّ؛ ففي وسائل الإعلام لدينا، نستخدم الفنون الإبداعيّة "بكل سرور القوّة" كموضوعات أو زخارف في الخطابات حول السّياسة والمجتمع ككلّ؛ قصصٌ قليلة هي أكثر جاذبية من تلك التي يستخدمها "الرّئيس" [أيُّ رئيس] بوحشيّة لسلطته ولمصلحته الشّخصيّة أو لغضبه الشّخصيّ تجاه منافسيه (...) فيكون الانبثاق من السّلطة المطلقة ولا يَخشى استخدامها بطُرقٍ فجّة يستمدّ قوّته فيها من المرجعيات التي يستند إليها: كانت "ستالين، نابليون، وموبوتو، و. ر. هيرست، وأوناسيس" كلّهم مستمَدّون من ثقافة أبطال من نوع ما في أيّامهم وبعدها؛ وعشرات العلماء بدءًا من أفلاطون، هوبز، مكيافيللي، ماركس وغرامشي، إلى وضْع كلّ من فوكو وألتوسير نظريات حول طبيعة السّلطة، وهكذا، يبدو أنّ لدينا موقفًا متناقضًا بشكل غريب تجاه السّلطة يجذب وكذلك يصدّ، إنّها تسحر وتمقت في نفس الوقت؛ لها جمال بالإضافة إلى قبحها الذي يتناسب مع قلّة ظواهر أخرى"([11]).

لا يُؤخذ الخطاب السّياسيّ على أنّه مسلّمات أو مواقف تلقائيّة لأنّ ما يطرحه مِنْ أفكارٍ لا علاقة له سببيّة بما يحدث في الواقع، ما يولّد الصّدام والتّناقض في التّقييم والحكم على الأشياء، لهذا يقترن عند البعض بالكذب لأنّه يوهم بالاندراج في فعل التّواصل واستخدام قواعده، ولكنّه في الحقيقة يكسرها ولا يعتمد منها إلاّ ترتيب المؤشّرات([12])، فيراه البعض مناظرًا للواقع، ويؤوّله آخر على أنّه شكلٌ من أشكال التّمرّد على أنساق التّواصل، فتكون المفارقة بيْن القصد والقول والفهم والتّأويل، فتُواجَه العلامات اللّغويّة بروابطَ جديدة تحكمها مقاييس القيمة الاجتماعيّة على مستوى الوظيفة النّفعيّة لا المثال النّمطيّ، أو كما يقول أدريان بلاكليدج: "فإنّ بُعْدَ تزايد سلطة الخطاب وقوّته عندما يكتسب شرعيّةً في المجالات السّيميائيّة الجديدة أمرٌ بالغُ الأهمّيّة لفهْم كيْفيّة تمثيل المجموعات المختلفة وتواجدها في المجتمع لتشكِّل إيديولوجياتٍ مهيمِنة، وعمليّة تحويل الخطاب هذه عبْر حركة المعاني على طول سلسلة الخطاب نحو سياقٍ أكثر شرعيّةً وسلطةً هو جانب رئيسيّ من إعادة السّياق، كثيرًا ما يتمّ تجاهله، (...) إذْ غالبًا ما تكتسب الحجّةُ التّمييزيّةُ القوّةَ في الخطاب السّياسيّ من خلال تكرارها في سياقاتٍ تزداد قوّةً، وهذا جانبٌ هامّ في تحليل الخطاب السّياسيّ"([13]).

في حقيقة الأمر الخطاب السّياسيّ لا يعنيه مفهومَا الصّدق والكذب، فقط هو الصّوت الذي يصف الظّاهرة ويوهم بأنّها مشكلة تجدر العناية بها، ولكنّ الأمر لا يتجاوز مستوى إثارة الجدل ومناظرة الخطاب بالخطاب في المشاركة والتّزامن، وليْس في الجوهر أو البُعد التّاريخيّ، وليس من الضّروريّ أنْ يوافق التّركيز على الأبعاد الخطابيّة في السّياسة دراستَه التّحليليّة المنهجيّة، لأنّها تتّخذ طوق القرارات العامّة بما يسمح بقراءتها سياسيًّا واجتماعيًّا بكثافة وتعقيدٍ لا يكشف الضّمنيّ، ولكنّه يولّد الأشياء حين يتقاطع الثّقافيُّ مع المحتوى الإعلاميّ (صدى السّياسيّ) فيجادله ويكسر ذلك الطّوق ويبني للحياة الاجتماعيّة، وليْس لنظام التّسييس ومفاهيمه في سلطة القرار وخفاياه([14]).

يخرج القول عن معناه الحرفيّ، فقد يعمل رجل السّياسة على توظيف مختلف مستويات اللّغة، ويحاول أنْ يضعَ خطابه في السّياقيْن الاجتماعيّ والثّقافيّ، لكن يقصر هذا الخطابُ عن بلوغ المنتهى من النّظريّ لأنّه نموذج سياقيّ لا يخرج عن إطار التّمثيلات المعرفيّة التي لا تقدر على دمْج الذّات في الأحداث التّواصليّة أو عن تخليصها من قيودها الشّخصيّة، ومن ثمّ يظلّ استخدامه اللّغةَ غير قادر على وصْف ما يُفترَض أنّه مشترَكٌ اجتماعيّ وثقافيّ، فإذَا بُعْدُ الخطاب لا يتجاوز حدود الشّخص وسياق الخطاب([15]) وقد تُفسَّر هذه الجدليّة بيْن الفرد والمجتمع ببعض ما قاله محمود أمين العالم: "إنّ الأفراد بكلّ تميّزهم هم تعبير معقَّد للظّروف التّاريخيّة والاجتماعيّة والنّفسيّة، ونجاحهم أو نجاح أفكارهم لا يُنسب إليْهم وحدهم، بقدر ما ينتسب إلى ملاءمة هذه الأفكار للملابسات والاحتياجات التّاريخيّة والاجتماعيّة أساسًا، (...) وإذا كان للملامح الذّاتيّة تأثيرٌ وفاعليّة فلعلّ انتسابه الطّبقيّ ووضعَه الاجتماعيّ أنْ يكون له التّأثيرُ والفاعليّة الأكبر"([16]).

اللّغة والمعرفة والسّياسة والبحث عن الحقيقة أو البرهنة عليْها من خلال التّفكير النّقديّ، وصراع الفهم الخاطئ والخداع، وتعارض جزء كبير منها ناتج عن نزاعات فعليّة أكثر تعقيدًا من قوانين اللّغة ولعبة تنميط الخطاب فيها حين تُطرح أسئلة عديدة عن مدى الاحتفاظ بالمعلومة دون تقنينها أو التّأكيد عليْها، فليْستْ كلّ البيانات السّياسيّة ممّا يشي بطبيعة الحُكْم أو مرونة النّظام، إذْ لهما أشباه ونظائرُ في الكلّيات التي تختلف، لا محالة، في مبرّرات الخطاب واستخدامه ونتائجه.

2-   الكلام في الخطاب السّياسيّ أبنيته ومعانيه

الكذب تفكيرٌ ووعيٌ واستفزازٌ وتعبير حين يعمد المتكلّم في الخطاب السّياسيّ إلى تغيير الكلام ومعاني الكلمات من أصولها المعجميّة إلى تحويل السّياقات سِحْرًا وإيهامًا وإيغالاً في إخفاء حقيقة النّيّة والقصْد؛ مجازٌ في غيْر حقيقة، وإيغالٌ في الواقع دون العناية به حين يريد رجل السّياسة تغليفَ ايديولوجيّته فتطفو حتّى وإنْ أراد صاحبُها محاصرتَها أو إخفاءَها، والخطاب يدور في الحياة والمجتمع أمّا تأويله فامتزاجُ نحوِ لغةٍ بمنهجِ عرْضٍ وقطعٍ مع النّمط؛ إنّه ارتياب المتلقّي في وثوقيّة المتكلّم لما يتبنّى العلامات ويُقصي أبعادها إلاّ في ما به تكون السّياسةُ وخطابُها ضماناتِ وصولٍ وبقاءٍ، وتمارس اللّغة سحرها آنَ التّلقّي، لكن سرعان ما تنكشف مفارقاتها في المشابهة بيْن المظهر والمخبَر، وبيْن الواقع والإيهام به، ومِنْ مبرّراتها ما يقوله محمّد بدوي: "لنكشف فيها وعيًا محجوزًا مقموعًا، إنْ لمْ يكن قادرًا على صياغة ايديولوجيا نصّيّة مكتملة، فهو على الأقلّ يضع الايديولوجيا السّائدة في موضع سؤال، ليكون ذلك بدْءًا للشّكّ في صحّتها وسلامتها"([17]).

المجتمع لا تعنيه اللّغة ولا تراكيبها ولا بلاغتها، فَفِئاته موزّعة إلى مصالح ومواقف وقدرات وأعمال وأفكار في جوانبَ كثيرة منها تأتي مقترحات بديلة رافضة للمقول من الخطاب المحتمل في العمل، والضّمنيّ هو أصل الأشياء المشترَكَة بيْن الباثّ/ رجل السّياسة والمتلقّي/ المثقَّف على وجه الخصوص، وأنْ يدور خطاب السّياسة في ثنائيّة الشّكّ واليقين فهذا يعني أنّ فيه من الثّغرات التّواصليّة ما يجعل الشّهاداتِ حوله وليدةَ تعقيداتٍ يظنّ صاحبُها بساطتها وانتماءَها إلى مختلف شرائح المجتمع، ولكنّه بوهْم التّشاركيّة يزيد الأسئلة الدّائمة حول مفاهيم الذّات والدّولة، ويجعل الثّقافة والانتماء أكثر كثافةً في العلاقات بيْن مختلف المجموعات التي وإنْ تتّفقْ في تلقّي الصّور والسّرديات المتعلّقة بها فإنّها مختلفة – لا محالة – في مناقشتها ونقدها وربّما تهجينها بما لا يضمن عمليّة البناء ولا يؤسّس لثقة أوِ ائتمان أو صِدْقٍ؛ تباينٌ في الخلفيّة الفكريّة وأغراض الخطاب، فالمتكلّم السّياسيّ يركّز على الثّقافة في حدودها الجمعيّة، ويبحث المخاطَبُ المثقّف في الأبعاد الحضاريّة الإنسانيّة.

2-1-   مميّزات اللّفظ والمعنى وسياقات التّحوّل:

خاصيّة الخطاب السّياسيّ التّعمية ولا إيحاءَ، ووضعيات قول ولا تأويلَ إلاّ  عند فئة من المتلقّين، لأنّ التّركيز من خلالها ليس على غايات القول وإنّما على أُطُرِ فكرة أو وِجهة نظر أو توجّهٍ إيديولوجيّ يظلّ الإنجاز معه مشروعًا وأثرًا بالقول، ولا يُعتبَر ذلك كذبًا عند السّياسيّ بل إضفاء شرعيّة تجاه نظام حُكم أو إيهام ببناء دولة، وتُرجع كلّ من كاترينا كارتا وروث وداك هذه الثّنائيات والتّناقضات بيْن القول والمعنى في الخطاب السّياسيّ إلى صعوبة "ترجمة السّياسات إلى فعليّة الممارسات"([18])، فاللّغة ظاهرة مُعقّدة تعتمد على السّياق، أمّا الواقع فيمتزج فيه السّياسيُّ بالاقتصاديّ بالاجتماعيّ، ويُقنّعُ ذلك بالمبرّرات الآنيّة وخلفياتها التّاريخيّة.

قد يشعر رجل السّياسة بأنّ ما يقول لا يعني ما يريد التّعبيرَ عنه فعلاً، فيُؤَوَّلَ قوله بشكل مختلف، وذلك كما تقول كاترين كيربراتأوريكيوني: "في حال أنّ النّيّةَ التّداوليّة التّواصليّة التي يُضمرها كانت بعكس ذلك، أنّه مُلزَم لدى صياغة القول باستباق التّأويل المشتقّ الذي يقع في غير موضعه وتَحاشيه بواسطة تحفّظٍ خطابيّ مُلائم"([19]).

ملاءمةٌ ينسجم معها المنطوق الكلاميّ مع الأُطُر الحافّة به في المقام، ولكن قبْل ذلك انسجام إنشاء القول مع إنجاز الفعل المناسب بشكل بيّنٍ([20]) وذلك بتجنّب:

·     التّراكيب البديلة مثْل:

(1)     تَكُونُ الانْتِخَابَاتُ فِي شَهْرِ جويلية أَوْ سبتمبر.

·     الكلمات الذّاتيّة المعبِّرة عن الشّكّ والتّخمين مثل:

(2)     لاَ أظُنُّ الشَّعْبَ يَشُكُّ فِي مِصْدَاقِيَّةِ مَا أَقُولُ.

·     التّوقّعات الوثوقيّة مثْل:

(3)     أَنَا الْفَائِزُ فِي الانْتِخَابَاتِ الرِّئَاسِيَّةِ، فَلاَ وُجُودَ لِمَنْ يُنَافِسُنِي فِيهَا.

·     اعتماد المعلومات الخارجيّة كمُرادفٍ لاعتقادات الذّات وبرامجها الموضوعة مثْل:

(4)     الشَّعْبُ هُوَ صَاحِبُ السِّيَادَةِ وَالْقَرَارِ.

·     اشتمال القول على المعلومات "الموسوعيّة" بوصفها تمثّل المفاهيم الكلّيّة التي لا تتغيّر بتغيُّر الزّمان والمكان مثْل:

(5)     الدُّسْتُورُ هُوَ مَصْدَرُ السُّلْطَةِ.

أنماطٌ وأشكالُ خطاب تقف عند محتواها الحرفيّ، أمّا التّأويل فمرجعه عالَم التّجربة والخطاب "متعدّد الأصوات" بمَا يُخالفُ الخطاب السّياسيَّ حين يقترب، في سياقٍ أوّل، من مختلف فئات المجتمع ضمن لقاءٍ أو تعليق، لكن إذا نُظِر إليه في سياقٍ ثانٍ فإنّه يتجاوز العلامة إلى الرّمز فلا حيادَ في التّحوّل من مجال "القوّة" في المشهد والتّأثير إلى مجال "القوّة" في الموقع والتّأكيد "على الحاجة إلى مراقبة حدود اللّغة والمشهد اللّغويّ"([21]) بيْن السّياسيّ والمثقّف، أو بيْن إنتاج النّصّ وتطوّر الخطاب حين يعرِض السّياسيُّ سماتٍ محدّدةً من الخطاب، ويبحث المثقّف في اختياراتها المعقّدة وفيما يوجّهها بالرّبط بيْن استخدام اللّغة والعوامل الاجتماعيّة التي ولّدتها، فتتعلّق أسئلة المثقّف بما اعتُبِر من الخطاب اليوميّ وليْس فيه من الارتباط به إلاّ تماسك الألفاظ في أنساقها اللّغويّة، أمّا رموزها ومؤشّرات الظّواهر غير المعلن عنها فهي من خصائص التّفكير والتّأويل والبحث في النّسبيّ منها المتغيّر، وهو ما يرشّح ثنائيّة الصّدق والكذب والتّباين الهيكليّ بيْن المقول والمسكوت عنه؛ يقول جون سورل: "هناك عالم واقعيّ يوجد وجودًا مستقلاّ عن الكائنات الإنسانيّة وعمّا يفكّرون به أو يقولون عنه، وتكون الأحكام بصدد الأشياء والحالات الفعليّة في هذا العالم حقيقة أو زائفة استنادًا إلى ما إذَا كانت الأشياءُ في العالم توجد فعلاً بالطّريقة التي نقول إنّها موجودة عليْها"([22]).

لا يبحث رجل السّياسة في حاجات الشّعوب، وإنّما يجعل خطابه بديلاً خياليًّا يُعبّر من خلاله عن وهْم الواقع في أنساق لغويّة يُظهرها أكثر جمالاً في اتّساق المادّيّ بالرّوحيّ، أو التّوجّه الفكريّ بالانفراط الوجدانيّ "له مفعول السِّحْر الذي يجاوز سحر البيان حتّى انصرفت المثاليّة البشريّة إلى ما [به تتوطّد] القواعد وفق ما تنسجم مع ميول [طبقة السّياسيّين] وصراعهم المحموم على السّلطة حتّى أفقدت النّاس هُويّتهم وصاغتهم حسبما يكفل لهم (السّياسيّون) السّطوة والسّيْطرة على مقاليد الأمور"([23]).

لغةٌ ونقْدٌ يلتقيان في اختيار اللّفظ وبناء التّركيب، ويفترقان في ثنائيّة الإثبات والنّفي أو المزاج الفرديّ ومعطيات العصر الثّقافيّة والاجتماعيّة، فالمصداقيّة التي يبحث عنها المفكّر في خطاب السّياسة هي مدى ربْط الذّات بالواقع ضمن لغة انفعاليّة توهم بالتّرابط المنطقيّ وتَضَمُّنِ وجهة نظر موضوعيّة([24]) ولكنّ العبارة واحدةٌ ودلالاتها مختلفة بيْن واقع الحال وعالم الخيال من الخطاب حتّى بالنّسبة إلى المتكلّم نفسِه ارتباطًا بحالات التّلقّي الممكنة، ومن هنا تبدو نسبيّة الصّحّة والخطأ، أو الصّدق والكذب، ذلك أنّ تقييم القول "يُمكن تحديدُه فقط بالنّسبة إلى حالة معيَّنَة (مقام الحال، أو بنية الخطاب الكلّيّة)"([25])، وليس المقصودُ ببنية الخطاب الكلّيّة الكيانَ النّحويَّ، وإنّما استخدامها لأداء نوعٍ معيّنٍ من أفعال الكلام يُجريه صاحبهُ لإبداء رأيٍ يراه حقيقة فيستدلّ عليْها، ومن هنا تكون ثنائيّة الصّدق والكذب عنده تصوّرًا ذهنيًّا يربطه بمقام التّلقّي وثنائيّة القبول والرّفض، أو كما يقول بول كروجر: "كتقدير أوّلي، دعُونا نحدّد الافتراضَ بأنّه معلومة مُشفّرةٌ لغويًّا وجزءًا من الأرضيّة المشتَرَكَة آنَ التّلفّظ، ويشير مصطلح "الأرضيّة المشتَرَكَة" إلى كلّ ما يقوله الباثّ والمتلقّي كلاهما، أو يعتقدانه مدركيْن  أنّ لديْهمَا قواسمَ مشتركَةً"([26]).

ومن الطّبيعيّ ألاّ يشملَ هذا المشتركُ النّيّةَ والقصدَ، والفهمَ والتّأويلَ، لكن يشمل العالَمَ في مرجعيّاته ومكوّناته، أو المعطيات اللّغويّة في الملفوظ وليْس في التّوافق على الاختيار وطريقة الاستخدام، ذلك أنّ الخطابَ السّياسيَّ يشي بنوعٍ مخصوص من الإدراك يركّز من خلاله المتكلّم على استخدام اللّغة وأدائها، مع توظيف القدرات المعرفيّة في سياق ثقافيّ عامّ، لا تعنيه فيه القواعد بقدر المعنى الوظيفيّ للشّكل من خلال التّعميم والتّمثيل([27])، بل المجاز والاستعارات تُثبّت الكلمات في ما يُسمَّى بِـ "الإيديولوجيّة الخفيّة" "نموذجًا يعمل في اللّغة والتّفكير في مجموعة اجتماعيّة، فيخلق فهمًا قد يتزامن أوْ لا يتوافق – وربّما يتعارض في كثير من الأحيان – مع الممارسة الفعليّة، أو مع النّماذج الأخرى التي تُوجّه السّلوك، (...) إنّ الإيديولوجيا – بما هي خدمة السّلطة – لا تكون بالضّرورة "ضارّة"، ببساطة لأنّها تمثّل "خطأ الوعي" الذي يتعارض مع الواقع المادّيّ" ([28]).

2-2-   الكذب خاصيّة تداوليّة في الخطاب السّياسيّ:

وظائف الخطاب السّياسيّ محدَّدَة مُسْبَقًا، ظاهرها فسْح مجال الجدال وبناء التّواصل اللّغويّ، وباطنها مسكوتٌ عنه لا بدّ من توقُّع الوظيفة الأخرى غير المعلنة تشي بها هيْكلة اللّغة بل سياق استعمالها الاجتماعيّ – السّياسيّ المحكوم بالمصلحة الفرديّة، الموجَّه بالخداع والتّلاعب في الاتّصال حين يحرص رجلُ السّياسة على أنْ يُقيمَ اتّساقًا بيْن ما في سريرته وإمكانيّة تمثيله في المفترَض من الدّلالة، لا يعنيه بلوغها في الواقع مادام قد أوجد من ضمانات التّأويل ما يكون إعطاءَ معلوماتٍ وليْس حُججًا على إمكانيّة التّدقيق المنطقيّ، ومن هنا لا يؤدّي التّواصلُ اللّغويّ في الوسط الاجتماعيّ إلى "منطق الإقناع والإقناع المضادّ، بل إلى نوعٍ من تصاعد "سباق التّسلّح" التّواصليّ"([29]).

يرتبط خطاب السّياسيّ بظرف يجعله يستعمل عباراتٍ وكلمات توافق المقام؛ وإذْ يشترك المتكلّم والمخاطَب فيه فقد يكون الفهم في الحال يقف عند معنى اللّفظ في ظاهر معناه إذْ لا تنافرَ بيْن المحتوى والواقع، لكن إذَا تغيّر المقامُ قد ينقلب الصّدقُ كذبًا خاصّة حين لا يوافق القولُ المنتظرَ في الفعل، ويتحوّل التّصوّر إلى اعتقاد، وهذا مرتبطٌ، كما يقول شكري المبخوت بِـ "ما يتضمّنه القول وما يُقصيه وما قد يوقع فيه من أخطاء، إنّه بُعدٌ من أبعاد القول يتحدّد داخل ظروف القول والغايات منه وما جُعِل لأجل تحقيقه، أيْ أنّه مرتبطٌ بعمل الخطاب وما يقتضي مجمل عمليّة القول"([30])؛ شروط استعمال لا تتقيّد باللّفظ في أصل معناه المعجميّ وإنّما تولّد منها مضامين أخرى في الاستعمال والإنشاء، وليْس فقط رهْن الوضع والتّقرير الخطابيّ، فقد يُلقي رجل السّياسة خطابه في موضوع ما، ويتمّ اختيار الكَلِم بما ينسجم وما يُريد توظيفَ اللّغة من أجله، وهو بهذه الطّريقة يريد تحقيق الانسجام بيْن عالَميْن ذاتيّ وموضوعيّ، ويعتقد أنّ لغة خطابه يمكن أنْ تستوعبَ كليْهما، ولكنّه يُخالف الواقع ويقطع معه: إرادةً وقسْرًا، بإغراقه في المثاليّة من ناحية، ولتعطّل العلاقات الاجتماعيّة من ناحية أخرى بمَا أنّ تنظيم اللّغة ليْس جزءًا من احتياجات المجتمع في وضعه ومقترحاته التي تُقصَى من الواقع التّجريبيّ، وتقف عند تمثيله بصفةٍ جزئيّة، وهو ما يمكن اختزاله في الرّسم البيانيّ التّالي:

 

 

 

 

 

 

الشّكل 1. التّمثيلات الصّوريّة: الإطار ومتغيّرات المحتوى([31])

قد يتّخذ رجل السّياسة من أفعال الكلام منهج وصف للسّائد، ويُعيد إنتاجه بما يُضفي عليْه قيودًا إيديولوجيّة واختياراتٍ مضمّنة، وهو ما نجد أصداءه عند ديفيد هيتشكوك في بحثه عن المنطق الفعليّ والآخر الافتراضيّ الذي يحكم أيّ خطاب، ما يظهر منه وما يخفى، وما يكون اعتقادًا بطريقة وحيدة أو استنتاجًا باتّباع منطق حجاجيّ؛ أحاديّةٌ وسببٌ لإثارة الشّكّ واعتبار الاستنتاج جزءًا من مواصفات متغيّرة، وبابًا لمفارقات التّضمين؛ يقول: "قد نعمد، طبعًا، إلى حذف الافتراضات من استدلالاتنا، لكن نفعل ذلك دون وعيٍ، فالكثير من التّفكير الكلاميّ، وخاصّةً التّفكير المنطوق في المحادثة اليوميّة، يتمّ في سياقٍ يتشارك فيه المتحدِّثُ والجمهورُ المعتقداتِ، وإذْ تكون وظيفة مثل هذه المعتقدات كإطار ضمنيّ، فليْس للمتحدّث ولا للجمهور أنْ ينتبهَا إليْها، لكن من المرجّح أنْ يُوافقَ هذا الإطارُ الضّمنيُّ غير المقصود ما يعتقد النّاسُ وليْس ما يفكّرون فيه، أو جزءًا من المعرفة الإجرائيّة عِوَض محتوى المعرفة، وعلى أيّ حال، لا بدّ مِنْ إظهار خلفيّة اعتقاد الباثّ فيما يجعله مقدّمة غيْر مُعلنَة"([32]).

وثنائيّة الخفاء والتّجلّي لها خلفيّة أخرى وهي الخطاب بيْن المشافهة والتّدوين، والتّأثير والتّفكير، والإنشاء التّعبيريّ والعقل المنطقيّ الذي به يكون الخطاب السّياسيّ ناطقًا بكلّ شيْء غُفْلاً من كلّ شيْء، فيُضعِف ذلك الوظيفةَ التّواصليّة ويحوّل الخطاب إلى أطُرٍ لا تتجاوز حدود الذّات أساسها الحجاج يغيّر الأحداث الاجتماعيّة من مجالها العامّ إلى مجال المعتقد والصّراع على السّلطة، فتُصرّف اللّغة وفق الأهواء والغايات، ويتمّ الانزياح بها من العلامة والمرجع إلى البنية والسّياق في علاقة الخطاب بصاحبه من ناحية، وفي علاقة كليْهما بالمتلقّي من ناحية أخرى، أو بعبارة بيثان  ديفيز: مَنْ الذي يتكلّم فعلاً، وإلى مَن يتوجّه بالخطاب؟ وأين تكمن القيمة؟ وهل ينبغي أنْ يكون المطلوب هو التّوافق بيْن الفعل الكلاميّ وما قد ينشأ حوله من توقّعاتٍ هي بعض آثار القول في الواقع أو إمكانيّة عرْض الذّات في "برامج" سياسيّة لا يمكن أنْ يعكس إلاّ ثقافة الاختيار السّيّء لتوظيف اللّغة في غيْر مقاماتها؟([33]).

3- النّتائج

- استخدام اللّغة في الخطاب السّياسيّ غيْر "تعاونيّ"، بمفهوم غرايس، للأسباب التّالية:

·  الخطاب أحاديّ الجانب في التّلفّظ يُقصي الطّرفَ الآخر ويجعله مجرّد متقبّلٍ سلبيّ، بل يعمل "الخطيب" السّياسيّ على التّأثير بالقوْل دون أنْ تكونَ له عناية كبيرة بالمُضَمَّنِ فيه؛

·  يقول رجلُ السّياسة ما يعتقد فعْلاً أنّه غيْرُ صحيح، ومع ذلك يحوّل خطابَه من التّداوليّ إلى النّفعيّ الذّرائعيّ، إذْ يُصرّف الكلام ويجعل الوهْمَ فيه حقيقة، والخيال واقعًا، والكذبَ صدقًا؛

·  قد يجعل رجل السّياسة كلامَه موافقًا لسياق التّلفّظ ومقامه، لكنّ غلبة الشّكّ على اليقين فيه تعود إلى مبرّرات اختيار الظّرف وتحويل القول من التّقرير إلى الخطابة، ومن العقل إلى الوجدان؛

·  المنهج الذي يتّخذه رجل السّياسة في كلامه يكون مقدّمة ولا استنتاجَ إلاّ في المخيال الجماعيّ يقلّ معه الوعيُ والإدراكُ، ولا تُكْشَفُ لعبة القول إلاّ في ربْط اللّغة بالثّقافة وكشْف وهم الوضوح في الغموض، والتّحديد في اللّبس، والإطناب في الإيجاز ضمن المسكوت عنه.

- قد يبدو تحويل الخطاب السّياسيّ من شكله اللّغويّ إلى بديله المرتكِز على الوعي والاهتمام بعلاقة الشّكل بالمعنى أمرًا عبثيًّا، وقد يُبرَّرُ ذلك، ككلّ خطاب إيديولوجيّ، لا يُعتَقَد أنّه المقصود منه وبه الأمثلة الصّريحة المذكورة فيه بقدر ما يطرح النّقاط الدّقيقة في الأمثلة الضّمنيّة من التّصريف اللّغويّ، وهو ما يجعل المخاتلة والشّكّ يدوران حوله، فيُنعتَ بالكذب.

- هناك تباينٌ بيْن الخطاب في نموذجه الأصليّ وما يُخفيه من خلفيات إيديولوجيّة، وبيْن قراءته وتأويله فيما يُعتبَر وصفًا للخطاب وللغته المستخدمة، فيكون ذلك مصدرًا أساسيًّا للاختلاف والتّنوّع في مصادر البناء ومراجع التّأويل، فاللّغة في الخطاب السّياسيّ تُستعمل في مظهرٍ صريحٍ و"مهارة" استعمال لكن بشكلٍ سلبيٍّ ضمن متغيّراتها العمليّة البراغماتيّة: نحوٌ في التّركيب وفي الاتّصال واستمرار تقنيع المفهوم بما وراء اللّغة ومركز الأدوار التي يُؤدّيها رجل السّياسة في التّأثير الاجتماعيّ والإيهام بالاستحقاقات وخُلْفٌ في الصّوت والصّدى، واللّفظ والمعنى، والسّياق ومقامات التّلقّي.

- الخطاب السّياسيّ بيْن الحقيقة والرّمز، والممارسة في التّعبير عن الذّات وأهوائها تحت القناع/ الدّولة والمجتمع، والتّحوّل في ترجمة الخطاب من أنماطه واتّجاهاته المحدّدة إلى المعرفة والتّوثيق ودراسة العوامل الأساسيّة لإنشاء الخطاب السّياسيّ، وهي الاجتماعيّة والثّقافيّة، ممّا يُخرج اللّغة في استعمالها في نقطة زمنيّة معيّنة إلى توثيقها من منظور ثقافيّ نقديّ للإيديولوجيات والسّلطة المهيْمنة.

 الخاتمة

أردنا من خلال هذا البحث تبيين الخطاب السّياسيّ في مختلف الثّنائيات التي يقوم عليْها، وأبرزها ثنائيّة الصّدق والكذب من منظور الأعمال اللّغويّة في الأنساق والنّظام، ومن ناحية أفعال الكلام في الأثر والتّأثير ضمن التّداول والإدراك، ومهما تكن طبيعة اللّغة المستعمَلة فإنّ تبنّي منظور ما تجاه استعمال اللّفظ والهدف منه يقوم على تعدّدٍ في المواقف رغم الانطلاق من أنماط مشترَكَة، ذلك أنّ التّحوّلَ من سياق اللّغة إلى بناء طُرُقِ بحثٍ فيها يشي بعواملَ معقّدةٍ في التّخلّص من حالة المجال في إلقاء الخطاب إلى طرْح أسئلة عديدة قد تكون مداخل بحثٍ جديدة نصوغها على النّحو التّالي:

1- أنواع الخطاب السّياسيّ بيْن القياس والمعيار، وهل تُنْسَب فيها القيم السّلوكيّة والعاطفيّة إلى المتكلّم أمْ إلى المخاطَب؟ وهل قيمة الخطاب في لغته أمْ في وظائفه وما يعلق منها في الأذهان اعتبارًا للمعنى وافتراضًا للدّلالة؟

2- اعتماد رجال السّياسة تصميم منهجيات مختلفة في خطاباتهم ومسألة الذّرائعيّة بيْن تحقيق الوجود الذّاتيّ، ولُغة الكلام حين تكونَ عملاً "فنّيًّا" يُبْهِر ولا يُجدي؛

3- قراءة الخطاب السّياسيّ قراءة مقارنة لتبيّنِ إنْ كان للإطاريْن الزّمانيّ والمكانيّ أثرٌ في إظهار المواقف السّياسيّة في علاقتها بالسّلطة والهيْمنة، خاصّة إذَا نُظِر إلى المسألة من جهة ثنائيّة شمال جنوب.

 

 


المصادر والمراجع

أركيولوجيا التّوهّم انطباع فرويديّ، جاك ديريدا، ترجمة: عزيز توما، مركز الإنماء الحضاريّ، ط. 1، حلب، 2005م.

الأسُس اللّغويّة لعلم المصطلح، محمود فهمي حجازي، مكتبة غريب للطّباعة والنّشر، ط. 1، القاهرة، 2018م.

إشكاليّة المصطلح في الخطاب النّقديّ العربيّ الجديد، يوسف وغليسي، الدّار العربيّة للعلوم ناشرون، بيْروت؛ منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة، ط. 1، 2008م.

بلاغة الكذب نصوص على نصوص، محمّد بدوي، الهيْئة العامّة لقصور الثّقافة، ط. 1، القاهرة، 1999م.

العقل واللّغة والمجتمع الفلسفة في العالم الواقعيّ، جون سورل، الدّار العربيّة – ناشرون، بيْروت؛ منشورات الاختلاف، الجزائر العاصمة؛ المركز الثّقافيّ العربيّ، بيْروت، ط. 1، 2006م.

لسان العرب، محمّد بن منظور، دار صادر، بيْروت، د. ت. [المجلّد الأوّل]

المصطلح خيار لغويّ.. وسِمة حضاريّة، سعيد شبار، وزارة الأوقاف والشّؤون الإسلاميّة، ط. 1، الدّوْحة، 2000م.

المُضمر، كاترين كيربراتأوريكيوني، ترجمة: ريتا خاطر، مراجعة: جوزيف شريم، مركز دراسات الوحدة العربيّة، ط. 1، بيْروت، 2008م. [1998]

نظريّة الأعمال اللّغويّة، شكري المبخوت، مسكيلياني للنّشر والتّوزيع، ط. 1، زغوان 2008م.

نظريّة المصطلح النّقديّ، عزّت محمّد جاد، الهيئة المصريّة العامّة للكتاب، ط. 1، القاهرة، 2002م.

الوعي والوعي الزّائف في الفكر العربيّ المعاصر، محمود أمين العالم، دار الثّقافة الجديدة، ط. 2، القاهرة، 1988م.

 

Kaynakça / References

Al-‘akl wa’l-lugha wa’l-mujtama falsafa fil-‘alim alwakii, John Searle, al-Dar al-ArabiyaNachirun, Bayrut; Manchurat al-Ekhtilaf, al-Jazaer al-Asima; al-Markaz al-Thakafi al-Arabi, Bayrut, Ta1, 2006 m.

Al-modhmar, Catherine Kerbrat-Orecchioni, Tarjamat: Ryta khater, Tahkik: Josef Charim, Markaz Dirasat’l-wahda al-Arabiya, Ta1, Bayrut, 2008m. [1998]

Al-mustalah Khiyar Lughawi.. wa Sima Hadhariya, Said Chabar, Wizaratu’l Awkaf wa’l-Chuun al-Islamiya, Ta1, 2000m.

Al-usus al-Lughawiya li’Ilm al-Mostalah, Mahmud Fahmi Hijazi, maktabat Gharib li’l-Tibaa wa’l-Nachr, Ta1, Al-Kahira, 2018m.

Al-wayu wa’l-Wayu al-zaif fi al-Fikr al-Arabi al-Muasir, Mahmud Amin al-Alim, Dar al-Thakafa al-Jadida, Ta2, al-Kahira, 1988m.

Analysing Political Discourse Theory and Practice, P. Chilton, Routledge, London & New York, 2004.

Analyzing meaning an introduction to semantics and pragmatics, P. R. Kroeger, Language Science Press, Berlin, 2018.

 Arkyulujia al-Tawahhumintibaa Freuyidi, Jacques Derrida,  Tarjamat : Aziz Tuma, Markaz al-‘Inmaa al- Hadhari, Ta1, Halab, 2005m.

Balaghotu’l-kadheb Nususun ala nususin, Muhamed Badawi, al-Hayat al-Amma li kusur’l-Thakafa, Ta1, al-Kahira, 1999m.

Discourse A Critical Introduction, J. Blommaert, Cambridge University Press, New York, 2005.

Discourse analysis, Policy Analysis, and the borders of EU identity, C. Carta & R. Wodak, Journal of Language and Politics 14: 1, 2015, pp. 1 – 17.

Discourse and context, T. A. Dijk, Cambridge University Press, New York, 2008.

Discourse and Power in a Multilingual World, A. Blackledge, John Benjamins Publishing Company, Amesterdam, 2005.

Ichkaliyat al-Mustalah fi’l-khitab al-Nakdi al-Arabi al-Jadid, Yusuf Waghlisi, al-Dar al-Arabiya – Nachirun, Bayrut; Manchurat al-Ekhtilaf, al-Aazaer al-Asima, Ta1, 2008m.

Introduction: Oral poetics and cognitive science, Cánovas, C. P. & Antović, Oral Poetics and Cognitive Science, Walter de Gruyter GmbH, Berlin/Boston, 2016, pp. 1 – 11.

Lisan’l-Arab, Muhamed Ibn Manzur, Dar Sader, Bayrut, D. T.

Messing with Language in Montréal: challenges, transgressions and humor, CO1-13: ID 187 Creativity and play in the multilingual/ multimodal semiotic landscape, P. G. Lamarre & L. Mettewie , Sociolinguistics symposium 21 Attitudes and Prestige Murcia 15 – 16, Universidad de Murcia, 2016,  pp. 111 - 115.

Meta discourses of race in the news: the celebrity big brother row, B. L. Davis, Language Ideologies and Media Discourse Texts, Practices, Politics, Continuum International Publishing Group, 1rst pub., New York, 2010, pp. 162 – 181.

Metaphor as ideology The Greek folk modelof the epic tradition, W. Duffy & W. M. Short, Oral Poetics and Cognitive Science, Walter de Gruyter GmbH, Berlin/Boston, 2016,  pp. 52 – 78.

Nazariya’t -al-Mostalah al-Nakdi, Izzat Muhamed Jad, al-Hayaa’l-Misrya’l-Amma li’l-kitab, Ta1, Al-Kahira, 2002m.

Nazariyat’l-Aamal a’l-Lughawiya, Chokri Mabkhut, Miskilyani li’l-Nachr wa’l-Tawzii, Ta1, Zaghwan, 2008m.

On Reasoning and Argument Essays in Informal Logic and on Critical Thinking, D. Hitchcock, Springer International Publishing, New York, 2017.

Politicization and Depoliticization Employment Policy  in the  European Union, P. Muntigl, Politics as Text and Talk  Analytic Approaches to political discourse, John Benjamins Publishing Company,  Amsterdam/ Philadelphia, 2002,  pp. 45 – 79.



([1]) Discourse and Power in a Multilingual World, A. Blackledge, John Benjamins Publishing Company, Amesterdam, 2005, p. 4.

([2]) انظر: لسان العرب: 1/ 704

([3]) أركيولوجيا التّوهّم انطباع فرويديّ: 120

([4]) الأسُس اللّغويّة لعلم المصطلح: 127- 129

([5]) إشكاليّة المصطلح النّقديّ العربيّ الجديد: 31- 32

([6]) إشكاليّة المصطلح في الخطاب النّقديّ العربيّ الجديد: 44

([7]) الأسُس اللّغويّة لعلم المصطلح: 211

([8]) الأسُس اللّغويّة لعلم المصطلح: 206

([9]) لتبيُّن بعض مظاهرها، انظرْ: المصطلح خيار لغويّ.. وسِمة حضاريّة؛ نظريّة المصطلح النّقديّ: 139- 140

([10]) Discourse A Critical Introduction, J. Blommaert, Cambridge University Press, New York, 2005, p. 158.

([11]) Discourse A Critical Introduction, J. Blommaert, op. cit., p. 1;

نظريّة المصطلح النّقديّ: 246 – 250

([12]) Discourse A Critical Introduction, J. Blommaert, op. cit., p. 77.

([13]) Discourse and Power in a Multilingual World, A. Blackledge, op. cit., p. 13.

([14]) Discourse analysis, policy analysis, and the borders of EU identity, C. Carta & R. Wodak,  Journal of Language and Politics 14: 1/ 2015, p. 8.

([15]) Discourse and context, T. A. Dijk, Cambridge University Press, New York, 2008, p. 73.

([16]) الوعي والوعي الزّائف في الفكر العربيّ المعاصر: 47

([17]) بلاغة الكذب نصوص على نصوص: 208

([18]) Discourse analysis, policy analysis, and the borders of EU identity, C. Carta & R. Wodak, op. cit., p. 11.

([19]) المضمر: 125

([20]) انظرْ المضمر: 223 – 226

 

([21])  Messing with Language in Montréal: challenges, transgressions and humor, P. G. Lamarre & L. Mettewie, Sociolinguistics symposium 21 Attitudes and Prestige Murcia 15 – 16, Universidad de Murcia, 2016, p. 115.

([22]) العقل واللّغة والمجتمع الفلسفة في العالم الواقعيّ: 28

(([23] نظريّة المصطلح النّقديّ: 225

(([24] نظريّة المصطلح النّقديّ: 227

([25])  Analyzing meaning An introduction to semantics and pragmatics, P. R. Kroeger, Language Science Press, Berlin, 2018, p. 35.

([26]) Analyzing meaning An introduction to semantics and pragmatics, P.  R. Kroeger, op. cit., p. 40.

([27]) Introduction: Oral poetics and cognitive science, Oral Poetics and Cognitive Science, C. P. Cánovas & M.  Antović, Walter de Gruyter GmbH, Berlin/Boston, 2016, p. 4.

([28])  Metaphor as ideology The Greek folk modelof the epic tradition, Oral Poetics and Cognitive Science, W.  Duffy & W.  M.  Short, Walter de Gruyter GmbH, Berlin/Boston, 2016, p. 69.

([29]) Analyzing Political Discourse Theory and Practice, P. Chilton, Routledge, London & New York, 2004, p. 22.

([30]) نظريّة الأعمال اللّغويّة: 59

([31]) Politicization and Depoliticization Employment  Policy in the European Union, Politics as Text and Talk  Analytic Approaches to political discourse, P. Muntigl, John Benjamins Publishing Company, Amsterdam/ Philadelphia, 2002, p. 61.

([32]) On Reasoning and Argument Essays in Informal Logic and on Critical Thinking, D. Hitchcock, Springer International Publishing, New York, 2017, p. 62.

([33]) Meta discourses of race in the news: the celebrity big brother row, Language Ideologies and Media Discourse Texts, Practices, Politics, B. L. Davis, Continuum International Publishing Group, 1rst pub., New York, 2010, p. 163 – 164.