تلقي النقد الثقافي
عند عبد الله الغذامي بين المنهج والنص
صلاح الدين أشرقي
جامعة محمد
الأول، المغرب
البريد
الإلكتروني: saho.fede@gmail.com
معرف (أوركيد): 0000-0002-4661-9488
بحث أصيل |
الاستلام: 6-8-2022 |
القبول: 25-9-2022 |
النشر: 28-10-2022 |
الملخص:
يهدف
هذا المقال إلى تحليل طريقة تلقي عبد الله الغذامي
للنقد الثقافي، حيث تطرح هذه الطريقة بعض الأسئلة والإشكالات التي قسمناها إلى
ثلاثة محاور أساسية من حيث المنهجُ، أولها قضية موت النقد الأدبي التي تُعد من
المداخل الأساسية التي تمكننا من معرفة الكيفية التي تلقى بها الغذامي
النقد الثقافي، وثانيها المرجعيات التي اعتمدها الناقد في التأسيس للنقد الثقافي
وفهمه، حيث لم يعتمد على مجموعة من المرجعيات الغربية واكتفى بما قدمته الثقافة الأنجلوساكسونية (الأمريكية خاصة)؛ وهذا ما جعله يُقصي مجموعة
من المرجعيات الأخرى، مثل: الماركسية، والتحليل النفسي...، أما المحور الثالث فقد
حاولنا فيه أن نحلل الكيفية التي تلقى بها الناقد المفاهيم وخاصة محاولته نقل
الوظيفة الجمالية لبعض المفاهيم البلاغية إلى الوظيفة الثقافية. وفيما يخص النص
فإننا قمنا بمراجعة التحليل الثقافي الذي قام به الغذامي
لقصائد أدونيس، وذلك من خلال طرح سؤالين أساسيين وهما: هل كان الناقد يحلل القصائد
تحليلا ثقافيا أم إيديولوجيا؟ وهل الـتأويل الثقافي الذي قام به ينسجم مع نوعية
نصوص أدونيس أم لا؟
الكلمات المفتاحية:
النقد الثقافي، التلقي، المرجعيات، التأويل الثقافي، عبد
الله الغذامي
للاستشهاد/ :Atif İçin / For
Citation أشرقي، صلاح الدين. (2022). تلقي
النقد الثقافي عند عبد الله الغذامي
بين المنهج والنص. ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها. مج3، ع6، 539- 568 https://www.daadjournal.com/ /
Receiving Cultural Criticism At Abdellah
Al-Ghadami
Method and Text
Salaheddine Acharki
Researcher, Mohamed
I University, Morocco
E-mail: saho.fede@gmail.com
Orcid ID: 0000-0002-4661-9488
Published: 28.10.2022 |
Accepted: 25.09.2022 |
Received: 06.08.2022 |
Research Article |
Abstract:
Keywords:
Cultural Criticism,
Receiving, References, Cultural Interpretation, Abdellah Al ـ Ghadami
Abdullah el-Ğazâmî'nin Kültürel Eleştiriyi Alışı - Metot
ve Metin Arasında
Mohamed I Üniversitesi, Fas
E-Posta: saho.fede@gmail.com
Orcid ID: 0000-0002-4661-9488
Yayın: 28.10.2022 |
Kabul: 25.09.2022 |
Geliş: 06.08. 2022 |
Araştırma Makalesi |
Özet:
Bu makale, Abdullah Al
Ghadami'nin kültürel eleştiriyi nasıl algıladığını incelemeyi amaçlamaktadır.
Bu yöntem, metod açısından üç ana eksene ayırdığımız bazı soru ve sorunları
gündeme getirmektedir. Birincisi, Al-Ghadami'nin kültürel eleştiriyi nasıl
algıladığını bilmemizi sağlayan temellerden biri olan edebi eleştirinin ölümü
meselesidir. İkincisi, kültürel eleştiriyi kurma ve anlamada eleştirmenin
benimsediği referanslardır. Mesela: Marksizm, psikanaliz gibi bir grup Batılı
referansa güvenmemesi, Anglo-Sakson kültürünün (özellikle Amerikan) sağladığı
şeylerden memnun olması ve bir grup başka referansları dışlamasına neden olan
şey budur. Üçüncü eksene gelince, eleştirmenin kavramları nasıl algıladığını,
özellikle de bazı retorik kavramların estetik işlevini kültürel işleve aktarma
girişimini analiz etmeye çalıştık. Metinle ilgili olarak, Adonis'in şiirlerinin
Al-Ghadami tarafından gerçekleştirilen kültürel analizini inceledik. Bu
inceleme, iki temel soru üzerinden yapılmıştır: Eleştirmen şiirleri kültürel mi
yoksa ideolojik olarak mı analiz etti? Gerçekleştirdiği kültürel yorum
Adonis'in metinlerinin kalitesine uygun mudur?
Anahtar Kelimeler:
Kültürel eleştiri,
Alımlama, Kaynaklar, Kültürel Yorum, Abdullah el-Ğazzâmî
تقديم:
تتناول هذه
الدراسة مشروع النقد الثقافي عند "عبد الله الغذامي"
من زاوية "نقد النقد"، حيث حاولنا أن ندخل في حوار معرفي ونقدي مع تجربة
الغذامي من خلال التركيز على قضية "التلقي"،
وما نقصده هنا بالتلقي استيعاب وفهم الناقد لمرجعيات وتصورات وأفكار النقد الثقافي
الغربي، ولمعالجة هذه القضية قسّمنا الدراسة إلى قسمين: الأول خاص بالمنهج وركزنا
فيه على ثلاثة عناصر أساسية وهي: (مقولة موت النقد الأدبي، ومرجعيات التلقي،
ومفاهيم النقد الثقافي)، أما من حيث النصُّ فاقتصرنا على قراءة الغذامي لديوان "أدونيس" الذي يحمل عنوان: "مفرد
بصيغة الجمع"، وقد سعينا إلى إعادة قراءة وتأويل قضية الأنا المتعالية في
الديوان من أجل أن نبين الإشكالات التي يطرحها التأويل الذي قام به الغذامي.
لقد ركزنا
في هذه الدراسة على إشكال التلقي الذي يُعد الإشكال العام، وتتفرع عنه إشكالات
وأسئلة أخرى، مثل: هل النقد الأدبي وصل فعلا إلى نهايته ولم يَعد قادرا على تحليل
الواقع الاجتماعي والثقافي والتاريخي؟ وهل النقد الثقافي الغربي انفصل عن النقد
الأدبي وأحدث قطيعة معرفية معه أم إن التصور الذي يتبناه الغذامي
عن النقد الأدبي هو الذي أدى إلى هذه النتائج؟ ألا يعني إقصاء النقد الأدبي عودة
النسق الذي انتقده الغذامي وحاربه؟ ومن الأسئلة الأخرى
أيضا، ألا تطرح تجربة الغذامي إشكال التلقي الجزئي
للمرجعيات المعرفية للنقد الثقافي الغربي؟ حيث أغفل مجموعة من المرجعيات كما سنرى
لا حقا، ومن حيث المفاهيم، ألم يكن الغذامي منحازا
للثقافي على حساب الأدبي مما جعله ينتقد المفاهيم البلاغية في النقد الأدبي؟
وكذلك، ألم يُسخِّر كل المفاهيم من أجل خدمة مفهوم مركزي وهو النسق الثقافي
المضمر؟ وفيما يتعلق بالنص، هل كان تأويل الغذامي لأنا
أدونيس المتعالية مستجيبا للسياقات الثقافية والاجتماعية والتاريخية وآخذا في نظر
الاعتبار مرجعيات الشاعر في التأليف؟ وهل كان أيضا منسجما مع نوعية النص ومع
المعاني الأصلية فيه أم كان تأويلا إيديولوجيا مُتعسِّفا؟
لقد تطرقت
مجموعة من الدراسات لتجربة الغذامي مع النقد الثقافي
وسنذكر بعضا منها هنا وهي: دراسة "عبد الله إبراهيم" في كتابه:
"الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة"، وكذلك "سعيد علوش"
من خلال كتابه: "نقد ثقافي أم حداثة سلفية"، و "سعيد يقطين"
في كتابه: "الفكر الأدبي العربي"، وقد سعينا إلى تجاوز هذه الدراسات من
حيث طريقةُ التحليل، كما حاولنا أيضا أن نناقش إشكالات النص، وهو ما أغفلت عنه
كثير من الدراسات النقدية التي نظرت في مشروع النقد الثقافي عند الغذامي، حيث ركزت كثيرا على المنهج.
1. الرؤية المنهجية عند الغذامي:
1.1. موت النقد الأدبي:
لا يمكن أن
نتحدث عن الرؤية المنهجية التي يتبناها الغذامي ونغفل
فكرة أساسية وهي مقولته عن موت النقد الأدبي الذي يُعد نقيضا للنقد الثقافي في
نظره، ومن الأسباب التي جعلت الناقد يعلن عن هذا الموت هي أن النقد الأدبي لم يعُد
قادرا على مواكبة المتغيرات المعرفية والثقافية التي يشهدها العالم الآن، وأنه وصل
إلى حد النضج أو إلى سن اليأس([1])، ويرى الغذامي أن النقد الأدبي اهتم كثيرا بـ جماليات النصوص
وبتدريبنا على تذوق الجمالي وتقبل الجميل النصوصي،
لكنه، وبسبب اهتمامه المفرط بهذه الجماليات، أوقعنا في حالة من العمى الثقافي عن
العيوب النسقية التي تتوارى خلف الجمالي([2])، إذ يرى أن
تحيُّز النقد الأدبي لمكون الجمال جعله يغفل تماما ما وراء هذا الجمال ويقصد به
الأنساق المضمرة التي تُشكل عيوبا نسقية للخطاب، وهذا ما جعله يعلن عن موته ويُحل
محله النقد الثقافي([3])، فالناقد
هنا يتبنى تصورا خاصا للنقد يختلف عما كان سائدا في الدراسات الأدبية، حيث إنه
تَشكل لديه وعي بانسداد أفق النقد الأدبي وانحساره في مساحة ضيقة تتجلى في الجانب
البلاغي الجمالي، لذلك فقد سعى إلى توسيع هذا الأفق وفتَح النص على الثقافة التي
أنتجته والمجتمع والتاريخ، وهذا الانفتاح مهم بل وضروري لأي محاولة نقدية لدراسة
الخطاب بشكل عام والأدبي بشكل خاص، إذ إن النص الأدبي هو تعبير عن واقع إنساني،
وليس نصا مجردا مغلقا، معلقا في الهواء، وإنما هو نص مُتعين، جذوره في الواقع([4])، فهذه هي
أهم الدوافع التي جعلت الغذامي ينتقد النقد الأدبي
ويُعلن موته.
2.1. مرجعيات تَلقي النقد الثقافي:
من أجل تلقي
أي منهج أو استراتيجية نقدية غربية يجب استيعاب المرجعيات المعرفية بشكل دقيق،
وتُصبح عملية الاستيعاب هاته مهمة بشكل أكبر في حالة النقد الثقافي الذي يتميز
بتعدد خلفياته المعرفية وتنوعها، وبذلك يجب عدم استسهال هذا الجانب حتى لا يسقط
الناقد في "التَّلقي الجزئي"، وبالعودة إلى الغذامي
نجده يخصص فصلا في كتابه: "النقد الثقافي" بعنوان: "النقد
الثقافي/ذاكرة المصطلح"، حيث قدم فيه عرضا للأسس المعرفية التي بنى عليها
مشروعه، وهو مشروع يستفيد مما أُنتج في الثقافة الغربية وخاصة الثقافة الأمريكية،
وقد بدأ هذا العرض "بالدراسات الثقافية" التي كسَّرت سلطة النص واعتبرته
مجرد "مادة خام يُستخدم لاستكشاف أنماط معينة من مثل الأنظمة السردية
والإشكاليات الإيديولوجية وأنساق التمثيل"([5])، فالدراسات
الثقافية وسَّعت من إمكانات تحليل النص أو بعبارة أدق انتقلت من تحليل النص إلى
تحليل الخطاب، كما أنها نوّعت من إمكانات تحليل الخطابات اجتماعيا بعدما كان مع
"الماركسية" مقتصرا على المكون الاقتصادي وهو ما رفضه "ستيوارت
هول" في قوله: "القول بأن الأفكار المحددة في نهاية المطاف بالعامل
الاقتصادي هو بداية انطلاق في طريق التفسير الاقتصادي الاختزالي"([6])، كما تهتم
الدراسات الثقافية أيضا بطرق ترويض الثقافة للجماهير وهذا ما وضّحه كل من "هوركهايمر وأدورنو"([7])، هذا وقد
اعتمد الغذامي أيضا على ما أسماه "بالرواية
التكنولوجية" وقد استفاد في هذا الحقل من أعمال "بودريار"،
غير أن الغذامي ينتقد بودريار
ويَعتبر أنه أعاد الميتافيزيقا الغربية، حيث اتخذ من النموذج الثقافي الأوروبي
مقياسا للقراءة والحُكم([8])، لذا فقد
اعتمد على مشروع "كلنر"، والرواية
التكنولوجية هي بخلاف الرواية العلمية التي تُقيم حدودا بين السلطوي والأدبي
والفلسفي والخيالي...، حيث إن الرواية التكنولوجية تَمزج بين كل هذه العناصر، إذ
"تسعى لجعل التكنولوجيا والمعلوماتية تحت إرادة الإنسان ومن أجله، إضافة إلى
مسعاها لكسر الاحتكارات الإمبريالية العلمي منها والمعلوماتي والمالي والسلطوي،
ولذا فهي خطاب حركي ونشط"([9])، وقد
استفاد الغذامي من مُنجز "فنسنت ليتش" الذي يُعد من الأوائل الذين أطلقوا اسم النقد
الثقافي، وقد جعل هذا النقد مختصا بنقد الخطاب في شموليته، مستخدما المعطيات
النظرية والمنهجية في السوسيولوجيا والتاريخ والسياسة والمؤسساتية، غير أن النقد
الثقافي لم يَغفل الشرح الأدبي، ويتجلى هذا في قول ليتش:
"وتمكّن مثقفو نيويورك بفضل ميلهم لربط الأدب بصورة وثيقة مع الثقافة من أن
يمارسوا أشغالا عديدة من البحث تتراوح من السيرة الفكرية إلى تاريخ الأفكار ومن
دراسات النوع الأدبي ذات القاعدة العريضة إلى التحليل النفسي بدون أن يتخلوا لا عن
الشرح النصي الدقيق والنقد التقييمي ولا التحليل الاجتماعي"([10])، ومن
الخلفيات المعرفية التي استثمرها الغذامي "النقد
المؤسساتي" الذي يرى ليتش أنه يهتم بقضايا القراءة
وأسئلة الخطاب، وذلك من خلال البحث في دور المؤسسة العلمية والثقافية في توجيه
الخطاب والقراءة نحو أنساق وتصورات محددة، ويُشير الغذامي
إلى أن ليتش عرض لأعمال تنتمي إلى النقد المؤسساتي
وبشكل خاص أعمال كل من "إدوارد سعيد" و "ميشيل فوكو" في
السلطة والمعرفة، ومن المرجعيات الأخرى أيضا "التاريخانية
الجديدة" كما سماها "غرينبلات" والتي
تجاوزت عددا من المفاهيم النقدية المركزية، مثل: (المحاكاة والوهم والتخييل وفعل
الترميز)([11])، واقترحت التاريحانية الجديدة علاقة مختلفة بين النص والتاريخ تقوم على
الاتصال لا الانفصال، وهو ما يمكن تسميته بتأريخية النص ونصية التاريخ، وبالإضافة
إلى ما سبق تمثَّل الغذامي بعض أفكار إدوارد سعيد وخاصة
أطروحته عن "النقد المدني" أو الدنيوي، حيث يرى إدوارد سعيد أن النقد
يجب أن يكون دنيويا بمعنى أن يخدم الشأن الاجتماعي بَدل الانغلاق داخل النقد
الأكاديمي الضيق، ونجد هذا الطرح في كتابه: "العالم والنص والناقد"([12])، ويتأسس
مشروع النقد الثقافي عند الغذامي على مرجعيات معرفية
أخرى تُستنبط من كتبه التي تحدث فيها عن قضية التأنيث في الثقافة العربية، وهي:"المرأة واللغة" في جزأين، و "تأنيث
القصيدة والقارئ المختلف"، وقد أكد "سعيد يقطين" هذا المعطى في
سياق حديثه عن خلفيات أطروحة التأنيث عند الغذامي في
قوله: "يبدو لي أن مرجع ذلك إلى الخلفية التي يستند إليها في التحليل،
وتُستمد بعض عناصرها من النقد الثقافي ذاته من جهة، ومن اعتماده لما بدأ يتشكل في
الأبحاث الأنجلو ـ ساكسونية عن الأدب النسائي من جهة
أخرى، لقد بدأ الاهتمام منذ أواخر الستينيات من القرن العشرين بالآداب الهامشية (الزنوجة ـ الأنوثة،) تحت تأثير المطالب الكبرى التي استقطبت
الاهتمام في المجتمع الأمريكي وفي الثقافة الأمريكية لتحرير الزنوج والنساء والإثنيات ذات الأقلية"([13])، وإلى جانب
هذا فقد لجأ الغذامي إلى خلفية معرفية أخرى في الثقافة
الأنجلو ـ ساكسونية وهي "نظرية الجندر" وذلك
في كتابه: "الجنوسة النسقية"، حيث يقول:
"تأتي الجنوسة (Gender) من حيث أصلُها لتعني الفروق الطبيعية والواقعية بين
الجنسين الذكر والأنثى، في الإحالات اللغوية وفي الخصائص البشرية، غير أن الثقافة
تجنح لصناعة فروق ثقافية وطبقية، ومن هنا يأتي مصطلح (الجنوسة
النسقية) ليلامس النسقية الثقافية ببعدها الطبقي الذي يجعل الفروق الطبيعية فروقا
في المستوى وفي التمييز المتحيز، وعبر هذه النسقية تتحول كل خاصية نسوية إلى سمة
دونية حين مقارنتها بالمختلف عنها ذكوريا"([14])، فهذه هي
المرجعيات المعرفية التي بنى عليها الغذامي النقد
الثقافي.
3.1. تَلقي مفاهيم النقد الثقافي:
يقترح الغذامي إحداث نقلة اصطلاحية من النقد الأدبي إلى النقد
الثقافي، حيث يقول: "ولكن الذي بوسعنا أن نفعله هو أن نستخلص نموذجنا النظري
والإجرائي مما هو أساس نقدي للمشروع الذي نزمع التصدي له، وهو ينحصر تحديدا في
توظيف الأداة النقدية التي كانت أدبية ومعنية بالأدبي/الجمالي، توظيفها توظيفا
جديدا لتكون أداة في (النقد الثقافي) لا الأدبي، مع التركيز الشديد على عملية
الانتقال وكونه انتقالا نوعيا يمس الموضوع والأداة معا"([15])، وقد سعى الغذامي إلى تجاوز النموذج التواصلي الذي اقترحه "رومان جاكوبسون" (المرسل، والمرسل إليه، والرسالة، والسياق،
والشفرة، وأداة الاتصال)، حيث لم يقتنع به ورأى أنه كان منشغلا بالجوانب الجمالية
الأدبية، لذلك فقد أضاف عنصرا سابعا سماه "العنصر النسقي"([16])، وانطلاقا
من هذا العنصر تتأسس مفاهيم النقد الثقافي، فنجد مفهوم "المجاز
الكلي" الذي يتجاوز المجاز بمعناه البلاغي، حيث لا يهتم بالمكون الجمالي
فقط، بل يرتبط بالاستعمال الذي هو فعل عمومي جمعي، وليس فعلا فرديا، أي إنه أحد
أفعال الثقافة([17])، فالمجاز
الكلي ينتقل من البلاغة إلى الثقافة، ووظيفته هي كشف الازدواج الدلالي الثقافي
للخطاب الذي يحمل، في نظر الغذامي، بعدين: الأول: حاضر
في الفعل اللغوي المكشوف وهو الذي يظهر في المكون الجمالي، وأما الثاني: فهو البعد
الذي يمس (المضمر) الدلالي للخطاب، وعليه فإن المجاز الكلي لا يركز على البعد
الأول، بل يتعداه إلى كشف المضمر الثقافي، هذا ونجد أيضا مفهوم "التورية
الثقافية" الذي يختلف عن مفهوم التورية في البلاغة الذي يقوم على ازدواج
أساسي حول بعدين دلاليين أحدهما قريب والآخر بعيد، غير أن الإشكال يكمن في كونه يُشير
بشكل واعٍ ومقصود إلى المعنى البعيد، أي إلى المعنى الجمالي، في حين أن التورية
الثقافية تركز على الخطاب الذي ينطوي على بعدين أحدهما مضمر ولاشعوري ليس في وعي
المؤَلِّف ولا في وعي القارئ، فالتورية الثقافية تتخذ معنى آخر عند الغذامي، حيث تَعني حدوث ازدواج دلالي أحد طرفيه عميق ومضمر
وهو أكثر فاعلية من ذلك الواعي([18])، ومن
المفاهيم الأخرى التي اقترحها الغذامي مفهوم "الدلالة
النسقية"، فبعد أن تم تحويل الأداة النقدية من الأدبي إلى الثقافي كان
لابد من تأسيس مفهوم جديد هو الدلالة النسقية، ويرى الغذامي
أن النقد الأدبي ظل يميز بين دلالتين وهما: (الدلالة الصريحة، والدلالة الضمنية)؛
حيث عجزتا عن كشف قضايا الثقافة وتحليلها وفهمها، لذلك اقترح دلالة ثالثة تتماشى
مع العنصر النسقي الذي أضافه، كما نجد أيضا مفهوم "الجملة الثقافية"
الذي "يمس الذبذبات الدقيقة للتشكل الثقافي الذي يُفرز صيغه التعبيرية
المختلفة"([19])، فالجملة
الثقافية تُوسع من إمكانات التحليل والتأويل بدل التركيز على الجملتين (الضمنية،
والصريحة)، ومن المفاهيم التي تأسس عليها النقد الثقافي عند الغذامي
مفهوم "المؤلف المزدوج"، إذ ينقسم المؤلف إلى قسمين: مؤلف عادي،
وآخر هو الثقافة ذاتها، أو ما يسميه الغذامي بالمؤلف
المضمر، ويعتقد أن المؤلف العادي هو ناتج ثقافي مصبوغ بصبغة الثقافة ثم إن خطابه
يقول من داخله أشياء ليست في وعي المؤلف وهي أشياء مضمرة تتناقض ومعطيات الخطاب
سواء ما يقصده المؤلف أو ما هو متروك لاستنتاجات القارئ، ونأتي الآن إلى مفهوم
أساسي وهو "النسق الثقافي" الذي يأخذ دلالات خاصة عند الغذامي ومن هذه الدلالات: أن النسق يتحدد عبر وظيفته وليس
عبر وجوده المجرد، وأنه إذا لم يكن هناك نسق مضمر من تحت العَلني فحينئذ لا يدخل
النص في مجال النقد الثقافي، ومن الضروري أن يكون النص جميلا، على اعتبار أن
الجمالية هي أخطر حِيل الثقافة لتمرير أنساقها وإدامتها، ولابد أن يكون النص
جماهيريا ويحظى بمقروئية عريضة، وذلك لكي يتضح ما للأنساق من فعل عمومي ضارب في
الذهن الاجتماعي والثقافي([20])، والأنساق
الثقافية هي أنساق تاريخية وأزلية، وعليه فإن الغذامي
يرى أنها ثابتة لا تتأثر بتغييرات التاريخ والمجتمع، ونصل إلى المفهوم الأخير وهو "النقد
الثقافي"، الذي هو "فرع من فروع النقد النصوصي
العام، ومن ثم فهو أحد علوم اللغة (الألسنية) مَعني بنقد الأنساق المضمرة التي
ينطوي عليها الخطاب الثقافي بكل تجلياته وأنماطه"([21])، ودوره ليس
تحليل الجمالي كما هو الشأن في النقد الأدبي، بل كشف المخبوء من تحت أقنعة البلاغي
الجمالي، ويرى الغذامي أنه كما لدينا نظريات في
(الجماليات) فإن المطلوب إيجاد نظريات في (القُبحيات)،
والمقصود بها كشف حركة الأنساق وفعلها المضاد للوعي وللحس النقدي.([22])
2. مُطارحات في الرؤية المنهجية عند الغذامي:
1.2. نقد مقولة موت النقد الأدبي:
يتحدد النقد
الثقافي عند الغذامي من خلال اختلافه مع النقد الأدبي،
فهو يَعتبر أن أطروحته جاءت لتَحل محل النقد الأدبي الذي بالغ في الاحتفال
بالجمالي في النصوص وأغفل "أسئلة ما وراء الجمال وأسئلة العلاقة بين التذوق
الجماعي لما هو جميل، وعلاقة ذلك بالمكون النسقي لثقافة الجماعة"([23])، في
البداية يجب أن نُعيد النظر في النقد الأدبي ذاته كما تبناه الغذامي؛
حيث يظهر لنا أنه يتبنى مفهوما "ملتبسا"؛ لأنه ببساطة "يعني كل الرؤيات والتصورات التي عالجت قصيدة التفعيلة في الدراسات
العربية التي انطلقت من العروض أو عمود الشعر أو ما شاكل هذا من القضايا التي
يُدرجها الباحث ضمن الحادثة العروضية أو الجمالية المجردة"([24])، في حين أن
النقد الأدبي يمتلك إمكانات تحليلية متنوعة، لذلك يرى "عبد النبي اصطيف"
أن مختلف وجوه القصور المنسوبة إلى النقد الأدبي إنما تعود إلى محدودية تصورنا
للنقد الأدبي([25])، وهذا
مطروح عند الغذامي الذي لا ينتبه إلى أن نظريات الأدب
المعاصرة تنفتح على حقول معرفية مختلفة في العلوم الإنسانية: (علم الاجتماع، علم
النفس، الفلسفة، التاريخ...) فهذه الحقول تُشكل الخلفية المعرفية للنقد الأدبي
الذي يتجاوز تحليل النص باعتباره حادثة جمالية محضة كما هو الشأن في البنيوية الشكلانية على سبيل المثال، بل إنه يَفتح النص ويجعله مرتبطا
بالتاريخ والمجتمع والسياسة...، ويمكن أن نُحيل هنا إلى نموذج "نظرية السميائيات" التي لا تُحلل المكونات الجمالية الأدبية
للنص فقط، وإنما تدرس النص في علاقته بالعالم في كليته، فالسميائي
عندما يؤول النص فإنه يبحث في الخلفيات الثقافية والتاريخية والاجتماعية، كما أنه
يبحث في التقاليد والأعراف، وعليه فإن النقد الأدبي هو في الحقيقة نشاط إنساني
يتجاوز النص بمعناه البلاغي الضيق، لذا فالإشكال لا يكمن في النقد الأدبي، بل في
الرؤية المعرفية التي يتبناها الغذامي عن هذا النقد،
وهي رؤية قاصرة لا تأخذ بنظر الاعتبار المرجعيات المعرفية المختلفة التي تؤسس
النقد الأدبي، كما أنها رؤية لا تُنتج إلا ثنائيات ضدية الهدف منها هو تسويغ الغذامي لمشروع النقد الثقافي من خلال الإتيان بما يُقابله،
وقد انتقد سعيد يقطين هذا التوجه، حيث رأى أنه كان من الممكن أن يشتغل الغذامي في أفق النقد الثقافي دون أن يتخذ موقفا من النقد
الأدبي، وبذلك كان النقاش سيتخذ مجرى آخر أنضج وأعمق.([26])
إن ما
يستدعي الغرابة هو انتقاد الغذامي للنقد الأدبي
والإعلان عن موته والاشتغال به في الوقت نفسه، وهذا ما نجده في كتابه: "تأنيث
القصيدة والقارئ المختلف"، حيث كان يشتغل كناقد أدبي يُحلل النصوص ويبحث في
سماتها الفنية التي تُثبت دعواه بصدد مقومات التأنيث في قصيدة التفعيلة([27])، وما يؤكد
هذا الطرح قول الغذامي: "ولقد أفصحت عن اشتغالها
بما هو مهمل وهامشي ومَغفول عنه وعن مسعاها إلى جعل ذلك قيمة إبداعية وتأسيس النص
الحر على هذه الشعريات"([28])، وقوله
أيضا: "وجاء نص القصيدة متطابقا في شكله ومضمونه، حيث الشكل غير العمودي
والمضمون غير الفحولي وتأنث النص هنا شكلا ومضمونا
بواسطة توظيف النقص، نقص الأوزان وتفتتها مع تفتيت جبروت الرجل في النص وإظهاره
منكسرا ومهشما"([29])، ويتضح من
خلال هذا النص أن الغذامي اعتمد تحليلا أدبيا، وهذا هو
الطبيعي في نظرنا، حيث إذا عدنا إلى الولادة الأصلية للنقد الثقافي في الغرب نجد
أنه نشأ في رؤية معرفية متنوعة ومنفتحة لا تُقصي النقد الأدبي، بل بالعكس ترتبط به
ارتباطا وثيقا وتستثمر نظرياته، وهذا ما أكده "أرثر
أيزابرجر" في قوله: " وبمقدور النقد الثقافي
أن يشمل نظرية الأدب والجمال والنقد"([30])، وعليه فمن
الصعب التسليم بهذه الرؤية الضيقة الإقصائية الصادرة عن الغذامي
والتي تلغي مُنجزا نقديا راسخا في جذور الثقافة العربية القديمة والحديثة، فالنقد
الأدبي ينقسم إلى أنواع مختلفة وهو ليس نقدا أحاديا كما نجد عند الغذامي الذي حصره في البلاغي الجمالي.
2.2. موت النقد الأدبي واستعادة النسق:
يقوم النقد
الثقافي عند الغذامي بمحاربة النسق، حيث تصدى الناقد
إلى مجموعة من الأنساق الثقافية التي يَعتبرها راسخة في سلوك الإنسان العربي، ومن
الأنساق التي انتقدها النسق الفحولي الذي ينطوي على
استعلاء الأنا وإقصاء الآخر (الأنثوي)، ويرى الغذامي أن
هذا النسق يجد جذوره في الشعر العربي الذي خلق شخصية عربية "مُتشعرنة" مستبدة ومتمركزة على نفسها، ويُمثّل لهذا
النسق بالمتنبي في الشعر القديم، وبنزار قباني وأدونيس في الشعر الحديث، غير أن الغذامي وهو يُحارب النسق الفحولي
لم ينتبه إلى أنه كان مُوجها من قِبل نفس النسق الذي ينتقده ويرفضه، ومُتبنيا نفس الرؤية
الإقصائية، فالدعوة إلى موت النقد الأدبي هي "دعوة تحتوي بعض ملامح (الشعرنة) التي كرّس الغذامي جهده
في تحديد إطاراتها ومدى تأثر الثقافة بها"([31])، وقد تنبه
"عبد الرزاق المصباحي" إلى هذا الطرح عندما رأى أن الاحتفاء بالموت، عند
الغذامي، هو احتفاء لا واعي بالنسق المَعيب المؤسس على
الإلغاء والإبعاد([32])، فكيف للغذامي أن ينتقد النسق ويشتغل داخله؟ ألا يطرح هذا تناقضا من
حيث المنهجُ؟ حيث يُصبح النقد الثقافي نقدا للنسق وممارسة له في الوقت نفسه، فالغذامي يرفض النقد الأدبي لكونه يُقصي مجموعة من الخطابات
التي تنتمي إلى الثقافة الشعبية، مثل: (ألف ليلة وليلة) التي مثَّل بها، أي إنه
يرفض سياسات الإقصاء التي يشتغل بها هذا النقد، غير أن الغريب هو تأسيسه للنقد
الثقافي على رؤية إقصائية وأحادية أيضا، إذ جعل من هذا النقد الاستراتيجية الوحيدة
التي يمكن اعتمادها في تحليل الخطابات، وفي المقابل أعلن عن نهاية النقد الأدبي وموته،
ألا يُعتبر هذا التوجه النقدي استعادة للنسق المَعيب؟ على اعتبار أنه اعتمد نفس
سياسات الإقصاء ونفس آليات الهيمنة والإلغاء، مع العلم أنه إذا عدنا إلى النقد
الثقافي الغربي فسنجده يقوم على سياسة "الاستيعاب" وليس على سياسة
"الإقصاء".
3.2. إشكال التَّلقي الجزئي لمرجعيات النقد الثقافي:
تُعتبر
المرجعيات المعرفية أساسية في تَمثُّل أي
منهج نقدي غربي، لذا يجب على الناقد العربي أن ينظر إلى هذه المرجعيات نظرة شمولية
باعتبارها متصلة فيما بينها وغير منفصلة، والمتأمل لمشروع عبد الله الغذامي في النقد الثقافي يرى أنه يؤسس هذا المشروع على خلفية
معرفية غربية، غير أن هذه الخلفية هي جزئية بالمقارنة مع المرجعيات المعرفية التي انبنى عليها النقد الثقافي الغربي، حيث اعتمد الغذامي على ما أُنجز في الثقافة الأنجلو ـ ساكسونية، وبالضبط على النقد الثقافي الأمريكي، إذ تبنى أفكار
(الدراسات الثقافية، والنقد المؤسساتي، والجماليات الثقافية، ونظريات التعددية
الثقافية ما بعد الحداثية، مثل: النسوية، ونظرية الجندر) وكل هذه النظريات تندرج
ضمن النقد الثقافي فعلا، لكنها تمثل جزءا من مرجعيات هذا النقد الذي لا يقتصر على
الثقافة الأنجلو ـ ساكسونية وحسب، بل يجد جذوره أيضا في
الثقافة الفرنكفونية من خلال مجموعة من النقاد، مثل:
جان فرنسوا ليوتار، وبيير بورديو، وميشيل فوكو، ورولان
بارت، فكل هؤلاء مارسوا النقد الثقافي واقترحوا أفكارا ومفاهيم لا يمكن الاستغناء
عنها في التحليل الثقافي، فالغذامي لم ينتبه إلى
المرجعية المعرفية المُركبة والمنفتحة للنقد الثقافي، حيث إنه ركز بشكل كبير على
ما أنجزه فينسنت ليتش الذي اهتم، في نظره، بالنسق، ولعل
هذا ما جعل النقد الثقافي عند عبد الله الغذامي نقدا في
النسق، ويرى "عبد النبي اصطيف" أن الغذامي
وقع في إشكال منهجي عندما اختزل النقد الثقافي بمهمة البحث عن "النسق"
الذي أضافه عنصرا سابعا إلى نموذج جاكوبسون اللغوي([33])، وعليه فقد
نتج عن هذا التوجه إقصاء لإمكانات منهجية أخرى كانت ستمنح التحليل الثقافي عمقا
وشمولا، حيث إنه لم يتطرق "للنظرية الماركسية" التي تُعد من المرجعيات
المعرفية الأساسية في النقد الثقافي، فقد حللت الماركسية آليات ووسائل الهيمنة
الرأسمالية على الثقافة، ودرست أيضا ثقافة الاستهلاك التي أنتجها المجتمع
الرأسمالي ما بعد الحداثي، ونجد هذه الدراسات عند نقاد "مدرسة
فرانكفورت" الذين انتقدوا التوجه الثقافي الشعبي الجماهيري، وبذلك فقد
اقترحوا تصورات جديدة للتحليل الثقافي تختلف عن ما هو سائد في الثقافة الأمريكية، فالماركسية
ظلت تُوجه نقاد الثقافة الذين لم يستغنوا عنها، ولكنهم أيضا لم يوظفوا تصوراتها
كما هي، بل تجاوزوها وطوروها حتى لا تكون غارقة في التحليل الاقتصادي فقط، وهذا ما
نلمسه في تحليل كلٍّ من هوركهايمر، وأدورنو،
حيث درسا ثقافة الاستهلاك في النظام الرأسمالي المعاصر، لكن ليس من منظور اقتصادي
اختزالي، وإنما وسَّعا من تصورهما للرأسمالية، إذ نظرا إليها باعتبارها نظاما
شاملا ونوعا من الثقافة يُسخر فيها كل شيء للترويج للاستهلاك.([34])
إن ما
يُفسِّر عدم اهتمام الغذامي بمقترحات الماركسية هو
اتباعه للنموذج الأمريكي الذي أعلى من شأن الثقافة الشعبية وأعاد لها الاعتبار،
ولذلك فهو يرى أن ثقافة الجماهير منحت الفرصة للمهمشين للتعبير عن أنفسهم، وهو محق
في ذلك، لكن الإشكال هو أن هذه الثقافة ليست بريئة من النسق، بل إنها تُعيد إنتاج
الأنساق، غير أن الغذامي لا ينتبه إلى هذا الأمر؛ لذلك
لم يُوظف تصورات الماركسية، فهو لم ينتقد ثقافة الجماهير، بل بالعكس اعتبرها نقطة
إيجابية للتحرر من النسق وظهور مجموعة من المهمشين الذين كانوا غير قادرين على
إسماع صوتهم([35])، وإلى جانب
ما سبق فإن مجموعة من المفاهيم التي يشتغل بها النقاد الثقافيون هي ذات مرجعية
ماركسية، مثل: مفهوم الهيمنة الذي وظفه الغذامي في
تحليلاته الثقافية، غير أنه يستخدم هذا المفهوم وكأنه انبثق من داخل النقد
الثقافي، في حين أن هذا المفهوم هو ذو أساس ماركسي ظهر عند "أنطونيو غرامشي"، وعليه فإن النقد الثقافي عند الغذامي يُعاني من إشكال رد المفاهيم إلى أصولها المعرفية،
وهذا الأمر لا ينطبق عليه وحده فقط، بل على مجموعة من النقاد العرب الذين تَمثّلوا
النقد الثقافي الغربي، وقد أكد هذا الطرح "عبد النبي اصطيف" في قوله:
"ولا ننسى في هذا المقام بأن النقد الثقافي انتقل إلى المشهد العربي نتيجة
تفاعل النقد العربي الحديث مع النقد الغربي، ولذلك فإن جميع مشكلات هذا النقد في
الغرب انتقلت إلى المشهد النقدي العربي، ولكن دون وعي بأية أسس معرفية، أي أننا
أخذنا المصطلحات دون أن نتبين الأرضية التي انطلقت منها"([36])، ويتجلى
هذا الإشكال أيضا في بعض مفاهيم "التحليل النفسي" التي اشتغل الغذامي بها لكنه لم يُرجعها إلى أصولها، حيث لم يتحدث قط عن
التحليل النفسي في مختلِف كتبه التي خصصها للنقد الثقافي، وهذا الإقصاء لمرجعية
التحليل النفسي يتطلب إعادة نظر، حيث إن المنهج النفسي هو أحد أهم المناهج
المستخدمة من قِبل النقاد الثقافيين([37])، ومن
المفاهيم التي وظفها الغذامي وتعود إلى التحليل النفسي
مفهوم "اللاوعي"، إذ يرى أن النسق الثقافي المضمر يُوجه لاوعي المؤلِّف
بشكل خفي دون أن يعي به، فهذه التصورات نشأت في حقل معرفي محدد وهو التحليل
النفسي، فمفهوم اللاوعي ظهر مع "سيجموند
فرويد" في مجموعة من أعماله التي حلل فيها النفسية البشرية وذلك في مجال علم
النفس، لذا فإن استحضار هذه الخصوصية هو أمر ضروري كان سيجعل التلقي أكثر دقة؛ إذ
سيتأسس على وعي إبستيمولوجي عميق.
لقد أغفل الغذامي نظرية نقدية تشكل أساسا معرفيا للنقد الثقافي، وهي
"نظرية السميائيات"، حيث لم يتطرق إلى
تصوراتها وأفكارها ومفاهيمها، على الرغم من أنه وظف بعض المفاهيم ذات المرجعية السميائية، مثل: مفهوم التمثيل الثقافي والأمثلة كثيرة على
توظيف الغذامي لهذا المفهوم، كقوله: "حينما
تتمثَّل الأنوثة بوصفها (صفحة بيضاء) فهذا معناه أن الثقافة تفرض على هذا الجسد
شروط الصفحة البيضاء وصفاتها، من حيث إنها جهاز استقبال مستسلم للمرسل وقابل لأن
ينكتب وينطبع عليه أي تمثيل لغوي"([38])، فتمثيل
المرأة هو تمثيل للجسد الغرض منه الفتنة، فقد تم تقليص صورة المرأة واختزالها في
الجسد وسُلبت منها مجموعة من الخصائص الجوهرية أهمها "العقل"، غير أن الغذامي لم ينتبه إلى أن الأصول المعرفية لمفهوم التمثيل
الثقافي هي أصول سميائية تعود إلى مفهوم
"الصورة" عند السميائيين والذي يعني:
"تجسيد وتَمثيل بصري لشيء ما"([39])، فالصورة
هي مفهوم أساسي في النقد الثقافي وانطلاقا منه سيتأسس مفهوم التمثيل الذي ينفتح
على أسئلة ومجالات أخرى، فقد: "وسَّع النقاد الثقافيون من اهتمامهم بالصور
ويتحدثون الآن عن ظاهرة التمثيل (...)، فإن هذا المفهوم يتناول الصور من جميع
الأنواع في سياق النظام الاجتماعي والسياسي الذي يوجد به هذه الصور، كما أن هذا
المفهوم يأخذ في حسبانه أمورا مثل من الذي يصنع الصور، ومن الذي يُسيطر على صناعة
الصور في المجتمع"([40])، هذا ونجد
مفهوما آخر اشتغل به الغذامي لكنه لم يشر إلى مرجعيته
المعرفية السميائية وهو مفهوم النسق المضمر الذي تم
استثماره من مفهوم الشفرة، إذ يؤكد السميائيون أن
"هناك شفرات ثقافية في كل مجتمع ـ وهي تركيبات خفية ـ (بمعنى أننا لا نُدركها
أو لا نهتم بها) والتي تُشكل سلوكنا"([41])، وعليه
يمكن القول إن الغذامي اشتغل بمفاهيم تنتمي إلى مرجعيات
معرفية مختلفة لكنه تعامل معها باعتبارها نشأت في حقل معرفي واحد وهو النقد
الثقافي، ونرى أن هذا التوجه النقدي لا يؤسس لتَمثُّل دقيق بالنقد الثقافي الذي
نشأ نتيجة انسجام مجموعة من النظريات مع بعضها البعض، لذا فإن الوعي بالطابع
المرُكب لمرجعيات النقد الثقافي الغربي ضروري لأية تجربة نقدية عربية.
4.2. نقد تَلقي مفاهيم النقد الثقافي:
في البداية
يجب الإشارة إلى أن الغذامي أغفل مجموعة من مفاهيم
النقد الثقافي الغربي، مثل: الهُجنة الثقافية، الاختلاف الثقافي...، فقد حاول أن
يبتكر مفاهيم جديدة من داخل النقد الأدبي ويُطورها ويُوسعها لتصبح في نقد الأنساق
الثقافية وليس في نقد البلاغي الجمالي، فالمفاهيم التي اقترحها الغذامي تخدُم مقصده من النقد الثقافي وهو تحليل النسق المضمر
وفهمه، ومنها مفهوم "المجاز الكلي" وهو توسيع لمفهوم المجاز
البلاغي الذي هو مفهوم ضيق؛ لكونه يركز على ثنائية الحقيقة والمجاز من حيث
المفردةُ أو الجملة، في حين أن المجاز الكلي يهتم بالخطاب في كليته، فهو مجاز
ثقافي يهتم بالمعنى المضمر، فالغذامي حاول أن يجعل من
المجاز ازدواجا دلاليا كليا وهي محاولة مشروعة ومفيدة أيضا في تحليل الخطابات، غير
أن هذه المحاولة تُعوِّض إشكالا بإشكال آخر، فإذا ما سلمنا برأيه القائل إن المجاز
البلاغي يركز على الجانب الجمالي فقط، فإن المجاز الكلي عند الغذاميى
غارق في النسق الثقافي، وبذلك فهو يسلب من المجاز خاصية أساسية وهي المكون
الجمالي، ويَعتبر بأن المجاز الكلي هو مجاز ثقافي محض، وبالإضافة إلى هذا الأمر
فإننا نرى أن الغذامي يتبنى مفهوما ملتبسا للمجاز البلاغي،
فإذا ما عُدنا إلى البلاغة العربية القديمة لا نجد أن المجاز ينحصر في الجمالي
فقط، بل نجد مجازا موسعا يهتم بالخطاب وهذا ما يتضح عند "عبد القاهر
الجرجاني" على سبيل المثال، كما أن ما يسمى الآن "بالبلاغة
الجديدة" تنطلق من تصور كلي للمجاز لا تربطه بالمفردة أو الجملة، بل بالخطاب،
وعليه فالقول بأن المجاز البلاغي غير قادر على تحليل ما وراء الجمال هو قول متسرع
يحتاج إلى إعادة نظر، وإلى جانب المجاز الكلي نجد كذلك "التورية
الثقافية"، ومن الدوافع التي جعلت الغذامي
يقترح هذا المفهوم هي أن التورية في البلاغة تُعاني من إشكال الوظيفة، حيث حُددت
وظيفة التورية بالظواهر المقصودة فعليا في صناعة الخطاب وتأويله([42])، في حين أن
التورية يجب أن تهتم بالجوانب الخفية غير القصدية، فالغذامي
يفصل بين الأدبي والثقافي، ووعيه بضرورة توسيع إمكانات المفاهيم البلاغية هو وعي
مطلوب معرفيا ونقديا، إلا أن الإشكال هو أنه يبني تصوراته الجديدة على القطيعة،
حيث إنه أفرغ الخصائص الجمالية من المفاهيم البلاغية وعوَّضها بالخصائص الثقافية
كما نلمس في مفهوم التورية الثقافية، لذا كان من الأفضل لو احتفظ بالعنصر الجمالي
في التورية وأضاف إليه العنصر الثقافي، حيث سيكون اشتغال التورية داخل الخطابات
دقيقا وعميقا، فلا يمكن أن نُقصي مكون الجمال في تحليل خطاب أدبي، مثل: الشعر،
فعدم اعتماد التحليل الأدبي لنص شعري الذي هو ذو طبيعة جمالية تخييلية
يمكن أن ينتج عنه تأويلات خاطئة ومشوهة للمعاني الأصلية للنص، ونأتي الآن إلى
مفهوم "الدلالة النسقية" الذي "يُعنى بكيفيات تضمُّن
الخطابات أنساقا تتدخل في توجيه الأفكار والسلوك وتحدد المحمولات الفكرية للآثار
الأدبية"([43])، إن
الدلالة النسقية ستنقل الأداة النقدية من البحث في الجمالي، إلى البحث في النسق
الثقافي المضمر، وبذلك يكون الغذامي قد ابتكر أداة
نقدية جديدة تخدُم سعيه إلى كشف النسق وتحليله وتأويله ثقافيا، غير أن السؤال
المطروح هو، هل يتعلق الأمر بتوسيع أداة النقد مع الاعتماد على المنجز السابق
(الدلالتين: الصريحة، والضمنية) أم بإقصاء لما سبق وإحداث قطيعة معرفية معه؟ إن
الإجابة عن هذا السؤال يتطلب العودة إلى كتب الغذامي في
النقد الثقافي، حيث إن المُتأمل لها سيلاحظ غيابا شبه تام لتوظيف الدلالة الأدبية،
فالغذامي يَعتبر الدلالة الأدبية سببا مباشرا في العيوب
النسقية الثقافية، وعليه فقد أقصى هذه الدلالة ولم يُوظفها إلا في حالات قليلة
جدا، على الرغم من أهميتها في استنطاق النصوص الأدبية، وعليه فإن مفهوم الدلالة
النسقية دليل واضح على تمركز النقد الثقافي عند الغذامي
على كل ما هو نسقي، وهذا الأمر ينطبق أيضا على مفهوم "الجملة
الثقافية" الذي يُوظف لتحليل النسق، فالجملة الثقافية قِوامها التشكيل
الثقافي المنتج للصيغ التعبيرية المختلفة([44]) ودورها هو
كشف آليات الهيمنة التي تُمارسها الثقافة على السلوك البشري، لذا فإنها، ليست
غارقة في الجمالي كما في الجملة التقليدية التي تنقسم إلى جملتين: نحوية صريحة،
وأدبية ضمنية، بل تتجاوز هذا إلى ما وراء الجمال، فالغذامي
انطلق من رؤية صراعية بين الأدبي والثقافي، إذ ينتقد دائما الأدبي ويرفضه،
وبالمقابل يُعلي من قيمة الثقافي، على الرغم من أن الأمر لا يتعلق بصراع ثنائي، بل
بالعكس فالأدبي يتداخل ويتفاعل مع الثقافي والعكس صحيح، وبالإضافة إلى ما سبق نجد
مفهوم "المؤلف المزدوج" الذي ينقسم إلى مؤلفين: معهود ومضمر، والغذامي يركز على المؤلف المضمر الذي هو ذو كيان رمزي ويتجلى
في الثقافة التي تصوغ بأنساقها المهيمنة وعي المؤلف الفرد ولاوعيه
على حد سواء، ومهما حاول الأول (المؤلف المعهود) أن يُعبِّر عما يريد، فإن أفكاره
ومواقفه سوف تنتظم في أطر كبرى تعمل على صوغ منظوراته([45])، وصحيح أن
الثقافة تُؤثر بشكل فعَّال في توجيه وعي المؤلف، لكنها لا تُمثل عائقا حقيقيا في
إفصاحه عن آراءه وأفكاره، والدليل على ذلك هم المبدعون العرب خاصة في مجال
الرواية، "فعبد الله العروي" على سبيل المثال كتب مجموعة من الروايات
التي انتقد فيها الواقع الاجتماعي والثقافي المغربي، ولم تمنعه الثقافة من الإفصاح
عن قضايا المجتمع والثقافة معا، لذا فإن مفهوم المؤلف المزدوج فيه شيء من التعميم
على اعتبار أن ليس كل المؤلفين يخضعون لهيمنة الثقافة، بل إن هناك الكثير منهم ممن
واجه الأنساق الثقافية "وقاومها"، لكن الغذامي
لم ينتبه إلى هذه المقاومة؛ لكونه كان يؤسس مفهوما جديدا للمؤلف يتماشى وتصوره حول
النسق، ونرى أن هذا المفهوم الجديد فيه تعسّف على المؤلف الفرد المعهود وتقليص
لإمكاناته باعتباره مؤلفا يمتلك وعيا وفكرا ثقافيا واجتماعيا حُرا يحق له التعبير
عنه، حيث إنه ليس مجبورا بأن يستسلم للأنساق، ونصل الآن إلى مفهوم "النسق
الثقافي" الذي يُعتبر مفهوما مركزيا، ومن الإشكالات التي يطرحها هذا
المفهوم هي فكرة ثبات النسق وعدم تغيره عبر التاريخ، وقد ناقش "عبد الله
إبراهيم" هذه الفكرة وطرح سؤالا وهو، كيف تكون الأنساق الثقافية ثابتة، وهي
نتاج سياقات ثقافية متحولة؟([46])، وهذا
السؤال مهم جدا على اعتبار أن النسق الثقافي ليس مجردا مثاليا، بل يوجد في سياقات
ثقافية وتاريخية متغيرة باستمرار، فكيف لعبد الله الغذامي
أن يقول بثبات النسق وفي الوقت نفسه يرى أن النسق يتحدد عبر وظيفته، وليس عبر
وجوده المجرد؟ إننا نلمس هنا تناقضا بين فكرة ثبات النسق، وبين تحديده عبر
الوظيفة، وعليه فإن هذا الاضطراب في تحديد مفهوم النسق هو الذي أدى إلى نتائج
متسرعة من حيث التطبيقُ خاصة في تحليل الشعر العربي، فكيف لنسق الافتخار والتعالي بالأنا الذي طبع شعر "المتنبي" أن يكون هو نفسه
الذي يُوجه شاعرا حديثا، مثل: أدونيس، فهل السياقات الاجتماعية والتاريخية
والثقافية هي نفسها؟ ألا يتبنى الغذامي مفهوما مجردا
للنسق؟ وإلى جانب هذه النقطة، فإن النسق الثقافي يُعاني من إشكال التعميم، حيث إنه
ينحصر في الجانب السلبي فقط، مثل: تحول المديح إلى استجداء ونفاق، والفخر إلى تضخم
الذات، فالناقد "انتقى" النماذج الشعرية التي تُؤكد وتُدعم أطروحته،
لكنه بالمقابل غيَّب نماذج شعرية كثيرة تُخالف النسق وتُمثِّل نقيض أطروحته، مثل:
الشعراء الصعاليك، والمتصوفة، وشعراء، مثل: أبو نواس، وابن الرومي، وأبو
العتاهية.... ([47]).
وانطلاقا من
التصورات السابقة نصل إلى مفهوم "النقد
الثقافي" الذي يرى الغذامي أنه نقد للأنساق
المضمرة يبحث في القبحيات وليس الجماليات، ونرى أن هذا
المفهوم يحتاج إلى نقاش، حيث إنه يَغفل خطوة مهمة وهي ما يمكن أن نسميها بالتمثيل التخييلي للثقافة والمجتمع والتاريخ، حيث إن الغذامي تعامل مع الخطابات الأدبية التي درسها تعاملا
إيديولوجيا، وهذا ناتج عن التصور الذي تبناه عن النقد الثقافي، فهو ينطلق من فكرة
مسبقة وهي وجود قبحيات وعيوب نسقية في النصوص؛ لذا لا
يهتم بالإمكانات التخييلية، يركز على العيوب فقط، وإذا
ما عُدنا إلى النقاد الثقافيين الغربيين سنجدهم يتبنون مفهوما مختلفا للنقد
الثقافي وينظرون نظرة مختلفة للنصوص الأدبية باعتبارها تمثيلا تخييليا
للوقائع الاجتماعية والثقافية، وبذلك فهم يربطون الخيال الأدبي بالوجود الاجتماعي
والثقافي، ومن جهة أخرى فهُم يسلكون مداخل متعددة في تحليلهم للخطابات، لذا يمكن
القول إن الغذامي لم يأخذ بنظر الاعتبار هذا التنوع في
مداخل وإمكانات التحليل مما ضيَّق من الأفق الواسع للنقد الثقافي وقيَّده بتحليل
الأنساق المضمرة.
3. التحليل الثقافي وإشكال التأويل عند الغذامي:
(أدونيس أنموذجا):
1.3. إشكال تأويل الأنا المتعالية عند أدونيس:
سنحاول هنا
أن نُعيد قراءة الغذامي لنسق الأنا المتعالية في ديوان
"مفرد بصيغة الجمع" لأدونيس، ففي البداية يرى الناقد أن خطاب أدونيس
ينطوي "على طبقية ثقافية يعتلي الأب قمة الهرم فيها، وهي طبقية ليست من
اختراع أدونيس ولم يؤسس لها، ولكنه يرثها عن النسق الفحولي"([48])، ونلاحظ في
هذا النص تأكيد فكرة ثبات النسق وعدم تغيره، حيث إن أدونيس الشاعر الحداثي كان
مُوجها بطريقة لاشعورية من قِبل النسق الفحولي في الشعر
العربي القديم، وبذلك فقد قال الناقد إن نصوص أدونيس مليئة بالذات المُتضخمة
والمسرفة في التعالي الأسطوري وفي تفردها وتميزها الخرافي([49])، وقد قدم
مجموعة من الأمثلة في الديوان، مثل قول أدونيس: "أَنَا الصَّوْتُ يَرتْجِلُ
الفَضَاءَ، أَنَا الحَجْرُ يَتَطَوَّحُ وَقَرَارُهُ الحَجْرُ، أَنَا العَالَمُ
مَكْتُوباً، أَنَا المَعْنَى..." ([50])، فهذه
المقولات الشعرية لا يَعتبرها مجازية تخييلية، بل
يتعامل معها بوصفها مقولات نسقية، إن النتائج التي خلص إليها الناقد بعد تحليله
الثقافي لديوان أدونيس تستدعي نقاشا نقديا، حيث إن النص الذي حلله هو نص شعري
تخييلي وهذا المعطى مهم جدا في عملية التحليل، إذ لا يمكن أن نتعامل مع نص شعري
مثلما نتعامل مع نص سياسي أو ديني، لذا كان يجب على الناقد أن يأخذ بنظر الاعتبار
نوعية النص حتى لا يسقط في التأويل الإيديولوجي، وإلى جانب عدم اهتمام الغذامي بنوعية النص في تأويليته، فإنه أغفل أيضا عنصرا
أساسيا كان سيمنحه آفاقا جديدة في التحليل ونقصد هنا مرجعيات أدونيس في تأليف
الشعر، وبشكل خاص تأثره بالصوفية، فالشاعر هنا كان يُعبِّر عن أنا مختلفة، هي أنا
الصوفي التي ليست متعالية ولا تُقصي الآخر، بل تعمل بفكرة "الحلول"
والذوبان في الآخر، وقد أكد "حسين السماهيجي"
المرجعية الصوفية عند أدونيس في قوله: "وقد يُشير إلى أن المؤلف، مستفيدا من
تأثره بالصوفية، يُحاول أن يُبدع الكائن الصوفي الذي يتجاوز الكائنات الأخرى من
خلال عثوره على الأنا الأخرى التي، ربما، تكون مختبئة في داخله"([51])، فهذا
المعطى نجده غائبا في دراسة الغذامي الذي فَصَل النص عن
سياقاته ومرجعيات مؤلفه ونظر إليه نظرة سطحية مباشرة؛ لذلك فقد أوَّله تأويلا
اختزاليا، إذ لجأ إلى انتقاء بعض الجُمل الثقافية، كما يَعتبرها، وفصلها عن النص
ككل، فكلما وجد تعبيرا عن الأنا اعتبر ذلك نسقا دالا على تعالي الأنا وتضخمها، وقد
اقترح حسين السماهيجي تأويلا مختلفا لأنا أدونيس؛ حيث
يقول: "فإذا ما ربطنا الأمور بعضها ببعض، فسنجد أن صفتي التفردية والمتعالية
تأتيان، بالدرجة الأولى، من انغماس أدونيس في حالات صوفية تحتوي العالم والوجود في
لوح فُؤاده"([52])، وهذا ما
نلمسه في عنوان الديوان "مفرد بصيغة الجمع" الذي يؤكد الرؤية الصوفية
التي يتبناها أدونيس عن الأنا في علاقتها بالآخر وبالعالم ككل، بعكس فهم الغذامي للعنوان، حيث يقول في هذا الصدد: "وهذا ديوانه
المسمى (مفرد بصيغة الجمع) يُقدم صيغة مثالية للنسق، في تجاوب تام مع تحولات الاسم
والسيرة، وفي هذا الديوان يضع الشاعر جملة ذات بُعد نسقي دال، هي قوله مباشرة بعد
العنوان (صياغة نهائية)، وهي جملة تظهر على الغلاف وتتكرر على الصفحة الأولى من
الديوان، وهذه لحظة من التجلي المكشوف لسيرة النسق التي يتَمثّلها
الشاعر، فهو مفرد جامع ونهائي، وبما إنه كذلك فإن خطابه سيأتي على هذه الصيغة، بما
إنه خطاب لذات مفردة جامعة"([53])، إن هذا
النص يدفعنا إلى طرح سؤال وهو، كيف لعبد الله الغذامي
أن ينظر إلى العنوان نظرة مباشرة دون أن يبحث في خلفياته؟ فلا يمكن لأدونيس أن
يَفصح عن تضخمه وتعاليه بطريقة مباشرة، وعليه نرى أن الخلاصات التي انتهى إليها
الناقد تتماشى وتصوره المسبق حول النسق الثقافي، غير أن هذا التصور لا ينسجم مع كل
النصوص.
إن أنا
أدونيس ليست متفردة ولا متعالية، بل إنها تتعايش مع الآخر وتُؤمن بالتعدد، وما
يؤكد هذا قول أدونيس: "وَأَصْرُخُ أَنَا المَعْنَى، أَنَا الْإِنَاءُ
مَمْلُوءاً بِكِ، لَنْ أَمُوتَ لَكِنَّنِي سَأَنْكَسِرُ..."([54])، فهذه
الأمثلة وغيرها في الديوان تُبين أن أدونيس لم يكن منحازا إلى ذاته ولم يكن أحاديا
في رؤيته الشعرية، بل بالعكس فهو كان يكتب عن عالم متناقض ومختلف ومتعدد، لكن من
رؤية صوفية تذوب في الآخر، وخير دليل على تعايش أنا أدونيس مع الآخر قوله
"أَنَا المَعْنَى"، ومعروف أن المعنى في التراث العربي يرتبط بالمرأة
فهو خاصية أنثوية، وقد أكد هذا الطرح الغذامي نفسه،
عندما قال: "فاللفظ فحل (ذكر) وللمرأة المعنى"([55])، فكيف يرى
أن أدونيس عبّر عن أنا متعالية وأقصى الآخر (الأنثوي) وهو الذي يُصرّح ويقول أنا
المعنى؟ فهذا تعبير مباشر من الشاعر عن وجود الأنا الأنثوية وعن تعايشه معها.
2.3. التأويل وغياب النص:
يطرح تأويل الغذامي لديوان أدونيس إشكالات عديدة وضّحنا بعضها فيما سبق،
لكننا هنا سنحاول أن نرى مدى ملاءمة هذا التأويل للنص.
يُشكل النص
إشكالا حقيقيا في دراسات الغذامي، حيث ينطلق من تصورات
منهجية مسبقة ويُحاول أن يُطبقها على النصوص، إلا أنه في كثير من الأحيان يسقط في
عدم الملاءمة بين تصوره المنهجي ونوعية النص مثلما هو مطروح في دراسته لنصوص
أدونيس، إذ كان مُقيدا بالمنهج وخاصة تصوره حول النسق مما أنتج تأويلا غير منسجم مع
النص، فالغذامي "تعسّف" على نص أدونيس وأخضعه
لتصوره المنهجي قسرا؛ مما أفرز تأويلا خاطئا قوَّل النص ما لم يقل، ونرى أن تأويله
أفرغ النص من محتواه وأفقده هويته، فالناقد كان يُحاسب أدونيس
"إيديولوجيا"، وهذا ما حذّر منه سعيد يقطين في تقديمه لكتاب "إدريس
الخضراوي"، حيث يقول: "لعل أهم عائق يعترض هذا النمط من الدراسات تحوله
إلى ممارسة تأويلية اختزالية (...)، إنه بدون الانفتاح الواعي على الرصيد العلمي
والمعرفي الذي تبلور منذ الستينيات إلى الآن، والاشتغال، في أفق علمي موضوعي يسعى
إلى فهم الظواهر الأدبية، وتأويلها تأويلا مطابقا، سنكون أمام تأويلات إيديولوجية
جديدة تعكس آراء ومعتقدات الدارسين الثقافيين."([56])
خاتمة
لقد سعى الغذامي إلى الخروج من النمطية في الدراسات النقدية الأدبية،
مما جعله يقترح نموذجه في النقد الثقافي الذي منح للقارئ إمكانات تحليلية مهمة
وسَّعت من مجال الدراسة النقدية، إلا أنه، وفي الوقت نفسه، طرح إشكالات معرفية
ونقدية نتجت عن كيفية "تلقيه للنقد الثقافي الغربي، حيث فَصَل بين النقدين:
الأدبي والثقافي، في حين أن النقاد الثقافيين الغربيين يستثمرون كثيرا نظريات
الأدب في تحليلهم وتأويلهم للخطابات، وهذا الفصل الذي نجده عند الغذامي ناتج عن فهمه "القاصر" للنقد الأدبي
ووظيفته، هذا وقد أسس الناقد مشروعه النقدي على مرجعية معرفية "جُزئية"،
إذ "انتقى" بعض هذه المرجعيات فقط وخاصة اعتماده على النقد الثقافي
الأمريكي، الشيء الذي جعله يَغفَل أفكارا ومفاهيم تجد مرجعياتها المعرفية في
الثقافة الفرنكفونية التي لم يستفد منها ما عدا بعض
تصورات "ميشيل فوكو" التي وظفها، كما أنه لم يُشر إلى أصول بعض المفاهيم
التي اشتغل بها والتي تعود إلى خلفيات معرفية مختلفة، مثل: التحليل النفسي،
الماركسية، السميائيات، وإلى جانب ما سبق فإنه أسس
مفاهيمه على العنصر النسقي، لذلك انتقد المفاهيم البلاغية باعتبارها تهتم بالجمالي
فقط، غير أن الناقد لم ينتبه إلى أن مفاهيمه، هي الأخرى، تهتم بالنسق الثقافي
وحسب، وتهمل ما هو جمالي بلاغي، وهذه الإشكالات المنهجية انعكست سلبا على التطبيق،
مثلما نلمس في تحليل نصوص أدونيس، حيث إن الناقد كان يُدافع عن مقترحاته المنهجية
أكثر مما يُحلل النص، وهذا إشكال يجب تجاوزه، لكن هذا لا يمنعنا من القول إن الغذامي كانت له جرأة معرفية ووعي بضرورة فتح النقد على آفاق
أخرى لم تكن مطروحة فيما سبق.
المصادر والمراجع
تأنيث القصيدة والقارئ المختلف، عبد الله الغذامي،
المركز الثقافي العربي، ط2، الدار البيضاء، المغرب، 2005م.
الثقافة التلفزيونية، سقوط النخبة وبروز الشعبي، عبد الله الغذامي،
المركز الثقافي العربي، ط2، الدار البيضاء، المغرب، 2005م.
الثقافة العربية والمرجعيات المستعارة، عبد الله إبراهيم، دار الأمان، ط1، الرباط،
المغرب، 2010م.
ثقافة الوهم، مقاربات حول المرأة والجسد واللغة، عبد الله الغذامي،
المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 1998م.
الثقافة والمنهج، حوارات مع الدكتور عبد الوهاب
المسيري، سوزان حرفي، دار الفكر،
ط2، دمشق، سوريا، 2010م.
جدل التنوير، شذرات فلسفية، ماكس هوركهايمر وتيودورف أدورنو، ترجمة، جورج
كتورة، دار الكتاب المتحدة، ط1، بيروت، لبنان، 2006م.
الجنوسة النسقية، أسئلة في الثقافة والنظرية، عبد الله الغذامي،
المركز الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 2017م.
الدراسات الثقافية، التمفصل
الهيمنة والصراع، ديك هيبدج وآخرون، اختيار وترجمة، محمد مفضل، دار شهريار، ط1،
بيروت، لبنان، 2019م.
دليل الناقد الأدبي، إضاءة لأكثر من سبعين تيارا
ومصطلحا نقديا معاصرا، ميجان الرويلي وسعد البازعي،
المركز الثقافي العربي، ط3، الدار البيضاء، المغرب، 2002م.
الرواية العربية وأسئلة ما بعد الاستعمار، إدريس الخضراوي رؤية للنشر والتوزيع، ط1،
القاهرة، مصر، 2012م.
العالِم والنصُّ والناقد، إدوارد سعيد، ترجمة، عبد الكريم محفوض، منشورات اتحاد الكتاب العرب، 2000م.
عبد الله الغذامي
والممارسة النقدية والثقافية، حسين السماهيجي وآخرون، المؤسسة العربية
للدراسات والنشر، ط1، بيروت، لبنان، 2003م.
الغذامي الناقد، قراءات في مشروع الغذامي
النقدي، عبد الرحمن بن إسماعيل
وآخرون، مؤسسة اليمامة الصحفية، الرياض، السعودية، 2002م.
الفكر الأدبي العربي، البنيات والأنساق، سعيد يقطين، دار الأمان، ط1، الرباط، المغرب،
2014م.
ما النقد الثقافي؟ ولماذا؟ عبد النبي اصطيف، مجلة فصول، الهيئة المصرية
العامة للكتاب، المجلد25، العدد99 القاهرة، مصر، 2017م.
المرأة واللغة، عبد الله الغذامي، المركز
الثقافي العربي، ط1، الدار البيضاء، المغرب، 1996م.
مفرد بصيغة الجمع، صياغة نهائية، أدونيس، دار الآداب، طبعة جديدة بيروت، لبنان،
1988م.
النقد الأدبي الأمريكي، من الثلاثينيات إلى
الثمانينيات، فنسنت ليتش، ترجمة، محمد يحيى، مراجعة وتقديم، ماهر شفيق فريد،
المشروع القومي للترجمة، القاهرة، مصر، 2000م.
النقد الثقافي، تمهيد مبدئي للمفاهيم الرئيسية، أرثر أيزابرجر، ترجمة، وفاء إبراهيم ورمضان بسطاويسي،
المشروع القومي للترجمة، ط1، القاهرة، مصر، 2003م.
النقد الثقافي، قراءة في الأنساق الثقافية
العربية، عبد الله الغذامي، المركز الثقافي العربي، ط3، الدار البيضاء، المغرب،
2005م.
النقد الثقافي، من النسق الثقافي إلى الرؤيا
الثقافية، عبد الرزاق
المصباحي، مؤسسة الرحاب الحديثة للطباعة والنشر والتوزيع، ط1، بيروت، لبنان،
2014م.
نقد ثقافي أم نقد أدبي، عبد الله الغذامي
وعبد النبي اصطيف، دار الفكر، ط1، دمشق، سوريا، 2004م.
Kaynakça / References
ʻAbd Allāh al-Ghadhdhāmī wa-al-mumārasah al-naqdīyah wa-al-thaqāfīyah, Ḥusayn
al-Samāhījī wa-ākharūn, al-Muʼassasah al-ʻArabīyah lil-Dirāsāt wa-al-Nashr, Ṭ1,
Bayrūt, Lubnān, 2003m.
Alʻālim wālnṣṣu wa-al-nāqid,
Idwārd Saʻīd, tarjamat, ʻAbd al-Karīm Maḥfūḍ, Manshūrāt Ittiḥād al-Kitāb
al-ʻArab, 2000M.
al-Dirāsāt
al-Thaqāfīyah, altmfṣl al-haymanah wa-al-ṣirāʻ, Dīk hybdj wa-ākharūn,
ikhtiyār wa-tarjamat, Muḥammad Mufaḍḍal, Dār Shahrayār, Ṭ1, Bayrūt, Lubnān,
2019m.
al-Fikr
al-Adabī al-ʻArabī, al-binyāt wa-al-ansāq,
Saʻīd Yaqṭīn, Dār al-Amān, Ṭ1, al-Rabāṭ, al-Maghrib, 2014m.
al-Ghadhdhāmī
al-nāqid, qirāʼāt fī Mashrūʻ al-Ghadhdhāmī al-naqdī,
ʻAbd al-Raḥmān ibn Ismāʻīl wa-ākharūn, Muʼassasat al-Yamāmah al-Ṣuḥufīyah,
al-Riyāḍ, al-Saʻūdīyah, 2002M.
Aljunwsh
al-nasaqīyah, asʼilat fī al-Thaqāfah wa-al-naẓarīyah,
ʻAbd Allāh al-Ghadhdhāmī, al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, Ṭ1, al-Dār al-Bayḍāʼ,
al-Maghrib, 2017m.
al-Marʼah
wa-al-lughah, ʻAbd Allāh al-Ghadhdhāmī,
al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, Ṭ1, al-Dār al-Bayḍāʼ, al-Maghrib, 1996m.
al-Naqd
al-Adabī al-Amrīkī, min al-thalāthīnīyāt ilá al-thamānīnīyāt,
Vinsint lytsh, tarjamat, Muḥammad Yaḥyá, murājaʻat wa-taqdīm, Māhir Shafīq
Farīd, al-mashrūʻ al-Qawmī lil-Tarjamah, al-Qāhirah, Miṣr, 2000M.
al-Naqd
al-Thaqāfī, min al-nasaq al-Thaqāfī ilá al-ruʼyā al-Thaqāfīyah,
ʻAbd al-Razzāq al-Miṣbāḥī, Muʼassasat al-Riḥāb al-ḥadīthah lil-Ṭibāʻah
wa-al-Nashr wa-al-Tawzīʻ, Ṭ1, Bayrūt, Lubnān, 2014m.
al-Naqd
al-Thaqāfī, qirāʼah fī al-ansāq al-Thaqāfīyah al-ʻArabīyah,
ʻAbd Allāh al-Ghadhdhāmī, al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, ṭ3, al-Dār al-Bayḍāʼ,
al-Maghrib, 2005m.
al-Naqd
al-Thaqāfī, tamhīd mabdaʼī lil-mafāhīm al-raʼīsīyah,
Arthur ayzābrjr, tarjamat, Wafāʼ Ibrāhīm wa-Ramaḍān Basṭāwīsī, al-mashrūʻ
al-Qawmī lil-Tarjamah, Ṭ1, al-Qāhirah, Miṣr, 2003m.
al-Riwāyah al-ʻArabīyah wa-asʼilat mā baʻda
al-istiʻmār,
Idrīs al-Khaḍrāwī ruʼyah lil-Nashr wa-al-Tawzīʻ, Ṭ1, al-Qāhirah, Miṣr, 2012m.
al-Thaqāfah al-ʻArabīyah wa-al-marjiʻīyāt al-mustaʻārah,
ʻAbd Allāh Ibrāhīm, Dār al-Amān, Ṭ1, al-Rabāṭ, al-Maghrib, 2010m.
al-Thaqāfah al-tilifizyūnīyah, suqūṭ al-nukhbah wa-burūz al-shaʻbī, ʻAbd Allāh al-Ghadhdhāmī,
al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, ṭ2, al-Dār al-Bayḍāʼ, al-Maghrib, 2005m.
al-Thaqāfah wa-al-manhaj, ḥiwārāt maʻa al-Duktūr ʻAbd al-Wahhāb al-Misīrī,
Sūzān Ḥarfī, Dār al-Fikr, ṭ2, Dimashq, Sūriyā, 2010m.
Dalīl
al-nāqid al-Adabī, Iḍāʼah li-akthar min sabʻīn tyārā wa-muṣṭalaḥan
naqdī mʻāṣrā,
Mījān al-Ruwaylī wsʻd al-Bāziʻī, al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, ṭ3, al-Dār
al-Bayḍāʼ, al-Maghrib, 2002M.
Jadal
al-Tanwīr, Shadharāt falsafīyah,
Max hwrkhāymr wtywdwrf adwrnw, tarjamat, Jūrj Kattūrah, Dār al-Kitāb al-Muttaḥidah,
Ṭ1, Bayrūt, Lubnān, 2006m.
Mā
al-naqd al-Thaqāfī? wa-li-mādhā? ʻAbd
al-Nabī Aṣṭīf, Majallat fuṣūl, al-Hayʼah al-Miṣrīyah al-ʻĀmmah lil-Kitāb,
almjld25, alʻdd99 al-Qāhirah, Miṣr, 2017m.
Mufrad
bi-ṣīghat al-jamʻ, ṣiyāghat nihāʼiyah,
Adūnīs, Dār al-Ādāb, Ṭabʻah jadīdah Bayrūt, Lubnān, 1988m.
Naqd thaqāfī Am Naqd adabī,
ʻAbd Allāh al-Ghadhdhāmī wa-ʻAbd al-Nabī Aṣṭīf, Dār al-Fikr, Ṭ1, Dimashq,
Sūriyā, 2004m.
Taʼnīth
al-qaṣīdah wālqārʼ al-mukhtalif, ʻAbd Allāh al-Ghadhdhāmī,
al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, ṭ2, al-Dār al-Bayḍāʼ, al-Maghrib, 2005m.
Thaqāfat
al-wahm, muqārabāt ḥawla al-marʼah wa-al-jasad wa-al-lughah,
ʻAbd Allāh al-Ghadhdhāmī, al-Markaz al-Thaqāfī al-ʻArabī, Ṭ1, al-Dār al-Bayḍāʼ,
al-Maghrib, 1998M.