النقد الأدبي القديم وسؤال التخليق

بحث في ملامح انضباط النقد العربي القديم لتوجيهات الخطاب القرآني

 

د. عبد الفضيل ادراوي

جامعة عبد المالك السعدي، المغرب

البريد الإلكتروني: draouiabdelfdil@gmail.com

بحث أصيل

الاستلام: 8-5-2022

القبول: 25-9-2022

النشر: 28-10-2022

 معرف (أوركيد): 0000-0003-1676-6396

الملخص:

تروم هذه المساهمة الدفاع عن فرضية أن النقد العربي القديم، منذ بداية الدعوة الإسلامية، قد سار منذ مراحله الأولى ممتثلا لمعطيات الوحي، ومنضبطًا بروح الدعوة الإسلامية، ولتوجيهات القرآن والسنة النبوية، فكان النظر إلى أصناف القول وتقويم الإبداع، تراعى فيه وظيفته الرسالية في المجتمع، ومدى مراعاته القيم الأخلاقية السامية التي جاء بها الوحي، وهذا التوجه العام تفعرت عنه عناصر جمالية ومقولات ومعايير وأحكام، تطورت وأصبحت قوانين مشهورة يحتكم إليها في النقد، فكان النقد منبنيا على رؤى تجلت فيها روح الدعوة الإسلامية ومبادئ النظرة الرسالية للإنسان ولحركته في المجتمع، بل إن النفس التخليقي الترشيديّ، سيجعل بعض النقاد يدعمون أجناسا وخطابات بعينها، لأنها توافق أو تخدم النص القرآني وفلسفة والوحي، وبالمقابل خضعت أنماط تعبيرية أخرى للتأطير والمحاصرة، لمخالفتها فلسفة الإبداع ونظام القول المنضبط بأخلاقيات النص القرآني.

الكلمات المفتاحية:

النقد، التخليق، التوجيه، القرآن، السنة، رسالي، منضبط، التأطير، المحاصرة

 


للاستشهاد/:Atif İçin / For Citation ادراوي، عبد الفضيل. (2022). النقد الأدبي القديم وسؤال التخليق، بحث في ملامح انضباط النقد العربي القديم لتوجيهات الخطاب القرآني. ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها. مج3، ع6،
 569-603 https://www.daadjournal.com/ /

 

Ancient Literary Criticism and the Question of Synthesis

A Study of the Features of Discipline in Ancient Arab Criticism to the Directives of the Qur’anic Discourse

 

Dr. Abdelfdil Daraoui

Assistant Professor, University of Abdelmalek Saadi, Morocco.

E-mail: draouiabdelfdil@gmail.com

Orcid ID: 0000-0003-1676-6396

Published: 28.10.2022

Accepted : 25.09.2022

Received: 08.05.2022

Research Article

                                                                                          

Abstract:

This research work aims to defend the hypothesis that the ancient Arab criticism has proceeded through its first simple stages of discipline in the spirit of the Islamic call, and with the directives of the Qur’an and the Sunnah. This common trend expanded and branched out from aesthetic elements, sayings, standards, and provisions, which have developed and become common laws that are appealed to in evaluating poets, writers, orators, and creators. form, with the pioneers of linguistic, poetic, and rhetorical criticism later. They were enacted on visions of Islam calls as manifested, as well as the principles of the missionary view of man and his role in society. Rather, the rationalizing synthetic self will make some critics support certain genres and discourses. In return, other expressive patterns have been subjected to framing and besieging, for violating the philosophy of creativity and the disciplined saying system of the ethics of the Qur’anic text.

keywords:

Ancient criticism, synthesis, fortification of the nation, preservation, identity, discipline, preaching storytelling, The benefit.


Antik Edebi Eleştiri ve Sentez Sorunu

Kur'an Söyleminin Direktifleri Eski Arap Eleştirisinde Disiplin Özelliklerinin İncelenmesi

Dr. Öğr. Üyesi Draoui Abdelfdil

Abdelmalek Saadi Üniversitesi, Fas

E-posta: draouiabdelfdil@gmail.com

Orcid ID: 0000-0003-1676-6396

 

Yayın : 28.10.2022

Kabul: 25.09.2022

Geliş: 08.05.2022

Araştırma Makalesi

 

                                                                                     Özet:

Bu araştırma, kadim Arap tenkidinin, İslam davetinin başlangıcından bu yana ilk basit aşamalarını ve tezahürlerini, vahyin verilerine, İslami davet ruhuna, Kur'ân-ı Kerîm ve Hz. Peygamber’in sünnetinin direktiflerine uygun bir disiplin içinde ilerlediği algısını savunmayı amaçlamaktadır. Yaratıcı değerlendirme ve söylem türlerine bakıldığında, toplumdaki elçilik işlevi ve vahyin beraberinde getirdiği yüksek ahlaki değerlere ne ölçüde riayet edildiği görülmektedir. Bu genel eğilim genişleyerek estetik unsurlardan, sözlerden, standartlardan ve yargılardan ayrılmıştır. Şairler, yazarlar ve hatipler genel olarak yaratıcıların değerlendirilmesinde başvurulan kanunları geliştirerek meşhur olmuşlardır. Daha sonra İslami çağrının ruhunun ve misyoner insan görüşünün ilkelerinin ve toplumdaki hareketinin tezahür ettiği vizyonlara dayanarak dilsel, şiirsel ve retorik eleştirinin öncüleri ile sözlü veya yazılı olarak eleştirinin öncüleri oldular. Bilakis, rasyonelleştirici sentetik ruh, bazı eleştirmenlerin belirli türleri ve söylemleri desteklemesini sağlayacaktır. Çünkü onlar Kur'an metni, felsefesi ve vahiyle aynı fikirdedirler veya ona hizmet etmektedirler. Öte yandan, diğer ifade kalıpları, yaratıcılık felsefesini ve Kuran metninin ahlakının disiplinli söyleyiş sistemini ihlal ettikleri için çerçeveleme ve kuşatmaya tabi tutulmaktadırlar.

Anahtar Kelimeler:

Eski Eleştiri, Sentez, Rasyonalizasyon, Ulusun Güçlendirilmesi, Kimliğin Korunması, Çağrı Ruhunun Disiplini, Hikâye Anlatıcılığı, Menfaat.


تقديم:

لن يكون من نافلة القول الإشارة إلى أن القرآن الكريم قد شكل حدثا مفصليًا في تاريخ الأمة العربية، بما استطاع أن يحدث في مسيرتها الحضارية من تغيير جوهري على كل الأصعدة، وبما استطاع أن يمدها به من مفاتيح البناء ومستلزمات السير، وبما مدها به من مقومات التكامل والنضج التي لم تترك جانبا من الجوانب التي تخص الإنسان في هذا الوجود إلا عمل على رعايتها وتعهدها، فهو "كتاب حياة الإنسان، الإنسان اللانهائي، الإنسان المتكامل، الإنسان الذي لا حد لتكامله"([1])، وهو "كتاب المعرفة والأخلاق والدعوة إلى السعادة والكمال.. وكتاب الهداية والتعليم...والكتاب الأحديّ في تهذيب النفوس"([2]).

وغير خاف أن الحياة الفكرية والمعرفية كانت من أهم الجوانب التي عمل القرآن الكريم على صياغتها وفق رؤيته الربانية الخالدة، وعمل على تأطيرها ضمن فلسفة جديدة وهوية خاصة ومتميزة، ساهمت في توجيه الأفكار والمعتقدات، وغيرت القناعات، وربطت العقول والقلوب بمقررات الوحي وتوجيهات السماء.

 ولقد كان نشوء التفكير النقديّ والبلاغيّ في التراثي العربيّ الإسلاميّ، منذ بواكيره الأُولى، مرتبطا بالنص القرآني ومتمحورا حوله، وهذا ما تظهره مجهودات النقاد والبلاغيين وعلماء التفسير واللغوين والمهتمين منذ نزول القرآن الكريم، فقد ظلت الاجتهادات النقدية والبلاغية تنمو مرتبطةً بالنّص القرآني أساسًا، بل إنها ببركته وظلاله امتدت في التوسع والتعمق، متمثلة في اجتهادات خاصة انصبت على الخطابة والشعر، وكل ما يهم الفصاحة والبيان العربيين، من أجل خدمة النص القرآنيّ وفهمه وحسن تمثله.

1-  القرآن وإيجاد البيئة النقدية الحاضنة

لا يمكن أن ينكر أحد الدور المحوري الذي كان للقرآن الكريم، في توجيه وصناعة الوجود الحضاري للأمة العربية، ويعنينا من ذلك المجال المرتبط بالثقافة والمعرفة عموما، وعلى وجه التحديد ما له صلة بالنقد والبلاغة، فقد جاء القرآن متحديا الوجود الحضاري العربي بمعجزته البلاغية البيانية، وهذا يكشف لنا ارتباط أمة العرب بالبيان وبمتفرعاته ومجالاته، وتميزها به بين الأمم، وهذا الأمر، سيكون له أثر كبير في خلخلة صرح تِلكم المجالات ذات الصلة بالبيان العربي، وخلق حالة جديدة من الفعل والتجدد والمراكمة، في سبيل الارتقاء بآليات التعامل مع هذا النص الجديد.

تبعا لما سلف غدا للقرآن الكريم أثره الواضح في خلق وإيجاد بيئات جديدة، كان لها الدور البارز في إغناء الدرس النقدي والبلاغة في الساحة العربية، والمساهمة في بناء صروح مباحثهما الممتدة في الثقافة العربية الإسلامية، هذه البيئات رغم أنها كانت متعددة المشارب والاهتمامات، ولكن الذي يجمعها أنها مشدودة الى النص القرآني، ومتمحورة حوله، لأنه محركها وباعث الحياة الجديدة فيها.

وتتكون هذه البيئات من الشعراء والكتاب والخطباء، ومن المعلمين والمربين والوعاظ، ومن اللغويين والرواة والنحاة، ومن الفقهاء والمفسرين، ومن الإخباريين والنسابة والمؤرخين وأصحاب السير والتراجم، ومن المتكلمين والفلاسفة وغيرهم، ورغم أن مجالات التتبع فسيحة ومتشعبة تنأى عن الحصر، إلا أنه يمكن باقتضاب شديد رصد أهم البيئات التي ساهمت في تطوير وإغناء مجالات النقد والبلاغة العربيين، وعملت على بلورة مفاهيمهما ومصطلحاتهما.

1-1-      بيئة النحاة واللغويين:

لا يخفى الدور الكبير الذي كان للقرآن الكريم في تطوير مجالات الدرس اللغوي، وما أملاه من حضور بين لعلماء النحو واللغة بفروعها المختلفة، فقد أدى الأسلوب القرآني إلى اتساع دائرة اشتغال اللغويين وعمل على تنشيط حركتهم الفكرية تدريسا وتأليفا، منذ القرون الأولى لسيادة الدولة الإسلامية، على اختلاف المراحل والحقب. فوضعوا الأسس الأولى للدرس النقدي في تجلياته التطبيقية التواصلية، ووضعوا اللبنات الأولى للدرس البلاغيّ، تسهيلا لولوج عالم النص القرآني وأخذا بيد المتلقي العربي للتمكن من التعامل معه والاستفادة منه، وحسن استثماره أداءً وفهمًا، حتى تتمكن العقول من تدبر معانيه وتمثل قضاياه، فالنحو حين "يحدد السلوك اللغوي في بناء الأسلوب وهندسة العبارة، يمكن الدارس من ممارسة نشاطه النقدي القائم على التفكير والتفسير، والملاحظة النافذة إلى أعماق النص، والكشف عن طاقاته المتعددة"([3]).

وهنا يتبدى النص  القرآني الكريم هاجسًا ومحركًا دفع العلماء النحاة للبحث في ضبط العبارة الفصيحة ووضع القواعد اللازمة، عبر استنطاق مدونة الكلام العربي، في أفق تمييز اللغة المعيارية والمثالية، التي يمكن الاستناد إليها لفهم كتاب الله، وضبط أوجهه الأسلوبية والتركيبية المتميزة، والتمكن من سبل بناء الدلالة، فالنحاة واللغويون يمكن اعتبارهم "أصحاب الفضل الأول في نشأة النقد بفروعه ومباحثه المختلفة وعلوم البلاغة وتفرعاتها: إذ تناثرت مباحثها ضمن قضايا النحو، ثم أتيح لما تناثر أن يُصاغ في قواعد بلاغية ذات صبغة علمية"([4]).

ولا يمكن للباحث في تاريخ النقد والبلاغة العربية، أن يغفل النظرات النقدية والبلاغية الثاقبة التي انطوت عليها بعض الكتابات المهمة والمؤسسة، مثل "الكتاب" لسيبويه، و"معاني القرآن" للفراء، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة، فهذه كتب بمثابة مصادر أفرزها الاهتمام بالنص القرآني، والانشغال ببيانه وفصاحته، وقد اشتملت، مثل غيرها من المصادر، على مباحث أساسية في النقد والبلاغة، تثبت التأثر بتوجيهات النص القرآني والامتثال لمبادئه، فلا يمكن باحثًا أن يتتبع بدايات نشأة النقد والبلاغة ويغفل ما ورد فيها، وقد بحث اللغويون والنحاة في دلالة الألفاظ وتركيباتها، وتنبهوا الى تنوع الأساليب وسياقات الكلام، وما تؤديه من وظائف وايحاءات ومعان جديدة، فأفادوا بذلك كله الدراسات البلاغية والنقدية والعلوم المجاورة.

وكان من أهمية ارتباط البحث اللغوي والنحوي بالقرآن الكريم أن اعتبر "الجهل بالنحو جهلًا بالقرآن" ([5])، فقد بذلوا في معالجة أساليب القرآن جهودا رائدة، وأبدعوا سبلا دقيقة مسعفة في الإمساك بالكلام، وإدراك متصرفات الخطاب القرآني في جوانبه البيانية وغيرها.

وبالرغم مما ضاع من كتب حول معاني القرآن وإعرابه ومجازه ومشكله، مما أنتج خلال المرحلة الأولى للتدوين، فإننا نجد في "معاني القرآن" للفراء مثلا، نموذجا عن جهود اللغويين النحاة الذين عنوا بإيضاح معاني القرآن والتنقيب عن جمال أساليبه، والكشف عن بعض أسرار الإعجاز القرآني، وتناول بعض المسائل البيانية التي ستصبح عمدة في الدرسين النقدي والبلاغي لاحقا، وخصوصا ما تعلق بمباحث التشبيه والاستعارة والكناية والحقيقة والمجاز والحذف والالتفات، والإضمار والتقديم والتأخير والتكرار والإيجاز والاستفهام .. إلخ.

وفي الاتجاه ذاته يحضر كتاب "مجاز القرآن" لأبي عبيدة، فقد حاول بدوره أن يكشف عن دقائق التعبير القرآني وأسرارها، فجاء خزانا لقضايا البلاغة والنقد، التي سوف تتطور وتتعمق عبر العصور اللاحقة، من ذلك مثلا قضايا البيان العربي، وخصوصية الأسلوب العربي، وكيف يمثله التراث الشعري، وكيف تظهره العبارة القرآنية أو تتجاوزه.

تبعا للسالف، يكون القرآن الكريم بتميزه وبأفضليته وعظمته المعجزة، قد شكل دافعا محركا، ومساهما فاعلا، في إيجاد بيئة مناسبة وأرضا خصبة  للبحث اللغوي والنحوي والبلاغي، التي ستساهم في إغناء مباحث التفسير والبلاغة الإعجازية، والدراسات القرآنية، وستعتمد كحجر أساس انبنت عليها توجهات ومنظورات بحثية لاحقة، واجترحت صورا من التأمل فيما انطوت عليه تراكيب القرآن ودلالات ألفاظه وأسرار أسلوبه، فكان بذلك القرآن الكريم منذ نزوله محط تدبر، ومنطلقا لاجتهادات بلاغية نقدية تفسيرية، أثمرت تشييد صرح البلاغة والنقد العربيين.

1-2-  بيئة الأصوليين:

كان من تجليات تأثير القرآن الكريم في الثقافة العربية الإسلامية منذ عصرها الأول، ما استلزمه من اهتمامات جديدة، فرضتها الجوانب البحثية المعرفية، التي يتوقف عليها فهم الكتاب الجديد، والاستفادة منه، بوصفه خطابا للتمثل والتطبيق، فضلا عن كونه نصا للقراءة والتأمل، فكان المبحث الأصولي الذي بوساطته تستنبط الأدلة الفقهية من الكتاب والسنة، فلا بد أن يوجد من يتأمل في أساليب القرآن، بنوع من العمق والتخصص والتفرغ الكلي أو شبه الكلي؛ (وَما كانَ المُؤْمنون ليَنْفرُوا كافّة، فلولا نَفَرَ مِن كُلّ فِرقَة منْهُم طائفَة ليتفَقّهُوا في الدين وَليُنِذروا قومَهُم إذا رَجعوا إليهمْ لَعَلّهُم يَحْذَرُون)([6])، من أجل أن يدركوا أسرار البيان القرآني، ويتعمقوا في تراكيبه، ويعرفوا أساليب التجوز في التعبير، وسبل الدلالة، ومستويات المعنى..إلخ، ف"الأصولي يريد أن يستنبط حكما شرعيا، فيجد نفسه في حاجة إلى تحديد الخبر والإنشاء، والحقيقة والمجاز، والتأمل في الألفاظ ودلالتها، وفي طرائق التعبير ومراميها([7])، ولذلك وجدنا الشافعي في "الرسالة" لدراسة أصول الفقه، يجعل البحث الأصولي من ضمن اهتمامات الناقد والبلاغي، فيعتبر البيان ما تعلق بالطرق المؤدية لفهم القرآن واستنباط الأحكام منه.

ولما كان القرآن قد نزل بلسان العرب، فلا بد من معرفة أساليب العرب وطرقهم في المجازات، وما وضعه الشافعي في مقدمة الرسالة، لدراسة أصول الفقه، من مباحث بلاغية، كان مدعاة لخوض الأصوليين والفقهاء في البلاغة، وهذا ما دفعه لإدراجها ضمن كتبهم ومباحثهم، بل إنه اعتبرها من طرق الفقه، فكانت البلاغة لدى الأصوليين تسعى في سبيل ضبط قواعدها، والقيام بالتقسيمات اللازمة، لتلبي الحاجات الى استنباط الأحكام([8]).

1-3-  بيئة المتكلمين

غير خاف أن هذه بيئة جديدة أوجدها النص القرآني في الساحة الثقافية العربية الإسلامية، فقد كان للرؤية الحضارية الجديدة تأثير بين في توجيه القناعات والمواقف، وخلق ردود الأفعال المتباينة، التي وصلت حد التناقض والصراع والصدام العنيف أحيانا، خاصة حيال تلك القضايا الجديدة التي جاء بها القرآن والوحي عموما، عن الإنسان والكون والغيب والمصير والحساب والجزاء والبعث..إلخ، فكل ذلك أوجد بيئة جديدة، وفتح مجالات من النقاش والتناظر والتجادل، والسعي نحو الإقناع والمحاججة، حتى استقر ضمن هذه البيئة على صورة علم قائم بذاته هو علم الكلام.

هذه البيئة العقلانية، ذات الصلة بالنقد والبلاغة، ينتمي إليها كل من طرح مشكلة عقدية أو ما شابه، يثيرها النص القرآني، فالجهود الكلامية دفاع عن العقيدة، ومناصرة للإسلام ومقررات الوحي، لكنها في حقيقتها تجليات نقدية بلاغية، لأنها تتحقق وتنجز على أرض التواصل، بمعرفة اللغة وأساليب التجوز، لإقرار وجوه التأويل.

صحيح أن علماء الكلام اشتغلوا بالجدل وبالمناظرة، ومثلوا جبهة الدفاع عن الاسلام بانتصارهم لإعجاز القرآن والتدليل عليه، ولكن جهودهم لم تنفصل عن توظيف آليات البيان العربي؛ فكانوا مظهرا من مظاهر النقد والبلاغة، أفرزها الاشتغال بالنص القرآني، وما فرضه من مستجدات فكرية وعقدية، ولعله من هذا الجانب، يكون لرأي بعض القائلين من الباحثين المحدثين "إن البلاغة ولدت في أحضان المتكلمين"([9])، نصيبه من الوجاهة والصواب، حيث ضرورة الإقرار بأن المتكلمين كان لهم دور فاعل في التأسيس للبيان العربي، وتطوير مباحثه وتعميقها، بما يخدم العقيدة والقرآن، ويكفي أن رائد البيان العربي وأحد أشهر المؤسسين للنظرية النقدية في التراث العربي الإسلامي، وهو أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، كان من كبار المتكلمين ومن رؤوس المعتزلة.

فيكون القرآن الكريم بهذا قد ساهم في إيجاد هذه البيئة الكلامية، التي احتضنت مباحث النقد والبلاغة، وأطرتها ضمن معطيات القرآن، التي جعلت الذائقة الجمالية "مشدودة بأحاسيسها وبخطراتها الفكرية إلى هندسة الجملة القرآنية وبنائها المعماري والبحث في إيحاءاتها وظلالها لتأسيس كيان أمة"([10]).

2-  بدايات النقد والامتثال لروح القرآن

لا يخفى أن الحياة الأدبية في عهد البعثة الإسلامية منذ بواكيرها قد تأثرت الى حد كبير بالإسلام، وتحديدا بالقرآن الكريم معجزته الخالدة، فالإسلام شكل بظهوره في جزيرة العرب حدثا جليلا ومفصليا، أحدث تغييرا في حياة العرب وأوجد تحوّلا عاما في النواحي كافة؛ الدينية منها والسياسية والاجتماعية والأدبية، وبفعل الدعوة الجديدة، تغيرت الرؤية للعالم وتغيرت القيم والأخلاق في نظر العرب، فارتقت قيم أشياء وانخفضت أخرى، وأصبحت مقومات الحياة مؤسسة على تعاليم القرآن وتوجيهاته وتطبيقات الرسول وعترته من أهل البيت عليهم السلام.

وبخصوص النقد والبلاغة والأدب، معلوم أن الإسلام ظهر في جزيرة العرب، والبلاغة العربية في مستويات عليا من التميز والنضج، ولم يكد العرب يستمعون إلى القرآن الكريم، حتى اعتراهم الانبهار أمام بلاغته التي تتحدى العقول والأفهام، ومن ثم لم يكن عجبا أن تعجز قريش عن معارضته، وأن تسجد لبلاغته طوعا أو كرها، وإن لم تؤمن به عقيدة.

ومن يتتبع ملامح الحياة الأدبية، وخاصة النقدية منها، إبان عصر البعثة النبوية وصولا إلى عصر الخلفاء، يلحظ أن آثار توجيهات الدين الجديد، وأن تعاليم القرآن واضحة ومشهودة؛ فقد كان التشجيع والترغيب في حفظ القرآن واستظهاره بارزا، وكانت تخصص مكافآت لمن يثبت تفوقه وتمكنه من ذلك، في تخطيط مسبق وواع لجعل الذائقة العامة تتشبع بمبادئ القرآن، وبجماليته البيانية الساحرة.

روى صاحب الأغاني أن غلبا أبا الفرزدق الشاعر، جاء إلى علي بن أبي طالب بابنه الفرزدق، بعد موقعة الجمل بالبصرة فقال: إن بني هذا من شعراء مصر فاسمع منه، فقال (علي عليه السلام): علمه القرآن، فكان ذلك في نفس الفرزدق، فقيد نفْسَه، وآلى ألا يحل قيده حتى يحفظ القرآن([11]).

ويروى عن عمر بن الخطاب تشجيعه على حفظ القرآن والامتثال لتعاليمه، ومن كلماته في ذلك: "اقرءوا القرآن تُعرفوا به، واعمَلوا به تكونوا من أهلهوقوله: "كونوا أوعية الكتاب..."([12])، أي احفظوه في صدوركم، كما كان ثمة تشجيع على تعلم الأدب الترشيدي الهادف، الذي لا يتنافى ومبادئ الإسلام، ولا يخالف روح الدين الجديد، ويظهر ذلك في حث المسلمين على تلقين أبنائهم أَسْيَر الأمثال وأحسن الشعر وأَعَفَّه. ومن المأثور في هذا الصدد قوله: "علموا أولادكم العَوْم والفُروسية، ورَوُّوهم ما سار من الأمثال وحَسُن من الشعر"([13])، وقوله "ارْوُوا من الشعر أَعفَّه، ومن الحديث أَحسنَه، ومن النّسب ما تُواصَلون عليه، وتُعرفون به، فربّ رحم مجهولة قد عرفت فوصلت، ومحاسن الشعر تدل على مكارم الأخلاق وتنهى عن مساويها"([14]).

وفي سياق مماثل يروى قوله لابنه عبد الرحمن: "يا بني! انسب نفسك تصل رحمك، واحفظ محاسن الشعر يحسن أدبك، فإن من لا يعرف نسبه لم يصل رحمه، ومن لم يحفظ محاسن الشعر لم يؤدّ حقًا، ولم يقترف أدبا"([15])، وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري: "مر من قبلك بتعلم الشعر، فإنه يدل على معالي الأخلاق، وصواب الرأي، ومعرفة الأنساب".

وعندما قصدوا إلى تفسير القرآن شعروا بحاجتهم الى الشعر، فكان ابن عباس يوجه خواصه من الناس إلى الاستعانة والرجوع إلى أشعار العرب لفهم ما قد يستغلق عليهم كتاب الله، لأن "الشعر ديوان العرب".

ومما أعلاه يتبين مدى التأثر بتوجيهات القرآن منذ القرن الأول الهجري، ودور الوحي في توجيه دفة النقد وتشكيل الموقف من الأدب، وتكييف طبيعة النظر إلى الحركة الإبداعية، حيث التشجيع على الأدب الممتثل لروح القرآن، والمستلهم لتعاليمه التخليقية الترشيدية، والتوجيه نحو القصدية التربوية وابتغاء الفائدة، والحث على أن يُلَقَّن الأبناءُ أحسنَه وأعفّه تقويماً لألسنتهم وتهذيبا لنفوسهم، واستعانة به عند الاقتضاء في تفهم القرآن كتاب الله.

2-1-      نحو وعي نقدي عملي (النقد وبلاغة العمل):

ولعل من تجليات التأثير البيِّن للدين الجديد على الوعي النقدي المبكر للمسلمين، ما لاحظه الدارسون ومؤرخو الأدب على الشعر من تراجع خلال عهد المرحلة للأولى للبعثة النبوية ومرحلة الخلافة، نظرا إلى انصراف المسلمين للدعوة وشؤونها، مثلما لوحظ تراجع المساجلات الشعرية ذات النفحة الجاهلية، وتحولها إلى مساجلات بين شعراء المشركين من قريش، وشعراء الإسلام الذين كان حسان ابن ثابت أحد ألسنتهم، والذي تغيرت بدوره نبرته الهجائية بشكل كلي، متأثرا بتعاليم القرآن وممتثلا لتوجيهات الرسول صلى الله عليه وآله، بتفادي الفاحش من الكلام، وابتغاء القول الحسن الذي لا يخالف الفطرة السليمة ولا يوقع مظلمة.

ومن أمارات الأثر البين لرسالة القرآن في اهتمامات الرعيل الأول من الذين تلقوا الدعوة الجديدة، وعايشوا تطورها وامتدادها، ذلك التحول العام في المخيال الأدبي للمسلمين، حيث انصرفوا للعمل والسعي في بناء الهوية الجديدة، والدفاع عنها وتحصينها، عبر الانخراط في حركة الفتوحات والمشاركة في الغزوات والمعارك، ما أدى إلى تراجع الشعر، بسبب اشتراك الشعراء فيها، تحت تأثير الرغبة في نصرة الأمة، والإيمان بحتمية العمل والفعل، والتضحية والمبادرة، دون الاكتفاء بالقول، يبين ذلك القول المأثور عن عمر بن الخطاب: "كان الشعر علم قوم لم يكن لهم علم أصح منه فجاء الإسلام فتشاغلت عنه العرب، وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم، ولهيت عن الشعر وروايته..."([16]).

بل إن الموقف من اللغة العربية، ومتابعة كيفية استعمالها، ورفض صور اللحن فيها، خلال القرن الأول الهجري، لهي كلها أمور تدل على تأثر واضح بمبادئ الدين الحنيف، ونزوع نحو حفظ النص القرآني من الخطإ والتحريف، فيمكن بيسر ملاحظة أن توجيهات بعض الخلفاء تدل على نزوع الحركة النقدية إلى حفظ اللغة العربية أولا، والغيرة على معياريتها، وابتغاء ضمان صحتها من اللحن، حتى لا يقود ذلك إلى اللحن في قراءة القرآن، وبالتالي سوء فهمه وتأويله.

لقد كان علماء اللغة والنحاة وعلماء القراءات ومن على شاكلتهم يسوقون ويعربون كلامهم على نحو ما في القرآن، ومن كان يخطئ في محضرهم، كانوا يرشدونه ويصوبون خطأه، استنادا إلى العبارة الصحيحة والنطق السليم في العبارة القرآنية، حتى إنه يُذكرُ أن رجلا لحن في حضرة النبي صلى الله عليه وآله، فقال: "أرشدوا أخاكم"[17]، وفي نفس السياق يروى في هذا السياق عن أبي بكر قوله: "لَأَن أَقراَ فَأُسْقِطَ أحبُّ إليَ من أن أقرأَ فألحن" ([18])، وعلى على السبيل الوحياني وهديه سار الخلفاء في رعاية اللغة والدعوة الى سلامتها وتحري حفظها من شوائب اللحن قولًا وعملًا.

2-2-      نحو نقد يحصِّن هوية الأمة/ نقد بان لمرجعية محصنة:

وغير عازب عن الذهن أن من أهم تجليات الدور الفاعل للنص القرآني في مسيرة الثقافة العربية الإسلامية في التراث العربي الإسلامي، توجيهه دفّتي النقد والبلاغة منذ نشأتهما المبكرة، فقد دفع كل المهتمين بالّلسان العربي، من العلماء الذين اشتغلوا بعلوم اللغة وبالنحو والبلاغة عموما، وبلغة النص القرآني وببلاغته وإعجازه، ليكثفوا جهودهم التنظيرية والتطبيقية في أفق تأسيس نظرية لغوية في النقد والبلاغة، تكون قادرة أن تشكل في حد ذاتها مرجعًا ومنهلًا يستند إليه في مدارسة القرآن الكريم.

وقد كان للرؤية الجديدة التي جاء بها القرآن الكريم عن الإنسان، أن جعل منه كائنا فاعلا ومسؤولا عن نفسه وعن محيطه وبيئته، وعن رسالته في الحياة، وبين له دوره ومسؤوليته في حفظ الجماعة والأمة والدفاع عنهما، وأهمية تحصينهما من الأطماع، وضرورة الحفاظ على هويته وتاريخه وثقافته، وكل ما يجعل منه كائنا قويا ومستقلا وفاعلا في مجتمعه، متشبثا بتاريخه وتراثه، فكان هذا دافعا أساسا نحو التمسك بمقومات الهوية، وبالثقافة، وبالتراث المعرفي الذي يشكل تاريخ الأمة ورصيدها ومعين علومها ومعارفها وآدابها وكل موروثها.

ولعل هذا الأمر هو ما يفسر لنا الاهتمام المتزايد بالشعر، الذي أُعطِي مكانة خاصة ولافتة، وجعلوه في المرتبة الأولى بعد القرآن الكريم، مصدرا للاستشهاد واستنباط القضايا والقوانين والأحكام المرتبطة بالتقعيد والتنظير، وقد حصل ذلك عن وعي تام، وبتخطيط مسبق، لإدراكهم أن الذائقة العربية مستنبتة في التربة الشعرية، ومتشبّعة بقوانين الشعر وآفاقه الممتدة، التي من شأنها أن تتيح للتنظيرين البلاغيّ والنقديّ مساحة واسعة، تغني اللغة وتفتح أمامها آفاقا أوسع ومجالات أرحب.

إننا نكاد لا نصادف بلاغيًّا إعجازيًّا ولا مفسرا اشتغل بالبيان القرآني، إلا وله تأكيد صريح على أهمية الشعر وقيمته ومركزيته في الرواية والاستشهاد، لأنهم جميعا قد أدركوا أنه الوسيلة الأولى والطريق المثلى لحفظ تاريخ الأمة وصيانة هويتها، كانت الإرهاصات الأولى لتشكل ملامح النقد في التراث العربي الإسلامي تنطلق من محورية الشعر في التفكير والاشتغال النقدي البلاغي بكل صوره.

إن الشعر كما ينقل ابن سلام الجمحي(ت.231هـ)، كان بالنسبة إلى العرب منذ الجاهلية "ديوان علمهم ومنتهى حكمهم به، يأخذون وإليه يصيرون"([19])، وفي هذا الشأن تروى القولة المشهورة عن عمر بن الخطاب: "كان الشعرُ علم قوم لم يكن لهم علمٌ أصحّ منه"([20])، وبالتالي فحري بالأمة أن ترى نفسها معنية بحفظ هذا المصدر الأساس للمعرفة عندها، لأنه السجل الذي يحتوي كل مقومات الأمة العربية، ويشكل ذاكرتها الباقية المسترة.

3-  حركة النقد بين الشعر والقرآن الكريم / أو من الشعر إلى القرآن:

3-1-  النقد وتثبيت التراث الشعري لإثبات عظمة القرآن:

تبعا لما سلف، كانت الكتابات النقدية البلاغية الأولى تروم المحافظة على مصدر معارفها وعلومها وتاريخها، فكانت تحتفي أيما احتفاء بالشعر وضروبه وبطبقات الشعراء ومنازلهم، وبمرويات الشعر الطوال والقصار والنتف من القصائد، فنحن نجد أن جمهور الفقهاء والإعجازيين، وعلماء اللغة على حد سواء، يعقدون أبوابا من كتبهم لبيان فضيلة الشعر وأهميته، فهذا ابن رشيق القيرواني يعقد بابًا في فضل الشعر([21])، ويبين فضله وأهميته، ويورد كثيرا من أشعار الخلفاء والفقهاء والقضاة، حتى إنه يتحمس في أكثر من موطن، فيصرح بتفضيله الشعر على النثر "لأن كل منظوم أحسن من كل منثور من جنسه في معترف العادة"، ويبرر هذه الأفضلية بدور الشعر في الحياة، وبمساهمته في حماية القبائل وانتصاراتها في الحروب، ودفع المضار ورد الخصومات([22]).

ويشير ابن قتيبة (ت 276هـ) إلى ما يؤكد أهمية المادة الشعرية في علاقتها بالعلوم والمعارف الأخرى، فيبين أن منتقياته من الشعر والشعراء في مؤلفه المعروف، إنما كانت قائمة على مدى رواج البضاعة الشعرية بين العلماء في الحقول المختلفة: "وكان أكثر قصدي للمشهورين من الشعراء، الذين يعرفهم جل أهل الأدب، والذين يقع الاحتجاج بأشعارهم في الغريب وفي النحو وفي كتاب الله عز وجل، وحديث رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم"([23]).

ومن يتتبع كتاب المزهر للسيوطي، يُلفِه حافلا بشواهد نثرية وشعرية كثيرة جدا، من مختلف المواضيع والعصور الأدبية، وقد اعتمد السيوطي في مزهره العديد من المصادر، كالخصائص لابن جني، وأمالي القالي، وأمالي ثعلب، ونوادر أبي زيد، والصاحبي في فقه اللغة لابن فارس... وغيرهم، وكلها يأخذ عنها استشهادها بالشعر واستثماره في التخريجات اللغوية، وفي بيان القواعد والقوانين والأساليب التعبيرية البلاغية، بل إنه يعقد مبحثا مطولا في معرفة الشعر وأحوال الشعراء، ودوره في معرفة اللغة والتنظير لها؛ "قال ابن فارس: والشعر ديوان العرب، وبه حُفظت الأنساب، وعُرفت المآثر، ومنه تُعُلِّمت اللغة، وهو حجة فيما أُشْكِل من كتاب الله، وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله، وحديث صحابته والتابعين"([24]).

ولعله للغرض نفسه أعطى عبد القاهر الجرجاني أهمية كبرى للشعر في دلائل الإعجاز، لأنه رأى أن معرفة الإعجاز متوقفة على ضبط استعمالات اللغة الفنية وانحرافاتها عن الأصل المباشر، يقول: "إن ها هنا دقائق وأسرارًا طريق العلم بها الرويةُ والفكرُ، ولطائفَ مستقاها العقْل، وخصائص معان ينفرد بها قوم قد هُدوا إليها، وكُشِف لهم عنها، وأنها السبب في أن عرضت المزية في الكلام، ووجب أن يفضل بعضه بعضا.. حتى ينتهي الأمر الى الإعجاز، وإلى أن يخرج من طوق البشر"([25])، فكان المعترضون على الشعر بمثابة المعترضين على كتاب الله، لأنهم يعترضون على طريق فهم كتاب الله وإدراك فصاحته، ويضيف: "إذا كنا نعلم أن الجهة التي منها قامت الحجة بالقرآن وظهرت، هي أن كان على حد من الفصاحة تقصر عنه قوى البشر، ومنتهيا الى غاية لا يطمح إليها بالفكر، وكان محالا أن يعرف كونه كذلك، إلا من عرف الشعر الذي هو ديوان العرب، وعنوان الأدب"([26])، لأنه كان "ميدان القوم إذا تجاروا في الفصاحة والبيان، وتنازعوا فيهما قصب الرهان"([27])، فيستفاد من ذلك أن الزهد في معرفة الشعر وتعلمه، والاعتراض على أهميته، إنما هو طريق للاعتراض على تعلم كتاب الله وإدراك أسراره، فكان" الصاد عن ذلك صادًّا عن أن تعرف حجة الله تعالىلأنه بمثابة "من أعدمك العلم بأن فيه شفاءً، وأن لك فيه استبقاء"([28]).

هذه الأهمية التي أعطيت للنص الشعري من لدن البلاغيين والإعجازيين ومفسري القرآن، وكذا علماء اللغة ونقاد الأدب وغيرهم، إنما كانت كذلك لأنهم نظروا إلى الشعر بوصفه طريقًا لفهم القرآن الكريم، ووسيلة فضلى لامتلاك الأهلية وحيازة الكفاءة الفنية لإدراك أسرار الفصاحة القرآنية الخالدة.

3-2-  بلاغة الشعر طريقا لفهم بلاغة الإعجاز القرآني:

ولعل من القضايا التي تستوجب التوقف عندها مليّا، أنّ التراث العربيّ الإسلاميّ رغم أنه يشهد "لعلو كعب الشعر..والبلاغة العربية تنطوي في كنهها على تصور جمالي شعري"([29])، ورغم أن صاحب المنهاج يشير بوضوح إلى أن "علم البلاغة يشتمل على صناعتي الشعر والخطابة"([30])، إلا أن هذا الاهتمام المتزايد بالشعر لم يكن مقصودا لذاته، بقدر ما كان هاجسه ومحركه الأساس خدمة النص القرآني، من أجل ضبط بلاغته الخاصة وتسهيل فهمه ومدارسته، وإدراك بعض من مستوياته الإعجازية.

بل إن الاهتمام بالشعر وبجماليته الأسلوبية التعبيرية إنما كان بعد نزول النص القرآني وانتشاره بين الناس في المجتمع، وبعد أن تفاعل معه الناس، وأحبوه وتذوقوا خصوصيته البيانية والدلالية والجمالية الفريدة، وبعد إدراكهم أن فهمه وتمثل لغته وحسن استيعاب عبارته المتميزة، يتوقف على امتلاك ذائقة جمالية، وكفاءة بيانية تؤهلهم لحسن تمثله واستيعاب مضامينه، وتمكنهم من استكناه حقائقه اللامتناهية؛ "فأما من كان متناهيا في معرفة وجوه الخطاب، وطرق البلاغة، والفنون التي يمكن فيها إظهار الفصاحة، فهو متى سمع القرآن عرف إعجازه"([31]).

هكذا استشعر النقاد والبلاغيون العرب والمفسرون الأوائل الذين احتكوا بالنص القرآني، وببلاغته الخالدة والمعجزة، واستشعروا الحاجة إلى مزيد تفقه في الشعر والخطابة، وإدراك لمقوماتهما التعبيرية البيانية، والتقعيد لها وتقنينها، وضبطها في مستويات علمية دقيقة، لتكون مدونة مساعدة، ومرجعا أساسا ودليلا متعارفا ومتاحا، يوصل المتلقي العربيّ المسلم ويقوده للدخول بأمان في بحر القرآن الكريم، الذي لا تنقضي عجائبه ولا تنفذ حقائقه.

لقد كان الاهتمام كبيرا بالشعر وبجمالياته الممتدة، وكان أمرا ملحا، نظرا إلى حضوره القويّ في الثقافة العربية منذ القديم، خاصة وأن الشعر ارتبط في ذهن الإنسان العربيّ بالإنشاد، وبالتغني بالقيم الخلقية والمعنوية، وبالدفاع عن الإنسان، خاصة القبيلة أو الأمة، مثلما كان معروفا عن الشاعر أنه لسان قومه، يخلد آثارهم ويعبر عن حكمهم ومعارفهم، فكان بذلك الاهتمام بالشعر ضرورة لازمة لازبة، أملتها الحاجة إلى فهم النص القرآني وضرورة استثمار ذاكرة الإنسان الشعرية ليتحقق ذلك.

إن القدح المعلّى الذي كان للشعر في التاريخ المبكر لنشوء التفكير النقدي البلاغي لدى العرب المسلمين، أساسُه وغاياته ومراميه البعيدة والخفية إنما هي في نهاية المطاف، ليست للشعر في حد ذاته، بل لخدمة النص القرآنيّ، فهو الأساس وهو الغاية الأسمى الكامنة من خلف اهتمام النقاد والبلاغيين والإعجازيين بالشعر، ومن ثمة يكون غير مجانب الصواب من يرى أن القرآن الكريم كان "حافزا مباشرا لظهور الدراسات البلاغية (النقدية) منذ القرن الثاني الهجري مع مفسرين لغويين؛ الفراء (207هـ)، وأبو عبيدة (210هـ)، والأخفش (215هـ)، إلى أن تبلورت مع ظهور الكتابات الخاصة بالإعجاز خلال القرنين الرابع والخامس"([32]).

3-3-  أفضلية النص القرآني ومرتكز بلاغة الشعر:

إن من يتتبع الاجتهادات النقدية والبلاغية في مراحل تبلورها وتطورها في التراث العربي الإسلاميّ، يدرك بوضوح أنها اجتهادات كانت تعنى بتثبيت حقيقة تميز النص القرآني وأولويته في الجمالية والبيانية والفصاحة؛ فكل ما في الكلام البشري المتميز، وخصوصا الخطاب الشعريّ بوصفه النص البشري النموذج والمثال والمعيار، وهو بكل ما فيه من سمات وطرق تعبير وأعراف بناء، يشكل الأفق الجمالي والذائقة النقدية البلاغية للمتلقي العربي المسلم، وهو يقوم دليلا بكل ما فيه من براعة على ما يثبت أن النص القرآني "نص عربيّ فصيح يجري على سنن كلام العرب وخصائصه"([33]).

إن النص القرآني يشكل في هذه الاجتهادات النقدية البلاغية ما يمكن أن نسميه بالنصَّ المثاليّ المستوعِب، وهو النص المتعالي والموجّه والمعيار والمحقق لمقومات الأجناس الخطابية الأخرى، وطرائقه الأسلوبية وتركيبته اللسانية النموذجية والمرنة والثابتة، تدعمه وتشهد له تلكم المقومات الأجناسية، مثلما أنه هو نفسه يُتَمَثّل ويُدرَك بها، لذلك فقد فرض التعامل مع هذا النص على الجميع، من نقاد وبلاغيين ولغويين وإعجازيين وعلماء قراءات ومفسرين، ضرورة تمثل تلكم الجماليات والإحاطة بها وبامتداداتها وتنوعها، لأنها الوسيلة والآلة المساعدة على حسن إدراك هذا النص وإثبات تميزه وفرادته.

لقد كان النص القرآني بذلك، محفِّزا رئيسا لنشوء كل تلكم الدراسات النقدية والبلاغية على تعددها وتفرعها، وكان دافعا أساسا لضبط قوانين أجناس القول وأفانينه التعبيرية والأسلوبية والخطابية والإيقاعية والحجاجية الإقناعية، في أفق العودة منها وبها، (العودة من بلاغة الشعر وجمالياته، بآليات تحليلية ومفاتيح ومعايير تسهل ضبط الفصاحة والبيان، وتتيح إمكان الإمساك بمقومات الخطاب القرآني المتميز)، من أجل تحقيق القراءة المتعمقة، وإيجاد الفهم السليم والظفر بالتأويل المصيب لخفايا وأسرار هذا النص، الذي يقر أحد رواد الدراسات الإعجازية وهو الباقلاني بأنه نص ذو تميز وأفضلية خاصين، لأن "نظم القرآن جنس متميز وأسلوب متخصص"([34]).

إن أفضلية النص القرآني وعظمة شأنه لهي أمر مُسَلّم به وفي حكم الإجماع، وجماليته خارجة عن طوق الشك أو الارتياب، إلا أن إثبات ذلك والتدليل عليه لا يمكن أن يثبت إلا بالاستناد إلى مقومات الأساليب الجمالية السائدة والمكونة للذائقة الجمالية للمتلقي العربي المسلم، ولا يتحقق إثبات الأفضلية ولا "يتم الإقناع بأفضلية التعبير القرآني إلا إذا كان لهذا التعبير ما يناظره في ذهن المتلقي"([35]).

ولا يخفى أن ذهن المتلقي متشبع بالمعرفة الشعرية وبجمالياته الآسرة، التي هي متجذرة بمعاييرها في وعي ومخيلة العربيّ منذ الجاهلية، والتي جاء النص القرآني يتحداها ويتميز عليها ويتحدّاها، الأمر الذي فرض حتمية تفعيل مدارسة البلاغة الشعرية وقاد إلى التدقيق فيها وإعمال النظر ومعاودته في مقوماتها وتفاصيلها، بغية الانتصار لجمالية وبيانية القرآن وإثبات عظمة بيانه وتمايز فصاحته.

وعندما يشير سيد قطب، وهو أحد المفسرين والنقاد الأدباء المعاصرين، إلى أن بلاغة الإعجاز القرآني قائمة على "تناسق تراكيبه وألفاظه، واستيفاء نظمه لشروط الفصاحة والبلاغة المعروفة"([36])، فهو إنما يشير إلى حقيقة أن القرآن الكريم زكى الجمالية السائدة بين العرب، وتبنّى معايير البلاغة المعروفة التي احتضنها الشعر تحديدا، وراكمتها بعض الأجناس الخطابية القريبة من الشعر كالخطابة والترسل.

كل ذلك يشير إلى الدور الأساس لهذا النص القرآني في تفعيل المباحث النقدية والبلاغية المهتمة بهذه الأجناس التعبيرية، والدفع بها نحو مزيد من التطور والتعمق، وصولا إلى مستويات من العلمية والتقنين وصور من التقعيد التي سارت تتجدد باستمرار وتتواصل بموازاة استمرار النص القرآني وتجذره بين الناس عبر العصور.

4-      القرآن وتوجيه النقد القصصي:

من المجالات الأخرى التي تبين الدور الفاعل لخطاب الوحي في تشكيل الذائقة النقدية في التراث العربي الإسلامي، ومحوريته في توجيه المعرفة الأدبية وضبط توجهات النقد ورسمه لآفاق الاشتغال، كون القرآن الكريم قد شكل إطارا عاما وفضاء "دلالـيـا" لفـعل القص أو السرد، ولكل ما يرتبط بالإخبار والإنباء وبتقديم المعلومات والأخبار عن الماضي، وهو ما سيقود قافلة النقد القصصي في التراث العربي الإسلامي نحو مسار خاص ونوعيّ، إذ عمل على نقله من العموم والإطلاق، ليجعله يمتثل لمـعـيـارية قـيـميـة، وجهته ليكون فعلا تخليقيّا ترشيديا، لا فعلا إبداعيا وتخييلا عبثيا أو مطلق العنان.

4-1-      القص وقيد المنفعة:

إن منطوق ومدلول كثير من الآيات القرآنية المتحدثة عن القص والإخبار والإنباء، ربطت هذا الفعل بالمعرفة والوظيفية والإفادة في المجتمع؛ من ذلك: ﴿وكلا نـقـصّ عليك من أنبـاء الرسل ما نثبت به فـؤادك([37])، حيث دلالة التثبيت والطمأنة، وقـولـه تعالى: ﴿نـحـن نـقـصّ عـلـيـك نـبأهم بالحق([38])، حيث ارتباط القص بالصدق والحقيقة، وقوله: ﴿إن الحـكـم إلا لـله يـقـص الحـق وهو خـيـر الفـاصـلـيـن([39])، فهي كما يبدو مشروطة بقيد الحقيقة واليقين، مثلما هي مقرونة بالتدبر والاتعاظ الاعتبار والتفكر، كما في قـولـه تعالى: ﴿فــاقـصـص الـقـصـص لـعـلهـم يـتـفـكرون﴾([40])، وقـولـه: ﴿لـقـد كـان في قـصـصـهـم عـبرة لأولي الألـبـاب﴾([41])، إضافة إلى شرط الحسن وتحاشي القبح والشر والإسـاءة؛﴿نـحن نـقـص عـلـيـك أحـسـن الـقـصص([42]).

تبعا لهذه الدلالات المركزية لفعل للقص في القرآن الكريم، سوف ينظر النقد إلى الفعل السردي من هذا المنظور التخليقي الترشيدي، وستتحكم هذه المعيارية في التعامل مع القص بتفريعاته، منذ بداية نشأة النقد، استحضارًا لتوجيهات الدلالات القرآنية وظلالها ذات الصلة بالقص.

هذا الأمر استلزم جملة من الشروط النقدية ذات السمت الأخلاقي، وجب توافـرها في القـاصّ أو الإخباريّ في المجتمع الإسلامي، فهو ملزم بتحري الدقة وقول الحقيقة، وأن يـكـون متن الخـبـر صحـيـحا، حسـنا، وإن لم يكن كذلك عُدَّ القاص مُخلـطـا وخـارجـًا عن الفـضـاء الـدلالـي للـقـصـص، الذي أرسى دعـائـمـه القرآن، فلا يجوز للقاص أن يبـتـدع من مخيلته القصص المكذوبة، كما لا قيمة للقصص ما لم يحافظ على وظـيـفــتـه الوعـظية ومهمته التـذكـيرية الاعتبارية.

وقد ترتب على ذلك أن غدا القاص في المجتمع، ليس بالشخص العادي والحر في كلامه وأَفعاله بين الناس، وإنما هو ذلك الشخص الخبير بالأخبار، المنوطة إليه مهمة الإخـبـار، المتحلّي بسمات الواعـظ المذكِّر، لأنه دائما صاحب عظة ومهمة تذكيرية، أقاصيصه تهدف إلى خدمة الغــايـة الديـنـيـة الاعتـبـاريـة، وهذا ما شاع وعرف عن القـصـص والقـاصّين منذ بداية نشأة فعل القص مع ظهور الدعوة الإسلامية([43]).

4-2-      القص والتوجيهات النبوية القِيمِيَّة:

لقد صـدر الرسـول صلى الله عليه وآله وسلم، في تعامله مع فعل القص، وحكاية الأخبار، ومع ما كان يورده الوعّاظ والقّصاصون، عن نفس الرؤية التـي حددها وأَطَّرَها القرآن الكريم، وهي الرؤية التي تحكمت سـواء في النظر إلى فعل القص ووظـيـفـة الـقـصـص، أو في النظر إلى شخصية الـقـاص وتقويم دوره في المجتمع.

والحق إنه على هدي مبادئ النظرة القرآنية التي حددت فـضـاء دلالـيـا ترشيديا لـلقـصـص، عـمـل الرسـول صلى الله عليه وآله بدوره على توجيه دلالات القص، بما يضمن قَصا هـادفـا يبني المجتمع ويرسخ القيم الإنسانية، ويـنـهـض بمهمة تربوية اعتـبـاريـة، مثلما اشترط في القـاص التحلي بصفات الصـدق والأمانة والدقة وابتغاء الحسن في القول، والأمـانة فيما يـقـص، فكـانـت الـخـدمـة التـي يـقـدمـهـا الـقـاص للـديـن والمجتمع هـي الـفـيـصـل فـي مـوقـف النبي صلى الله عليه وسلم منه.

 وفي هذا الصـدد ورد قـولـه "لا يـقـصُّ عـلـى النـاس إلا أمـيـر أو مـأمـور أو مـخـتـال"([44])، وفي رواية أو"مُـراءِ"، فيظهر أن القَصاص تبعا للسابق إذن أحد ثـلاثـة؛ إمـا أن يـكون أمــيـرًا من أمراء المسلمين، مكلفاً بتوجيه الناس ووعظهم وتذكيرهم بشؤون ديـنـهـم وصلاح دنياهم، أو مأمـورًا يؤمر بالقص بطلب من الأول وكلاهما هنا، إنما يوظف قصصه في خدمة الديـن، أو يـنـتـدب مـخـتـال أو مـراء نـفـسـه لـلقـص، دون أن يؤمر، لأنـه يـريـد الرئاسة لنفسه، والتشبه بالأمير، ولا ينطق إلا عن هوى يستميل به قـلـوب النــاس لمزيـد من الرفعة، وهذا الصنف من القصاص مذموم، لأنه يصـدر عن هدف شخصيّ لا علاقة له بخدمة المجتمع وتوجيه الناس، وستنطبق صفة المرائي أو المختال فيما بعد على من يتكسّب بالقصّ.

4-3-      موقفان متعارضان من القص/ القاص:

4-3-1- ويمكن رصد مسلك أو موقف الرسول حيال القص والقصاص تبعًا لموقف هؤلاء منه ومن رسـالـتـه في مثالين واضحين: أولهما مع تمـيـم بن أوس بن خارجة الداري، أحد أبرز القصاصين في العصر النبوي، والذي يكشف موقف الرسول (ص) تجاهه عن أبرز تجليات التوجيه الديني لحركة القص في المجتمع الإسلامي في العصر النبوي، حيث خُصَّ باهتمام وترحيب من قبل الرسول (صفقد كان وفد من الشـام وأسلم، وصـحب الرسول عليه وعلى آله الصلاة والسلام، في غزاوته، وروى عنه ثمانية عشر حديثا"([45])، كما استحسن الرسول (ص) مروياته وقصصه، لأنها تتوافق وما يورده الوحي، وتتطابق معه، ولذلك فقد قربه إليه، وقام برواية قـصـة رواها عنه، عرفت بـ"قـصـة الـجـسـاسـة"([46])؛ هذه القصة التي كانت أحداثها تسرد وتأتي متطابقة مع  مـا كـان يحدث به الرسـول عن الدجّال.

لقد روى الداري قصة لقائه بالدجال في جزيرة وسط البحر، وكيف أخبره أنه سيظهر في يوم ما في آخر الزمان، وفق هيئة وحالة وسياق ما وعلامات ومصاحبات عديدة، وكل ذلك يتـطابـق وما كـان يـحـدث بـه الـرسـول عليه الصلاة والسلام وآله، حول ظـهور الدجال في زمن آتٍ، فهي قصة صادقة وحقيقية، وذات عبرة ومغزى تربوي، تحذر من الفتن ومن أحداث آخر الزمن، وتنبه إلى ضرورة الاستعداد بالعمل الصالح والتقوى، لذلك استحسنها الرسول (ص) وتبناها ووافق على روايتها والاستماع إليها.

4-3-2- وفي اتجاه معاكس نجد  موقف الرسول صلى الله عليه وآله من قصص النضر بن الحارث بـن عـلـقـمة، الـقـاص القـرشيّ الذي يـتـصـل بالـرسـول (ص)نـسـبـًا، غير أنه كان "أشدّ قريش في تكذيب النـبـي"، وقد عاشر لمدة طويلة الأحـبـار والـكـهـنـة، وحـصـل من الـعـلـوم الـقـديـمـة على قدر جـلـيـل، واطّلع على الحكمة، ورحل إلى فارس وتعلّم ضرب العود والغناء، وقـدِم مكة، فكان يحدِّث أهلها بأخبار الفرس واليهود والنصارى، إبان المدة التي كان الرسول عليه الصلاة والسلام وآله ينشر الرسالة الإسـلامـيـة في مـكـة، وكـان يحضـر بعض مجالسه(ص)، وهو يعظ قـومـه ويحذرهم مما أصـاب الأمم الخاليـة، وحالما يفرغ من وعظه وينصرف، يقوم النظر ويحدثهم عن أخبـار رستم وأسـفـنـديار الـفـارسـيـة ويقول: "مـا مـحـمـدٌ بأحسن مني حديثًا وما حديثه إلاّ أسـاطـيـر الأولين اكتتبها كما اكتتبتُها"([47]).

وردا على تـهـمـة أن الرسول يكتتب أخبار الأولين، نزلت آيات في حق النضر ترد تهمته للرسول، منها قوله تعالى ﴿وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بُكْرَة وأصـيلًا﴾([48])، وقوله ﴿إذا تُتْلى عليه آياتُنا قال أسـاطـيـر الأولين([49])، وكما يقول ابن عباس: "فإن ثماني آيـات نزلـت بحـقـه([50])، منها واحدة أنذرته بالويـل وسوء الـعـاقـبـة والعذاب الأليم، وهو ما آل إليه مصيره، قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ (7) يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ([51])، وما حصل للنضر فيما بعد، يتطابق ونبوءة سورة "الجاثية"، ففي معركة بدر كان على رأس لواء من قـريش ووقـع أسـيـرًا بيد المسلمين، فأمر الرسول أن يُقتل صبراً أي أسيراً، ونفذ فيه أمر القتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه([52]).

وتبعا لذلك فقد ارتبطت بداية القص في التراث العربي الإسلامي بوظيفتين مختلفتين متناقضتين؛ القص المرتبط بالـهـلاك والـضـلال، وهو الذي لا يتماشى وروح الدعوة المحمدية، وهو ما ورد عنه في المأثور: "إن بـنـي اسرائـيـل لـمـا قـَصّـوا هـلـكوا"([53])، إشارة إلى وظيفته السلبية المضادة لروح الدين، والمنافية لحقيقة القرآن والمتصادمة مع غايات ومرامي الدعوة المحمدية، وفـي الـوقـت نـفـسـه فـقـد دعـم مـوقـف الـقـاص الذي يـوظـف قـصـصه لـخدمـة الديـن.

5-      جلال القص الوعظي الاعتباري:

لقد خص القص الوعظي تبعًا لما سلف بإجلال خاص، فـكـان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يحث عـلى حـضـور مـجـالـس القـص والـذكـر والوعـظ، حتى ورد في المأثور قـولـه، بـعد سـمـاعـه وعظا لـعـبـد الله بن رواحة في مـجـلـس لـلـقـصّ: "لأن أقـعـد في مثل هذا المجلس أحبّ إلـيّ من أن أعتق أربع رقـاب"([54])، وورد قـولـه أيـضـا: "إذا مـررتـم بريـاض الجـنـة فارتـعوا فـيـهـا، قـيل ما ريـاض الجـنة؟ قـال الذكـر"[55]، ومثلمـا كـان القـرآن قـد سبق إلى تحـديد وظـيـفـة الـقـصـص، فقد ثبَّت الـرسـول تلك الوظـيـفـة، وهـي التذكـير والـوعـظ والاعـتـبـار، وكـانت هـذه هـي الموجِّـهـات المـهـيـمـنة في نـشـوء أخـبـار وعـظـيـة اعـتـبـاريـة وظفت في خـدمـة الديـن.

 وخلال القرنين الأول والثاني، كان القصّ يحظى بعناية كبيرة، لأنه ينهض بمهمة الإرشاد والوعظ، بل إن الخلفاء والحكام أنفسهم كانوا يحضرون مجالس القصـاص أحيانًا.

 وكان علي بن أبي طالب عليه السلام يراقـب القـصّاص ويتأكد من كـفـاءتـهم الوعظية، فقد مرَّ يوما بقـاصّ في الكـوفـة فـقـال لـه: "أيـهـا القـاص أَتقُـصّ ونحن قريبو عـهـد برسـول الله؟ لأسألنك فإن أجبتني، وإلاَّ خـفـقـتك بهذه الدرّة، ما ثبات الدين وزواله؟ قـال: أمّا ثباته فالورع، وأمـا زواله فالطـمـع، قـال: أحسـنت، قُصّ، فمثلك فلْيَقْصُص"([56]).

وكان عـمـر بن عـبد العزيـز يحضر مجالس بعض القصّاص مع العــامـة بعد الـصـلاة([57])، وكـان الـقـصّـاص، إلـى جـانـب عـمـلـهـم، يـقـومـون في المجتمع بوظـائـف أخرى أحيـانـًا مـثـل الـقـضـاء والـحـديـث والقـراءة فـي المـسـجـد، وكـان بـعضـهـم مـن صـحـابـة الرسـول أو مـن الـتابـعـيـن أو أتـبـاع الـتـابـعـيـن، وتـلـحـق بـهـم صـفـات الإجـلال والـثـقـة والتثبت دائـما، فكان النظر إلى القص نظر إجلال وتقدير ما دام ممتثلا لمبادئ وتوجيهات القرآن والوحي، وما دام مؤطرا ضمن دائرة الفائدة والمنفعة والصلاح.

خاتمة

نخلص من كل ما سبق إلى حقيقة أن القرآن الكريم، كان له دوره الفاعل وحضوره القوي، وتأثيره الجليّ في توجيه الاجتهادات النقدية والبلاغية منذ بداياتها الأولى؛ خلال البعثة النبوية، التي رافقتها حركة نقدية بلاغية مبتدئة وغير متخصصة، وصولًا إلى المراحل اللاحقة، التي شهدت تطورًا وازدهارًا للحركة النقدية والبلاغية في المجتمع العربي الإسلامي، حين اشتد عضدها واستوت على سوقها، في شكل دراسات متخصصة واجتهادات متعمقة ودقيقة.

وفي جميع الأحوال كانت تلكم الاجتهادات تتحرك بوحي من توجيهات القرآن الكريم، وتسير على هدي ما أقرَّه من مبادئ وتوجيهات، وما استطاع أن يشكله من ملامح أفق جماليّ ومعيار نقدي بلاغيّ مثاليّ، ظلت كل الاجتهادات الإنسانية تتحرك في إطار توجيهاته التخليقية العامة، وتفيئ إلى ظلال آفاقه الإنسانية الرحبة، التي استطاعت أن تستوعب الجماليات السائدة، وتجعلها خادمة ومتعلمة في محضر عظمته وإعجازه.

فلا يمكن والحال هذه، قراءة الجهود النقدية والبلاغية على امتداد تاريخ تطورها عبر العصور في التراث العربي الإسلامي، من دون التسليم بمحورية النص القرآني، بوصفه أسًّا للتفكير وإطارا محددا ومعيارا نموذجا لآفاق الجمالية البيانية، التي بحث في تفاصيلها وامتداداتها النقاد والبلاغيون وعلماء اللغة والقراءات والأصوليون والفقهاء والمفسرون وغيرهم.

 


المصادر والمراجع

الأثر الأرسطي في النحو والبلاغة العربيين حتى القرن الثامن الهجري، عباس رحيلة، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، ط1، 1999م.

أثر النحاة في البحث البلاغي، عبد القادر حسين، دار النهضة، مصر، 1975م.

الآداب المعنوية لقراءة القرآن الكريم، روح الله الموسوي الخميني، إعداد: محمد علي قطايا، جمعية المعارف الإسلامية بيرت ط1، 1998م.

إعجاز القرآن، أبو بكر الباقلاني، تحقيق: السيد أحمد صقر، ط. 5، دار المعارف، القاهرة (د.ت).

الأغاني، أبو الفرج الأصفهاني، دار الكتب المصرية، القاهرة، 1927م.

البحث البلاغي عند العرب، أحمد مطلوب، دار الجاحظ للنشر، بغداد، (د.ت).

البلاغة والأصول "دراسة في أسس التفكير البلاغي العربي" نموذج ابن جني، محمد مشبال، أفريقيا الشرق، 2007م.

البيان والتبيين: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار الفكر، (د.ت).

تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة علم الكلام عند المسلمين، علي مصطفى الغرابي، مكتبة الأنجلو المصرية، ط2، 1985م

الترغيب والترهيب، عبد العظيم زكي الدين المنذري، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417هـ.

التصوير الفني في القرآن، سيد قطب، دار الشروق، بيروت، ودار الثقافة بالبيضاء، 1988م.

جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام، ابن زيد القرشي، تحقيق: محمد علي البجاوي، نهضة مصر.

دلائل الإعجاز، عبد القاهر الجرجاني، مكتبة الخانجي؛ القاهرة، ط2، 1989م.

سنن أبي داود، أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، المكتبة العصرية، 2017م.

السيرة النبوية، ابن هشام، تحقيق: سعيد محمد اللحام، دار الفكر، بيروت، 1994م.

الشعر والشعراء، ابن قتيبة (أبو عبد الله محمد بن مسلم)، تحقيق: وشرح أحمد محمد شاكر، دار المعارف، (د.ت).

طبقات الشعراء، ابن سلام الجمحي، دار الكتب العلمية، بيروت، 2001م.

الطبقات الكبير، محمد بن سعد بن منيع الزهري، مكتبة الخانجي (د.ت)

العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، ابن رشيق، أبو علي الحسن، تحقيق: محي الدين عبد الحميد، دار الجيل، بيروت.

قوت القلوب في معاملة المحبوب، أبو طالب المكي، دار صادر بيروت، (د.ت).  

كتاب القصاص والمذكرين، ابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن، تحقيق محمد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت 1986م.

مجاز القرآن، أبو عبيدة، تحقيق فؤاد سيزكين، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1981م.

المدخل إلى دراسة البلاغة العربية، أحمد خليل، دار النهضة العربية، لبنان، 1968م.

المزهر في علوم اللغة وأنواعها، جلال الدين السيوطي، المكتبة العصرية، بيروت، 2007م.

المستدرك على الصحيحين، الحاكم محمد بن عبد الله النيسابوري، دار المعرفة، 1998م.

المستطرف في كل فن مستظرف، الأبشيهي شهاب الدين محمد، تحقيق: محمد خير طعمة الحلبي، دار مكتبة الحياة،(د.ت).

مناهج البحث عند مفكري الإسلام، سامي النشار، دار المعارف، القاهرة، ط4، 1978م.

منهاج البلغاء وسراج الأدباء، حازم القرطاجني، تحقيق: محمد الحبيب بلخوجة، ط 3، دار الغرب الإسلامي، بيروت، 1986م.

النهاية في الفتن والملاحم، ابن كثير، تحقيق: عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، (د.ت).

 

.

 

 


Kaynakça / References

Aladabo almaenawiyato liqirat alquran alkarime, rouh allah almousawi alkhumayni, iedad muhamad eali qataya, jameiat almaearif alislamiat bayrut ta1, 1998m .

Alaghanih, abou alfaraj alasfahani, dar alkutub almisriatu, alqahirati, 1927m.

Alatharo alarsatie fi alnahw walbalaghat alearabiyan hatta alqarn althamin alhijri, abaas rahilah, manshurat kuliyat aladab waleulum alinsaniat , arribat,ta1, 1999m,.

Albahth albalaghii eind alarabi, 'ahmad matloub, dar aljahiz liannashre, baghdad, (d.t).

Albalaghato walousulu,dirasat fi ossous attafkir albalaghii alearabi" namudhaj abn jinni, muhamad mechbal, afriqia alsharque, 2007m.

Albayane wattabyine: abou outhman amru bno bahr aljahize,  tahqiq eabd assalam muhamad haroun, dar alfikre, (d.t).

Almadkhal ila addirasati albalaghati alarabiati, ahmad khalil, dar alnahdat alarabiati, lubnan, 1968m.
Almustadrak ala alssahihayni, alhakim muhamad bin abd allah alnaysabouri, dar almaerifati, 1998mi.

Almustatraf fi kolli fanin mustazrafin, al'abshihi shihab aldiyn muhamad, tahqiq muhamad khayr tiemat alhalbi, dar maktabat alhayat(d.t).

Almuzhir fi ouloum allughat waanwaiha, jalal addiyn alsuyouti, almaktabat alouasariati, bayrut, 2007m.

Alomdato fi mahasin alshier waadabihi wanaqdihi, ibn rashiqe, abu eali alhasan, tahqiq muohyi aldiyn abd alhamidi, dar aljil, bayrut.

Alshier walshouearaae, ibn qoutayba (abu eabd allh muhamad bn muslim), tahqiq washarh 'ahmad muhamad shakir, dar almaearifi, (da.t).

Altabaqat alkabir, muhamad bin saed bin manie alzzuhri, maktabat alkhanji (d.t).

Annihayato fi alfitani walmalahimi, ibn kathirin, tahqiq eisam aldiyn alsababiti, dar alhadith.(d.t).

Assirato annabawiato, ibn hisham , taha. saeid muhamad allahham, dar alfikri, bayrut, 1994m.

Atharo annouhati fi albahthi albalaghi, abd alqadir husaynin, dar annahdati, masr, 1975m.

Attaswiro alfannie fi alqurane, sayid quotbe, dar ashorouqe, bayrut, wadar althaqafat albaydae, 1988m.
Altarghib waltarhib, abd aleazim zaki addiyn almundhiri, ta1, dar alkutub alilmiati, bayrut, 1417h.

bilkhujat, t 3, dar algharb alislami, bayrut, 1986m.

Dalayil al iejazi, eabd alqahir aljirjani, maktabat alkhanji; alqahirati, ta2, 1989m.

Iejazo alqurani, abu bakr albaqlani, tahqiq alsayid 'ahmad saqra, ta. 5, dar almaearifi, alqahira (d.t),

Jamharato ashear alarab fi aljahiliati wal islami, ibn zayd alqurashi, tahqiq muhamad ali albijawi, nahdat masre.

kitab alqasas walmudhakirina, abn aljawzi 'abu alfaraj eabd alrahman, tahqiq muhamad basyouni zaghlula, dar alkutub aleilmiati, bayrut 1986m.

Majazo alquorane, abu eubaydata, tahqiq fuad sizkin, ta2, mouassasat alrisalati, bayrut, 1981m.

Manahijo albahth eind mufakkiri alislami, sami annashar, dar almaearifi, alqahirato, ta4, 1978m.

Minhajo albulaghae wasiraj aloudabae,, hazim alqartajanni, tahqiq muhamad alhabib

Quout alquoloub fi mueamalat almahbube, 'abu talib almakki, dar sadir bayrut,(d.t).

Sounan abou dawoud,abou dawoud soulayman ben alasheath alsajistani, almaktabat aleasriati, 2017m.

Tabaquat alshuearae, ibn salam aljoumahi, dar alkutub aleilmiati, bayrut, 2001m.

Tarikho alfiraqi alislamiati wa nasheat ilm alkalam ind almuslimina, ali mustafa algharabi, maktabat alanjlou almisriati, ta2, 1985m.



([1]) الآداب المعنوية لقراءة القرآن الكريم: 11.

([2]) الآداب المعنوية لقراءة القرآن الكريم: 50-52.

([3]) المدخل إلى دراسة البلاغة العربية: 81-82.

([4]) أثر النحاة في البحث البلاغي: 3.

([5]) الأثر الأرسطي في النحو والبلاغة العربيين حتى القرن الثامن الهجري: 264.

([6]) سورة التوبة: 9/122.

([7]) مناهج البحث عند مفكري الإسلام: 78.

([8]) البحث البلاغي عند العرب: 46.

([9]) تاريخ الفرق الإسلامية ونشأة علم الكلام عند المسلمين: 54.

([10]) الأثر الأرسطي: 261.

([11]) الأغاني: 19 / 9.

([12]) الأغاني: 1 / 195.

([13]) الأغاني: 2/ 180.

([14]) جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام: 36.

([15]) جمهرة أشعار العرب في الجاهلية والإسلام: 35.

([16]) طبقات الشعراء: 34.

([17]) المستدرك على الصحيحين: 3/289.

([18]) المزهر في علوم اللغة وأنواعها: 1/ 199.

([19]) طبقات الشعراء: 34.

([20]) طبقات الشعراء: 34.

([21]) العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده: 5.

([22]) العمدة: 5.

([23]) الشعر والشعراء: 1/ 59.

([24]) المزهر: 2/ 356.

([25]) دلائل الإعجاز: 7.

([26]) دلائل الإعجاز: 8.

([27]) دلائل الإعجاز: 9.

([28]) دلائل الإعجاز: 9.

([29]) البلاغة والأصول: 13.

([30]) منهاج البلغاء وسراج الأدباء: 19.

([31]) إعجاز القرآن: 51.

([32]) البلاغة والأصول: 22.

([33]) مجاز القرآن: 1/ 18.

([34]) إعجاز القرآن: 159.

([35]) البلاغة والأصول: 25.

([36]) التصوير الفني في القرآن: 34.

([37]) سورة هود: 11/ 120.

([38]) سورة الكهف: 13/18.

([39]) سورة الأنعام: 6/ 57.

([40]) سورة الأعراف: 7/ 176.

([41]) سورة يوسف: 12/ 111.

([42]) سورة يوسف:12/ 3.

([43]) وهذا ما يستفاد من جل الكتب النقدية القديمة التي عنيت بالسرد في بداياته الأولى، ينظر مثلا: كتاب القصاص والمذكرين :11، وتلبيس إبليس: 23، والتمثيل والمحاضرة وأخبار المذاكرة: 1/3، وقوت القلوب: 2/48، وإحياء علوم الدين: 2/338.

([44]) سنن أبي داود: 2/ 290، وقوت القلوب: 1/195.

([45]) الطبقات الكبير وتهذيب الأسماء واللغات: 1/ 173.

([46]) نهاية البداية في الفتن والملاحم: 1/ 49-96، وأخبار الزمان: 122.

([47]) السيرة النبوية: 2/ 8، والكامل في التاريخ: 2/ 49.

([48]) سورة الفرقان: 15/5

([49]) سورة القلم: 68/ 15 وسورة المطففين: 83/ 13.

([50]) السيرة النبوية: 2/13.

([51]) سورة الجاثية: 45: 7-8.

([52]) السيرة النبوية: 2/ 16.

([53]) المستطرف من كل فن مستظرف: 1/9.

([54]) المستطرف: 1/16.

([55]) الترغيب والترهيب: 2/336.

([56]) كتاب القصاص والمذكرين: 25.

([57]) كتاب القصاص والمذكرين: 36.