الثّابت والمتحول في الأدب النسوي

مقاربة في رواية ثابت الظّلمة لأمل بوشارب

 

د. نادية العقون

المركز الجامعي مرسلي عبد الله بتيبازة، الجزائر

البريد الإلكتروني: elaggoune.nadia@cu-tipaza.dz

معرف (أوركيد): 000-0002-5771-697X

 

بحث أصيل

الاستلام: 20-2-2023

القبول: 25-4-2023

النشر: 30-4-2023

 

 

الملخص:

تهدف هذه الدّراسة الموسومة بـ: الثّابت والمتحوّل في الأدب النّسويّ (قراءة في رواية ثابت الظّلمة لأمل بوشارب أنموذجا)؛ إلى إماطة اللّثام على البعد ما بعد الكولونياليّ في الأدب النّسويّ الجزائريّ، على اعتبار أنّ هذا الأخير مرآة عاكسة لقضايا العصر من جهة، وملهم جماليّ أيديولوجيّ لقريحة المبدع من جهة ثانية، وتجلي الحاجة إلى الأدب ما بعد الكولونياليّ من جهة أخرى.

تبنّت الكثير من الرّوايات المعاصرة مشهد تعرية المقولات الكولونياليّة، فزيّنت بأنساق ثقافيّة هي من بنات أفكار الكاتب وخياله، ومن بين تلك الرّوايات الّتي تعيش في خضمّ الصّراع الأيديولوجيّ نجد رواية (ثابت الظّلمة) لأمل بوشارب خطابا ما بعد كولونياليّ، يترك المتلقّي يتأرجح في قفص الإبداع بين مطرقة المركز وسندان الهامش، في ظل مفارقة جماليّة فكريّة تعبّر عن صراع الثّنائيّات تعكس على صفحات الرّواية.

الكلمات المفتاحية:

ثابت، متحوّل، أدب نسوي، ثابت الظّلمة، ما بعد الكولونياليّة.

 

للاستشهاد/Atif İçin / For Citation: العقون، نادية (2023). الثّابت/المتحول في الأدب النسوي مقاربة في رواية ثابت الظّلمة لأمل بوشارب. ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها. مج4، ع7، 177- 193 https://www.daadjournal.com/ /

The Constant and Transformable in Feminist Literature (An Approach to the Novel "Thabit Aldolma" by Amel Bouchareb

 

Dr. Nadia Elaggoune

Assistant Professor, Center Morsali Abdullah Tipaza University, Algeria

E-mail: elaggoune.nadia@cu-tipaza.dz

 Orcid ID: 000-0002-5771-697X

 

Published: 30.04.2023

Accepted: 25.04.2023

Received: 20.02.2023

Research Article

 

Abstract:

The aim of this study is tagged with: the constant and the transformative in feminist literature (a reading in the novel Constant of Darkness by Amal Bouchareb as a model); To unveil the post-colonial dimension in Algerian feminist literature, given that the latter is a reflective mirror of the issues of the era on the one hand, and aesthetic and ideological inspiration for the creativity’s inclination on the other hand, and the need for post-colonial literature on the other hand.

Many contemporary novels have adopted the scene of stripping colonial categories, so they are decorated with cultural styles that are the brainchild of the writer’s ideas and imagination. The hammer of the center and the anvil of the margin, in light of an intellectual aesthetic paradox that expresses the struggle of the dualities that are reflected on the pages of the novel.

Keywords:

Constant, Shifting, Feminist Literature, Constant Darkness, Post-Colonialism.


تقديم:

لا ريب في أنّ النّزعة الإنسانيّة تتربّع عرش الإبداع الأدبيّ منذ نشأته، على اعتبار أنّ الأدب بشقّيه- "شعر" و"نثر"- ظاهرة طبيعيّة في الحياة الإنسانيّة، فنجد لها قديما انطباعا في شعر جرير وابن الرّوميّ والمتنبي، وحديثا مجسّدة مع معروف الرّصافي الّذي يعدّ من القلّة الّذين نزعوا في شعرهم هذه النّزعة الإنسانيّة، أمّا في الشّعر المعاصر نجد الشّاعر إيليا أبو ماضي على سبيل المثال لا الحصر، ومن الأشعار الّتي تتناول هذه النّزعة فهي قليلة بالموازنة مع ضروب النّظم في شعرنا المعاصر، لتستقرّ هذه النّزعة عند مرسى الرّواية في أدبنا المعاصر.

ممّا لا شكّ فيه أنّ الإنسان يمتزج بالحياة وعصرها من خلال الزّمان والمكان، وبما أن الأديب إنسان حسّاس مرهف بالدّرجة الأولى، استطاع أن يجسّد النّزعة الإنسانيّة في إبداعه لأنّ سرده فيض من الرّقّة والإحساس بألم الآخر، ومن بينهم نجد الرّوائيّة المرهفة الحسّ (أمل بوشارب)، من خلال تجربتها الرّوائيّة (ثابت الظّلمة)؛ سلّطت الكاتبة الضّوء على نسق الثّابت والمتحوّل في روايتها المتناولة بالدّراسة، والصّراع الأيديولوجيّ، والتّعايش الفكريّ لعصرها في صورة سرديّة عميقة عن ركام النّفس الإنسانيّة، من ضنك وأسى الاستعمار في سياق سرديّ متجانس، لتتبلور في قالب فنّيّ جماليّ يطلق عليه الفنّ الرّوائيّ.

 شكّلت النّزعة ما بعد الكولونياليّة تيمة أساسيّة في الأدب النّسويّ مشكلة حضورا لا بأس به في العمل الإبداعيّ الجزائريّ، وعلى سبيل المثال نجد خطاب (ثابت الظّلمة) لـ"أمل بوشارب"، لتعبّر عن مرحلة لا تلبث حتّى تنزع إلى الاستقلال الفكريّ من الثّقافة الغربيّة، مقوّضة مقولاتها المركزيّة، وشعار نقل الحضارة المزيّف، فنشأت الدّعوة إلى الممارسة النّقديّة ما بعد الكولونياليّة عند بعض المشتغلين على الأدب، والمهتمّين بالآثار الكولونياليّة على البشريّة قاطبة، وهي دعوة حمل لوائها النّقد الأدبي المعاصر بامتياز.

وتدور إشكاليّة هذا البحث حول: إلى أيّ مدى استطاعت الأديبّة الجزائريّة تجسيد ثنائيّة الثّابت والمتحوّل في متن خطابها ما بعد الكولونياليّ؟ وهي إشكاليّة تتفرّع إلى عدّة أسئلة؛ من قبيل: ما هو المقصود بـ: ثنائيّة الثّابت والمتحوّل في الخطاب ما بعد الكولونياليّ؟ وفيما تمثّلت هذه التّجربة النّسويّة في النّقد ما بعد الكولونياليّ؟ وكيف صوّرت لنا الروائيّة "أمل بوشارب" هذه الثّنائيّة في رواية "ثابت الظّلمة"؟

وتسعى هذه الورقة البحثيّة إلى إزالة الغبار على ما سمّي النّقد ما الكولونياليّ في الجزائر، وذلك من خلال دراسة الثّابت والمتحوّل في الأدب النّسويّ (قراءة في رواية ثابت الظّلمة لأمل بوشارب أنموذجا)، وهي دراسة تطبيقيّة اعتمدنا فيها على النّقد الثّقافيّ للحفر عن المستبطن داخل الخطاب الرّوائيّ، وذلك بالتّركيز على الأنساق المترسّبة فيه، ودراسته كظاهرة ثقافيّة لها لسان إفصاحي خاصّ، متجاوزين بذلك التّركيز على لغة الخطاب وأساليبه ومجازاته وجماليّاته البلاغيّة.

1.    الثّابت /المتحوّل:

1.1.      الثّابت في الفكر الأدونيسي:

يقصد بمصطلح "الثابت" عند أدونيس بـ: "الوحي تأسيس للزّمن والتّاريخ في آن، أو هو بداية الزّمن والتّاريخ، وهو لذلك ليس زمنا ماضيا، بل هو زمان كله: الأمس والآن والغد" ([1]) يعني هذا النّصّ أنّ أدونيس يرى الثّابت ما هو إلاّ زمن الوحي لارتباطه به وتؤسّسه عليه، فهذا الارتباط مع زمن الوحي يجعله ثابتا مما لا يترك مجال لتتطوّر الزمن.

2.1.        المتحوّل في الفكر الأدونيسي:

التّحوّل هو الاتّجاه الثّاني الّذي درسه أدونيس بقراءات عديدة هي من قبيل: الحداثة، الإبداع...وغيرها، فهو زمن أراد به أدونيس أن يكون متحكّما في زمام الأمور بإرادته منطلقا من مسلمة تقول "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"([2])، فهو زمن مضادّ للزّمن الثّابت ويتجاوزه ويبدع ويغيّر ويتحوّل، فهو مزيج بين الماضي والحاضر والمستقبل في وجه نظر أدونيس([3]).

2.       النّسويّة وما بعد الكولونياليّة (feminism and post-colonialism):

لفظ "النّسويّة" له دور كبير في الخطاب ما بعد الكولونياليّة، وذلك يعود لسببين رئيسيّين: السّبب الأوّل؛ "إن كلاًّ من النّظام الأبويّ والإمبرياليّة يمكن رؤيتهما كممارسين لأشكال متشابهة من السّيطرة على أولئك الّذين يجعلونهما خاضعين، لهذا فإنّ خبرات النّساء في النّظام الأبويّ وخبرات الذّوات، المستعمَرين يمكن أن تتماثل في عدد من النّواحي، وكلاًّ من السّياسات النّسويّة وما بعد الكولونياليّة تعارض مثل هذه السّيطرة"([4]) والهيمنة.

أمّا السّبب الثّاني فيعود إلى أنّ: "هناك مجادلات شديدة في عدد من المجتمعات المستعمَرة حول ما إذا كان القهر الكولونياليّ هو أهمّ عامل سياسيّ في حياة النّساء، أدّى هذا أحيانًا إلى الانقسام بين النّسويين الغربيين والنّشطاء السّياسيّين من الدّول الّتي تعاني من الفقر أو القهر، أو بالتّبادل، فالاثنان متشابكان بشكل لا يمكن فصله، وفي مثل هذه الحالة فظروف السّيطرة الكولونياليّة تؤثّر بطرق مادّيّة على وضع النّساء داخل مجتمعاتهنّ"([5]) لنصفي من هذين السّببين أن النّظريّة النّسويّة أو الأنثويّة تلتقي والنّظريّة ما بعد الكولونياليّة في عدّة جوانب سياسة المقاومة للهيمنة، وسؤال الهُويّة، والذّات.

3.   بواكير نظريّة الخطاب ما بعد الكولونياليّ:

نشأت النّظريّة ما بعد الكولونياليّة نتيجة ما شهده معظم بلدان العالم من استعمار وقهر منه، فكانت إرهاصاتها على يد "فرانز فانون" في كتابه "معذّبو الأرض" الصادر سنة 1961م، وأخذ يسطع نجمها مع "إدوارد سعيد" الّذي يعتبر من صاغ لبنة هذه النّظريّة ومؤسّسها الفعليّ في الحقلين الثّقافيّين العربيّ ومنه الغربيّ؛ يقول في ذلك جميل حمداوي: "وهناك شبه إجماع بين الدّارسين على الدور المؤسّس الّذي لعبه كتاب إدوارد سعيد عن (الاستشراق)، في صياغة اللّبنات الأولى لنظريّة (ما بعد الاستعمار)" ثمّ تمّ تداولها من قِبل الباحثين الآخرين وتأثّرهم به (فقد استدعى هذا الكتاب بما طرحه من أفكار، طائفة أخرى واسعة من الكتابات الّتي ناقشت هذه الأفكار، أو ردّت عليها، أو طوّرتها.

سواء كتابات اللاّحقين من منظّري (ما بعد الاستعمار)) مثل: "سليمان رشدي"، و"هومي بابا"، و"جاياتري سبيفاك"، أو من تصدّروا للنّظريّة من منظور مخالف، وكشفوا عن تناقضاتها، مثل إعجاز أحمد وعارف ديليريك. وقد وجه "إدوارد سعيد" نفسه بعد ذلك في تطوير النّظريّة وتأمّلها، من خلال كتاباته ومراجعاته المتعدّدة التّالية لكتاب الاستشراق، وخاصّة في كتب مثل: "الثّقافة والإمبرياليّة" و"صور المثقّف" و"تأمّلات حول المنفى"([6])، كما استعمل مصطلح ما بعد الكولونياليّة في نهاية الثّمانينيّات من القرن 20م، نسبة للمشاكل الّتي تعانيها الدّول المُستعمرة للتحرّر من الاستعمار الغربيّ كالبريطانيّ والفرنسيّ، ومن أهم أعلامها نذكر:

(فرانز فانون، إدوارد سعيد، جاياترى سبيفاك – ويطلق على هؤلاء الثلاثة لقب: الثّالوث المقدّس للنّظريّة-، هومي بهابها، روبرت يونغ) فهؤلاء بعض الرُّواد الّذين جسّدوا نظريّة ما بعد الكولونياليّة، تهدف هذه النّظريّة إلى "تحليل كلّ ما أنتجته الثّقافة الغربيّة باعتباره خطاب مقصدي، يحمل في طيّاته توجّهات استعماريّة إزاء الشّعوب الّتي تقع خارج المنظومة الغربيّة. كما يوحي المصطلح بوجود استعمار جديد يخالف الاستعمار القديم لذا يتطلّب هذا الاستعمار التّعامل معه من خلال رؤية جديدة، تكون رؤية موضوعيّة وعلميّة مضادّة"([7]) جاءت قصد تقويض تلك السّياسة الاستعماريّة وتفكيكها وتسليط الضّوء على المضمر وإبرازه للعلن من أجل القضاء على تلك المفارقات والممارسات المركزيّة الأوروبّيّة كالهيمنة والتّسلّط الّتي كانت تحملها لغة لخطابهم الكولونياليّ.

4.       أثر ما بعد الكولونيالية على الخطاب السردي:

الجذور الأصليّة للمجموعة البشريّة الواحدة، دالّا جذريّا ينبئ عن أصالتها وعراقتها، ولما كان الأمر كذلك فقد كان لا بد للحفاظ على الهُويّة التّاريخيّة والثّقافيّة والعرقيّة لهذا الجنس البشريّ أو ذاك من مرفأ تراثيّ تلجأ إليه وتستظلّ بوافر ظلاّله، ونحن نتحدّث عن هذه الجزئيّة الّتي تدخل في إطار الهويّة، لا يمكن أن نغفل جانبا هامّا ومهمّا فرض نفسه لعقود من الزّمن، وشغل المبدعين والدّارسين، ألاّ وهو الطّيف الكولونياليّ بكلّ ما يحمله من زخم وفكر وتعقيد جعل ثقافة الشّعوب تتداخل في ما بينها وأفرغها من محتواها، ودسّ فيها من بذور التّفرقة والتّعالي، الشّيء الكثير.

غدا المبدعون والرّواة من مختلف المرجعيّات المستعمرة، وارثون للعديد من الأفكار والأيديولوجيّات الّتي أصبحت تتقاذفهم يمينا ويسارا أكدت الأعمال الأخيرة في دراسات ما بعد الكولونياليّة للباحثين الأمريكيّين في العلاقة بين نظريّة ما بعد الكولونياليّة وتحليل ثقافة الأمريكان الأفارقة (دوسيل 1996)، وفي موضع التّطبيق، غالبا ما اشترك مناصر وثقافة الأمريكيّين الأفارقة، جنبا إلى جنب مع المنظّرين القدامى لما بعد الكولونياليّة أمثال (فرانز فانون) ...، في العديد من البشر الّذين عانوا من جور التّمييز العرقيّ في أماكن أخرى من العالم"([8]).

5.       ثنائية ([9]) الثابت/المتحول في رواية (ثابت الظلمة):

كثيرا ما كانت النّظريّة ما بعد الكولونياليّة المعاصرة الأقرب إلى تفكيك وتقويض المبادئ الإمبرياليّة و"الفصل الثنائيّ (binary separation) "([10])، وفي سبيل ذلك نجد محاولة الروائيّة الجزائريّة "أمل بوشارب" في خطابها ما بعد الكولونياليّ "ثابت الظّلمة"، بيد تفتيت النّسيج البنيويّ الثّنائيّ، وعلى سبيل المثال نجد تركيزها على هذه الثّنائيّات كـ: المركز / الهامش، الأنا/ الآخر، الرّجل الأبيض/ الرّجل الأسود، الثّابت/ المتحوّل وهي كلّها تتّجه نحو توجّه واحد تمثّل في ثنائيّة المستعمِر/ المستعمَر، فنجد لهذه الأخيرة تأثير على المجتمعات وثقافتها ومنه هويّتها وروح انتمائها، فراحت تغيّر الثّابت، ولتجعل منه شيئا بلا ذات، قصد الهيمنة واحتواء الآخر.

فعنوان الرّواية (ثابت الظّلمة) يحمل في طيّاته نسقين ثقافيّين وهو من قبيل: ثنائيّة (الثّابت /المتحوّل) المتمفصلة في ثنايا خطابنا هذا؛ وعليه كلمة ثابت كنسق ثقافيّ ولبنة أساسيّة في عتبة مدوّنتنا؛ فهي تحاكي بشكل ما، ذلك الثّبات على مبادئ الدّين الإسلاميّ، وقد تكون دعوة صريحة نوعا ما بالتّمسّك بالقيم الإسلاميّة، العربيّة الجزائريّة، مفكّكة مقولات الحداثة المركزيّة الّتي تُحِيد الفرد عن أصله؛ ولقد قال في هذا الشّأن الشّاعر عبد الحميد بن باديس عن الشّعب الجزائريّ في مقتطف من قصيدته (شعب الجزائري مسلم):

شَعْبُ الجَزَائِرِ مُسْلِمٌ          وَإِلَى العُرُوبَةِ يَنْتَسِبُ

مَنْ قَالَ حَادٌّ عَنْ أَصْلِهِ        أَوْ قَالَ مَاتَ فَقَدُ كَذِبِ

أَوْ رَام إدْمَاجًا لَهُ رَام           المَحَال منْ الطَّلَبِ ([11])

فعلى الشّعوب أن تصنع درعا واقيا لنفسها وذاتها وخصوصيّة ثقافتها ومعالمها، لاعتبار هو ليس بخفيّ على المرء المعاصر ألا وهو التّزاحم الكبير في الثّقافات والأيديولوجيّات بين الأمم، ممّا عزّز هذا الفكر الكولونياليّ، والهيمنة إلاّ أنّ الأساليب اختلفت ففي القرن الماضي اعتمدت سياسة الغزو الكلاسيكيّ العسكريّ، أمّا في العصر الحاليّ تعتمد على سلوكيّات أكثر خبث تحت شعار العولمة بمختلف أشكالها، والّتي تجسّد الشّكل الجديد للكولونياليّة والسّيطرة فتقول عن شخصيّة (جاناكو) الّتي جاءت لمنطقة تمنراست قصد التّنقيب: "فكر في محاولة يائسة لاقناع نفسه بأن شعور الخطر الذي استبد به فجأة لم يكن مبررا و لا منطقيا، فقاعدة كهذه للعمال الأجانب وسط الصحراء الجزائرية ....لم يكن الآن مهما بقدر تأكد جانلوكا أنه كان طيلة فترة إقامته في الجزائر يحمل سرا يراد له أن يبقى مدفونا في تابوت أبدي من العتمة"([12]) هذا ما حاولت الأديبة صياغته في وعاء متخيّل يعبر عن ظرف المكان والزّمان، حيث اختارت من البيئة الصّحراويّة وعوالمها العجائبيّة صورًا تحرّر هذه الثّقافة من ألوان الاستعمار الّذي عاشته عسكريّا، وما زالت تعاني منه فكريّا، وذلك لخصوصيّة المنطقة.

أمّا الظّلمة كنسق ثقافيّ في رواية "ثابت الظّلمة" بنت عليه الكاتبة عنوانها فقد يعبّر هذا الأخير عن الدّهليز المعتم الضّارب بخيوطه السّرديّة المشوّقة بأسلوب ساخر ينقد عوالم واقعيّة تارةً، وخياليّة أسطوريّة تارةً أخرى، على لسان أسطورة تعدّ من أكثر الأساطير السّوداويّة للطوارق المكتوبة بلغة التيفيناغ فتقول الرّاوية: "وجد نفسه يلقي نظره على محاورتي (تيمايوس وكريتياس) اللتين جُمعتا في كتاب واحد في طبعة إنجليزية أنيقة عن دار (كلاسيكس)، وسحب فاصلة صفحات جلدية مزينة بحروف تيفيناغ اقتناها من المتحف الأركيولوجي كويفا بينتادا بغران كناريا عن الصفحة 49"([13]) فاستدعت هذه الأخيرة –صفحات جلدية مزينة بحروف تيفيناغ-كقناع فنيّ تعبّر بلسانه عن تجربة عاصرتها، وهو الانسلاخ الّذي تدخل فيه الشّعوب عندما تتحوّل عن أصلها ومبادئها واستبدالها بسلوكيّات وثقافات غيّرية لتبقى تدور في فلك الثنائيّات الحضور / الغياب والثّابت /المتحوّل، فهي ترى أن موجات الحداثة الّتي تأتي من وراء البحار لا خير فيها، لِجهلٍ بها وبما تقدّمه للذّات المستعمَرَة، نجد هنا الاستعمار الجديد ألا وهو الاستعمار الفكريّ، وقد أشار إلى ذلك الدكتور الصالح بوعزة في مقاله الموسوم بـ:" بعد الهوية والمواطنة في المقاربة التربوية الباديسية-نظرة تحليلية-" وكلّ مجهول فهو بالضّرورة قد يكون مظلمًا مبهمًا وبالتّالي هي طاقة سلبيّة ذات معطيات مجهولة لنتيجة هي في الأصل غامضة فتؤثّر على المجتمع المستَعْمَر المنبهر بالجديد.

دعا المهتمّون بالبنية التّحتيّة للمجتمعات لماركس توفير مناعة تحصّنهم من الوافد الغربيّ والتّقليد الأعمى له، والأخذ منه ما يتماشى مع الحضارة وثقافتها وأسسها نخص بالذكر الإسلاميّة العربيّة منها على سبيل المثال لا الحصر، أي القيام بغربلته قبل استعماله، وهي دعوة مال إليها الأدب الجزائريّ، لما له من تجربة وتاريخ مع الاستعمار، وأيّها تجربة كانت ملهم الأديب الجزائريّ وغيره في خطاباتهم، حيث حاول ذلك الفكر الكولونياليّ طمس هويّة الشّعب الجزائريّ وما زال يحاول الكرة، فحلّقت هذه البوادر الاستعماريّة وصولا إلى مناطق الظّلّ الصّحراويّة المهمّشة بنت الهقار منطقة "تمنراست" بالجزائر الّتي تعيش شيئًا من الخصوصيّة الثّقافيّة والجغرافيّة والطّبيعة الإنسانيّة، فجذبت قريحة المبدع الجزائريّ وتبنى القضيّة الوطنيّة الصّحراويّة في شكل قصصيّ يروي آلام شعب يُعرف بعيشته البسيطة؛ لكنّ أرضه مملكة تحمل ثروة باطنيّة، فكثيرا ما كان الجاذب الأوّل لجشع وطمع الآخر بدرجة عالية فتقول أمل: "المزيد من المال وراء البحار! وأطلق تنهيدة حارة وأردف: (آي لوف مي)"([14]) بنزعة نرجسيّة.

هذه الصورة -عن تهميش الصحراء الجزائرية ومركزية بقية المناطق- الّتي تبنّاها خطاب (ثابت الظّلمة) قد عبّر من خلال الشخصيات متطرّق إلى قضايا اجتماعيّة من بنات الواقع المعاش؛ كقضيّة الطّبقيّة، وثنائيّة اللّون في محاولة جادّة تبحث عن الاستقلال الفكريّ من بقايا الاستعمار، فهي تبعث للتّوعية الجمعيّة برسالة مفادها؛ أنّ الاستعمار بقي في عقول الأفراد الّتي عاشت فترة الاستعمار العسكريّ، وقامت بتوريث هذا الفكر للأجيال الّتي جاءت فيما بعد، كما نجد ذلك بارزًا في ثنائيّة "المعلّم / التّلميذ" هي فكرة مجسّدة بعناية في ثنايا الخطاب (ثابت الظّلمة) تعرّي لنا عن مشهد بين المعلّم اللّغة الفرنسيّة والتّلميذ صاحب البشرة السّوداء: "وقد كان متأكدا من أنه تبين نطق تلك الكلمة Idiot .هكذا وصفه معلم اللغة الفرنسية، الذي كانت تقول كنزة ابنة مدير الصناعة القادمة من الشمال بأنه كان يخطئ في تصريف الأفعال كما كانت تتندر هي وابنة الطبيب ريمة على لكنته الفرنسية"([15]).

لكن المطّلع على المستجدّات والفرد المعاصر نخصّ به المثقّف وغيره في حقيقة الأمر، أدرك كل الإدراك مبدأ المثاقفة في الدّراسات النّقديّة المعاصرة، أو ما يطلق عليه في الدّراسات ما بعد الكولونياليّة بـ "تثاقفية (transcultural)، مع دوران ذي مغزى كبير للتأثيرات ذهابًا وإيابًا بين الاثنين إذ إن الاشتباك مع المستعمرات قد أصبح عاملاً مهمًّا بصورة متزايدة في بنية المجتمع الإمبريالي وفهمه لذاته"([16]) واُستدلّ عن هذه الرّؤية للعالم بأنّ الوقت الحاليّ يعرف نوعا من التّمازج والتّعايش الفكريّ، والتّبادل الثّقافيّ عن طريق البعثات العلميّة بينها، بعدما كان يعيش في خضمّ صراع الثّقافات.

فعلينا عدم اغفال شيء، أنّ الآخر هو من راح يكتشف ذاته الّتي هي مختلفة كلّ الاختلاف عن الذّات المستعمَرة، ويقول في ذلك الباحث الأنثروبولوجيّ (هورسكوفيتس) بأنّه: "لا توجد ثقافة حية تظل ثابتة، فلا قلة الأفراد ولا العزلة ولا بساطة العتاد التكنولوجي يثير الثبات التام في حياة الشعب"([17]) مُذْعِن بذلك بتحوّل الثّقافة وعدم ثباتها، لطبيعة الحياة الدّيناميكيّة الّتي تعيشها الثّقافة فتنعكس عليها بالتحوّل.

 كما نجد الكثير من الأدباء الغيورين والأديبات الغيورات على الوطن؛ ومن اللّواتي رحن يواجهن هذا الشّكل من أشكال الكولونياليّة، وعليه؛ "تعد الكتابة النّسويّة العربيّة...نموذجا لغنى السّرد الرّوائيّ في العقود الأخيرة، بما اكتسبه رائداتها من قدرة على تشكيل فنّ روائيّ يقدّم رؤى فكريّة بفنّيّة عالية تجعل من عناصر السّرد تذوب في قالب فنّيّ"([18])، فنجد الأرضيّات الّتي ثارت ضدّ هذه العمليّات الاستعماريّة كـ " جمعيّة علماء المسلمين الجزائريّين برئاسة
عبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيميّ وغيرهم ...حيث تصدّت لكلّ أشكال الهيمنة الثّقافيّة الّتي مورست على الشّعب الجزائريّ من طرف الاستعمار الفرنسيّ"([19])،
فنلاحظ تلك الفلسفة الإسلاميّة المشرب الثّابت للفرد الجزائريّ، فتحمّل-أي العقيدة الإسلاميّة- في جوفها الشّخصيّة الوطنيّة وأبعادها الثّقافيّة "وقد يحاجج البعض بأن نطاق نظريّة ما بعد الكولونياليّة نفسه هو منطقة"التابو"-منطقة تداخل بين هذه المتقابلات الثّنائيّة الإمبرياليّة"([20]) فجاءت نظريّة ما بعد الكولونياليّة مخلخلة للنّظام البنيويّ القائم على الثّنائيّة-الدّال/المدلول-.

جاءت هذه المقولة مقوّضة لما لها من تأثير على المجتمعات وتشظيها، وهو نظام إمبرياليّ محض نواياه السّلطة والسّيطرة، ونلاحظ ذلك في شخصيّة (نزيم) ضمن رواية (ثابت الظّلمة)، فيجري التّنبيه باستمرار على هذه العمليّة كما يوضّح هذا الجزء المقتطف منها عن شخصيّة الّتي تمثّل صورة محاكيّة لمبدإ السّلطة المهيمنة تقول الرّاوية: "لقد كان مستمتعا بتحويل ذلك العبد المحسوب على الكائنات العسكريّة إلى مُخبر صغير...مجرّد تابع مطيع. لقد كان ذلك شيئا بسيطا ممّا يستطيع المال تحقيقه، لقد كان ذلك ببساطة سرّ السّلطة..."([21]) ممّا لاشكّ فيه أنّ هذا النّصّ يقدّم لنا ثنائيّة أخرى من ثنائيّات الخطاب ما بعد الكولونياليّ، وهي ثنائيّة التّابع /المتبوع.

نرى أنّ شخصية "مهدي" في حوار داخليّ (مونولوج) في رواية "ثابت الظلمة" فيستكشف ذاته المختلفة عن الآخر، لكن في نفس الوقت لها قيمتها الإنسانيّة ووجودها الكياني كبَنِي بشر فتقول الرّاوية: "وإن هناك ما يجمع بينه وبين هذا الأجنبيّ ذي الشعر الكستنائيّ والبشرة الشّفّافة، وأسند مهدي رأسه الآن إلى مقعده وهو يفكّر أنّه لا يقلّ فعلا أهميّة عن الّبشر الّذين يعيشون في الجزء الشّماليّ من الكرة الأرضيّة"([22])، نلاحظ في هذا النّص ملامح للنّزعة الإنسانيّة يبحث ورائها عن كرامته ووجوده، وهي فلسفة ورؤية تقوّض الفكر الكولونياليّ؛ وتقول أيضا: "لقد كان سعيد بأنّه تحوّل أخيرًا إلى إنسان، على الرّغم من أنّه لم يكن في طفولته سوى كتلة سوداء مصنوعة من العدم"([23]).

وعليه؛ استطاعت الروائيّة بحسها الوطنيّ المرهف من خلال هذه الشّخوص النّفاذ إلى أعماق الفضاء الصّحراوي البائس وعلى سبيل المثال شخصيّة مهدي فتقول الراوية:" ليدرك بذلك أنّه كان طيلة فترة جلوسه على ذلك المعقّد في آخر طاولة مضرب العته بين المعلّمين بل وإحدى الوسائل التّوضيحيّة البيداغوجيّة الّتي كانوا يستعينون بها لشرح صفات البله ومشتقّاتها، وهو من كان يتصوّر أنّه كائن شفّاف لا ينتبه لوجوده أحد، حتّى أنّه لم يكن يعتبر تصرّفات المعلّمة الغريبة نابعة من موقف شخصيّ إزاءه"([24]) فالمسألة هنا مسألة وجود؛ فـ"المهدي" هنا يبحث عن محلٍّ له من الإعراب في ثقافة مختلفة يشعر بغرابته وهو في بيئته ووطنه في رحلة البحث عن الذّات، لعلّه حقٌ على الأديبة –إذًا- في مجتمع معاصر أن تقوّض مقولة التّهميش بأنواعها المختلفة، فشكّلت هذه الشّخصيّة صوتا هامشيًّا يبحث عن نفسه فيقول في هذا الشّأن النّاقد:(هوستي لابوي Husti-Laboye): "تظهر أصوات جديدة في عوالم خياليّة (...) أصوات هامشيّة تتطلّع مع ذلك إلى إضفاء الشّرعيّة على نفسها والتّفاوض على موقع هويّة جديد وهو موقف تمّ السّعي إليه من خلال الرّحلات غير النّمطيّة للشّخصيّات"([25]) وبالتّالي الشّخصيّة الهامشيّة تمثّل في هذه الرّواية دورًا يناسبها كالخادم المخلص الّذي تحدّث عنه "نزيم".

تحاول الكاتبة من خلال هذه الشّخصيّة-أي شخصيّة مهدي- أن تعبّر لنا عن تلك الفئة المهمّشة داخل مجتمعها المتأثّر بثقافات أخرى، وتخصّ تلك الشّخصيّات بلغتها وفكرها قصد فهمها، والتّعبير عن آلامها وبؤسها وأبعادها النّفسيّة، وهي عمليّة معقّدة كما يقول أحد النّقاد "أنا أعتقد أنّ الصّعود إلى القمر أبسط بكثير من الدّخول في أعماق النّفس البشريّة والتّعبير عنها"[26] هذا الأخير الّذي يعدّ من أصعب ألوان التّعبير في الأدب ويوافقه في ذلك النّاقد علي جوّاد الطّاهر قائلا: "إنّ عمليّة الإبداع الفنّيّ معقّدة، والبحث فيها شأن أي بحث في ميدان غير منظور وغير خاضع للقياس والسّبر، ومن هنا تركت طويلاً إلى الغيبيّات ثم نيطت بحقول من المعرفة النّظريّة والفلسفيّة والنّفسيّة"([27])، مشكلة أمل بشخصيّات هذه الرّواية خوارزميّات هرميّة تجسّد عليها بناء خطابها ما بعد الكولونياليّ، من أجل طرح نوازعها وأفكارها ومعاناتها-أي الشّخصيّات- وما يكتنف الكاتبة والقارئ في الوقت ذاته من مشاعر ومعتقدات عن طريق التّعقيد الفنّيّ الأدبيّ المشوّق أحيانا والفنتازيّ أحيانا أخرى.

الخطاب ما بعد الكولونياليّ تقنيّة التّجديد الفنّيّ في الأدب الجزائريّ وعلى الخصوص في الأدب النّسويّ الجزّائريّ، الّذي كان يعتمد "دائمًا على الأحداث التّاريخيّة، والخبرة الاجتماعيّة في الإبداع الأدبيّ، لكن في العقد الأخير، نلاحظ جنونًا من جانب المؤلفين الجزائريّين الجدد للإبداع وتطوّر الكتابة، وحتّى مغامرة الكتابة...لا يمكننا قراءة ...ميساء بك...دون إبراز الشّخصيّات الضّالة والهامشيّة"([28]) وأيضا قراءة لـ:"أمل بوشارب" تحتوي على هذا النّوع من التّجديد في الكتابة النّسويّة الّتي مزجت بين مشاعر التّهميش في مستهلّ الرّواية بتقنيّة الاسترجاع ذكريات الطّفولة المهمّشة، وبين الشّخصيّة النّاضجة الّتي تبحث لها عن مرسى لكيانها، لتخرج من بوتقة التّهميش إلى نزعة إنسانيّة لها حقوق وواجبات في مجتمعها والثّبات على ثقافته وخصوصيّته، ومحاربة الوافد الجديد غير المستقرّ الّذي يبعث في الفرد الانسلاخ عن نفسه والذّوبان في الآخر ليصنّف شاذّا متحوّلا عن المجتمع وغريب عن الآخر أيضا، لتعيش النّفس المهمّشة متأرجحة بين مطرقة الثّبات على الأصل وسندان الحداثة والإتباع الأعمى للآخر.

جسّدت لنا شخصيّة (يحي ليزافر) تلك الشّخصيّة المسيطرة فتقول الرّاوية: "والواقع أنّ يحي ليزافير لم يكن يحب العودة إلى الجزائر سوى من أجل تخليص أمور خاصّة بالمال والأعمال بالإضافة إلى ممارسة بعض التّجهّم الزعامتي على حفنة بشريّة بائسة"([29])، نرى هنا تجسيدا لنسّق التّحوّل الذي يعد طابعا سلبيّا في شخصيّة تمثّل دور شخصيّة في الأصل هي مهمّشة لجأت إلى المركزيّة عن طريق تخلّيه عن أصله وإتباع الآخر والانبهار به، فالرّوائيّة هنا تخرّج شخصيّة أخرى تبحث عن ذاتها بطريقة مختلفة عن شخصيّة "مهدي"، لكنّهما يشتركان في دور الهامشيّ في الرّواية.

خاتمة:       

في الأخير نستنتج أنّ خطاب (ثابت الظّلمة) للروائيّة الجزائريّة النّاشئة (أمل بوشارب) لقد حاولت الباحثة في هذه الدّراسة تسليط الضّوء على البعد ما بعد الكولونياليّ في الأدب النّسويّ الجزائريّ، والتّنقيب عن الأنساق الثّقافيّة المهيمنة عليها ما ظهر منها وما بطن، ثمّ اخترت من بين الثّنائيّات ثنائيّة الثّابت/ المتحوّل باعتباره بنية ونسق تجسّده الرّواية، وقد توصّل البحث إلى النّتائج التّالية:

أثبتت هذه الدّراسة المتوسّلة بأدوات النّقد الثّقافيّ أنّ(ثابت الظّلمة) لأمل بوشارب تمثّل نموذجا في الأدب النّسويّ الجزائريّ، وذلك يعود لتلك القدرة على إضمار الأنساق الثّقافيّة داخل الخطاب الرّوائيّ، ومن بينها نسق الثّابت/المتحوّل باعتباره رموزًا ذات أبعاد ثنائيّة بعضها ظاهر وبعضها الآخر مضمر.

تجسّدت ثنائيّة الثّابت /المتحوّل من خلال تمّ فصلها في ثنايا الخطاب، واشتراك مجتمع هذا الأخير في ممارسته من خلال الأدوار الّتي تؤدّيها شخصيّاته.

اتّسمت (رواية ثابت الظّلمة) بمجموعة من الأساليب الفنّيّة الجماليّة، الّتي أتاحت للشّخصيّات التّعبير عن أيديولوجيّتها ورُؤاها.

كشفت الدّراسة أهمّ الثّنائيّات في الخطاب النّسويّ ما بعد الكولونياليّ، لعل أهمها الثّابت/ المتحوّل، المعلّمة/ التّلميذ، الرّجل الأبيض/الرّجل الأسود، وأبرزت انتظامها في نسق كلّيّ جامع هو نسق المجتمع، كما برزت هيمنة ثنائيّة الثّابت / المتحوّل عليها جميعا.

لقد كشف الدراسة كذلك أن الثّابت/ المتحوّل في الأدب النّسويّ رواية "ثابت الظّلمة" أنموذج نسق ظاهر من خلال رموزه وارتباط نشاطه بالمجتمعات والثّقافات المعاصرة للإنسان وحاجيّاته.

تتمثّل حاجيّات الإنسان منذ الجاهليّة الأولى البحث على الاستقرار الّذي يتحقّق بأوجه متعدّدة لعلّ أهمّها ضمان الأمان والغذاء والارتقاء من شرّ الكولونياليّة.

أثبتت الدراسة كلك أنّ تحت الأنساق الظّاهرة تنضوي أنساق ثقافيّة مضمرة تشتبك مع أنساق أخرى وتفعل فعلها في سلوك الفرد ومعتقداته.

يضمر نسق الظّاهر الثّابت/ المتحوّل أنساق أخرى مضمرة كنسق دونيّة الإنسان الإفريقيّ المنتمي للعالم الثّالث، لما تأصّل في الفكر الجمعيّ من وسمّ للأفارقة بالعبوديّة والتّبعيّة.

 

 


المصادر والمراجع

الثابت والمتحول، أدونيس، (بحث في الإبداع والإتباع عند العرب)، ج4، (صدمة الحداثة وسلطة الموروث الشعري، دار الساقي، لبنان، بيروت، دط، دت.

دراسات ما بعد الكولونيالية، أشكروفت بيل وجريفيت جاريث وتيفين هيلين، ترجمة: الروبي أحمد وحلمي أيمن وعثمان عاطف وإشراف جابر عصفور، القاهرة، ط1، 2010م..

ثابت الظلمة، أمل بوشارب، منشورات الشهاب، باتنة (الجزائر)، 2016م.

 نظريات النقد الأدبي في مرحلة ما بعد الحداثة، جميل حمداوي، شبكة الألوكة للنشر، المغرب، 2011م.

 الشخصيات السردية في رواية "سيدات القمر" للأديبة العمانية جوخة الحرثي مقاربة سيميائية، السعيد عموري، ضاد مجلة لسانية العربية وآدابها، م 1، ع 2، ديسمبر 2020م.

بعد الهوية والمواطنة في المقاربة التربوية الباديسية-نظرة تحليلية-، الصالح بوعزة، مجلة تنمية الموارد البشرية-ع 11- سطيف 2، ديسمبر 2015م.

بورتريهات وزهور فقط، صبري راغب، القاهرة، تاريخ النشر18 نوفمبر 2018م، تاريخ الاطلاع 19ديسمبر، 2021م، على الساعة14:10، على موقع: العربي الجديد على الرابط التالي:

 https://www.alaraby.co.uk/%D8%B5%D8%A8%D8%B1%D9%8A-%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D8%A8-%D8%A8%D9%88%D8%B1%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%B2%D9%87%D9%88%D8%B1-%D9%81%D9%82%D8%B7

فتنة الذاكرة، عبد القادر لباشي، دراسة نقدية لتشكيل التراث الشعبي في الشعر الجزائري المعاصر، نور للنشر، د. ط، د. ت.

مقدمة في النقد الأدبي، علي جواد الطاهر، المؤسسة العربية الدراسات والنشر، بيرروت، ط2، 2018م.

Le Personnage Marginal Entre Quetr de Soi et Errance ; Soumeya Bouanane ; Gorpus choisi: Meursault, Ccontre-enquete de Kamel Daoud ;Centre de Recherche en Anthropologie Socile et Culturelle ;Sous la direction de : Faouzia Bendelid.


 

 



([1]) الثابت والمتحول: 68.             

([2]) سورة الرعد: 13/11.                                                                                          

([3]) ينظر: الثابت والمتحول: 223.

([4]) دراسات ما بعد الكولونيالية: 180.

([5]) نظريات النقد الأدبي في مرحلة ما بعد الحداثة: 185. 

([6]) نظريات النقد الأدبي في مرحلة ما بعد الحداثة: 185-186.                               

([7]) نظريات النقد الأدبي في مرحلة ما بعد الحداثة: 176. 

([8]) دراسات ما بعد الكولونيالية:51-52.

([9]) الثنائية (binarism ): هي مصطلح "مشتق من (ثنائي "binary")، ويعني تأليفا بين شيئين، أو زوجا أو "اثنين"، أو ازدواجية"حيث عرف –هذا المصطلح -ذيوعا في مجالات المعرفة المختلفة مما جعله يكتسي معان متنوعة، كما هو الحال في الدراسات الما بعد الكولونيالية، بواكير مصطلح "الثنائية" كانت على يد عالم اللغويات البنيوي الفرنسي فرديناند دي سوسير الذي قال: "بأن للعلامات معان، ليس بالإشارة البسيطة إلى الأشياء في الواقع و إنما بمقابلتها بالعلامات الأخرى، فكل علامة هي في ذاتها وظيفة داخل ثنائية بين الدال، أي "الإشارة" أو الصوت أو الصورة التي تحيل إليها الكلمة، والمدلول، أي دلالة الإشارة أو المفهوم أو الصورة الذهنية التي تستدعيها" دراسات ما بعد الكولونيالية: 77.                                                                             

([10]) دراسات ما بعد الكولونيالية: 81.

([11]) بعد الهوية والمواطنة في المقاربة التربوية الباديسية-نظرة تحليلية-: 527.

([12]) ثابت الظلمة: 12.

([13]) ثابت الظلمة: 13.

([14]) ثابت الظلمة: 118.

([15]) ثابت الظلمة: 33.

([16]) دراسات ما بعد الكولونيالية: 82.

([17]) فتنة الذاكرة دراسة نقدية لتشكيل التراث الشعبي في الشعر الجزائري المعاصر: 196-197.

([18]) الشخصيات السردية في رواية "سيدات القمر" للأديبة العمانية جوخة الحرثي مقاربة سيميائية: 113.

([19]) بعد الهوية والمواطنة في المقاربة التربوية الباديسية-نظرة تحليلية-مجلة تنمية الموارد البشرية: 500.

([20]) بعد الهوية والمواطنة في المقاربة التربوية الباديسية نظرة تحليلية: 82.

([21]) ثابت الظلمة: 332.                                     

([22]) ثابت الظلمة: 108.

([23]) ثابت الظلمة: 08.

([24]) ثابت الظلمة: 33.

([25]) Le personnage marginal entre quetr de soi et errance ; Gorpus choisi: Meursault, Ccontre-enquete de Kamel Daoud ; p: 173.

([26]) بورتريهات وزهور فقط، القاهرة، تاريخ النشر18 نوفمبر 2018م، تاريخ الاطلاع 19ديسمبر، 2021م، على الساعة14:10، على موقع: العربي الجديد على الرابط التالي:

https://www.alaraby.co.uk/%D8%B5%D8%A8%D8%B1%D9%8A-%D8%B1%D8%A7%D8%BA%D8%A8-%D8%A8%D9%88%D8%B1%D8%AA%D8%B1%D9%8A%D9%87%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%B2%D9%87%D9%88%D8%B1-%D9%81%D9%82%D8%B7

([27]) مقدمة في النقد الأدبي: 32.

([28] (Le personnage marginal entre quetr de soi et errance ; Gorpus choisi: Meursault, Ccontre-enquete de Kamel Daoud ;p:173.

([29]) ثابت الظلمة: 346.