حقيقة التبادر عند الأصوليين

د. عبد الله عبد المومن

جامعة ابن زهر، المغرب

al_ibsar@hotmail.frالبريد الإلكتروني:

معرف (أوركيد): 0009-0007-9790-8064

 

 

بحث أصيل

الاستلام:18-3-2023

القبول:25-4-2023

النشر:30-4-2023

 

الملخص:

تُعنَى المباحثة بموضوع "التبادُر" لكثرة وروده عند الأصوليين، وهو مبحث مشترك بين علم اللغة وعلم أصول الفقه، لكنه أخذ طابعا متميزا في دواوين الأصول؛ حيث جعلوه من أدوات الكشف عن الحقائق، وطرق تمييزها، وضبط إطلاقاتها، ومن ثم قالوا: التبادر دليل الحقيقة، والتبادر أمارة الحقيقة، بل لا يوجد التبادر إلا في الحقيقة، ويتأتّى ذلك من منطلق تصورات ذهنية تعتزم السبق إلى الفهم، وتغليب الظن على قضية معينة مرادة، يكون البناء عليها في درك حقيقتها، وابتناء قضايا اللغة على الفطرة مما لا غنى عنه في الإثبات الذهني لكل مداخلها، والقواعد الأصولية قواعد لغوية كما لا يخفى، ومدارها كلية على الفهم والإدراك، وقد قاربت المدارسةُ ضبطَ حقيقة التبادُر عند الأصوليين، في بادرة غير مسبوقة بالبحث والتناول على الظن الغالب، وقام ذلك على ضبط المصطلح من حيثُ اللغةُ والاصطلاح، وعلاقاته ومشتقاته وضمائمه في مساره التوظيفي في علم أصول الفقه، وهو ما أضاف ضوابط مهمة إلى تعريفه وتوصيفه، مع الإلمام بمُوَجِّهات اعتباره، بوصفه معيارا لتبيّن الدلالات في علم الأصول، وكذا العناية بضوابطه بين الإعمال والإهمال، وصور من توظيفاته في أقطاب الأصول المتعددة، وأخيرا نتائج وآثار إعماله فيما يتوصل إليه من الحقائق، والدقائق، والإشارات.

الكلمات المفتاحية:

التبادُر، دليل الحقيقة، أدوات الكشف عن الحقائق، أصول الفقه.

 


للاستشهاد/ Atif İçin / For Citation: عبد المومن، عبد الله (2023). حقيقة التبادر عند الأصوليين. ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها. مج4، ع7، 63- 97 https://www.daadjournal.com/ /

 

The Truth about Al-Tabadur (Immediacy) for Usul al_Fiqh Scholars

 

Dr. Abdellah Abdelmoumen

Associate Professor, Ibn zohr university University, Morocco

E-mail: al_ibsar@hotmail.fr

 Orcid ID: 0009-0007-9790-8064

 

Published: 30.04.2023

Accepted: 25.04.2023

Received: 18.03.2023

Research Article

 

Abstract:

The discussion surrounding metaphysics and its relationship to epistemological methods, rules, and tools has its roots in the widespread use of the concept in interdisciplinary fields without a thorough understanding of its deployment, limits, and truth. Metaphysics is often ambiguous or taken for granted as a means of revealing or asserting every deductive research point.

One area that has caught my attention is the question of Al-Tabadur (immediacy) which is commonly cited in the work of purists. While immediacy is a tool used in language studies and jurisprudence, it is particularly significant in purist works, where it is used to reveal truths, determine their characteristics, and identify what governs their use. Purists argue that immediacy is the defining feature of truth and can only be found within it.

This bold statement is based on the a priori assumption that cognitive conceptions are necessary for understanding and a high probability guess on a desired issue when immediacy is deployed to uncover its truth. Since all language issues are instinctive and require cognitive input, purists' rules are linguistic and closely linked to understanding and conception. This means that immediacy has a significant impact on the generation of meaningful utterances and fluency.

Keywords:

 Al-Tabadur (Immediacy), evidence of truth, tools to uncover the truth, Fundamentals of Islamic jurisprudence.

تقديم:

لا يوجد التبادُر إلا في الحقيقة، ومن ثم تعنى ماهيته بأدوات الكشف عن الحقائق عند الأصوليين، فهو دليلُ الحقيقة وأمارتها، بما سبيلُه الترابط الاعتباري بين اللفظ والمعنى، فإذا لم ينص عليها، وتعلق الأمر بالاستدلال فليس من علامات الحقيقة إلا تبادر الذهن إلى فهم المعنى والعراء عن القرينة، ولا يترك الائتمام به مجالا منهجيا أو معرفيا في دواوين الأصول إلا واقتحمه من منطلق باعث الفطرة وداعي الطبع، وبتوخي السبق إلى تصور وتمَثّل ذهني  لكل ما يهُم به الأصولي على سبيل الاستكشاف والتحري عند مباشرة الاستقراء والبحث والاستنباط لكل قضية لغوية أصولية إن في الاستدلال بمعانيه المتسعة أو غيره من فصول الأصول، سواء في مبحث الدلالات ألفاظا وصيغا ومعاني ومقاصد، وسواء في الأحكام أو مشمولاتها، وقِراناً بدستور الاجتهاد لتوقف الفهم والاستنباط عليه، كيف والحقيقة أصل في بناء الأحكام؟!.

وابتناء قضايا اللغة على الفطرة مما لا غنى عنه في الإثبات الذهني لكل مداخلها، والقواعد الأصولية قواعد لغوية كما لا يخفى، ومدارها كلية على الفهم والإدراك، ومن شرط الفهم تشوف الذهن إليه، والعقل متقدم على وضع اللغة، والسمع إنما يرد بعد تقررها، ومن ثم كان للتبادر أثرا في توليد المعاني المتماهية مع إطلاقاتها، بما يمكن الجزم معه بضرورة البحث في ماورائيات الحقائق العلمية، ولواحقها المنهجية، وتمثلاتها الذهنية، التي يضفي عليها داعي الطبع والفِطَر السليمة أصالة ورسوخا، والعناية بالماورائيات في مناهج المعرفة طريق إلى إقرار تجذّرها، وتبين مسالك ارتشافها من معينها، وهكذا عُني في كل المعارف بالجمع والتقميش، والاختيار والترجيح، ولم يخل ذلك من رعي وسائط الدرك والفهم.

لذا استدعى الحال مدارسة تلك القضية في بعدها التوسلي إلى درك الحقائق لاسيما اللغوية منها، ولا ريب أن للوسائل رتبة أخفض من المقاصد لذا لم يرق التبادر إلى أعلى من أمارة تقارب غلبة الظن في إدراك الحقيقة، لكن غناءها بما تمليه من ثراء المعارف وتنوع مدارات الإطلاق، يزكي قطعيتها في الدرك، والفهم، والرجحان.

وإنما أصالته فيما يظهر من استقرار النفس على تعين ذلك اللفظ لذلك المعنى الذي تبادر الذهنُ إلى فهمه، ولذا عُدّ من علامات الحقيقة بلا واسطة وبالعراء عن كل قرينة، وهو يكشف الترابط المتين بين مفاهيم الوعي والإدراك وبناء التمثلات الذهنية وسائر ما يدور في فلكها من تصورات تتعاضد لتشكل مجتمعة المحضنة التي تبلور فيها المصطلح من جهة، وطاقات التسمية والدلالة والإحالة والتعبير والإظهار التي تنطوي عليها اللغة بما هي موضوعة أصلا لهذه الوظائف من جهة أخرى، وإنما ينتج ذلك عن التمثل المعقود بين الذهن والخارج، وجريان اللغة والخطاب بين العبارة والذهن.

ولما كان ارتباط علم أصول الفقه أو الفهم بقضايا اللغة العربية إذ عدت الأساس الذي بني عليه، والمنطلق الذي انبثقت منه معارفه، إذ علوم العربية آلة العلوم الشرعية كلها، كان من العسير الفصل بين قضايا الفنين المشتركة، لكن، مما يحسن إيراده أن أردف علماء الأصول إلى علوم العربية واللسان بعض ما عُدّ إضافة مهمة أمتح منه فيما بعد حتى اللغويون، بل اعتنوا ــ كما يصرح الجويني ــ بما أغفله أئمة العربية، كمثل الكلام على الأوامر والنواهي، والعموم والخصوص، وقضايا الاستثناء...، وهو ما عناه السبكي أيضا في ضبطهم المعاني الدقيقة بناء على استقراء خاص زائد على استقراء اللغوي، وأدلة خاصة لا تقتضيها صناعة النحو...([1])، والكلام فيه تفصيل. 

والتبادُر عند الأصوليين أمارة الحقيقة، بل كل ما لم يتبادر إلى الفهم عند الإطلاق فهو أبعد عنها، إذ لا يتبادر إلا المعنى الحقيقي الراجح، وقد عنيت في مدارسة "حقيقة التبادر عند الأصوليين" بكشف الحجاب عن مصطلح التبادر، ووسمه بما يناسب مقامه التعريفي والتوظيفي، وكذا الإلمام بموجهات اعتباره، ونتائج وآثار إعماله، علما وإيقانا بعدم اطلاعي القاصر على دراسة قبلية في الباب، إلا ما كان من توظيف المصطلح في دواوين الأصول، ونعته بما يقاربه في مدارك معرفية أخرى وإن تقارب أو تباعد المبنى والمعنى.


 

1.    حقيقة التبادر وضابطه الموضوعي

1.1.         تعريف التبادُر

1.1.1.   في اللغة:

التبادُر: التسارع، والتسابق، أصله من بدر إلى الشيء أسرع، وبابه: دخل، وبَادَرَ إليه أيضا، وتَبَادَرَ القوم: تسارعوا، تبادرَ إلي يتبادر، تبادُرًا، فهو مُتبادِر، والمفعول مُتبادَر، وتبادَر النَّاسُ الشَّيءَ: تسارعوا إليه. تبادر إلى الذِّهنِ ونحوِه: ورد فجأة، وخطر في البال لأوّل وهلة.

والقوم الشيء: ابتدَرُوه، وابْتَدَرُوا السلاح: تسارعوا إلى أخذه، وسمي البَدْرُ بدرا لمبادرته الشمس بالطلوع في ليلته كأنه يعجلها المغيب، وفسر "واستبقا الباب"([2]): أي تبادر كل واحد منهما إلى الباب([3]).

2.1.1. في الاصطلاح:

قال الزركشي: التَّبَادُرُ في الْأَغْلَبِ لَا يُوجَدُ إلَّا في الْحَقِيقَةِ([4]).

وقال ابن أمير الحاج: التبادر دليل الحقيقة([5])، وقال أيضا: والوضع للمتبادر، لأن التبادر أمارة الحقيقة([6]).

وقيل: علامةُ الحقيقة، قال السيوطي: وأما الاستدلال على الحقيقة فبالعلامات، فمن علامات الحقيقة تبادرُ الذّهن إلى فَهم المعنى، والعَراء عن القرينة([7]).

ويبعد هنا الفصل بين الدليل والأمارة بإفادة الأول اليقين وإفادة الثاني الظن الغالب، وفرق الأصوليون بين ما يستفاد منه حكم شرعي على سبيل القطع فسموه دليلا، وما كان على سبيل الظن فهو أمارة، ولكن المشهور عندهم تسمية ما كان على سبيل القطع والظن دليلا، لأمور:

-   أن هذا الاصطلاح ليس على إطلاقه، فالمشهور إطلاق لفظ الدليل حتى على ما هو ظني دون مرتبة القطع.

-   أنهما يجتمعان في الدلالة على المطلوب.

-   أن اصطلاح العرب في استعمالات الدليل لا يفرق بين التقسيمين، فكل ما يؤدي إلى العلم أو الظن فهو دليل([8]).

ويمكن الأيلولةُ بعد ما ذكر إلى تعريف "التبادر" بما يأتي: 

 (معيار ذهني يعتد به اللغوي والأصولي من أجل التحقق بالبيان في مدارك الإطلاق والفهم، ومسالك التعارض والإشكال والوهم)، ويستعمل في موقعين مضافين إلى الذهن أي: ما تبادر إلى الذهن، وما تبادر الذهن إليه، وكلاهما بمعنى واحد، ولا يخرج عن التسابق والتسارع إلى الفهم.

وتبادر المعنى إلى الفهم عند إطلاق اللفظ دليل كونه حقيقة فيه لغة أو عرفا، وما ينطبق على الألفاظ ينطبق على المعاني الواردة على الأذهان. ولا يبعد جواز دخول الألفاظ المجازية والمشتركة، وهو ـ أي المجاز ــ وإن كان من عوارض التبادر إلى الحقيقة، فبالعراء عن القرينة، وإلا إن قويت دل على المعنى المراد منها.

2.    التوظيف المصطلحي للتبادُر عند الأصوليين

وأقصد به تتبع مسار التوظيف المصطلحي، ومقاربة ما نحن فيه من تبين المعاني الواردة عليه، من خلال كشف علاقاته، وضمائمِه، ومشتقاته.

1.2.   العلاقات

1.1.2.   علاقات ائتلاف:

-       المتبادر إلى الفهم([9])، والسابق إلى الفهم: ويعبر عن التبادر بالسبق، إذ المدارُ في السبق إلى الذهن عند الإطلاق على التبصر، والفهم، والإدراك، ومنه تعريف أبي الوليد الباجي للظاهر، بأنه: المعنى الذي يسبق إلى فهم السامع من المعاني التي يحتملها اللفظ([10]).

-       المتبادر إلى البصائر([11])، وهو على وزان التبادر إلى الأبصار، إنما تختلف الرؤية والإدراك فقط.

-       الغالب على الظن([12]): بما يقرب اليقين من إرادة معناه عند الإطلاق.

-       المنقدح في الذهن: وهو وارد بكثرة عند الأصوليين، ويعبر ابن العربي أن انقداح المعاني يجعلها مناطات الأحكام ويشدّ عليها نطاق علمها([13]).

 

 

 

2.1.2.        علاقات اختلاف:

-       المدرك البعيد لمعاني الألفاظ، ومنْه المجاز، ومن علاماته: إطلاقُ اللفظ على ما يستحيل تَعَلُّقه به واستعمالُه في المعنى المنسي([14])، بخلاف المتبادر فله وجه تعلق ذهني بما يقتضيه معنى اللفظ.

-       المحتمل التأويل من المعاني (المؤَوّل)، وهو ما لا يبتدره الظن والفهم، ويخرج على ما يظهر في جهة الحقيقة، بخلاف المتبادر فهو أمارة الحقيقة.

-       المدرك الإحساسي، ويوسم به كل إدراك وليد العوامل الإحساسية، "وليس لديها أي ارتباط إنتاجي بالإدراكات والعلوم الحقيقية...، وفي مثل هذه الحالة لن تجري بعض تقسيمات المعاني الحقيقية على هذه المعاني الوهمية"([15]).

-       المدرك أو الحد التخميني، وهو قائم على استشعار أحد التخامين دون الأخرى، والتخمين ليس واحدا، وإنما هو تخامين يعلق الواحد منها قبل الآخر بالذهن تعويلا على الحدس([16])، وهذا أبعد من التبادر المحيل على معنى واحد لأول وهلة.

-       المتبادر إلى الوهم([17])، وهو استعمال بعض الأصوليين فيما يناكدُ التبادر إلى الفهم.

3.1.2.        علاقة تداخل:

-       تبادر الأبصار: قال ابن النجار: الظَّاهِرَ مِنْ الأَشْخَاصِ: هُوَ الْمُرْتَفِعُ الَّذِي تَبَادَرُ إلَيْهِ الأَبْصَارُ كَذَلِكَ فِي الْمَعَانِي([18])، وكَذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرُ مِنَ اللَّفْظِ، هُوَ الظَّاهِرُ الَّذِي تُبَادِرُ إِلَيْهِ الْبَصَائِرُ وَالْأَفْهَامُ([19]).

2.2.       الضمائم:

-   تبادر إلى الذهن، أي ما سبق إليه من الفهم.

-   تبادر الذهن إليه، وهو نفسه ومعناه ما سبق الفهم إليه، وكلا الاستعمالين وارد ومتآلف.

3.2.    المشتقات:

-    الابتدار: ويستعمل أيضا بهذا الاصطلاح، ومنه قول الجويني: الظاهر لفظ معقول يبتدرُ إلى فهم البصير بجهة الفهم منه معنى، وله عنده وجه في التأويل مسوغ لا يبتدره الظن والفهم، ويخرج على هذا ما يظهر في جهة الحقيقة ويؤول في جهة المجاز وما يجري على الضد منه([20]).

 

وقد عُني بما يُقارب المعنى في مدارك معرفية تمتحُ أيضا من اللغة من غير فن الأصول، والجامع في الإطلاق واحد، فما ابتدر إلى فهم كان ذا معنى من ظاهر الوسم، وما خفي احتيج فيه إلى تأويل، وقد استوقفني إطلاق بعض الباحثين في اللسانيات فيما يقرب ويبعد من المعنى: الإدراك الوهلي، ويقصد به الحدس الخِبري الجامع بين الحدس والخبرة([21])، وهو قريب في نظري من التبادر من حيث السبق إلى الذهن، لكنه يبعد عنه لانطوائه على التجربة والحدس، ومن ثم فنعته بالوهلي باعث على دركه المعاني دون قيد حس أوتجربة، لذا يناسبه الحدسي الذي هو في الإدراك أدنى من رتبة المتبادر الوهلي، وهو ما يدافع عنه الباحث بأن: المعنى لا تكون له قيمة وهلية انبثاقية، فليس هنالك وهلية في المعنى إنما هو يختمر ليصبح معنى، إذ هو مساري ومحتاج دوما إلى الاستكمال([22]).

فهذا لعمري إطلاق أريد به ما هو أدني من رتبة ما نحن فيه من معاني التبادر، لكنه متوافق في السبق وإن تباينت مراتبه، والإدراك وإن تمايزت مقاماته.

3.       مُوجّهات التبادر الذهني:

1.3.   معهود الخطاب العربي:

وهو الضابط في محاكاة مباديء العربية برعي قواعد اللسان ومعاقد البيان ومعهود الخطاب في الفهم والإفهام، وفيه يقرر الجويني أن: "ليس المعتبر فيما يقبل ويردّ أقيسة وتشبيهات وتلفيق عبارات، وإنما يسوّغ في التأويلات ما يسوّغه الفصحاء"([23]). فالمتبادر من اللفظ غير المتبادر من المعنى، والمتبادر من المعنى العرفي غير المعنى الشرعي ولا اللغوي، وهذا ما يستبطن تنوعا دلاليا فيما يختزنه الذهن من أمارات على صحة الإطلاق، تقتبس من المركوز في النفس والمتمثل في الذهن وتحاكي معهود الخطاب، قال الرازي: وإذا قيل أمر فلان بكذا تبادر الذهن إلى اللفظ دون ما في القلب، وذلك يدل على أن لفظ الأمر اسم للصيغة لا للمدلول([24])، ويرتقي بموازاته تبادر ما يفهم منه من معان، فاللفظ إنما وضع لتحصيل معنى، قد يكون هو المراد، ولا يزال يُطلب من المعاني أسماها، حتى يستقر الأمر عند المرادات والغايات، وهو مقصود الخطاب في نظر الشاطبي القائم عنده على اعتبار الألفاظ، والمعاني، والأساليب، وفي كل يجري التبادر، قال: مقصود الخطاب ليس هو التفقه في العبارة، بل التفقه في المعبر عنه، وما المراد به([25])، فدرك المعنى يصير مقدمة إلى ما يتبادر منه من مقاصد وأسرار، وسيأتي قيام التعليل على التبادر، وهو ما وكده ابن العربي بقوله: فإن انقدح للمجتهد معنى مخيل، أو ظهر له لامع من تعليل، فينبغي له أن يجعله مناط حكمه، ويشد عليه نطاق علمه، فإن أبهمت الطريق ولم يتضح له سبيل ولا اتفق ترك الحكم بحالة، وتحقق عدم نظرائه وأشكاله([26]).

وإذا كان المعتبر فيمن يرد عليه المعنى متبادَرا هو المجتهد الخبير باللغة وأسرارها ومقامات البيان، وعلوم اللسان، فإن ثمة أيضا معان جمهورية تشترك بين الجميع، لكنها في الغالب تمتح من الحقائق العرفية، وهو ما عناه الآمدي: الفهم عبارة عن جودة الذهن من جهة تهيئه لاقتناص كل ما يرد عليه من المطالب، وإن لم يكن المتصف به عالما، كالعامي الفطن([27])، فالإدراك ليس على مرتبة واحدة، وغير جار على التساوي في الكل، ومن ثم يعود الاعتبار في أصل الباب إلى العارف بالوضع كما ذكرت آنفا.

2.3.       صفاء الذهن والنفس:

وهذا بلا ريب من أنفس الوسائل إلى استنطاق الألفاظ وسبر الدلالات مع استمطار الرحمات والنفحات، وقد جمع بينهما الرازي إذ جعل شرح الصدر مقدمة لسطوع الأنوار الإلهية في القلب، والاستماع مقدمة الفهم الحاصل من سماع الكلام([28])، وقد توكد هذا المعنى في حديث ابن مسعود لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أينشرح الصدر؟، قال: نعم وينفسح، أو قيل: وما الشرح؟ قال نور يقذفه الله في القلب، قيل: وما علامته؟، قال: التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل الموت([29]).

وألمح ابن خلدون في تنبيه لطيف إلى ما يعرض للمجتهد في هذا الباب، بعد أن عرض لمساره البحثي في الدّلالات، فتأمله بإمعان، قال: "وليس كلّ أحد يتجاوز هذه المراتب بسرعة ولا يقطع هذه الحجب في التّعليم بسهولة، بل ربّما وقف الذّهن في حجب الألفاظ بالمناقشات، أو عثر في اشتراك الأدلّة بشغب الجدال والشّبهات وقعد عن تحصيل المطلوب. ولم يكد يتخلّص من تلك الغمرة إلّا قليل ممّن هداه الله. فإذا ابتليت بمثل ذلك وعرض لك ارتباك في فهمك أو تشغيب بالشّبهات في ذهنك فاطرح ذلك وانتبذ حجب الألفاظ وعوائق الشّبهات واترك الأمر الصّناعيّ جملة، وأخلص إلى فضاء الفكر الطّبيعيّ الّذي فطرت عليه. وسرّح نظرك فيه وفرّغ ذهنك فيه للغوص على مرامك منه واضعا لها حيث وضعها أكابر النّظّار قبلك، مستعرضا للفتح من الله كما فتح عليهم من ذهنهم من رحمته، وعلّمهم ما لم يكونوا يعلمون. فإذا فعلت ذلك أشرقت عليك أنوار الفتح من الله بالظّفر بمطلوبك، وحصل الإمام الوسط الّذي جعله الله من مقتضيات هذا الفكر ونظره عليه كما قلناه، وحينئذ فارجع به إلى قوالب الأدلّة وصورها فأفرغه فيها، ووفِّه حقّه من القانون الصّناعيّ ثمّ اكسه صور الألفاظ وأبرزه إلى عالم الخطاب والمشافهة، وثيق العرى، صحيح البنيان"([30]).

ولا يردُ الوارد على المعاني إلا من باب مشافهة الرسوم بالكتاب، ثم مشافهة اللسان بالخطاب، وليس ذاك بالمنهل العذب بل دونه خرط القتاد، ويكشف ابن خلدون أن أوله: دلالة الكتابة المرسومة على الألفاظ المقولة، وهي أخفها، ثم دلالة الألفاظ المقولة على المعاني المطلوبة، ثم القوانين في ترتيب المعاني للاستدلال، في قوالبها المعروفة في صناعة المنطق، ثم تلك المعاني مجردة في الفكر اشتراطا يقتنصُ بها المطلوب بالطبيعة الفكرية بالتعرض لرحمة الله ومواهبه([31]). ولسنا هنا في سياق بسط الكلام في هذا المدرك وإلا فليراجع في محله باختلاف مقاماته وأحواله، كيف وهو المترقي بعدُ إلى معادن العلم في الملكوت، وتعدد المعارف والإشارات والأسرار؟!([32]).

وهذا الذي عناهُ ابن خلدون هو من الأهمية بمكان، والإشكال فقط في ترتيبه بأن جعله آخر المطاف بعد انسداد الآفاق وعوز الفهم والإدراك، وإلا فهذا الباب هو المنطلق ابتداء، والمتحقّقُ انتهاء، وهو ما حققه ابن عجيبة الصوفي في مقامات التدبر، إذ قال: "تدبّر على حساب صفاء الجنان، فبقدر ما يتطهر القلب من حب الدنيا والهوى تتجلى فيه أسرار كلام المولى، وبقدر ما يتراكم في مرآة قلبه من صور الأكوان، يتحجب عن أسرار معاني القرآن، ولو كان من أكابر علماء اللسان. فلما كان القرآن هو دواء لمرض القلوب، أمر الله المنافقين بالتدبر في معانيه، لعل ذلك المرض ينقلع عن قلوبهم، لكن الأقفال التي على القلوب منعت القلوب من فهم كلام علاّم الغيوب، فحلاوة كلام الله لا يذوقها إلا أهل التجريد، الخائضون في تيار بحار التوحيد، الذين صفت قلوبهم من الأغيار، وتطهرت من الأكدار، يتمتعون أولا بحلاوة الكلام، ثم يتمتعون ثانيا بحلاوة وشهود المتكلم. والله تعالى أعلم."([33])  

3.3.   عامل الذوق

والقصد تكوّن ملكة ثابتة راسخة في النفس يدرك بها المتأمل جوهر المعاني عن طريق التأمل والتدبر، وإليها يشير الباقلاني في درك مقامات الإعجاز: "ومتى تقدم الإنسان في هذه الصنعة لم تخف عليه هذه الوجوه، ولم تشتبه عنده هذه الطرق، فهو يميز قدر كل متكلم بكلامه، وقدر كل كلام في نفسه، ويحكم فيه بما يستحق من الحكم، وإن كان المتكلم يجود في شيء دون شيء عرف ذلك منه، وإن كان يعمّ إحسانه عرف"([34]).

والذوق ميّال في الأصل إلى الحقائق، حائد عن الانصياع لما هو خارج عن نطاق المألوف، فما هو معدول به عن الذائقة السائدة يتوجّس منه المتذوق خيفة([35])، والذوق ملازم للفطرة يصدر عنها، وتقصير الفطرة حائل دون درك الحقائق، كما أن استواءها وكمالها باعث على كل تحقق، وهذا والذي قبله مُتماهٍ في انبعاث ما أسماه جلة العلماء بفقه النفس، وإنما قصدوا به شدة الفهم بالطبع لمقاصد الكلام([36])، بما يتناسب والسبق إلى درك أوليات المعاني، وتقييد الوهلي منها دون تردد.

وكما يصدر الذوق عن الفطرة، فإنه يتحصل أيضا بالارتياض بمدارك المحققين، وفي المعنى قول الزركشي: لَيْسَ يَكْفِي فِي حُصُولِ الْمَلَكَةِ عَلَى شَيْءٍ تَعَرُّفُهُ، بَلْ لَا بُدَّ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الِارْتِيَاضِ فِي مُبَاشَرَتِهِ([37]).

4.3.   عامل الفهم:

والمدارُ في التبادر الذهني على اقتناص المعاني، إذ تتولد من فهم سائد، أو كشف رائد، قال الخطابي: وأما المعاني التي تحملها الألفاظ فالأمر في معاناتها أشد، لأنها نتائج العقول، وولائد الأفهام، وبنات الأفكار([38])، وقال أيضا: وأما المعاني فلا خفاء على ذي عقل أنها هي التي تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها، والترقي إلى أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها([39]).   

وقد قيل: إن شرط الفهم تشوّف الذهن إليه([40])، والمسموع بوصفه كلاما يحتاج ابتداء إلى الإصغاء والاستماع حسب التعبير القرآني، لكنه ليس بأداة فاعلة في حقل الاستمداد المعرفي ما لم يصحبه الفهم والاستيعاب، فيتلازم بناء عليه الذوق والفهم في تثمير العملية التفسيرية وإبراز الحقائق التشريعية في مآلاتها المتعددة، وهو ما عناه ابن العربي، قال: لَيْسَ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ: "حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ"([41]) مجَرَّدَ الْإِصْغَاءِ، فَيَحْصُلَ الْعِلْمُ لَهُ بِظَاهِرِ الْقَوْلِ؛ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ فَهْمَ الْمَقْصُودِ مِنْ دَلَالَتِهِ عَلَى النُّبُوَّةِ، وَفَهْمِ الْمَقْصُودِ بِهِ مِنْ التَّكْلِيفِ، وَلَمْ يَكُنْ يَخْفَى عَلَى الْعَرَبِ وَجْهُ الْإِعْجَازِ فِيهِ، وَطَرِيقُ الدَّلَالَةُ عَلَى النُّبُوَّةِ، لِكَوْنِهِ خَارِجًا عَنْ أَسَالِيبِ فَصَاحَةِ الْعَرَبِ فِي النَّظْمِ وَالنَّثْرِ، وَالْخُطَبِ وَالْأَرَاجِيزِ، وَالسَّجْعِ وَالْأَمْثَالِ، وَأَنْوَاعِ فَصْلِ الْخِطَابِ؛ فَإِنْ خَلَقَ اللَّهُ لَهُ الْعِلْمَ بِذَلِكَ، وَالْقَبُولَ لَهُ صَارَ مِنْ جُمْلَة الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ صُدَّ بِالطَّبْعِ، وَمُنِعَ بِالْخَتْمِ، وَحَقَّ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ الْقَوْلُ رُدَّ إلَى مَأْمَنِهِ([42]).

ويراعى في الفهم الإصغاء الجيد، وإطالة النظر والتأمل، لتحصيل أعز ما يتوسل به إليه، وإنما السبق في التبادر منه بسرعة الانتقال من الدال إلى المدلول، وقد ربط في هذا السياق من الفلاسفة (هوسرل) الفهمَ بمطابقته للمقولات الدلالية الأساسية التي يتعين ألا يخرج عنها هذا الفهم([43])، ويراعى في الفهم أيضا تمام ودوام العرض على الإرادات والمقاصد، إذ المطلوب مجاراة الشريعة فيما وضعت له من قصد الإفهام، قال الشاطبي: إِنَّمَا يَصِحُّ فِي مَسْلَكِ الْأَفْهَامِ وَالْفَهْمِ مَا يَكُونُ عَامًّا لِجَمِيعِ الْعَرَبِ، فَلَا يُتَكَلَّفُ فِيهِ فَوْقَ مَا يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ بِحَسَبِ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي، فَإِنَّ النَّاسَ فِي الْفَهْمِ وَتَأَتِّي التَّكْلِيفِ فِيهِ لَيْسُوا عَلَى وِزَانٍ وَاحِدٍ وَلَا مُتَقَارِبٍ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَتَقَارَبُونَ فِي الْأُمُورِ الْجُمْهُورِيَّةِ وَمَا وَالَاهَا، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَتْ مَصَالِحُهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَمْ يَكُونُوا بِحَيْثُ يَتَعَمَّقُونَ فِي كَلَامِهِمْ وَلَا فِي أَعْمَالِهِمْ، إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا لَا يُخِلُّ بِمَقَاصِدِهِمْ، اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَقْصِدُوا أَمْرًا خَاصًّا لِأُنَاسٍ خَاصَّةٍ، فَذَاكَ كَالْكِنَايَاتِ الْغَامِضَةِ، وَالرُّمُوزِ الْبَعِيدَةِ، الَّتِي تَخْفَى عَنِ الْجُمْهُورِ، وَلَا تَخْفَى عَمَّنْ قُصِدَ بِهَا، وَإِلَّا كَانَ خَارِجًا عَنْ حُكْمِ مَعْهُودِهَا([44]).

وهذا المنعوت بالغرابة والغموض مما يبعدُ عن الحقيقة المقصودة بالفهم، بل فيه إقحام لما يُحيل فهمه على طول تأمل وإعمال نظر، وليس هذا من قضيتنا ومرادنا.

4.    التبادُر بين العَوارِض والمُسوّغات:

بالنظر إلى مدارات التبادر في المنهج الأصولي فإن ثمة ما يعين عليه من أمور خارجية إضافة إلى ما ألمحت إليه من الاعتبارات الذاتية، وهناك أيضا ما يحول دون السبق إلى الفهم لقيود يأتي عرضها:

1.4.        عوارض الفهم:

وقد عدّها الزركشي في ذِكْرِ تَعَارُضِ ما يُخِلُّ بِالْفَهْمِ وَهِيَ عَشَرَةٌ، منها؛ ما يَرْجِعُ لِعَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَهِيَ خَمْسَةٌ: الْمَجَازُ وَالِاشْتِرَاكُ وَالنَّقْلُ وَالْإِضْمَارُ وَالتَّخْصِيصُ، وَمِنْهَا؛ ما يَرْجِعُ لِغَيْرِ ذلك إمَّا لِلْحُكْمِ كَالنَّسْخِ، أو لِلتَّرْكِيبِ كَالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، أو لِلْوَاقِعِ كَالْمُعَارِضِ الْعَقْلِيِّ، أو لِلُّغَةِ كَتَغْيِيرِ الْإِعْرَابِ([45]).

فعند الاشتراك مثلا يتعذر الجمع لتبادر المعنى الحقيقي من اللفظ من غير أن يشاركه غيره في التبادر عند الإطلاق، وهذا بمجرده يمنع من إرادة غير الحقيقي بذلك اللفظ المفرد، مع الحقيقي، ولا يقال: إن اللفظ يكون عند قصد الجمع بينهما مجازًا لهما؛ لأن المفروض أن كل واحد منهما متعلق الحكم لا مجموعهما، ولا خلاف في جواز استعمال اللفظ في معنى مجازي، يندرج تحته المعنى الحقيقي، وهو الذي يسمونه عموم المجاز([46]).

وَرُبَّمَا يَتَبَادَرُ الْفَهْمُ إلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ من غَيْرِ أَنْ تَكُونَ مُخْتَصَّةً بِهِ وَيَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْنًى آخَرَ لم يَتَبَادَرْ الْفَهْمُ إلَيْهِ ولم يَحْضُرْ السَّامِعَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، فَلَا تَكُونُ الْمُبَادَرَةُ إلَى ذلك الْمَعْنَى الْأَوَّلِ دَلِيلًا على اخْتِصَاصِ الْحَقِيقَةِ بِهِ  قَالَهُ ابن دَقِيقِ الْعِيدِ، وهو حَسَنٌ وَبِهِ يَنْدَفِعُ إيرَادُ من أَوْرَدَ على طَرْدِ هذه الْعَلَامَةِ الْمَجَازَ الْمَنْقُولَ وَالْمَجَازَ الرَّاجِحَ، وَعَلَى عَكْسِهَا الْمُشْتَرَكُ فإنه حَقِيقَةٌ في مَدْلُولَاتِهِ مع عَدَمِ التَّبَادُرِ([47]).

وقد يردُ الاشتراك على المدلولية والتبادر في آن واحد، فإما حينئذ حملُه على الاشتراك لفظا أو معنى، وإما أنه حقيقة في أحد اللفظين مجاز في الآخر بعد استوائهما.

2.4.   العراء عن القرينة:

لما كان التبادُر أمارة الحقيقة، وكان الأصل في الكلام الحقيقة، والتي تؤخذ سماعا من أهل اللغة، بل المعتبر هو الحقيقة حتى يقوم دليل المجاز([48])، وقد عدّها الشافعي أصلا في بناء الأحكام، دون الألفاظ المجازية، اعتبر الأصوليون التبادر مُدرِكا قويا لها، وأداة فاعلة في الكشف عنها، ومن ثم يمتنع العدول عنها إلى المجاز إلا لأغراض معينة، منها الاتساع، والتوكيد، والتشبيه...، ومن علاماتها عند الأصوليين تبادر الذهن إلى فهم المعنى من غير قرينة، والعراء عن القرائن([49])، وقبول القياس عليها، بخلاف المجاز، إذ لا يمكن أن يقال: اسأل البساط، قياسا على قوله تعالى: "وَاسْأَلِ القَرْيَةَ"([50]).

ومُؤدّى هذا الضابط أن التبادر لا يكون إلا في الحقيقة، ولأن العلامة لا يشترط فيها الانعكاس فقد ناقش بعض أهل العلم بمقتضى ذلك المعتزلة في قولهم: بأن تبادر الشيء وإن كان علامة للحقيقة لا يمنع كون ما انتفى فيه التبادر حقيقة أيضا([51])، وهذا من المُناقشين إنما هو  للتمييز بين ما أدرك لأول وهلة وسبق الفهم إليه، وبين ما احتيج فيه إلى طول تأمل وافتقر إلى قرائن وإمارات.

3.4.   الاشتهار والغلبة:

والحقيقة أن عدم الاشتهار والغلبة استعمالا حائل دون تبادر المراد، وقد أجاب القرافي عن هذا بأن الوصف إذا كان غالبا لازما لتلك الحقيقة في الذهن بسبب الشهرة والغلبة فذكره إياه مع الحقيقة عند الحكم عليها لعله لحضوره في ذهنه لا لتخصيص الحكم به، وأما إذا لم يكن غالبا فالظاهر أنه لا يذكر مع الحقيقة إلا لتقييد الحكم به لعدم مقارنته للحقيقة في الذهن حينئذ، فاستحضاره معه واستجلابه لذكره عند الحكم إنما يكون لفائدة، والغرض عدم ظهور فائدة أخرى فيتعين التخصيص وهذا الجواب الصحيح([52]).

وتلك الغلبةُ مظنة الحقيقة عند الإطلاق، والمتبادر أمارة الحقيقة، فتنزل المظنة منزلة المئنّة، قال ابن عرفة: فَإِنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ انْحَصَرَتْ فِي النَّقْلِ وَالتَّخْصِيصِ، مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الْوَاقِعَ مِنْهَا إمَّا نَقْلٌ مَعَ مُنَاسَبَةٍ غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ حَتَّى تَبَادَرَ فِي الذِّهْنِ مَعْنَاهُ، أَوْ مَعَ نَقْلٍ لَا بِشَرْطِ مُنَاسَبَةٍ، أَوْ مَعَ وَضْعٍ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ([53]).

5.    نماذج وصور توظيف التبادر عند الأصوليين:

1.5.       التبادُر معيار استكشاف الدلالات:

جعلت بين يدي نماذج تطبيقية لإعمال الإدراك التبادري عند الأصوليين، مبحث الدلالات، لما له من أهمية في الدرس الأصولي، ولارتشافه ابتداء من معين اللغة، ومداراتها في الفهم والتحليل، فهو ــ بحسب تعبير الغزالي ــ عمدة علم الأصول([54])، وقد قدمت للدلالات بين الوضوح والخفاء، ثم بين الشمول وعدمه، ثم من حيث طرق كشفها للمعاني، وهي كالآتي:

1.1.5.    من حيث الوضوح والخفاء:

1.1.1.5.  دلالة النص:

النص ضربان: ضرب هو نص بلفظه ومنظومه، وضرب هو نص بمفهومه وفحواه، فكل ما تبادر إلى الأفهام معرفة معناه من النصوص المتضمنة شرائع الأحكام ودلائل التوحيد، وكل لفظ أفاد معنى واحدا جليا يعلم أنه مراد الله تعالى، فهذا القسم لا يلتبس تأويله، إذ كل أحد يدرك معنى التوحيد من قوله تعالى: "فاعلم أنه لا إله إلا الله"([55])، ويدرك كل واحد أن معنى "وأقيموا الصلاة"([56])، ومعنى "ولا تجسّسوا"([57]) طلب إيجاب المأمور به وترك المنهي عنه وإن لم يعلم أن صيغة الأمر للوجوب والنهي للتحريم، فيكون للتبادر أثرا في تجلية النص الدال بملفوظه على معنى واحد لا يحتمل غيره.

وأما تبادُر ما يفهم من دلالات يستبطنها النص بمعناه وفحواه فإدراكه حقيق في تسويغ إدراكات حافة بثُرُور معان في الفهم والاستنباط، ومثاله ما ورد في قوله تعالى: "فلا تقل لهما أف"([58])، وقوله: "ولا تظلمون فتيلا"([59])، وقوله: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره"([60])،  ففَهْمُ ما فوق التأفيف، وما وراء الفتيل، والذرة من المقدار الكثير، أسبق إلى الفهم من المنصوص الوارد، وهذا ما يستفاد من خلال دلالة المفهوم.

فالمتبادر إلى الفهم من اللفظ، والمفهوم أصالة من السياق هو اللفظ عند الأصوليين، وهو المقطوع بمعناه، فقوله تعالى: "وأحل الله البيع وحرم الربا"([61]) نص على نفي المماثلة، إذ لما قيل إنما البيع مثل الربا، جاء النص على نفي المماثلة بينهما.

2.1.1.5.   دلالة الظاهر:

والمراد به عند الأصوليين: المعنى السابق من اللفظ مع تجويز غيره؛ أي كل ما يتبادر إلى الذهن من معنى قائم به عند الإطلاق مع تجويز غيره فهو من الظاهر([62])، وقولهم: "مع تجويز غيره" أي أن الظاهر المتبادر قد يحتمل معنيين، لكنه أظهر في أحدهما، وهذا يخرج به النص الذي لا يحتمل إلا معنى واحدا. ثم لم يكن المراد منه ــ أي الظاهر ــ هو المقصود أصالة من السياق، لكنه فهم عند إطلاقه ودل على معنى له قابلية الفهم والإعمال ما لم يصرف عنه بالتأويل.

3.1.1.5.       دلالة المجمل:

اختلف الأصوليون فيما تطرق إليه الإجمال، كإضافة الأحكام إلى الأعيان، ودخول النفي على الحقائق الشرعية، والدائر بين إفادة المعنى اللغوي أوالشرعي وغيرها، ونجد التبادر كاشفا للإشكال في الباب برفع كل إجمال يعتري المراتب المختلف فيها، ومنها توقف المعنى على الإضمار، ويقرر المرداوي في توقف المعنى على الإضمار: أن لا إجمال فيه، وساق حديث: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان.. الحديث" وقال: لا إضمار لظهوره لغة قبل الشرع في نفي المؤاخذة والعقاب، وتبادره إلى الفهم، والأصل فيما تبادر أنه حقيقة لغة أوعرفا([63]).

2.1.5.    من حيث الشمولُ وعدمُه:

1.2.1.5.   دلالة العموم والخصوص:

ذهب الأصوليون إلى أن كل ما تبادر إليه الذهن من وصف العموم فهو عام([64])،  فيتناول العام الذي يراد به العموم ما يصدق عليه من أفراده قطعا، وهذا مذهب أرباب العموم، لأن العموم هو المتبادر إلى الذهن من صيغته، أما العام الذي يراد به الخصوص فدلالته دلالة الخاص، والعام المراد به الخصوص قصر لفظه وحكمه فكان كالخاص.

وما لم يتبادر منه فهو أحق بالخلاف، وقد يردُ على هذا الإشكال حول الجمع المنكّر، وهو خلاف الجمع المعرف بأل أو بالإضافة، فهل يعم جميع أفراده أم لا؟

فاختلف حوله الأصوليون وصرحوا أنه لا يعم، لأن العموم لا يتبادر منه، ولا يفيد الاستغراق، كقولنا: قام رجال، فلا ينطبق على جميع الأفراد، ولا يثبت القيام لكل فرد. وذهب ابن حزم وبعض الحنفية والجبائي من المعتزلة إلى أنه يفيد العموم، واستدلوا بقوله تعالى: "لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا"([65]) وآلهة جمع منكر يفيد العموم بدليل الاستثناء، ورُدّ عليهم ببطلان الاستدلال بالآية لأن "إلا" بمعنى غير، وليست للاستثناء، وإلا لنصب المستثنى بعدها، ولفظ الجلالة مرفوع بلا خلاف([66]).

وفي نفس سياق دلالات الشمول والعموم مايز الأصوليون بين العام والأعم من منطلق التبادر، فحكى الزركشي أن الأعم إنما يستعمل في المعنى والعام في اللفظ، فإذا قيل هذا أعم: تبادر الذهن للمعنى، وإذا قيل هذا عام: تبادر الذهن للفظ([67]).

وكذلك عنى الأصوليون في التخصيص بما يتبادر الذهن إليه، فأجروه على المتصل لسبق الفهم إلى الاستثناء على العموم به، ولم يجروه على المنقطع وهو مالا يكون فيه الثاني جزءا من الأول، بل يفتقر عند إطلاقه إلى تقدير دخوله في الأول، كقول عامر بن الحارث:

وبلدة ليس بها أنيس ... إلا اليعافير وإلا العيس([68])

3.1.5.    من حيث طرق الدلالات:

1.3.1.5.   دلالة المنطوق والمفهوم:

وهنا تمايز بين ما تبادر من الملفوظ والمفهوم معا، مع أن دلالة المنطوق مقدمة على المفهوم، والفرق بين المنطوق والمفهوم، أن المنطوق دل عليه اللفظ بما يفيده وضعه اللغوي، أما المفهوم فلم يوضع اللفظ في أصل اللغة لإفادة معناه، وإنما استفيد من تنبيه الذهن إلى ذلك المعنى، وفي كلا الطريقين من تبين دلالات النصوص مراتب، يحسن الوقوف فيما يمليه تبادرها إلى الأذهان من معان، ومنها:

-        مفهوم الموافقة:

ويكاد المفهوم الموافق للمنطوق أن يأخذ رتبة دلالة المنطوق لقوة مدركه، وتنبيه الذهن بسرعة إلى معناه، مما يثري العملية الاستنباطية بتعدد وجوه المعاني التي يشملها الحكم الآيل إلى درء المفاسد وجلب المصالح، فانظر إلى قوله تعالى: "إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا، وسيصلون سعيرا"([69])، فالنص القرآني يزخر بمعان موافقة للمعنى المنطوق المراد، ليس فقط تحريم أكل مال اليتيم، وإنما أيضا تضييعه، والعبث به، والسفه في ترشيد نفقاته، وكل ما من شأنه العود عليه بالإتلاف والإهلاك، ومن ثم لم يكن بدّ من اعتبار المعاني كلها عن طريق التبادر، وهو المعتبر في حجية مفهوم الموافقة عند الأصوليين، قال العطار: وأما مفهوم الموافقة فاتفقوا على حجيته وإن اختلفوا في طريق الدلالة عليه كما تقدم لتبادره إلى الأذهان، والحق أنه مفهوم كما تقدم، ولا يلزم من تبادر الشيء إلى الأذهان أن يكون منطوقا([70]).

-        مفهوم المخالفة

وإسناد المعنى إلى المسكوت عنه مما ينقدح في الذهن مقابلا لما فهم من الملفوظ، وهو على مراتب وأنواع، وقد استدل بعض الأصوليين على دلالة الحصر فيه بتبادر الفهم بلا دليل([71])، والمراد بمفهوم الحصر إثبات نقيض حكم المنطوق للمسكوت عنه بصيغة "إنما"، والخلاف في اعتبار مفهوم المخالفة قائم بين الأصوليين.

2.3.1.5. دلالة العبارة والإشارة:

ويقتضي التفريق بينهما الإيغال في مستويات الإدراك التبادري الذي يسند السياق فيما تقتضيه عبارة النصوص وتحتمله من معان واردة، بينما يبعد درك المعنى مما خفي من دلالات كان سرها في خفائها، وهو وجه التقابل بين الحقائق الإشارية في الظاهر والباطن.

قال السرخسي: فَأَما الثَّابِت بالعبارة فَهُوَ مَا كَانَ السِّيَاق لأَجله وَيعلم قبل التَّأَمُّل أَن ظَاهر النَّص متناول لَهُ، وَالثَّابِت بِالْإِشَارَةِ مَا لم يكن السِّيَاق لأَجله لكنه يعلم بِالتَّأَمُّلِ فِي معنى اللَّفْظ من غير زِيَادَة فِيهِ وَلَا نُقْصَان، وَبِه تتمّ البلاغة وَيظْهر الإعجاز([72]).

وهذا نفسُه ما أومأ إليه الشاطبي رحمه الله في حديثه عن الواردات على القلب من الاعتبارات القرآنية، فقال: "وأيضا فإن من ذكر عنه مثل ذلك من المعتبرين لم يصرح بأنه المعنى المقصود المخاطب به الخلق، بل أجراه مُجراه، وسكت عن كونه هو المراد"([73]). وعبّر عنه العزّ أيضا في قَواعده: "وَمَنْ أَطْلَعَهُ اللَّهُ عَلَى أَوْصَافٍ غَيْرِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ، فَنَشَأَتْ عَنْهَا أَحْوَالٌ تُنَاسِبُهَا غَيْرَ هَذِهِ الْأَحْوَالِ لَا يُمْكِنُهُمْ الْعِبَارَةُ عَنْهَا، إذْ لَمْ تُوضَعْ عِبَارَةٌ عَلَيْهَا وَلَا الْإِشَارَةُ إلَيْهَا، فَإِنَّ دَلَالَةَ الْإِشَارَةِ دُونَ دَلَالَةِ الْعِبَارَةِ"([74]).

وهو ما عناه ابن عجيبة في التفريق بين التفسير والتأويل، فجعل هذا القسم من باب التأويل، إذ قال: "العلم الباحث عن معاني القرآن الظاهرة إفرادا وتركيبا وما يتوقف عليه خاصا به أو كالخاص، وقيدناه بالمعاني الظاهرة احترازا عن فهوم أهل الإشارات فإنها ليست بالتفسير المتعارف بل هي خارجة عما تؤديه العبارة"([75]).

وعلاقة الإشارة هنا بمرادها في الأدب الأصولي علاقة ما قرب من المعنى وليس منه لعدم الانضباط، فاقتبس الأصوليون من المنطوق دلالة الاقتضاء والإيماء والإشارة، ومثل الأصوليون للأخيرة بقوله تعالى: "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم"([76])، وقالوا دلت الآية بطريق المنطوق على إحلال الجماع طول ليلة الصيام، ويؤخذ منها بطريق الإشارة صحة صوم من أصبح جنبا...، وقد قاس بعض العلماء في إرادة المعاني الثاوية في الدلالات هذا على ذاك، قال بعض الأصوليين: "فكما استخرج علماء الأصول والفقه من ألفاظ القرآن والسنة بطريق الإشارة أحكاما تشريعية، كذلك استخرج الصوفية بطريقها علوما ربانية"([77]).

وهذا مما يبعد تبادره كما أسلفت بيانه في علاقات المصطلح، لأنه صعب المدرك بعيد النوال من ظاهر العبارة واللائح من المقال.

2.5.          التبادر والاستدلال:

     والاستدلال إذا أطلق أريد به ذكرُ الدليل وطلب الدلالة وطلب الدليل، والمقصود هنا المعنى الأول، أي ما أنتجه التبادر من إطلاقات على معانيه، فصح تعريف الأدلة بما أقره سبقها إلى الأفهام من إدراك لعمق مدلولها عند الأصوليين، ومنها:

1.2.5.   القياس الجلي والخفي

ويطلق الحنفية كما عند الآمدي وغيره على الجلي: '' ما تبادر إلى ذهن المجتهد ''، وأما الخفي: ''وهو ما خفي مما تبادر''، والمراد منه الاستحسان، ويقال الاستحسان لما هو أعم من القياس الخفي أي كل دليل في مقابلة القياس الظاهر([78]).

2.2.5.    الاستحسان:

عرفه الحنفية بأنه: دليل ينقدح في نفس المجتهد تقصر عبارته عنه، ورد بأنه أي الدليل المذكور إن تحقق عند المجتهد فمعتبر ولا يضر قصور عبارته عنه قطعا، وإن لم يتحقق عنده فمردود قطعا([79]).

والتبادُر هنا إن أجريناه على حقيقته فاعتباره آكد، لما ينقدح في ذهن المجتهد من الاستثناء على دليل المنع، بالعدول عن حكم في المسألة يخالف نظائرها، أي دون إلحاقها بمقيس تقاس عليه كالقياس الجلي، ومن ثم وإن كان الخفاءُ وسماً يقارنُ النظر الاستحساني إلا أن انقداحه وتبادره وارد معنى.

3.2.5.    العرف:

وينقسم العرف إلى قولي وعملي، وفي حدّ القولي: أن يتعارف قوم إطلاق لفظ لمعنى بحيث لا يتبادر عند سماعه إلا ذاك المعنى([80])، وهذا كما سيأتي يأخذ منحى معينا فيما يتبادر من الحقائق تترجح بها الإطلاقات العرفية على غيرها عند الأصوليين، وسيأتي في باب الترجيح بالتبادُر ما هو من هذا القبيل.

3.5.   التبادُر والبيان والإفهام

اقتضى المتعارف عليه أنْ ثمّة إرادة يقوم عليها أساس التخاطب، وبها ينتقل الكلام من معنى إلى غيره بالنية والعزم والقصد، يقول ابن القيم: فاللفظ الخاص قد ينتقل إلى معنى العموم بالإرادة، والعام قد ينتقل إلى الخصوص بالإرادة([81])، وقال القرافي: والنية تكفي في تقييد المطلقات، وتخصيص العمومات، وتعيين أحد أفراد مسميات الألفاظ المشتركة، وصرف اللفظ عن الحقائق إلى المجازات([82]).

وإنما يقوم التبادر في وظائف البيان مقام المعين لإرادة المتكلم وقصده، ورصد مراتب التطور الدلالي والسبق الإرادي، من خلال انتقال الذهن إلى تعيين المراد، ولداعي الفطرة أثر في توجيه لسان التخاطب بين المتكلم والسامع، ولا يسعنا هنا بيان البديهي من التلازم بين المركوز في النفس وما يُجلّيه السبق إلى الفهم والتبصر، كيف وأصول الخطاب العربي تسندُه؟!، وإنما الإشكال في التأسيس له منهجيا، وهذا مما تفتقر إليه المباحثات اللغوية والأصولية، وأسوق توكيد ابن القصار من المالكية لمدى فطرية أصل الخطاب في احتمال العموم والخصوص، وهو ما أومأ إليه بقوله: "ووجه ذلك أن فطرة اللسان في العام الذي وصفته: احتمالُ الخصوص، إذ لو لم يكن محتملا لذلك، لكانت عينه توجب أن يجري حكمه على جميع ما اشتمل عليه، ولو كانت عينه توجب ذلك، لم يجز أن يوجد في الخطاب لفظ عام أريد به الخصوص، ولا جاز أن يقوم دليل على خصوص لفظ عام، وفي وجودنا الأمر بخلاف ذلك، دليل على أن عين اللفظ لا توجب العموم، وإذا كان ذلك كذلك علم احتماله، ومتى علم أنه محتمل، لم يجز الإقدام على الحكم به دون البحث والنظر في المراد به، والمعنى الذي يخرج عليه، لأن الله عز وجل أمرنا باتباع كتابه، وسنة رسوله عليه السلام، والصواب والاعتبار بهما، والردّ إليهما، وذلك كالآية الواحدة، ولا يجوز ترك شيء من ذلك مع القدر عليه، وإذا لم يجز ذلك، وجب أن ينظر، ولا يهجم بالتنفيذ قبل التأمل، كما لا يبادر في الكلام المتصل إلى أن ينتهي إلى آخره، فينظر هل يتبعه استثناء أم لا، فكذلك الكتاب، والسنة، والأصول كلها، كالآية الواحدة"([83]).

ومثل ما سبق في البيان حاصل فيما تمليه دلالة السياق وما يبتدره الذهن منها، وهذا ما لا يُدرك دون اجتهاد ومران، فحسن التناسب يختلف باختلاف الغرض المسوق له الكلام، قال الخطابي: وأما رسوم النظم فالحاجة إلى الثقافة والحذق فيها أكثر لأنها لجام الألفاظ، وزمام المعاني وبه تنتظم أجزاء الكلام، ويلتئم بعضه ببعض فتقوم له صورة في النفس يتشكل بها البيان([84]).

4.5.   التبادر والتعليل

وهذا أيضا مدرك في دلالة العلل النصية أو عن طريق التنبيه والإيماء أو حتى ما دونها وهو مما تؤيده اللغة وتشهد له، ونفسه باعث على فطرية المقاصد كما ألمح إليه أرباب الشأن، قال أبو الخطاب: هذا كله صريح في التعليل خصوصا فيما لحقته الفاء، نحو: "فإنه يبعث ملبيا"، وقال غيره: هو من باب التنبيه والإيماء والخلاف لفظي، لأن أبا الخطاب يقول: إن التعليل به صريح لأنه تبادر منه إلى الذهن بغير توقف في عرف اللغة، وغيره يعني: بكونه ليس بصريح أن حرف "إنّ" ليست موضوعة للتعليل في اللغة، قال الطوفي: وَهَذَا أَقْرَبُ إِلَى التَّحْقِيقِ، وَإِنَّمَا فُهِمَ التَّعْلِيلُ مِنْهُ فَهْمًا ظَاهِرًا مُتَبَادَرًا بِقَرِينَةِ سِيَاقِ الْكَلَامِ وَصِيَانَةً لَهُ عَنِ الْإِلْغَاءِ ([85]).

ومثله بادٍ في درك مسالك التعليل، ومنه مسلك المناسبة الآيل إلى اعتبار المصالح، فلم يجر الأصوليون على اعتباره إلا من حيث أنه كلما عرض على العقول تُبادر إلى تلقّيه بالقبول، ولذا لم يبعد ابن العربي عن هذا المعنى بقوله: فإن انقدح للمجتهد معنى مخيل، أو ظهر له لامع من تعليل، فينبغي له أن يجعله مناط حكمه، ويشد عليه نطاق علمه، فإن أبهمت الطريق ولم يتضح له سبيل ولا اتفق ترك الحكم بحالة، وتحقق عدم نظرائه وأشكاله([86])..

6.        آثار التبادر ونتائجه:

1.6.       التصور الصحيح الواضح:

وهو منتهى الحقائق الصادرة عن عالم الذهن، فمن مبادئ النظر والاجتهاد التي لا خلاف فيها عند ذوي العقول السليمة والفطر المستقيمة، أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والتصور الصحيح ينتج الحكم الصحيح، كما أن التصور الخطأ ينتج الحكم الخطأ، والتحقق في تحصيل المعاني ناتج عن كمال تصورها، والتبادر محيل عليه.

ويظهر التواشج من خلال الربط بين المسبب والسبب أي بين التبادر والتصور الحقيقي، إذ لما كان التصور الحقيقي نابعا من عالم الذهن، وكان النشاط الذهني متمثلا للعالم الخارجي ومقتبسا منه، كان لذلك الاقتباس أثرا في إنتاج مفاهيم ذهنية قائمة على حقائق، أي على تصورات حقيقية.

ومن هذا المنطلق، كان لزاماً على الفقيه المجتهد الناظر في المتغيِّرات المؤثرة في الأحكام، فهمُ الحادثة - المرادِ بحث حكمها - برمتها فهماً دقيقاً، وتصورها تصوراً صحيحاً، قبل البدء في بحث مدى تغير حكمها، فيجب تفهم المسألة من جميع جوانبها، والتعرف على أبعادها، وظروفها، وأحوالها، وأصولها، وفروعها، ومصطلحاتها، وكل ما له تأثير في الحكم فيها، ف ( المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، مشروعاً لمصلحة فيه تُستجلَب، أو لمفسدة تُدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه... فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق محمود الغب، جار على مقاصد الشريعة )([87]).

وكم يؤتى الباحث أو العالم من قِبَل جهله بحقيقة الأمر الذي يبحثه ويتحدث عنه، ولذلك نبه الفاروق عمر رضي الله عنه في رسالته الطويلة في القضاء، التي أرسلها إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، بقوله: (... ثم الفهم الفهم، فيما أدلى إليك مما ورد عليك، مما ليس في قرآن ولا سنة ...)([88]).

2.6.     رفع الإشكال عند التعارض

وللأصوليين اعتداد بما يتبادر إلى الذهن من معنى، وهو معتبر بمقتضى النظر وشاهد العرف وغير ذلك، قال القرافي: ومتى حصل التبادُر كان الحق أن اللفظ موضوع لما يتبادر إليه الذهن لأنه الراجح، والمصير إلى الراجح واجب وإن كان على خلاف الأصل، ألا ترى أن المجاز على خلاف الأصل، وإذا رجح بالدليل وجب المصير إليه. وكذلك التخصيص والإضمار وسائر الأمور التي هي على خلاف الأصل، متى رجحت وجب المصير إليها إجماعا([89]).

وذكر ابن جزي من وجوه الترجيح: أن يكون ذلك المعنى المتبادر إلى الذهن، فإن ذلك دليل على ظهوره ورجحانه([90])، ومن ثم حكم الأصوليون بوجوب العمل بالظاهر المتبادر إلى الذهن، وترجيحه على غيره عند التعارض، ما لم يصرف إلى غيره من المعاني.

3.6.   التوفيق بين الحقائق

إن التوصل إلى الحقيقة في دلالة الألفاظ على المعاني عن طريق التبادر محيل على التمييز بينها من حيث المدلول الذي صيغت في قالبه، وهو حسب نظر الأصوليين لا يخرج عن الحقائق الثلاث: اللغوية والشرعية والعرفية، ومن ثم يؤول الحال بعد توكيد أي منها المقصودة في المعنى المراد، إلى توفيق بين مراتبها، مع إثبات مزية لبعضها على الأخرى وضعا واستعمالا، ويظهر ذلك فيما يأتي.

-       بين الحقيقة اللغوية والعرفية:

وحقيقة ذلك استواء المتبادر إلى الفهم عند الفريقين، وجعله السبكي من محاسنه، قال: ومثاله أن يتبادر إلى الفهم حيث كان كما أن من سمع ما رواه البخاري ومسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: "مطلُ الغنى ظلم": فهم أن مطل من ليس بغنى ليس ظلما، وقد فهم ذلك من الحديث أبو عبيدة وهو من أئمة اللغة، وكذلك الشافعي وهو إمام اللغة وابن بجدتها، والتمسك بقول الشافعي وأبي عبيدة أولى من التمسك بقول أعرابي جلف، وكذلك أهل العرف يتبادر إلى فهمهم من قول القائل الميت اليهودي لا يبصر أن الميت الذي ليس هو بيهودي يبصر بدليل أنهم يسخرون من هذا الكلام ويضحكون منه، وإنما ذكر المصنف هذين المثالين ليبين أن المتبادر إلى الفهم في الأول عند أهل اللغة وفي الثاني عند أهل العرف فيجتمع التبادر من الجهتين وهذا من محاسنه([91]).

-        بين الحقيقة اللغوية والشرعية:

وقد يقتضي التبادر إلى فهم معنى مخالفته لما يرتضيه وضعه اللغوي، وبما يُصبح معه المعنى اللغوي لغوا، ويشمل على سبيل المثال اللفظ المنقول من اللغة إلى معنى شرعي خاص كالصلاة مثلا، وهو من قبيل الظاهر، ورجحان المعنى الشرعي الاصطلاحي للصلاة أمارته تبادر هذا المعنى إلى العقل بمجرد إطلاق هذا اللفظ أو سماعه، والتبادر أمارة الحقيقة، والحقيقة لا شك راجحة. وعلى هذا فالمعنى الشرعي الاصطلاحي للصلاة هو الظاهر الراجح لتبادره إلى الفهم ووضوحه، لأنها وضعت وضعا جديدا لهذا المعنى من قبل المشرع، فأصبح معناها اللغوي  مجرد احتمال عقلي مجازي مرجوح، لا حجة فيه ما لم يتأيد بدليل، وهذا الأصل هو الذي تفسر على أساسه جميع الاصطلاحات في كل علم، لأن المعنى اللغوي أصبح لغوا([92]).

-       بين الحقيقة الشرعية والعرفية:

وحقيقة العرف القولي هو أن يتعارف قوم على إطلاق لفظ لمعنى بحيث لا يتبادر عند سماعه إلا ذاك المعنى، ولما كان إطلاق اللحم على السمك غير متعارف عليه، قالوا بعدم حنث من حلف ألا يأكل لحما فأكل سمكا، وقد سمي في القرآن لحما، قال تعالى: "لتأكلوا منه لحما طريا"([93]).

ونقل الفخر الرازي أن حجة أبي حنيفة رحمه الله بناء الأيمان على العادة، وعادة الناس إذا ذكر اللحم على الإطلاق أن لا يفهم منه لحم السمك بدليل أنه إذا قال الرجل لغلامه اشتر بهذه الدراهم لحماً فجاء بالسمك كان حقيقاً بالإنكار([94])، فكان المتبادر عند الإطلاق اعتبار اللحم غير شامل للسمك. قال الآمدي: والأصل تنزيل التصرفات الشرعية على وفق التصرفات العرفية([95]).

فهذه الآثار التي أبرزت دور التبادر في مناهج الأصوليين وإن كانت تفتقر إلى تفصيل، فإنها عَنت بالكشف عن خصائصه الوظيفية، ويلحق بها غيرها، في سياق الدلالة على الحقيقة، التي عُدّت عمدة في بناء الأحكام، وهو موضوع القواعد الأصولية التي تعنى بما يتوصل به إلى استنباط الأحكام من أدلتها التفصيلية.

خاتمة:

تكشف الدراسة فصولا من الأسس المنهجية التي تتداخل فيها مستندات الدرس اللغوي والأصولي لتكاملهما في صياغة منهجية اجتهادية استنباطية كانت بإجماع المفكرين والفلاسفة النظّار من أدق ما أنتجه العقل المسلم، وبناء منهج علمي نقدي متكامل أصيل ازدانت به نظرية المعرفة وراكمت به تنوعا وثرورا دلاليا مايزها عن غيرها.

ولما كانت القواعد الأصولية كما أسلفتُ قواعدَ لغوية، كشف التبادر عند الأصوليين بوصفه دليلا إلى الحقيقة، وعلامة عليها، ومعيارا ذهنيا يساعد على التوصل إلى الأحكام المقارنة للحقائق، عن عمق قضيته التي تمتح من اللغة في نسقية الألفاظ والمعاني، كما ترتبطُ ارتباطا وثيقا بالسمات النفسية والعقلية والاجتماعية التي تساعد على بناء التصور الصحيح والواضح لماصدقات القضايا المزمع البحث عن إطلاقاتها وحقائقها، ومن ثم يمكن استخلاص بعض المياسم الملحة التي تسم التبادر في سياق البحث في ماورائيات المناهج اللغوية الأصولية، وهي كالآتي:

-  نصوص الشريعة عربية، ولا يفهما حق الفهم، إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم، فالمبتديء في العربية مبتديء في فهم الشريعة، ومن ثم كان التبادُر من وسائط الفهم ومدارك الكشف عن الحقيقة. 

-  يؤسس التبادر لخاصية الثبات في اللغة بحيث لا يناسب بعض الإطلاقات إلا المعنى الواحد، بل يحصر في الدلالة اللغوية لبعض الألفاظ ولا يتجاوزها إلى غيرها.

-  لا يكون التبادر إلا في الحقيقة، ولا تكشف عن طريقه إلا لمن له علم بالوضع، ودراية بقواعده، ومن ثم يعسُر عند غيره درك معانيها، وهو سياج حاطه الأصوليون بضوابط يتعذّر اجتماعهما إلا عند العالم، واللغوي، والرباني، والراسخ، والمجتهد، والفقيه...، أما الاستثناء فوارد في الإدراك التبادري على الاشتراك في المعرفة المركوزة في النفوس عند الجميع، وعلى درك المعاني الجمهورية التي يشترك فيها أيضا الجميع.

-  بين المشعر بالمعنى عند اللغويين واللاشعور في التبادر تقاطع، وقد يكون للأخير نوع ارتباط بالأول، لاسيما إذا كان مرتكَزا لكشفه واستيعابه، وهو مما يفتقر إليه التباحث في الدرس اللغوي.

-  مجالي دلالات الإدراك التبادري تطبيقا في المدارسة قد تكون مقدمة لاستكمال تصوره في المنهج الأصولي بوصفها أمهات القضايا، ودونها ما لم أشر إليه من نماذج وصور أخرى تفتقر إلى بحث واستدراك.

-  استحضار السمات النفسية والعقلية والاجتماعية بإزاء فقه النفس من أهم المدارك للإدراك التبادري الوهلي كما عنت بها الدراسة، والآيل إلى التوفيق بين الحقائق، والترجيح عند التعارض، وبناء التصور الصحيح الواضح.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المصادر والمراجع

الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي، علي بن عبد الكافي السبكي، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1404هـ.

الإحكام في أصول الأحكام، علي بن محمد الآمدي، تحقيق، د سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، ط1، بيروت، 1404هـ.

أحكام القرآن، ابن العربي، دار الكتب العلمية، بيروت.

إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول، محمد بن علي الشوكاني، دار الكتاب العربي، ط1، 1419ه، 1999م.

أصول السرخسي، أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1414هـ، 1993م.

إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن أبي بكر ابن القيم، تحقيق، طه عبد الرؤوف سعد، دار الجيل، بيروت، 1973م.

البحر المحيط في أصول الفقه، بدر الدين الزركشي، تحقيق، محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية، بيروت، 1421هـ، 2000م.

البحر المديد في تفسير القرآن المجيد، أحمد بن عجيبة، دار الكتب العلمية، بيروت، د.ت

بدع التفاسير، عبد الله بن الصديق الغماري، دار الرشاد الحديثة، ط2، الدار البيضاء، 1986م.

التحبير شرح التحرير، علاء الدين المرداوي، مكتبة الرشد، الرياض، 1421هـ، 2000م.

التسهيل لعلوم التنزيل، محمد بن أحمد بن جزي الكلبي، دار الكتب العلمية، ط2، بيروت، 1428هـ، 2007م

تفسير الفاتحة الكبير، أحمد بن عجيبة، مخطوط خاص.

التقرير والتحبير على التحرير في أصول الفقه، محمد بن محمد ابن أمير الحاج. دار الفكر، 1417هـ، 1996م.

تيسير التحرير شرح كتاب التحرير في أصول الفقه، محمد أمين بادشاه، دار الفكر، د.ت

ثلاث رسائل في إعجاز القرآن للرماني والخطابي والجرجاني في الدراسات القرآنية والنقد الأدبي، تحقيق، محمد خلف الله، محمد زغلول سلام، ط3، دار المعارف، مصر.

حجة الله البالغة، ولي الله الدهلوي، تحقيق، سيد سابق، دار الكتب الحديثة، القاهرة.

الحقائق والاعتباريات في علم الأصول، محمد صادق الموسوي، تعريب، عبد الرحمن العلوي، دار الهادي، ط1، بيروت، 2005م.

ديوان جران العود النميري رواية أبي سعيد السكري، جران العود النميري، دار الكتب المصرية، 2000م.

شرح مختصر الروضة، نجم الدين الطوفي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط1، 1987م.

شعب الإيمان، أبو بكر البيهقي، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1410هـ.

غاية الوصول شرح لب الأصول، أبو يحيى زكرياء الأنصاري الشافعي، مكتبة الرشاد، الدار البيضاء، د.ت.

فتاوى السبكي، تقي الدين السبكي، دار المعرفة، بيروت.

في المناهج التأويلية، محمد بن عياد، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة صفاقس، ط1، تونس، 2012م.

في المواجهة التأويلية، محمد بن عياد، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة صفاقس، ط1، تونس، 2021م.

قواعد الأحكام في مصالح الأنام، عز الدين بن عبد السلام، دار المعارف، بيروت.

الكيان والمكان، محمد بن عياد، مكتبة علاء الدين، ط1، تونس، 2018م.

لسان العرب، جمال الدين ابن منظور، دار صادر، بيروت.

المحصول في علم أصول الفقه، محمد بن عمر بن الحسين الرازي، تحقيق، طه جابر العلواني، منشورات جامعة محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ط1، 1400هـ.

المختصر في أصول الفقه، علي بن محمد ابن اللحام، منشورات جامعة الملك عبد العزيز، مكة المكرمة.

المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، ابن بدران عبد القادر بن أحمد، تحقيق، محمد أمين ضناوي، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1996م.

مداخل مهمة إلى أشرف علوم الأمة (علم أصول الفقه)، عبد الله عبد المومن. منشورات مكتبة سلمى، ط1، تطوان، 2022م.

المزهر في علوم اللغة وأنواعها، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق، فؤاد علي منصور، دار الكتب العلمية، ط 1، بيروت، 1998م.

المستصفى من علم الأصول، أبو حامد الغزلي، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي. دار الكتب العلمية: 1413هـ

معجم اللغة العربية المعاصرة، أحمد مختار عمر، وآخرون، عالم الكتب، ط1، القاهرة، 2008م.

المعجم الوسيطـ، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، مكتبة الشروق الدولية، ط4، القاهرة، 2004م.

مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي، دار الكتب العلمية، ط1، بيروت، 1421هـ، 2000م.

المقدمة، عبد الرحمن ابن خلدون، تحقيق، خليل شحادة، دار الفكر، ط2، بيروت، 1988م.

مقدمة من الأصول في الفقه على مذهب مالك وما يليق بمذهبه، القاضي أبو الحسن ابن القصار، تحقيق، د أحمد البوشيخي، دار اللطائف، ط1، 2012م.

المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي في التشريع الإسلامي، محمد فتحي الدريني، مؤسسة الرسالة، ط 3، بيروت، 1997م.

الموافقات في أصول الشريعة، أبو إسحاق الشاطبي، تحقيق، مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، 1997م

les limites de  l'interprétation, Eco (Umberto), Edition Bernard Grasset, Paris,1992.

 

 

 



([1]) البرهان: 1/169. الإبهاج في شرح المنهاج: 1/ 7، 8.

([2]) سورة يوسف: 25/12.

([3]) لسان العرب (ب د ر): 10/207، ومختار الصحاح (ب د ر): 1/73، والمعجم الوسيط (ب د ر): 1/43، ومعجم اللغة العربية المعاصرة (ب د ر): 1/170.

([4]) البحر المحيط: 1/585.

([5]) التقرير والتحبير: 1/247.

([6]) التقرير والتحبير: 1/361.

([7]) المزهر في علوم اللغة: 1/288.

([8]) مداخل مهمة إلى أشرف علوم الأمة (علم أصول الفقه): 87.

([9]) تيسير التحرير: 1/149.

([10]) الحدود في الأصول: 106.

([11]) المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: 1/90.

([12]) الإبهاج شرح المنهاج: 1/253.

([13]) المحصول: 132، وانظر المنخول: 489.

([14]) المزهر في علوم اللغة: 1/288.

([15]) الحقائق والاعتباريات في علم الأصول: 112.

 ([16]) les limites de  l'interprétation, Eco (Umberto): 41.

([17])  تيسير التحرير: 1/8.

([18]) شرح الكوكب المنير: 3/459.

([19]) شرح مختصر الروضة: 1/558.

([20]) البرهان في أصول الفقه: 1/280.

([21]) في المواجهة التأويلية: 18، 23.

([22])  في المناهج التأويلية: 63.

([23]) البرهان: 1/ 198.

([24]) المحصول: 2/36.

([25]) الموافقات: 4/262.

([26]) المحصول: 132.

([27]) الإحكام في أصول الأحكام: 1/22.

([28]) مفاتيح الغيب: 22/35.

([29]) شعب الإيمان: 7/352.

([30]) المقدمة: 737، 738.

([31]) المقدمة: 737.

([32]) حجة الله البالغة: 618.

([33]) البحر المديد في تفسير القرآن المجيد: 2/75-76.

([34]) إعجاز القرآن للباقلاني: 151.

([35]) في المناهج التأويلية: 123.

([36]) الفروق: 2/186.

([37]) البحر المحيط: 8/ 266.

([38])  بيان إعجاز القرآن: 36.

([39]) نفس المصدر: 27.

([40]) فتاوى السبكي: 1/233.

([41]) سورة التوبة: 6/9.

([42]) أحكام القرآن: 2/ 459.

([43]) الكيان والمكان: 99.

([44]) الموافقات: 2/ 136.

([45]) البحر المحيط: 1/590.

([46]) إرشاد الفحول: 1/80.

([47]) البحر المحيط: 1/585.

([48]) أصول السرخسي: 1/101.

([49]) المحصول: 1/493، والإبهاج في شرح المنهاج: 1/320، والبحر المحيط: 1/584.

([50]) سورة يوسف:82/12.

([51]) انظر، غاية الوصول في شرح لب الأصول: 93، 94.

([52]) الإبهاج في شرح المنهاج: 1/374، وانظر: التقرير والتحبير: 2/50.

([53]) شرح حدود ابن عرفة: 1/9.

([54]) المستصفى: 180.

([55]) سورة محمد: 19/47.

([56]) سورة البقرة: 43/2.

([57]) سورة الحجرات: 12/49.

([58]) سورة الإسراء: 23/ 82.

([59]) سورة النساء: 77/4.

([60]) سورة الزلزلة: 7/99.

([61]) سورة البقرة: 275/ 2.

([62]) المختصر في أصول الفقه: 131.

([63]) التحبير شرح التحرير: 5/2428.

([64]) التقرير والتحبير: 1/240.

([65]) سورة الأنبياء: 22/ 21.

([66]) مداخل مهمة إلى أشرف علوم الأمة: 110.

([67]) البحر المحيط: 2/181. وانظر: إرشاد الفحول: 1/291.

([68]) ديوان جران العود النميري: 52.

([69]) سورة النساء: 10/4.

([70]) حاشية العطار على جمع الجوامع: 1/337.

([71]) التحبير شرح التحرير: 6/2956. وانظر: شرح الكوكب المنير: 3/517.

([72]) أصول السرخسي: 1/ 236.

([73]) الموافقات: 3/ 303.

([74]) قواعد الأحكام في مصالح الأنام: 2/ 214.

([75]) تفسير الفاتحة الكبير: 7.

([76])  سورة البقرة: 136/2.

([77]) بدع التفاسير: 51.

([78]) الإحكام: 4/3. وانظر، التقرير والتحبير: 3/295.

([79]) حاشية العطار: 2/395.

([80]) التقرير والتحبير: 1/ 350.

([81]) إعلام الموقعين: 3/ 8.

([82]) الفروق: 3/ 64.

([83]) مقدمة من الأصول في الفقه على مذهب مالك وما يليق بمذهبه: 123، 124. 

([84]) بيان إعجاز القرآن: 36.

([85]) المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل: 1/163، وانظر: شرح مختصر الروضة: 3/361.

([86]) المحصول: 132.

([87]) الموافقات: 5/177-178، الفروق: 1/64.

([88]) إعلام الموقعين: 1/86.

([89]) الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام: 77.

([90]) التسهيل لعلوم التنزيل: 1/13.

([91]) الإبهاج في شرح المنهاج: 1/374.

([92]) المناهج الأصولية في الاجتهاد بالرأي: 144.

([93]) سورة النحل: 14/ 16.

([94]) مفاتيح الغيب: 20/6.

([95]) الإحكام: 4/60.