دعوَى مقَدمة إِلى محكمةِ
التفتيش الإسبانية من ترجمان نصراني ضِد موريسكي غرناطي
دراسة وترجمة
د. محمد علي عبد الرازق زللو
جامعة أليكانتي، إسبانيا
البريد الإلكتروني: m.a.abdelrazeq@gmail.com
ترجمة |
الاستلام: 15-9-2023 |
القبول: 15-10-2023 |
النشر: 31-10-2023 |
معرف (أوركيد): 0000-0003-3496-4265
الملخص:
تقدم هذه المقال دراسة وترجمة لمخطوطة قشتالية (الإِسبَانِيَّة القَدِيمَة) مُقَدَّمة إلى محكمة التَّفتيش
الإِسبَانِيَّة في النصف الثَّاني من القرن السَّادس عشر الميلادي (1554م) مِنْ تُرْجُمَان
نَصرَانِي يُدْعَى بارتولومي دورادور
المترجم الخاص لكبير الأساقفة مارتين دي أيالا ضد أحد الموريسكين يسمى ديجو شايبون يقطنُ بإحدى القرى التَّابعة لمملكة غرناطة؛ يَتَّهِمُهُ
فيها بِمُمَارَسَة الشَّعَائِرِ الإسلاميَّة، والدعوة إلى الإسلام، واستعمال اللغة
العربية، والاعتقاد في العلوم العربية المحظورة.
تأتي هذه الترجمة والدراسة مع ما نشهده من قلَّة
المنتج المترجم من الوثائق التاريخية من اللغات الأجنبية إلى العربيَّة، والتي تناولت
أحداثا مهمة في تاريخ أمتنا العربية والإسلامية وتعج بها بطون المكتبات الأوربية والإسبانية
بخاصة؛ فكان هذا دافعا إلى ترجمة تلك الوثيقة التاريخية، وتسليط الضوء عليها؛ أملا
في سدِّ هذا النقص الكبير في مكتبتنا العربية من ترجمة تلك الوثائق التاريخية المهمة،
وفتح باب الاستقصاء والدراسة والتحليل في تلك الحقبة من تاريخ أمتنا العربية والإسلامية.
الكلمات المفتاحية:
محاكم التفتيش الإسبانية، الموريسكيون،
ديجو شايبون، بارتولومي دورادور، مارتين دي أيالا، الدعوة إلى الإسلام، جدل ديني، مملكة غرناطة.
للاستشهاد/ :Atif İçin / For Citation زللو، محمد علي عبد الرازق. (2023). دعوَى مقَدمة إِلى محكمةِ التفتش الإسبانية من ترجمان نصراني ضِد موريسكي
غرناطي دراسة وترجمة. ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها. مج4، ع8، 467-491 https://www.daadjournal.com/ /.
A Lawsuit addressed to the Spanish inquisition: from a Christian
interpreter against a Morisco from Granada
Dr. Mohamed Aly Abdelrazeq Zalalo
Lecturer, Alicante University, Spain
E-mail: m.a.abdelrazeq@gmail.com
Orcid ID: 0000-0003-3496-4265
Published: 31.10.2023 |
Accepted: 15.10.2023 |
Received: 15.09.2023 |
Translation |
Abstract:
This article deals with a study and translation of a Castilian manuscript
(Old Spanish) submitted to the Spanish Inquisition in the second half of the 16th
century (1554 AD) by a Christian interpreter called Bartolomé Dorador, a personal
interpreter. Bishop Martin de Ayala issued a case against a Morisco called Diego
Caybon who lives in Guadix,
one of the villages in Granada. Both living in Kingdom of Granada, the bishop accuses
him of practicing Islamic rituals, calling to Islam, using the Arabic language,
and believing in formally prohibited Arabic sciences.
This translation and study come with what we are witnessing of the scarcity
of translated historical documents from foreign languages into Arabic. There is
a large existing legacy of historical documents that are a paramount relating important
events in the history of the Arab and Islamic heritage and legacy. Some of the greatest
European libraries in particular the Spanish libraries are the brightest archives
also keeping part of a legacy of our common interest. This was the personal motto
to translate this historical document and shed light on it. In the hope of filling
this major deficiency in our Arab library academia and archives I will add my contribution
translating these important historical documents. Perhaps, this academia will be
the opening of a gate to further investigation, study, and analysis in those eras
of the history of the Arab and Islamic legacy and heritage.
Keywords:
Spanish Inquisition, Moriscos, Diego Caybon, Bartolomé Dorador, Martín de Ayala, Convirtion to Islam, Religious controversy, Kingdom of Granada
تقديم:
كانت إسبانيا من أواخر البلدان الأوربيَّة (وبخاصةٍ مملكة
قشتالة)([1])
الَّتي دخلها ديوان التحقيق أو الديوان المقدس الذي اشتهر باسم محاكم التَّفْتِيش،
فقد صدر المرسوم البابوي من البابا سيستو
الرابع Sisto IV (1471
–1484م)([2]) بإنشاء
الديوان المقدس في إسبانيا بِنَاءً عَلَى طلب من الملكين الكاثوليكيين Reyes Católicos
([3]) في الأَوَّل من نوفمبر عام 1478م.
أمَّا دواعي إنشاء ديوان التحقيق في إسبانيا بشكلٍ عامٍّ
فهي الأسباب نفسها التي قامت عليها جميع محاكم التفتيش في أوربا، والتي تتمثلُ
في الحفاظِ على سلامةِ العقيدة الكاثوليكية ونقائها من الهرطقات والبدع، ومُطاردة الكفرة
والمُلحدين والمهرطقين والسَّحَرة. ([4])
ومع ذلك فقد أحاطت
بقيامه في إسبانيا ظروفٌ خاصةٌ تتمثلُ في نشأة إسبانيا النصرانية الوليدة وتوسعها على
حساب الممالك الأندلسية - (أو ما اصطلح عليه في المصادر الإِسْبَانِيَّةِ بحروب الاسترداد
la Reconquista
)- وكان قوام
تلك النشأة هو التعصب الديني الذي بثته الكنيسة ورجال الدين، وقد استطاعَ ملوكُ إِسبانيا
المتعاقبين أخذه كشعار سياسي لإسبانيا الظافرة الموحدة، وشكل
وجود طوائف دينية كبيرة في الممالك النَّصرانية من يهود ومدجنين ونصارى جدد مشكوك في
دينهم مصدر خطر على الكنيسة والسلطات الإسبانية، فكان طلب إنشاء محاكم التفتيش
في إسبانيا محفوفا بصبغة دينية لأغراض سياسية.
وقد حدد المرسوم
الإطار العام لتكوين ديوان التحقيق وهيكله التنظيمي، كما أعطى لملوك إسبانيا الحق في
الإشراف العام واختيار القضاة ومقر المحكمة؛ وذلك بما يخدم المملكة والديوان معًا،
وممَّا جاءَ في نصِّ المَرْسُوم ما يلي:
"يتولى الديوان ثلاثة مِنَ الأساقفة أو مَنْ يعلوهم
أو مِنْ غيرهم من الكَهَنَةِ العَلْمانيين أو الدينيين، من الذكور المشهودِ لهم بالاستقامةِ،
مِنَ المُنتسبين إلى مَدْرسةٍ دينيةٍ أو من غير المنتسبين([5])،
وممن تزيد أعمارهم على أربعينَ عامًا، يتمتعونَ بضَميرٍ حيٍّ ومشهود لهم بذلك، جديرون
بالثناءِ في حياتِهم. واختيارهُم يكون من بين المعلِّمين أو الحاصلين على إجازة في علم اللاهوت أو درجة الدكتوراه في القانون الكنسي،
معروفون بخشيتهم لله، وهذا التعيين يكون بعد فحص
دقيق قبل الترخيصِ لهم. ولكل [ملوك إسبانيا] الحق في التعيين والاختيار من أية مدينة
أو إبراشية
من الممالك الخاضعة لهم، ويتمتع الديوان بالولاية القضائية الكاملة، والحق في توقيف
المدانين بالجرائم المتعلقة بالهرطقة، وكذلك شركائهم والمتواطئين معهم، وكذلك يتمتع
العاملون بالمحكمة والمحققون بالسلطة وقوة القانون والعرف"([6]).
وَعَلَى اَلرَّغْمِ
مِنْ صدور المرسوم إلا أنَّ الملكين الكاثوليكيين أرجآ تنفيذه عامين آخرين حتَّى 1480م،
حيث تمَّ اختيار مدينة إشبيلية مقرًّا لأوَّل محكمة تفتيش بهذا القرار، وعُيِّنَ الراهب
والمسئول عن الاعتراف للملكة إيسابيلا الأولى توماس دي توركيمادا Tomas de Torquemada([7]) أوَّل مفتش عام لها.
وقد وجَدَ دِيوَانُ
اَلتَّحْقِيقِ أَرْضًا خِصْبَةً في إسبانيا، فمنذ إنشاء أوَّل محكمة تفتيش وحتى نهاية
حكم الملكين الكاثوليكيين 1516م، وصل عددها فِي إِسْبَانْيَا ثَمَانٍ وَعِشْرُونَ مَحْكَمَةَ تَفْتِيشٍ في معظم المدن الإسبانية([8])،
ومع تعاقب ملوك إسبانيا ازداد نشاط واستخدام الديوان
لأغراض سياسية واقتصادية [بسبب الحق في مصادرة أملاك المتهمين]؛ لملاحقة المتنصرين الجدد من أصول يهودية أو إسلامية، والنَّصارى
القدامى أنفسهم؛ لاتهامهم بِأَنَّهُم حَادُوا عَن الكَاثُولِيكِيَّةِ.
وقد استمرَ العملُ
بمحاكمِ التَّفتيش فِي إِسبانيا دونَ تَوَقُّفٍ إلَّا في أثناءِ فترة احتلال نابليون
بونابارت Napoleón Bonaparte لإسبانيا (1808م – 1810م)([9])،
لتعود مرةً أُخرى للعمل بقرارٍ من ملك إِسبانيا فيرناندو السابع Fernando VII
([10])عام 1814م حتَّى تم إلغاؤها نهائيًّا في القرن التَّاسع عشر
في عهد الملكة إيسابيل الثانية Isabel II ([11]) في 15 يوليو عام 1834م، وذلك بعد طلبٍ مِنَ البرلمان؛ لأنَّه
كان مخالفا لأوَّل
دستورٍ إسبانيٍّ تّمَّ وضعهُ في مدينة قادش عام 1812م.([12])
محكمة التفتيش في غرناطة:
كانَ لمملكة غرناطة وضعٌ تاريخيٌّ خاصٌ، حيث إنَّها تُعدُّ
آخر الممالك الإسلاميَّة الَّتي خضعت للحكم النصراني الإسباني في شبه الجزيرة الإيبيرية
في عام 1492م، وعاش أهلها كمدجنيين قرابة
عقد من الزَّمان، ولكنْ معَ بداية القرن السَّادس عشر الميلادي، وعلى إثرِ فشل احتجاجات
مسلمي البيازين التي شملت غرناطة - والتي كانت تطالب باحترام
معاهدة تسليم المدينة، وعدم إجبارهم على دخول النصرانية بالقوة- تعاملت السلطات الإسبانية
معهم بالقمع، وأصدر الملكان الكاثوليكيان عام (1502م) قرارًا بالتنصير الإجباري لكلِّ
أهل مملكة غرناطة، وإلا حُكِمَ عليهم بالتهجير والقتل.([13])
وعلى الرغم من إجبار سكان مملكة غرناطة على التَّعميد بالقوة، فقد تمسكوا بدينهم وشعائرهم الإسلاميَّة سرًّا محتفظينَ بعاداتهم ولغتهم
العربيَّة، ولكنهم أمام السلطات الإسبانية والكنسية هم ظاهريا نصارى جدد يذهبون كلَّ
يوم أَحَدٍ إلى الكنائس؛ خوفًا من المحاكمات أو العقاب، وظلَّ هذا التركيب السكاني هو الوضع العام لمملكة غرناطة حتى قيام انتفاضة جديدة [انتفاضة
البشرات] 1569-1571م. ([14])
وعلى الرغم من سعي الملكين الكاثوليكيين إلى تأسيسِ مَحَاكم
تفتيش في كلِّ مدن وممالك إسبانيا؛ لفرض السيطرة التامة وضمان الولاء باسم الدين، إلا
أنَّهما خشيا مِنْ إقامتها في مملكة غرناطة؛ وذلك انتظارًا لنتائج التنصير المأمول،
وخشية من قيام انتفاضات أخرى.
وظلت مملكة غرناطة تابعةً لمحكمة تفتيش قُرطبة صوريًّا دونَ
تدخلٍ فعليٍّ يُذكر، واستمر حفيدهما الملك كارلوس الخامس Carlos V([15]) -على السياسية نفسها من التجاهل- حتى أوعز له مستشاروه والمقربون منه بخطر ترك مملكة غرناطة
على هذه الحال، وأنَّ هذا من الممكن أن يمهد لقيام انتفاضات انفصالية كما حدث في بداية
عهده في مملكة قشتالة ومملكة أراجون، وكل الشواهد كانت تعكس
رغبة سكانها في عودة المملكة إلى وضعها الإسلامي السَّابق، وشجَّعهم على هذا الصراع
المتزايد بين الإمبراطوريتين الإسبانية والعثمانية،
وعلاقتهم الوطيدة مع الولايات الإسلاميَّة في المغربِ العَرَبِيِّ.
وفي الخَامسِ مِنْ
نُوفمبر لعام 1526م أصدرَ الملك كارلوس الخامس قرارًا بإنشاء محاكم تفتيش داخل مملكة غرناطة، وكانَ مِنْ
أوَّل قرارات تلك المحكمة إعلان (مرسوم النعمة- Edicto de Gracia)([16]) والذي يُعطي للموريسكيينَ في
مملكةِ غرناطة مهلة ثلاثة أعوام؛ لتَعَلُّمِ اللُّغةِ القَشْتاليَّة
استعمالها بدلا من اللغة العربية.
وعلى كلِّ حالٍ استطاعَ
الموريسكيون في مملكة غرناطة تأجيل أغلب تلك المراسيم المتعلقة
باللغة العربيَّة والملبس والعادات والتقاليد الإسلاميَّة عن طريقِ دفع المزيد من الضَّرائب
والرشاوى، كان مِنْ أشهرها الاتفاق الذي تم بينهم وبين الملك كارلوس الخامس
عام 1526م؛ وذلك لإعطائهم مُهلة أربعين عامًا؛ لتنفيذِ تلك القرارات مقابل 90 ألفًا
من الدويكات ([17]) ([18]).
مصدر المخطوطة:
المخطوطة تقع في
ورقتين، يوجد في أعلى الورقة الأولى طمس للتاريخ والسطور الأولى، والأصل محفوظ في الأرشيف
التاريخي الخاص بإبراشية مدينة وادي آش تحت الرقم التالي:
Archivo Histórico Diocesano de Guadix, caja 83, legajo 11, pieza C.
كذلك أوردها كارلوس جاريدو كملحق
في دراسته: (استخدام اللغة العربية كوسيلة في التبشير
الإنجيلي للموريسكين في مملكة غرناطة) في مجلة الدراسات العربية
والإسلامية عدد 57 التابعة لجامعة غرناطة عام 2008م.
Carlos Javier GARRIDO GARCÍA: El uso de
la lengua árabe como medio
de
evangelización-represión de los moriscos
del reino de Granada. MEAH, SECCIÓN ÁRABE-ISLAM 57
(2008), 134-137
منهجي في ترجمة المخطوطة:
لا شكَّ أنَّ الترجمة جزءٌ حيويٌّ من المنظومة الحضارية للأمم،
فكلما كانت الأمة متقدمة في الترجمة، أصبح لها مكان مرموق في إطار منظومة التقدم والريادة،
مع ما نشهده من قلَّة في الوثائق التَّاريخية المُترجمة من اللغات الأجنبية إلى العربيَّة، والتي
تناولت أحداثا مهمة في حياة أمتنا العربية والإسلامية، وتعج بها بطون المكتبات الأوربية
والإسبانية خاصة؛ فكان هذا دافعا إلى ترجمة تلك الوثيقة التاريخية، وتسليط الضوء عليها؛
أملا في سدِّ هذا النقص الكبير في مكتبتنا العربية من ترجمة لتلك الوثائق التاريخية
المهمة، وفتح باب الاستقصاء والدراسة والتحليل في تلك الحقب من تاريخ أمتنا العربية
والإسلامية.
وقد حاولتُ في هذه المخطوطة بكلِّ أمانةٍ نقلَ كلِّ مفرداتها
من اللغة القشتالية (الإسبانية القديمة) إلى اللغة العربية
قدر وسعي دون الإخلال بالمعنى، ولم أقحم نفسي في متن النص إلا بين قوسين معكوفين [ ] أو من خلال الهامش؛ وذلك من أجل إيضاح أو تعقيب.
أولا: الشخصيات المحورية:
1-
الأسقف مارتين دي أيالا Martin de Alaya:
ولد في مدينة جيان Jaén عام 1504م، انضم منذ صغره إلى مدرسة القديس شنت ياقب (سانت ياجو Santiago) الكاثوليكية، ودرس اللاهوت في جامعة سلمنقة وجامعة طليلطة
حتى نال الإجازة عام 1532م.
عمل في جامعة ألكالا Alcalá أستاذًا للفلسفة، ثمَّ انتقلَ إلى جامعة غرناطة؛ للحصولِ
على درجة الدكتوراه في عام 1538م. وفي عام 1543م ذهبَ إلى إيطاليا بترشيحٍ من ملك إسبانيا
كارلوس الخامس، وهناك درس عامين في الجامعات الإيطالية، ليعود مرة أخرى إلى
إسبانيا. وفي عام 1549م تولى منصب أسقف وادي آش إلى عام 1560م، ثم أسقف سيجوبيا من 1560م وحتى
1564م، وتولى منصب رئيس أساقفة مملكة بلنسية من عام 1564م حتى وفاته في 5 أغسطس عام
1566م.([19])
عرف بشغفه بتعلم اللغات، مثل: اللاتينية واليونانية والعبرية والعربية، سعى لجعل اللغة
العربية لغة تبشير بالنصرانية لصالح الموريسكين الإسبان،
عين واعظين ومترجمين لهذه المهمة، كما شارك بنفسه
في كتابة بعض المؤلفات عن التعاليم النصرانية
باللغة العربية، ومن أهمها كتاب: "العقيدة النصرانية بالعربية والقشتالية" والذي طبع عام 1556م وأعيد طبعه مرة أخرى بعد
وفاته في مدينة بلنسية تحت عنوان: "التعاليم النصرانية للنصارى الجدد المتحولين
من الإسلام" عام 1599م ([20]).
2- المترجم بارتولومي دورادور Bartolome Dorador:
تفتقر المصادر الإسبانية إلى ترجمة كاملة ودقيقيه لهذا المترجم، فلا نعلم تاريخا محددًا لميلاده
أو وفاته أو تنقلاته المختلفة في إسبانيا، ومع ذلك نستطيع - من خلال بعضِ الوثائق،
مثل محاضر محاكم التفتيش في غرناطة والمخطوطات الَّتي تركَهَا بخطه- تكوين صورةٍ عامةٍ
عن سيرته الذاتية.
ولد في سابيولي Sabiote إحدى القرى التابعة لمدينة جيان
بعد الربع الأوَّل من القرن السادس عشر، من أب يدعى ألونسو
فيرنانديث دي أوبيدا، وأمُّه
هي ابنة أحد القَادة العسكريين المُهمِّين في مستعمرة مليلية([21])، ويدعى بارتولومي
دورادور، ونظرًا لمكانة جده من والدته فقد تسمَّى باسمه. وعاش بارتولومي طفولته في كنف جده في مستعمرة مليلية، وهذا ما يُفَسِّر
تعلمه اللغة العربية منذ صغره. بعد وفاة جَدِّه في مليلية، انتقل
الشَّاب بارتولومي إلى إسبانيا؛ ليعمل مترجمًا وموثقَ
عقود للعبيد الزنوج عند أحد الموريسكيين المثيرين للجدل
في التَّاريخ الإسلامي والمسيحي لإسبانيا، وهو علي بن عشرة([22]).
بعد عام 1550م وإثر
المراسلات المتبادلة بين الأسقف مارتين دي أيالا
والملك كارلوس الخامس، والموافقة على الاستعانة بمن يعرفون اللغة العربية؛ للتبشير
والوعظ،([23]) اختار الأسقف أيالا بارتولومي واعظا باللغة العربية للموريسكيين
وترجمانا خاصا له في إبراشية وادي آش، كما كلفه بترجمة عمله
-التعاليم المسيحية للمتنصرين الجدد- إلى العربية، وتوجد منها نسخة محفوظة في مكتبة
الجزائر الوطنية.([24])
في عام 1554م قدَّم
دعوى إلى محكمة التفتيش ضد الموريسكي ديجو شايبون؛ بسبب ممارسته الشعائر الإسلامية، وقيامه بالدعوة إلى الإسلام،
ونقده للنصرانية.
وفي عام 1556م ظهر
اسم بارتولومي مرة أخرى كشاهد في قضية أخرى ضد موريسكي من مدينة الكوديا ([25])Alcudia، وعند اندلاع انتفاضة البشرات (1569م – 1571م) عمل بارتولومي
مترجما للجانب القشتالي.([26])
في عام 1574م ظهر
اسمه في صك لمنح الحرية لجارية موريسكية تُسَمَّى "إلينا Elena" عمرها 33 عاما من بلدة أندرش
Andarax التابعة لمدينة ألمرية مقابل فدية قدرها 75 من الدويكات([27])، وظهر اسمه لآخر مرة في دعاوي قضائية عام 1598م. ([28])
وبناء على هذه التواريخ السَّابقة في تلك الوثائق، فمن المرجَّح أن
يكون تاريخ وفاته بين عام 1598م والسنوات الأولى من القرن السابع عشر الميلادي.
3- الموريسكي ديجو شايبون
Diego Caybon:
لا توجد معلومات عنه أكثر ممَّا وَرَدَ في الدعوى المُقَدَّمة
ضده، فهو أحد موريسكيي قرية ألديرا
Aldeire التي تقعُ جنوب وادي آش، وتبعدُ نحو60 كيلومترًا عن مدينة
غرناطة، وكان أغلب سكانها موريسكيين
حتَّى قيام ثورة البشرات، ويبدو أنَّ شايبون كان يتمتع بثقافة دينيةٍ واسعةٍ مع معرفة القراءة والكتابة
باللغة العربيَّة، إلى جانب اتصاله بالموريسكيين
في المدن والقرى المجاورة، وهو ما يرجِّح أنَّه كانَ أحد الفقهاء المسلمين للطائفةِ
الموريسكية في قريته.
ثانيا:
الشخصيات الثانوية:
1-
بارتولومي ميرابيتي Bartolome Mirabate :
وُجِدَ
توقيعُه في المخطوطة كمحقق في الدَّعوى المقدمة من الترجمان بارتولومي
دورادور، ولا تتوافر معلومات عن حياته بخلاف ما نجده من
خلال الدعاوى المرفوعة في محاكم التفتيش، ويتضح أنَّ لقبه أحيانًا في بعض الوثائق يأتي
بهذا الشكل Mirabathe (بإضافة
حرف H)([29])، وهو
كاهنٌ خدمَ في إبراشية وادي آش، وعيَّنه كبير الأساقفة مارتين
دي أيالا قاضي تحقيقات في ذات الإبراشية
من الفترة (1550م حتى 1556م) ثم انتقل لاحقا إلى إبراشية
باجة؛ ليعمل هناك في الفترة من 1557م إلى 1560م. ([30])
2-
خوان دابالوسJuan Davalos :
أحد رجال الدين النَّصارى الذي بُدِئت المخطوطة بذكر اسمه،
وتضمنت أنه في سكرات الموت رفض رسم الصليب كعادة النصارى، ونزع الصليب عن نفسه، وأخبر
القساوسة المحيطين به - ومن بينهم أخوه رئيس الأساقفة- أنَّه قد خدع في اعتقاده النصرانية.
3- رولانRolan :
أحد رجال
الدين المقربين من رئيس الأساقفة مارتين دي أيالا، وأكد
الموريسكي ديجو شايبون أنه كان يعتنق الدين الإسلامي سرًّا.
4-
طبيب
موريسكي (مجهول الاسم):
ورد ذكره
في المخطوطة دون تسمية، وكل ما يعرف عنه أنَّه كانَ يقطنُ مدينة وادي آش، حيث إنَّه
يعرف الكثير من العلوم العربية ويعمل في الطب، وهذه المهنة كانت محرَّمةً على الموريسكيين.
موضوع
المخطوطة:
المخطوطة صغيرةٌ نسبيًّا فهي تتكونُ
من ورقتين، الأولى بها بعض التشوهات في أعلاها؛ مما يصعب معه معرفة التاريخ الذي كُتبت
فيه بدقة، وبعد دراسة متن المخطوطة وجدت معلومة بداخلها يمكن من خلالها تحديد العام
الذي كُتِبَت فيه الدَّعوى، حيثُ تمَّ ذكر "يوم الخميس الموافق السادس من سبتمبر"
وبمقابلة هذا التاريخ بالفترة التي تولَّى فيها الأسقف مارتين دي الايا وادي
آش والتي امتدت من 1549م حتى 1560م يتضح لنا أن التاريخ المقصود هو الخميس السادس من
سبتمبر لعام 1554ميلادية، ومنه يستنتج أنَّ الدَّعوى كُتِبَتْ وقُدِّمَت في العام نفسه
بعد هذا التَّاريخ، وهو المقابل لعام 951 هجرية.
أمَّا تحديد مَنْ هو كاتب الدَّعوى
فنجد في المخطوطة توقيعين، الأوَّل باسم بارتولومي ميرابيتي المحقق
من قبل المحكمة، والثاني باسم بارتولومي دورادور الترجمان الخاص برئيس الأساقفة مارتين دي أيالا، ولدينا ثلاث قرائن تحيل على أنَّ كاتب الدعوى هو الترجمان
بارتولومي دورادور.
أولا: بمطابقة خط التوقيعين المذكورين
مع خط متن المخطوطة يتضح أن الكاتب هو بارتولومي
دورادور.
ثانيا: ورد في نص المخطوطة عبارة "
أمام وكيل المحكمة بارتولومي ميرابيتي"
مما يؤكد أن كاتب الدعوى هو بارتولومي دورادور.
ثالثا: وردت بعض الجمل العربية داخل الدعوى
المكتوبة باللغة القشتالية([31])، وهي دلالة أخرى على أنَّ الكاتب
هو الترجمان بارتولومي دورادور
نفسه، والذي كان يعرف كلتا اللغتين.
وبحسب
النص فقد اكتسب الترجمان بارتولومي صداقة وثقة أحد
الموريسكيين
يُسَمَّى ديجو شايبون
وهو أحد سكان قرية ألديرا Aldeire جنوب
مدينة وادي آش التابعة لمقاطعة غرناطة؛ ممَّا
جعله يشارك معلومات معه حول عقيدته الإسلامية في أثناء زيارة الموريسكي
له في منزله بقرية لانتيرا Lanteira القريبة منه.
وقد
جاءت هذه الثقة اعتقادًا من الموريسكي أنَّ معرفة دورادور باللغة العربية سببٌ كافٍ
لدخوله في الدين الإسلامي.
وقد
شهد القرن السَّادس عشر في إسبانيا جدلا واسعا حول استخدام اللغة العربية واستمرارها بين
الموريسكيين،
فقد كان رأي الأغلبية من النصارى أنَّ استمرارها في شبه الجزيرة الإيبيرية هو خطر على
إسبانيا النصرانية، وفشل لجهود التنصير، ودليل على تمسك
هؤلاء الموريسكيين بدينهم الإسلامي، ومن جهةٍ أخرى رأت الأقليات الموريسكية
في إسبانيا أنَّ تمسكهم بلغتهم العربية يُعَدُّ حافظًا على هويتهم ودينهم وتراثهم الإسلامي؛
ولهذا سعوا بكلِّ جُهْدِهم إلى الدفاع عنها، والتحايل على السلطات الإسبانية
لإعطائهم فترات زمنية أطول؛
ليتمكنوا من تعلم اللغة القشتالية.
ومع ذلك فقد وُجِدَت فئاتٌ نخبوية من الطرفين تنادي بضرورة
فصل اللغة العربية عن الدين الإسلامي، بل إنَّ تعلم بعض رجال الدين النصراني للغة العربية،
وتوفير كتب بالعربية عن العقيدة النصرانية هو أمرٌ ضروريٌّ من أجلِ نجاح عملية التبشير
بالنصرانية في المجتمع الموريسكي. وقد عَبَّرَ عن هذا الاتجاه
كثير من رجال الدين النصراني، مثل: إرناندو دي تالابيراHernando de Talavera
، مارتين دي أيالاMartin
de Ayala ، إجناسيو دي لاس كاساس Ignacio
de las Casas، ومن الجانب الموريسكي اشتهر الموريسكي فرانثيسكو نونيث مولاي Francisco Núñez
Mulay بما كتبه في دفاعه عن اللغة العربية، وتأكيده على فصل اللغة
عن الهُوِيَّة الدينية، واستشهد على وجود نصارى يتكلمون العربية
في بلدان أخرى، بقوله: "المصريون والسرياليون والملطيون
وآخرون منهم نصارى يكتبون ويقرؤون ويتكلمون باللغة العربيَّة ومع ذلك هم نصارى مثلنا"([32]).
وهذا الاعتقاد الخَاطِئ في الرَّبط بينَ اللُّغَةِ وَالهُويَّة
الدينيَّة يفسِّر - أيضًا- سَبَبَ ظنِّ المُوريسكي في الأسقف
مارتين دي أيالا أنَّه قد يكون مسلمًا، أو يمكنُ
استمالته إلى الإسلام؛ وذلك لشغفه وإصراره على تعلُّم اللغة العربيَّة.
والمخطوطة
تتناول موضوعين رئيسيين:
أولا:
الجدل الديني الإسلامي المسيحي:
وقد تناولَ الموريسكي
ديجو شايبون في جدله الديني نقد
رجال الدين والعقيدة النصرانية.
أمَّا مَا يختص بنقده لرجالِ الدين النصراني: فهو
يُعطي نماذج مِن رجال الدين في مناصب عُليا كَنَسِيَّة في زمنِهِ، شَعَروا بخيبة أمل
عند موتهم؛ لاعتقادهم بالدين النصراني، مثل خوان دبالوس
الذي لم يرسم الصليب عند موته، بل نزعه وطلب من القساوسة عدم
الانخداع بالديانة النصرانية.
أما نقده للعقيدة النصرانية: فيبدو
أنَّ الموريسكي شايبون
كان على معرفة جيدة بالنقاط الأساسية المثيرة للجدل بين الديانتين: الإسلام والمسيحية،
وبخاصة فيما يتعلق بقضية الثالوث، وقضية الصلب، وتحريف الإنجيل، وهو يؤكد الرواية الإسلامية القائلة
إن المسيح هو ابن مريم وهو عبد الله ورسوله، وأنه ليس ابن الله، وأن الملك جبريل
قد نفخ في مريم فحبلت، وأنَّ المسيحَ لم يُصْلب كما يعتقد النصارى بل رفعه الله إلى
السماء، وأنَّ الإنجيل الذي بين أيديهم محرفٌ فهو ليس كلام الله ولكنه كلام الشيطان.
ثانيا:
الدعوة إلى الاسلام:
وتتمثل في محاولات
الموريسكي شايبون استمالة
الترجمان النصراني دورادور، عن طريق شرح وتفسير الشعائر
الإسلامية من صلوات ووضوء وأدعية وأذان، وكتابتها له باللغة العربية، وتشجيع دواردور نفسه أن يكون وسيطا دعويا؛ لاستمالة رئيس الأساقفة
مارتين دي أيالا إلى دخول الإسلام. كما أكد الموريسكي شايبون وجود رجال دين في
السلك الكنسي يعتنقون الإسلام سرا، وأعطى له مثالا برجل دين يدعى رولان، وهو مقرب من
رئيس الأساقفة مارتين دي أيالا.
وأخيرا،
فالوثيقة تلمح إلى قضيتين كانتا مثيرتين للجدل في المجتمعات الموريسكية
في إسبانيا:
الأولى: التقية وتُسَمَّى أحيانًا بالتعريض
أو التورية؛ وهي قول أو فعل على خلاف ما يعتقده الشخص، وذلك عند الخوف من الهلاك أو
الاضطهاد أوالبطش الشديد.
وفي الدعوى يلتمس شايبون
العذر للترجمان دورارور عندما رآه في القداس يشرب
الخمر وقال له: " إنه يجب فعل ذلك؛ لاسترضاء الناس "، وأيضا حالة الموريسكي شايبون نفسها في كونه
مسلما سرًّا، يمارس الشعائر الإسلامية، ولكنه أمام السلطات والكنيسة يُعَدُّ من النصارى
الجدد.
الثانية: العلوم
العربية وممارسة الطب، حيث حرَّمت محاكم التفتيش تلك العلوم وجرمتها واعتبرتها نوعًا
من الخرافات والشعوذة والسحر، وغلظت عقوبتها لتصل إلى الحرق.
وفي
الوثيقة إشارة إلى رجل موريسكي يَعْرِفُ الكثير عن الطب
ويمارسه في الخفاء في وادي آش، وينصح الموريسكي شايبون صديقه الترجمان بارتولومي دورادور بالتداوي
عنده بسبب حساسية ألمت بجسده كله.
ترجمة الوثيقة من القشتالية (الإسبانية القديمة) إلى العربية:
(الورقة الأولى
من المخطوط)
شكوى مُقَدَّمَة مِنْ بارتولومي دورادور أمامَ
وكيل المحكمة بارتولومي
ميرابيتي ضد المُوريسكِي ديجو شايبون المُقيم
في ألديري [مملكة غرناطة]؛ بسبب ممارسته للشعائر الإسلاميَّة.
(طمس في السطور
الأولى)
قال المُوريسكِي ديجو شايبون عن وفاة
خوان دابالوس:
[لوَّح] بيديه، ولم يكنْ قد رسمَ الصَّليب، لم يكن يعرف أنَّ
خوان دابالوس قد نزعَ الصَّليب عن نفسِهِ لحظةَ موتِهِ،
وقد أَخبرَ أخَاه رئيس الأساقفة أنَّه قد خُدِعَ باتِّباع شريعةِ النَّصارى، ليُقتدى به
ويصبح مثالا وعبرة، لأنَّ تلك الأشياء تُعَدُّ إلهامات من الله؛ ليرشدَهم إلى طريق الخلاص.
سألني عندما كنتُ أُلقي درسَ القدَّاس لماذَا كُنْتَ تشربُ
الخمرَ؟ ([33]) ثمَّ أجابَ عن نفسه قائلا: كان يجب عليكَ أن تفعل؛ لاسترضاءِ للنَّاس!
ثمَّ قال لي: لَقَدْ جئتُ إليكَ لأبلغك بأنَّه يجبُ عليكَ
الذهاب إلى مدينة وادي آش حيث سمعت أنَّ هناك مُسلمًا يَعْرفُ الكَثيرَ
عَنِ الطبِّ، ومِنَ الجيد أنْ أسأله عن علاج للحساسية التي تَنْتَابُنِي فِي كلِّ جَسَدِي.
فأجبته: بأنِّي كنتُ هناك يوم الإثنين الماضي، حيثُ استدعانا
الأسقف [مارتين دي أيالا]؛ ليخبرنا عن رغبتِهِ في
الذهابِ إلى مدينة باجة.
وبعدها استفسرَ عمَّا إذا كان الأسقف [مارتين دي أيالا] ما زال مُصِرًّا على تعلُّم اللغة العربيَّة، فأخبرته
أنَّه كَانَ يجتهدُ في تَعَلُّمِهَا. فقال لي: حاول أن تختبره؛ لمعرفة ما إذا كان الأسقف
مسلمًا! وذلك بسبب وَلَعِهِ بتعلُّم اللغةِ العربيَّةِ، وكثرةِ تعامله مع السيد رولان
الذي من الموكَّد أنَّه مسلم!
وطلب مني أن استميلَهُ [الأسقف]، وأَنْ أَكْتُبَ له شيئًا عَنِ الإِسْلَام، فَأَجَبْتُه
بأنني لن أكتبَ له شيئًا؛ لأنَّه مِنَ الضَّروري - من أجل استمالتِهِ - أن تعلمني أوَّلًا
معتقدات المسلمين. فأجابني: بأنَّه سيفعل في يومٍ آخر، ثمَّ ودعني وانصرف.
(الورقة الثانية من المخطوط)
الخميس السَّادس من سبتمبر، جَاءَ هَذَا المُسلم إِلَى مَحَلِّ
إِقَامتي، وشرع في الكلام قائلا: إنَّه لا يوجد أفضلُ من شريعةِ المُسلمينَ، وإنَّها
هي الشَّريعةُ الحقَّةُ الَّتي حُفظت جيدًا منْ قِبَلِ مُحَمَّدٍ، وأَنَّهم إنْ أذنبوا
[أي المسلمون] فقد دَعَا لهم مِنْ أجلِ نَجَاتِهِم، بينما النَّصَارى ضالون ومدانون!
فقلتُ له: أخبرني بإحدى صلواتك، فأجابني: إنَّه كتبَ لي واحدة، وبها
يرجو مِنَ الله أنْ يُسْمِعَني الحَقَّ، وهي كالتالي:
" اللهمَّ يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد الذي لم يلد
ولم يولد، ألهمني وأعلمني دينَكَ الأقوم
الَّذي لا مثله شيء إنَّك الأعز القَاهر فوق عباده الَّذي لا يفوته شيءٌ"([34]).
في يوم الأحد، يوم القديس خيروم
([35])، والذي
صَادَفَ آخرَ يوم من شهر سبتمبر، جَاءَ هذا المُسلم إلى مَنزلي، وتحدثنَا في أشياءَ
كثيرةٍ، ومِنْ تلك الأشياءِ الكثيرة: أنْ أهتدي بالقر’نِ الَّذي هو كتابٌ من عند الله وكلماته، وقد وضعه
ثمَّ أنزله على مُحَمِّد، ثم قال الآتي:
"قرآنًا ليس بمخلوق، عربيًّا لا فيه دخلةٌ ولا خرج إلا
هو كلام ربي الأعز"([36]).
وقد قال لي: إنَّ الإنجيل مَا كَانَ إِلَّا كلمات من الشيطان
من أجل الخداع، ولهذا فنحن النصارى مخدوعون وضالون بسببِهِ، فسألته عن الشعيرة الأساسية
التي لا يفعلها أحد إلَّا بعد الوضوء، ماذا تقول في تلك الصَّلاة، فأجابني قائلا: " أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ
لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ "([37]).
وأخبرني بكيفَية
أداء شعيرة الصَّلاة، وكان يقول ما كتبته، وقال لي أيضًا: إنَّ يسوع هو ابن مريم ولم
يكن له أبٌ، وأنَّ الله أرسلَ الملك جبريل فنفخ في مريم فحَبلت، وأنَّ يسوع هو نبيٌّ
وعبدُ الله ورسوله. وأنَّه لم يمت من أجلنا، ولكنَّ اليهودَ أرَادُوا أَنْ يقتلُوه
فرَحَلَ، وقد رفعه الله إلى السماء كغيره من الرسل، وأنَّه أحد عباد الله، ولكنه ليس الله ولا ابن لله. لأن الله لم يكن له ابن، ولم
يلد ولم يولد، وقال أشياءَ أخرى كثيرةٌ لا أتذكرُهَا؛ لكونِها هرطقات كثيرة من هذا
المسلم العاهر خادم الشيطان.
في لانتيرا - محكمة التفتيش
شعار الصليب وإمضاء
الترجمان بارتولومي دورادور والمحقق
بارتولومي ميرابيتي
انتهى.
المصادر والمراجع
دولة الإسلام في الأندلس، محمد عبد الله عنان، مكتبة الخانجي، ط4، القاهرة، 1997م.
ديوان التحقيق والمحاكمات الكبرى، محمد عبد الله عنان، لجنة التأليف
والترجمة، القاهرة 1930م.
رسالة من موريسكي غرناطي إلى ملك
إسبانيا دفاعا عن اللغة العربية والتقاليد الإسلامية، محمد علي عبد الرازق زللو، مجلة ضاد، المجلد 5، تركيا 2022م.
نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، المقري التلمساني، تحقيق:
إحسان عباس، دار صادر، لبنان، 1968م.
Archivo Histórico Diocesano de Guadix, caja 83, legajo 11, pieza C.
Archivo Histórico Diocesano de Guadix., carpetas 2341 (Pleitos criminales, 1529-1576)
y 2367 (Pleitos ordinarios, 1550-1560).
Diccionario de Historia Eclesiástica de España, vol. I, Madrid, CSIC-Instituto
Enrique Flórez, 1972.
Domínguez Ortiz, Antonio; Vincent, Bernard Historia de los moriscos. Vida y
tragedia de una minoría, Madrid 1979.
GARRIDO GARCÍA, Carlos Javier: El uso
de la lengua árabe como medio de evangelización-represión de los moriscos del reino
de Granada. MEAH, SECCIÓN ÁRABE-ISLAM 57 (Granada -2008), 134-137.
López, Eva Martín y otros: El Real Fisco de la Inquisición en el Archivo Histórico
de Granada, III Simpósio Internacional de Estudios Inquisitorios – Alcalá de Henares,
junio de 2015.
Kamen, Henry: La Inquisición Española. Una revisión histórica. Casa del libro,
Barcelona, 2011.
Martínez Diez, Gonzalo: Bulario de la Inquisición Española, Madrid: complutense,
España 1998.
Millán, José Martínez: La Inquisición española, Alianza editorial Madrid 2021
Rubiera Mata, María Jesús Carlos V, los moriscos y el Islam, Editores: Universidad
de Alicante, 2001.
Real Academia de la Historia , verse: www.rah.es
Torres Palomo, María Paz. Bartolomé Dorador y el árabe, universidad de Granada
1971.
صورة للمخطوط الأصلي
المحفوظ في الأرشيف التاريخي بإبراشية مدينة وادي آش
([1]) عرفت مملكة أراجون
عام 1243 م شيئا مشابها لمحكمة التفتيش يسمى الديوان الأراجوني
أو الديوان القديم، ولكنه كان مختلفا في قوانينه وتنظيمه وإجراءاته عن صرامة وقوة محكمة
التفتيش. ينظر:
محمد عبد الله عنان: ديوان التحقيق والمحاكمات الكبرى ص: 232
([2]) البابا
سيكتوس الرابع هو إيطالي الأصل، ولد عام 1414م وتوفي
عام 1484م، وهو البابا رقم 212 في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية تولى من الفترة14871م
وحتى وفاته. Real Academia de la Historia: biografías, Papa sisto IV.;
([3]) يشار دائما بلقب الملكين الكاثوليكيين
في التاريخ الإسباني الحديث إلى الملك فيرناندو الثاني ملك أراجون
(1479 – 1516) وزوجته الملكة إيسابيلا الأولى ملكة قشتالة
(1474 – 1504)، وقد نالا ذلك اللقب من البابا ألكسندر السادس (1492 – 1503 ) تكريما
لهما بعد استيلائهما على مملكة غرناطة الإسلامية 1492م، Real
Academia de la Historia: biografías;
los reyes católicos .
([5]) يقصد
التابعين لمدارس دينية كاثوليكية، وقد كانت الغلبة في ذلك من مدرستي الفرنسيسكان والدومينكان.
(([7] توماس دي توركيمادا،
ولد في قرية بلنسية التابعة لأقاليم ليون بإسبانيا عام 1420م،
وهو راهب ولاهوتي من مدرسة الدومينكان الدينية،
عرف بتعصبه الديني واضطهاده للمتحولين الجدد وبخاصة من اليهود. تولى منصب المسئول عن
الاعتراف للملكين الكاثوليكيين،
وكان أول مفتش عام لمحاكم التفتيش في إسبانيا (قشتالة وأرجون)،
وضع القوانين والأسس الرئيسة لمحاكم التفتيش الإسبانية،
توفي عام 1498م. Real Academia de la Historia: biografías, Tomas de Torquemada
([9]) نابُليون بونابرت، ولد عام 1769 م على جزيرة كورسيكا هو
قائد عسكري وسياسي فرنسي ، بزغ نجمه خلال أحداث الثورة الفرنسية، وقاد عدَّة حملات
عسكرية ناجحة ضدَّ أعداء فرنسا خِلال حروبها الثورية. حكم فرنسا في أواخر القرن الثامن
عشر بصفته قنصلًا عامًا، ثم بصفته إمبراطورًا في العقد الأول من القرن التاسع عشر،
حيث كان لأعماله وتنظيماته تأثير كبير على السياسة الأوروبية. هيمن نابليون على الشؤون
الأوروبية والدولية خِلال فترة حُكمه، وقاد فرنسا في سلسلة انتصارات مُبهرة على القوى
العسكريَّة الحليفة التي قامت في وجهها، فيما عُرف بالحروب النابليونية، وبنى إمبراطوريَّةً
كبيرة سيطرت على مُعظم أنحاء أوروبَّا القاريَّة حتَّى سنة 1815، توفي في منفاه في
جزيرة سانت إلينا عام 1831م Real Academia de la Historia: biografías, Napoleón Bonaparte
([10])
فيرناندو السابع (Fernando VII
de España) (14 أكتوبر 1784 -29 سبتمبر 1833)
، ملك إسبانيا خلال أوائل القرن التاسع عشر وحتى منتصفه. حكم المملكة الإسبانية عام
1808 ومرة أخرى منذ عام 1813 حتى وفاته عام 1833.
([11])
إيزابيل دي بوربون (Isabel
II de España) ملكة إسبانيا
في الفترة من 29 سبتمبر 1833 حتى 30 سبتمبر 1868. تم نفيها إلى فرنسا وخلعها عن العرش؛
نتيجة احتجاجات شعبية، وتوفيت في باريس في 9 أبريل
عام 1904. Real Academia de la Historia: biografías, Isabel II de España
([12]) José Martínez Millán: La Inquisición española, p 225.
([13]) Domínguez Ortiz, Antonio; Vincent, Bernard, Historia de los moriscos.
Vida y tragedia de una minoría, p.106-112.
وانظر كذلك: نفح الطيب من غصن الأندلس
الرطيب: 4/ 229.
([14]) ثورة أو احتجاجات
البشرات وتعرف في المصادر الإسبانية باسم تمرد البشراتRebelión de las Alpujarras امتدت من الاعوام (1568م- 1571م) جاءت
نتيجة التطبيق التعسفي للمرسوم البرجماتي للملك فليب الثاني
في نوفمبر 1566م، وقد بدأت بنجاح الموريسكين في تكوين دولة
تحت حكمهم الذاتي، ولكنها لم تستمر أكثر من ثلاث سنوات حيث نجحت الجيوش النصرانية في
قمع تلك الثورة وإجلاء قرابة مائة ألف من سكان مملكة غرناطة عن أرضهم وتوطين سكان آخرين
من النصارى، انظر: دولة الإسلام في الأندلس: 366-370. جدير بالذكر حين تم قمع تلك الثورة، أصدر الملك الإسباني
فليب الثاني قرار بترحيل الموريسكين الغرناطيين إلى الممالك
المسيحية الأخرى داخل إسبانيا بهدف تشتيتهم والقضاء على تكتلهم الديني والثقافي واللغوي
داخل مملكة غرناطة بعدما فشلت الكنيسة ومحاكم التفتيش في ذلك. Domínguez Ortiz, Antonio; Vincent, Bernard
Historia de los moriscos. Vida y tragedia
de una minoría,
p.136
([15]) كارلوس
الخامس-(1500/1558م) امتد ملكه إلى أراض شاسعة لم تبلغها إسبانيا من قبل في كل قارات
العالم تقريبا، تنازل عن عرشه لصالح ابنه فليب الثاني عام 1556 لصالح أبنه فليب وأخيه
فيرناندو،
وقضى
بقية حياته في أحد الأديرة، انظر:.Real Academia de la Historia,
biografías (Carlos I)
([16])
مرسوم النعمة يصدر من محكمة التفتيش أثناء زيارتهم للمدن والمناطق
الريفية، ويتيح للفرد أو الجماعة المدانة فترات سماح للاعتراف والتوبة، ولا يجوز على
أثرها تنفيذ عقوبات صارمة Kamen, Henry. La Inquisición Española. Una revisión histórica, p.340.
([20]) Academia de la Historia biografías
(Martin de Ayala) ; Catecismo para instrucción de los nuevamente convertidos en moros. Valencia:
Pedro Patricio Mey, 1599.
([21]) مدينة مغربية بشمال أفريقيا، تطل على البحر الأبيض المتوسط، ولا تزال مستعمرة من طرف الإسبان إلى يومنا هذا.
([22])
علي بن عشرة كان أحد القواد العسكريين في مدينة ألمرية الإسلامية، وقد تعاون مع الملكين الكاثوليكيين من أجل إسقاط
مدينته، وغيرها من مدن مملكة غرناطة، حصل على امتيازات واسعة ومختلفة، وكانت له إقطاعية
كبيرة في واي آش، أعلن عن تحوله إلى المسيحية عام 1500م وتسمي بديجو
لوبث وحصل بعدها على لقب نبيل، عرف بوفائه للسلطات الإسبانية
والكنسية، واستمر أبناؤه وأحفاده على السياسية نفسها
في موالاتهم الملوك الإسبان، توفي عام 1545م. Academia de la Historia biografías,
Diego López Abenaxara
([23]) A.H.D.Gu., caja 83,
legajo 14, pieza AE. Carta de Carlos
I al obispo de Guadix. Augusta, 11 de septiembre de 1550.
([24]) . María Paz Torres Palomo. Bartolomé Dorador, pp. 14-17
([27] ) Archivo Histórico de Protocolos Notariales
de Guadix, XVI-116 (Juan Bautista de Palencia, 1571-1574), fols.
1161r.-v.
([29])
جدير
بالذكر أن اللقب ميرابيتي Mirabate هو تحريف للكلمة العربية مرابط murābiṭ نسبة إلى المرابطين Almorávides
الذين حكموا الأندلس في القرن الحادي عشرالميلادي؛ مما يرجح أن أصوله
ترجع إلى أصول مسلمة أندلسية تنصرت فيما بعد.
([30]) 35. A.H.D.Gu., carpetas 2341 (Pleitos criminales, 1529-1576) y 2367 (Pleitos
ordinarios, 1550-1560).
([31]) تجدر الإشارة إلى
أنه خلال دراسة كارلوس جاريدو -بالإسبانية - حول المخطوطة،
استعان بأحد الباحثين العرب وهو الأكاديمي صالح الزهراني لمعرفة معاني تلك الجمل العربية
وعنها يقول الباحث العربي: (وهي مكتوبة بخط عربي رديء وصعب القراءة، وتنم عن تواضع لغوي في مستوى
كاتبها)
Carlos Javier GARRIDO GARCÍA: El uso de la
lengua árabe como medio de evangelización-represión de los moriscos
del reino de Granada. MEAH, SECCIÓN ÁRABE-ISLAM 57 (Granada -2008), 134-137.
([32])ترجمة عمل فرانثيسكو
نونيث مولاي إلى العربية، ينظر: محمد علي عبد الرازق: رسالة من موريسكي غرناطي إلى ملك إسبانيا: دفاعا عن اللغة العربية والإسلامية
– مجلة ضاد – مجلد 3 العدد 5 الصفحات 205: 231
([33])
وفقا لفلسفة العقيدة النصرانية: الخمر والخبز لهما رمزية أثناء القداس
أو الوعظ؛ فالخمر رمز لدم
المسيح أثناء صلبه من أجل خلاص البشرية، وأما الخبز فهو رمز لجسد المسيح.
([35])
سانت جيرم هو: أحد القديسين
في الديانة النصرانية، ومن آباء الكنيسة الكاثوليكية ، ولد في سلوفانيا عام 347م وتوفي
في بيت لحم 420م ، اشتهر كمترجم -بعد تكليفه بذلك من البابا داماسوس الأول (300م- 384م)- للكتاب المقدس، وتعد ترجمته اليونانية
والعبرية إلى اللاتينية المرجع الأساسي للكتاب المقدس في المذهب
الكاثوليكي، وقد طبعت عام 1546م ، يحتفى بذكراه في نهاية شهر سبتمبر من كل سنة (وهو
اليوم العالمي للترجمة). ينظر: Juan
Belda Plans (2010). Historia de la Teología.
p 39