الدراسات الثقافية والدراسات الأدبية؛
محاولة في تخصيب الدرس الأدبي العربي
د. عبد الفتاح شهيد
جامعة السلطان مولاي سليمان، المغرب
البريد الإلكتروني: chahidabdelfattah@yahoo.fr
معرف (أوركيد): 0009-0008-8023-9439
بحث أصيل |
الاستلام: 1-3-2024 |
القبول: 20-4-2024 |
النشر: 30-4-2024 |
الملخص:
ظلت العلاقة بين الدراسات الثقافية والدراسات
الأدبية مطبوعة بالكثير من الغموض والالتباس، ورغم أن الدراسات الثقافية استفادت
في انطلاقتها الأولى من الدرس الأدبي، حيث كان روادها من نقاد الأدب ذوي التوجهات
اليسارية؛ فإنها استطاعت أن ترسم لها مسارات تحليلية عميقة في حقول معرفية
متباينة، كما أنها تتنامى بشكل واسع في الجامعات الكبرى عبر العالم، ويراهن هذا
المقال على تقديم "الدراسات الثقافية" للقارئ العربي بطريقة مبسطة لا
تفتقد إلى العمق الأكاديمي والسلامة المنهجية، من خلال التركيز على آفاق التعاون
بين الدراسات الثقافية والدراسات الأدبية، كما يسعى إلى تحديد البؤر الأساسية التي
يمكن أن تشكل مدار إفادة الدرس الأدبي العربي من الدراسات الثقافية؛ وخصوصا على
مستوى البينية وعدم الحياد، وهو ما يمكن أن يشكل "مقدمة منهجية" للاقتراب
من مناطق إبداعية تعيش حالة من النبذ والتهميش في خطابنا النقدي العربي،
تلك
المناطق
البعيدة التي يصاغ فيها الإبداع الصادق، الراسخ في الأرض والملتصق بالإنسان،
المُعبر عن شفوف الذاكرة وعنفوان الوجدان.
الكلمات المفتاحية:
للاستشهاد/ :Atif İçin / For Citation عبد الفتاح، شهيد (2024). الدراسات الثقافية والدراسات
الأدبية؛ محاولة في تخصيب الدرس الأدبي العربي. ضاد مجلة لسانيات العربية وآدابها.
مج5، ع9، 9- 33 https://www.daadjournal.com/ /
Cultural and Literary Studies: an
Attempt to Enrich the ARABIC Literary Lesson
Chahid Abdelfattah
Assistant Professor, Sultan Moulay Slimane
University, Morocco
E-mail: chahidabdelfattah@yahoo.fr
Orcid ID: 0009-0008-8023-9439
Published: 30.04.2024 |
Accepted:
20.04.2024 |
Received:
01.03.2024 |
Research Article |
Abstract:
The
relationship between cultural and literary studies is marked by a lot of
ambiguity. Although cultural studies benefited from the literary study in its
beginnings, as its pioneers were literary critics with leftist orientations; it
has been able to chart deep analytical paths in various fields of knowledge,
and it is growing widely in major universities around the world.
This article
tries to introduce “cultural studies” to the Arab reader in a simplified
manner, but with the necessary academic depth and methodological integrity, by
focusing on the prospects for cooperation between cultural studies and literary
studies. It also seeks to identify the basic foci that can be of benefit to the
Arabic literary lesson from cultural studies. Especially at the level of
mutuality and non-neutrality.
This could
constitute a “methodological introduction” to approaching creative regions that
live in a state of ostracism and marginalization in our Arab critical
discourse.
Keywords:
Cultural
Studies, Literary Studies, Arab Critical Discourse, the Culture, Interdisciplinary,
Non-neutrality, Marginalization.
تقديم:
تتسع الدراسات الثقافية إلى أن تشكل حقلا بينيا تتقاطع خلاله العديد من المعارف والتخصصات، وقد تضيق إلى أن تشكل مجالا لصراع الثقافة والسلطة في نصوص محددة وفي سياقات محدودة، وهي في كل ذلك تحتفظ بالثقافة باعتبارها المكون الثابت في كل التحديدات والمقاربات، كما تنحو على نحو ظاهر أو خفي إلى البينية والالتزام وإنصاف الثقافات الشعبية والجماهيرية، ومن هذا المنظور ظلت العلاقة بين الدراسات الثقافية والدراسات الأدبية مطبوعة بالكثير من الغموض والالتباس، مما نسعى إلى إضاءته في هذا المقال في سبيل تنوير الباحثين في الدراسات الثقافية من خلفية أدبية أو نقدية، وكذا الباحثين في النقد الأدبي الذين يستندون إلى الثقافة في مقارباتهم التحليلية.
1. الدراسات الثقافية: المفهوم والمجال
على الرغم
من أنه ليس هناك أي تحديد واضح وبسيط للدراسات الثقافية في المعاجم الثقافية والنقدية المختلفة، وحتى لدى المنظرين الأوائل لهذا الحقل المعرفي؛ فإن ذلك راجع أساسا إلى اختلاف زوايا النظر إليها، وكذلك اختلاف العلوم التي اعتمدتها آليات للمقاربة والتحليل، فاكتفت الدراسات المختلفة بالتوجه إلى التركيز على جوانبها الوظيفية وفعاليتها في التحليل أكثر من التركيز على ماهيتها وحدودها المفهومية، التي قد تؤدي بها إلى "خندقة" تحرمها من قوتها "البينية"، فتجعلها قاصرة عن التدخل في مجالات مختلفة ضمن صيرورة الامتداد في مساحات متباينة.
وعموما فأول ما نستهل به تحليلنا هو أنه "ليست الدراسات الثقافية شيئا واحدا، ولم تكن يوما شيئا واحدا"([1]) كما يؤكد ستيوارت هال، ولذلك فإن التحديد المفهومي الواضح والدقيق لا يستطيع الإحاطة بها في مواقعها ومواقفها المختلفة، فعلى نحو فضفاض، ولكنه عملي في هذا المضمار إلى حد كبير، يمكن استعمال المفهوم للدلالة على "جميع جوانب دراسة الثقافة، الأمر الذي يفهم منه أن الدراسات الثقافية تحيط إحاطة شاملة بمختلف طرق دراسة الثقافة وتحليلها في علم الاجتماع والتاريخ والإثنوغرافيا والنقد الأدبي، بل حتى في علم البيولوجيا الاجتماعية"([2])
كما يؤكد ستيوارت هال،
وعلى نحو خاص يروم تحديد المفهوم من خلاله أبعاده الوظيفية، نروم تجميع مجموعة من التعريفات، ينحو خلالها الباحثون إلى تعريف الدراسات الثقافية بوصفها
"اتجاها علميا متعدد التخصصات في دراسة الثقافة"([3])، أو
"دراسة ملتزمة للثقافة"([4])، أو دراسة
"النصوص والممارسات الثقافية من أجل إعادة تكوين، أو إعادة بناء الخبرات والقيم"([5])، مع اهتمام خاص ب"العلاقة بين الثقافة والسلطة"([6]).
وعلى
الرغم من أن هذه التحديدات تتسع إلى أن تشكل
"إحاطة شاملة"
في سياقات مختلفة ومتباينة، كما تضيق إلى أن تشكل سمات محددة وخصائص دقيقة؛ فإنها تحتفظ بالثقافة باعتبارها المكون الثابت في كل التعريفات كما تشير على نحو مباشر أو غير مباشر إلى
"تعدد الاختصاصات"، والالتزام، والعلاقات المعقدة بين مختلف أبعاد الثقافة وأهدافها،
ولذلك فإن مدار الدراسات الثقافية هو تحديد المقصود بالثقافة بعيدا عن العبارات العامة التي تزيدها غموضا والتباسا، ثم التركيز بعد ذلك على جوانبها الوظيفية وجعلها أكثر وضوحا وانسجاما مع التصور العام للثقافة.
إن هذا التجسير بين التخصصات، والالتزام وعدم الحياد، مع التوجه إلى إنصاف الثقافة الشعبية والجماهيرية، مستمد أساسا من الخلفيات المعرفية والنضالية لرواد الدراسات الثقافية منذ تأسيس مركز بيرمنغهام Birmingham Centre for Contemporary Cultural Studies
(BCCS)
عام 1964 على يد ستيوارت هال Stuart
Hall، حيث تشكلت نواة منظور جديد لنظرية الثقافة في ضوء ما رسخه ريموند ويليامز Raymound Williams وخصوصا في كتابه المؤسس "الثقافة والمجتمع Culture and Society" 1958 ثم كتاب "الثورة الممتدة The
Long Revolution"
1961، وكذلك كتاب ريتشارد هوغارت Richard Hoggart" الذي خلف ستيوارت هال على رأس المركز، "استخدامات الكتابة The uses of Literary".
وفي ضوء كل المحددات السابقة ظلت العلاقة بين الدراسات الثقافية والدراسات الأدبية مطبوعة بالكثير من الغموض والالتباس، مما سنسعى إلى إضاءته في هذا المضمار، أو على الأقل تقديم رأي واضح فيه يطمئن إليه الباحثون العرب المقبلون على هذا الحقل المعرفي من خلفية أدبية ونقدية، فبغض النظر عن أسئلة الريادة والإفادة بينهما، والتي تستنفذ الكثير من الجهود دون عوائد معرفية وإجرائية مهمة؛ فإنه لا يمكن لأي باحث أن يتنكر للآفاق التي فتحتها، وتفتحها الدراسات الثقافية أمام دراسة الأدب عموما والشعر خصوصا.
2. البينية وتعدد التخصصات:
لقد نشأت
"الدراسات الثقافية"
نشأة بينية، وهي تهتم في مركز بيرمنغهام بتعليم الكبار داخل قسم اللغة الإنجليزية، متأثرة منذ بداياتها الأولى بالماركسية والبنيوية وما بعد البنيوية، وعلم النفس وعلم الاجتماع، والإعلام والأنثروبولوجيا،
ثم طورت بعد ذلك من اهتماماتها السوسيولوجية والفلسفية والسياسية ودراسات النوع،
وبعد امتدادها إلى الولايات المتحدة ومناطق أخرى عبر العالم وجدت في موضوعات الحياة اليومية والممارسات المادية والتاريخ والجغرافيا أراض خصبة لتجريب أطروحاتها وتعميق نزوعاتها البينية،
مستفيدة في كل ذلك من الإمكانات المُبهرة التي يمدها بها الاشتغال بموضوع
"الثقافة"
المركب والبين تخصصي بطبيعته، والذي
"يحتم تدبره من وجهات نظر مختلفة، ومن ثم الاستعانة بما أمكن من العلوم والمعارف الإنسانية"([7])، والذي صار أكثر ارتباطا بالعلاقات وبالوضع الاجتماعي المعقد،
وامتدت هيمنته إلى الأنثروبولوجيا والتاريخ من خلال استحداث حقول معرفية جديدة، صار لها الشفوف في الثقافة الأنكلوساكسونية خصوصا مثلا الأنثروبولوجيا الثقافية والتاريخانية الجديدة..
بل صار مفهوم
"الثقافة"
يداخل الكثير من الحقول المعرفية، ويشكل فيها إضافة جوهرية ومهمة.
إن البينية
"ليست بالأمر السهل"
كما قال رولان بارث، لأن استدعاءها لا يكون إلا لضرورة ملحة وفي ظروف خاصة جدا؛ فهي عملية معقدة
يتم من خلالها معالجة
إشكالات وقضايا مركبة يستحيل معالجتها من منظور تخصص واحد، فحين يعجز التخصص في ذاته وبواسطة أدواته الخاصة عن الإجابة عن
"أسئلة"
أو معالجة قضايا آنذاك يتم استدعاء أدوات تخصصات أخرى،
ولهذا الاستدعاء شروطه الخاصة التي يحدد أهمها باتريك شارودو Patrick Charodeaux في
"إقامة اتصالات حقيقية بين المفاهيم، وأدوات التحليل، وطرق التفسير من التخصصات المختلفة"([8])، فلا بد من الحذر من أن تصير
"البينية"
ترفا فكريا لا تستدعيها الضرورة الملحة، ولابد من صلات ضرورية بين مستويات مفهومية وتحليلية وتفسيرية بين التخصصات المتدخلة في مقاربة الموضوع الممتد في كل هذه التخصصات، وحين يكون الوعي بهذه الأبعاد متجذرا مفهوميا ومنهجيا وإجرائيا يصير "العمل الذي يستخدم البحث العابر للتخصصات والمتعدد التخصصاتMultidisciplinary يكون في العادة مثريا للتخصصات جميعا"([9]).
وفي أدبيات "الدراسات الثقافية" منذ بداياتها الأولى في إنكلترا وفي امتداداتها الموالية في أمريكا وفي مناطق أخرى عبر العالم، يبدو أن "تعدد الاختصاصات" مكونا ماهويا من مكونات وجودها، وأساسا متينا من أسس موضوعاتها، ومحددا إجرائيا من محددات اشتغالها... مما يجعلها متعالية عن التخصص الواحد، ويجد كل مشتغل بها نفسه محاطا بهذا الإلزام دون أن يستطيع التبرم منه؛ لأن التخصصية تُقيّد "تنوع الموضوعات والاهتمامات والمواقف والأطر والمناهج التي يمكن للمجال استيعابها"([10])،
كما تكبل الباحث الذي يجد نفسه لا يستطيع الإجابة عن أسئلة ملحة ومقاربة قضايا أساسية من خلال تخصص واحد، مهما بلغت قوة هذا التخصص المنهجية.
لكن هذا الاحتفاء ببينية الدراسات الثقافية لا يمكن أن يحول بيننا وبين الإشارة إلى بعض الانتقادات الموجهة إليها من هذه الزاوية، ذلك لأن دحض هذا البعد البيني هو ضرب للدراسات الثقافية في أهم خصوصية من خصوصياتها، بما يفكك، بما لا يدع مجالا للشك، قوتها الإجرائية وفعاليتها في المقاربة والتحليل والتفسير؛ بل يؤذن بسقوطها "المدوي" الذي يبشر به، وينتظره، الكثيرون.
فمن الباحثين من يرى أن "الدراسات الثقافية" لم تستطع صياغة تخصص ملائم، مما سوف يعدّ بمنزلة "فشل مؤسساتي"([11])، وجزء من هذا الفشل متأت من عدم استطاعتها تحديد مفهوم واضح وإجرائي للثقافة بعيدا عن "الكل" و"الطريقة"... وتلك المفاهيم المماثلة المتوارثة منذ تايلور وإلى الآن، وهو ما يهدد "الدراسات الثقافية" بافتقاد الموضوع "بحيث لا تعود نافعة"([12]) والجزء الثاني من هذا الفشل ناتج عن هذا التعدي لحدود الاختصاصات والتعدد فيها "ذاهبة إلى أرض تخشى حتى الملائكة أن تطأها"([13])،
فبين الأدب والنقد وعلم النفس وعلم الاجتماع والإثنوغرافيا والأنثروبولوجيا والتاريخ والجغرافيا، والاقتصاد والإعلام... يظهر أنها "تكاد أن تكون ظاهرة كرنفالية متشظية في حقول وثقافات متفرقة"([14]).
وفي جدالنا على أهمية هذا الحقل البحثي وإجرائيته ننبه في البدء إلى أن الدراسات الثقافية
تشظت إلى توجهات مختلفة، تتنوع بتنوع مساراتها البحثية وخلفياتها النظرية وموضوعاتها التطبيقية، ولذلك نصادف دراسات كثيرة تحمل هذا العنوان، وتقع تحت طائلة الفوضى المفهومية والمنهاجوية والكرنفالية التي ألمع إليها بعض الباحثين، وفي الآن نفسه نصادف الكثير من الدراسات التي تمتلك من الوعي النظري والتطبيقي ما يجنبها هذه المشكلات المعيقة لحركية البحث في موضوع له خصوصياته، رغم ما قد يبدو فيه من تعميم.
أما بخصوص الانتقادات المعروضة أعلاه في شقيها الأول والثاني، فإن طبيعة موضوع "الثقافة" الذي تشتغل به الدراسات الثقافية، وكذلك نزوعها التجسيري بين التخصصات يشكلان نقطتي قوتها اللتين تجعلانها تقتحم الكثير من المجالات البحثية الخصيبة منذ الستينات إلى الآن، وتحقق فيها نتائج مهمة، وفي الآن نفسه يمكن أن تشكل هاتان النقطتان أهم أسباب فشلها التي تجعلها بدون فائدة.. ولذلك فعلى الدراسات التي تندرج ضمن مسمى الثقافية أن تعيَ موضوع بحثها أولا بشكل واضح وجلي، وجزء كبير من هذا الوعي يأتي عبر تحديد مفهوم إجرائي وواضح للثقافة، بعيدا عن التعميم والتضليل اللذين نصادفهما في الكثير من الدراسات، وهذه الإجرائية وهذا الوضوح يتحصلان للباحث من خلال تحديد دقيق لإحداثيات المساحة التي يجتزئها لبحثه ضمن أراضي امبراطورية الثقافة الشاسعة، ثم ترسيخه لموضوعه داخل تخصص/تخصصات تحدد من خلال الأسئلة التي يثيرها والقضايا التي يقاربها، وضمن هذا السياق تتموقع الخطوة الثانية التي لا تقل أهمية وخطورة؛ وهي "تدبير" بينية الدراسة التي أراد لها صاحبها أن تكون ثقافية، وذلك من خلال البحث عن صلات حقيقية وغير وهمية بين الآليات والأدوات الموظفة في صياغة المفاهيم وفي بناء سيرورة التحليل، وفي إيجاد طرق للتفسير والتأويل؛ لأن هذه الصلات هي التي تجنب الباحث مزالق التلفيق، مع ضرورة مراكمة الخبرة البحثية في المجالات المعرفية المستدعاة والإفادة من دراسات ذات مصداقية فيها... وهو ما يجعل "البينية" ضرورة معرفية خاضعة لصيرورات علمية ومنهجية، وليست ترفا معرفيا منهاجويا؛ كما في خدعة "سوكال" الشهيرة.
وبذلك يكون الموضوع ذا أصالة "ثقافية"، وآليات المقاربة والتحليل منسجمة وبناءة تعبر عن صلات حقيقية فيما بينها، وفيما بينها وبين موضوع بحثها، وهو ما نأمل أن يصل إليه كل
عمل يستضمر هذا الحقل المعرفي.
3. الالتزام وعدم الحياد:
إحدى الخصائص الأساسية التي تشكل جوهر "الدراسات الثقافية" هي الالتزام وعدم الحياد، مما يقوي أواصر التعالق والارتباط بين الثقافة والمجتمع والسياسة، حيث العمل على دمقرطة الثقافة من أجل دمقرطة المجتمع وتحريره، ومواجهة الهيمنة الثقافية من أجل تقويض أشكال الهيمنة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية، لأن الاقتناع المتمكن من رواد الدراسات الثقافية منذ ريموند ويليامز وهوغارت وستيوارت هال إلى اليوم هو أن الاشتغال بالثقافة لا يعني فقط وصفا مجردا للقضايا وتحليلا موضوعيا للظواهر، بل يعني أساسا اتخاذ موقف والدفاع عن قضية؛ هي في العمق قضية المهمشين المحرومين من الحق في التعبير والتأثير في مساحات الأحداث الثقافية والمجتمعية... ورغم أن هذا التوجه قد أثر كثيرا على البعد المنهجي والأكاديمي في الدراسات الثقافية، لأن ادعاء
"عدم الحياد"
كثيرا ما يسائل الموضوعية العلمية والمسافة التي يُفترض أن يحتفظ بها الباحث
بين الذات والموضوع؛ فقد ظل كل العاملين في هذا الحقل المعرفي وقضاياه المختلفة أوفياء لتعزيز "دور الثقافة في إعادة إنتاج علاقات السلطة الاجتماعية، وخاصة العلاقات القائمة على الاستغلال مثل العلاقات الطبقية والجنسية والعرقية"([15])،
ومستمسكين بنضالية الثقافة والمعرفة "فليست المعرفة هنا ظاهرة حيادية أو موضوعية بل هي قضية موقف وتموضع صحيح،"([16]) إلى جانب الطبقة الأضعف والأكثر اضطهادا، والمحرومة من حقها في التعبير داخل دينامية الصراع الاجتماعي.
يشكل التفكير اليساري المتجسد في الماركسية والماركسية الجديدة خلفية أساسية من أهم خلفيات "الدراسات الثقافية"، فإن انحدار الرواد من خلفية يسارية جعل "جميع الافتراضات الأساس للدراسات الثقافية هي ماركسية"([17])،
ولأحد الباحثين تفسير طريف، لكنه مقنع إلى حد كبير لهذا الارتباط بين الثقافة والتوجهات الماركسية في آثار مجموعة من الكتاب الغربيين، حيث يرى فرانسيس وين أنه حين عجز اليساريون الغربيون عن الانخراط العملي في الفعل السياسي الجاد والصارم للآلة الماركسية الكاسحة، ووقودها الأساس كتاب "رأس المال"، ولم يستطيعوا إحداث تغييرات جوهرية في العالم الرأسمالي الذي يعيشون فيه، ولم تنجح تحركاتهم السياسية على المستويات المختلفة في زعزعة يقينيات النظام الرأسمالي الذي أضحى متجذرا أكثر من أي وقت مضى؛ آنذاك "ركزوا على تفسيره من خلال ما صار يُعرف باسم "الدراسات الثقافية" التي رسخت هيمنتها في كثير من الجامعات في العقود الأخيرة من القرن العشرين، وغيرت في دراسة التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا والأدب"([18])؛ مستفيدة من خلفيتها المعرفية الماركسية المشبعة بالوعي النضالي اليساري، مركزة على إبراز دور الثقافة في إعادة إنتاج علاقات السلطة الاجتماعية، ورغم أن الثقافة تصنف عادة بأنها أداة "اليمين" لممارسة الهيمنة، ووُظفت عبر التاريخ من أجل الإبعاد والتمكين لسرديات محددة محمية بآلة دعائية كاسحة تتخذ من الوسائل الثقافية وقودا لها، فإنها كثيرا ما استعمُلت كذلك من أجل النضال والمقاومة والتمكين لرواية مختلفة ونظرة مغايرة تقاوم الأطر الجاهزة والكليشيهات المتداولة، ومنذ ريموند وليامز تكرّست الثقافة المقاوِمة، وهي تصطف إلى جانب المهمشين في مواجهة النخب المتمكنة، مما جعلها في خندق واحد مع الأفكار اليسارية والتوجهات الماركسية.
ورغم أن هذا الرأي يبدو وجيها إلى حد كبير؛ فإن المُتأكّد منه، هو أن هذا النزوع والغنى الثقافي للماركسية والماركسية الجديدة أسهم في تنبيه الباحثين والقراء على حد سواء إلى القيمة الثقافية للماركسية وكتاب "رأس المال" والكتب الأخرى التي تشكل جميعها تراثا ثقافيا إنسانيا وليس فقط آلية دعائية للإيديولوجية الماركسية، فبينما فشل النظام الماركسي سياسيا في الكثير من مناطق العالم، لا نزال نرى إقبالا كبيرا على القضايا الثقافية التي أثارها ويثيرها رواد المدرسة الماركسية في أبعادها المختلفة؛ مثل إشكالات الهوية والجنوسة والعرق.
وحتى نعود بهذا النقاش إلى منابعه الأولى، ننصت إلى ستيوارت هال؛ رائد الدراسات الثقافية البريطانية، وهو يوضح لنا طبيعة العلاقة المعقّدة بين الماركسية وحقل الدراسات الثقافية المستجد: "لقد دخلت الدراسات الثقافية من اليسار الجديد الذي يرى الماركسية مشكلة، عبئا، خطورة، لا بوصفها حلا.. إن هذه الأسئلة المركزية المهمة هي ما قصده المرء عند العمل ضمن مسافة ليست بالبعيدة عن الماركسية، والعمل على الماركسية، والعمل ضد الماركسية، والعمل معها، والعمل لمحاولة تطوير الماركسية"([19])، ويشير بدقة إلى المنابع اليسارية للدرس الثقافي، وهو ينخرط دون مواربة في جهود إعادة قراءة النظرية الماركسية؛ قائلا: "علي أن أعترف بأن التفسير الذي قدمه غرامشي يبدو الأقرب لي عند التعبير عن ما أعتقد أننا كنا نحاول القيام به، على الرغم من قراءتي للكثير من التفسيرات الموسعة جدا، وبالغة التعقيد"([20]).
ومن أهم المفاهيم الغرامشية التي استند إليها التحليل الثقافي مفهوم الهيمنة، وعلاقات القوة، فإذا كان يمكن اعتبار دراسات ريموند وليامز الأسس الأولى للدراسات الثقافية البريطانية والتحليلات الثقافية اللاحقة؛ فإن إفادتها كبيرة من النظرية الماركسية رغم الانتقاد الحاد الموجه إليها، ذلك لأن مدرسة بيرمنغهام أفرغت الماركسية من بعدها المادي الجدلي وعمقها السياسي التاريخي وأضفت عليها بعدا ثقافيا، تعمّق معه الحديث عن ثقافة مهيمنة وأخرى هامشية، مما يغني الماركسية ويجدد مقارباتها للاقتصاد والسياسة والأدب، ويغني رؤاها للامبريالية الرأسمالية والمركزية الغربية، فبدلا من تحليل الوعي ينصرف الاهتمام إلى تحليل الثقافة، وبدلا من تحليل أشكال الصراع الطبقي يتم التركيز على تفكيك أشكال الصراع الثقافي؛ وفي المُحصّلة فبدل الحديث عن الإيديولوجيا يتم الحديث عن الثقافة.
وقد عمل تيري إيجلتون أحد رواد الدرس النقدي المستند إلى الثقافة على تطوير المنظور الألتوسيري للعلاقة بين الأدب والإيديولوجيا، مستفيدا من التفكيكية وتيارات ما بعد البنيوية، ورغم أنه أكد أن "فكرة الثقافة من تلك الأفكار النادرة التي ظلت متحدة باليسار السياسي مثلما كانت أيضا جوهرية بالنسبة لليمين السياسي، وهكذا أضحى تاريخها ينطوي على قدر من التعقد والتناقض بصورة استثنائية"([21])، فإن أعمال
رواد الدراسات الثقافية الأوائل، جعلت الثقافة مرادفة للمقاومة ضد أشكال الهيمنة، والاصطفاف إلى جانب المهمشين في مواجهة أشكال السلطة، مما جعل الثقافة تصْطَفّ إلى جانب الأفكار اليسارية والتوجهات الماركسية، مع نقد متواصل للوثوقية التي قد تتشبع بها الماركسية أحيانا؛ فقد ناضلوا "ضد خطر تقليص التحليل الثقافي إلى منهجية جامدة حين بدت له في أكثر من مناسبة نظريات الثقافة الماركسية مرتبكة"([22])،
فالنضال ضد الجمود الفكري والمفهومي وإبداع مفاهيم جديدة واقتحام حقول معرفية متجددة، كان من أهم ما ميز المسار الفكري لويليامز،
ومن حذا حذوه، في اشتغاله بفكرة الثقافة وعمله المستمر على طرح أسئلتها الحقيقية في المجتمع.
فإذا كان يمكن اعتبار دراسات ريموند وليامز الأسس الأولى للدراسات الثقافية البريطانية والتحليلات الثقافية اللاحقة، فلا يخفى أن مدرسة بيرمنغهام أفرغت الماركسية من بعدها المادي الجدلي وعمقها السياسي والتاريخي، وأضفت عليها بعدا ثقافيا تصبح معه "الثقافة مادة صانعة للمجتمع والتاريخ وتكتسب مختلف الثقافات الفرعية مساحة لها وسط الثقافة المسيطرة"([23])،
حيث اعتبر ستيوارت هال، في مناسبات مختلفة، الدراسات الثقافية تنزيلا ثقافيا لنظرية ماركس، حيث التأسيس لتفتيت هذه المركزية الأوربية وتفكيك آليات الهيمنة فيها.. وهو ما يعكس تفكير اليسار الجديد في تجديد الدرس الماركسي،
مما يجعل التحليل المستند إلى الثقافة لا يعني "مجرد تكرار للقول القديم بالتفاعل بين القاعدة والبنية الفوقية، بل هو يمثل تأثيرا على الماركسية نفسها، واكتشافا جديدا، فبدلا من تحليل الوعي ينبغي تحليل الثقافة"([24]).
وبذلك فالتحليل المرتكز
إلى الثقافة حين يوظف التحليل الماركسي فإنه يلبسه لبوسا ثقافيا على مستوى الوعي والصراع الطبقي والهيمنة والإيديولوجيا، "الإيديولوجيا" هذا المفهوم الأهم في التحليل الثقافي كما في الماركسية، حتى إن الدراسات الثقافية في بريطانيا كثيرا ما وصفت بأنها دراسات أيديولوجية.
لم تتخلص الدراسات الثقافية خارج أوروبا من حمولاتها النضالية، لكن اتخذت أبعادا أخرى مستجلبة من طبيعة البيئة الأكاديمية التي تتحرك فيها وتوجهات الباحثين الذين استندوا إليها من "الأقليات" وأصحاب التوجهات اليسارية وذوي الخلفيات الأكاديمية المختلفة، وبالإضافة إلى دراسة الثقافة الشعبية التي ظلت لها مكانتها في الأبحاث الثقافية خارج ابريطانيا، فإن هناك أربعة موضوعات ميزت "الدراسات الثقافية" في نسختها الأمريكية كما حددتها ري تشاو Rey Chow "أولها النقد ما بعد استعماري Post Colonial للتصويرات الغربية للثقافة غير الغربية، الذي مهد طريقها إدوارد سعيد Eduard Said في كتابه "الاستشراق Orientalism"، والثاني على منوال عمل غياتري سبيفاك Gayatri Spivak الرائد (ناقدة وفيلسوفة نقدية) وهو عبارة عن اهتمام بالتابعين Subaltern (أي الضعفاء والمغلوبين)، وبتحليل كيف أن الجنوسة والعرق والآخرية الثقافية والطبقة تجتمع بغية تحديد التابعية (Spivak 1988)، أما الثالث فعبارة عن تحليل "خطاب الأقلية" أي الانتباه إلى الأصوات التعبيرية للآخرين المخْضعين، والأخير هو اعتناق "الهُجْنة"... ويُرَجّح أن يجري عدّها على أنها تنتمي إلى ما بعد الاستعمارية، والتعددية الثقافية، أو ربما إلى الدراسات الإثنية Ethnic Studies بدلا من الدراسات الثقافية فحسب."([25])
فقد اتسع "مفهوم الهيمنة" وارتادَ أبعادا جديدة، كما اتسعت آليات النضال والمواجهة، مما اتخذ بعدا حضاريا أو عرقيا أو جنسيا، وقد يكون لهذا التوجه النضالي، والربط بين الثقافة والسياسة تأثيره السلبي كذلك على هذا الحقل البحثي، كما رأينا قبل مع البينية، لكن في الآن نفسه، هذا العامل هو ما يجعل له قبولا لدى فئات واسعة من الباحثين الشباب، كما يجعل البحث الأكاديمي غير منفصل عن قضايا الإنسان الاجتماعية والسياسية والوجودية، وفي مجال الأدب يتضافر الشعر والحكي تلمُّسًا لاستثمار ما توصلت إليه المعرفة الإنسانية بالنصوص، من خلال التفاعل المستمر بين الأنا والآخر، والماضي والحاضر؛ ضمن أخلاق التواصل والاعتراف، والالتزام بقضايا الإنسان، ونبذ أشكال التغييب والتهميش، وتأصيلا لتوجّه نقدي يستند إلى الثقافة في النظر إلى الوجود والإبداع، ويستشرف الجمال ضمن مساحات الصمت والكلام، في ذلك الحوار الشيق والعميق بين النص وسياقه الثقافي، وبين أسئلة الجمال والواقع المفعم بالمعنى.
قد كان للمابعديات الثلاثة؛ ما بعد الحداثة، ما بعد البنيوية، وما بعد الكولونيالية، بالإضافة إلى التيارات النسوية أثرا كبيرا في التحليل الثقافي؛ فلا يمكن لأي دارس أن يتجاوز "هذا التدفق البحثي الذي تميز بالتأثير الذي مارسته ما بعد البنيوية والتفكيكية خلال السبعينات (ألتوسير، دريدا، فوكو، بارت، دولوز، كاتاري، ليوتارد، ليفنز، غادامير، ريكور... )"([26])، والذي كان أرضية صلبة لحيوية ثقافية وفكرية أثرت في كل الحقول المعرفية، لكن تركيزنا هنا سينصرف إلى ما بعد الكولونيالية، لأنها شكلت التجسيد الثقافي الأبرز لتياري ما بعد الحداثة وما بعد البنيوية، في عودتهما المظفرة إلى الثقافة وتفكيكهما لأشكال الخطاب، من خلال تفكيك أشكال السلطة والمقاومة.
ما بعد الكولونيالية أو ما بعد الاستعمار من أهم مفاهيم التحليل المستدعاة في العقود الأخيرة، ومن أهم المفاهيم الفاعلة في الكثير من المقاربات التحليلية الحديثة والمعاصرة منذ السبعينات وإلى الآن، تتميز ببينيتها وتعددها وعدم تجانسها، وتعقدها أحيانا؛ في التاريخ، والفلسفة، والنقد الأدبي، والأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، والسياسة والاقتصاد، تميزت هذه المقاربات الجديدة بمواجهتها للامبريالية والأطروحات المؤسسة لها والمجالات المرتبطة بها، وهي طريقة لمقاربة علاقات القوة وتحليل أساليب الهيمنة التي كانت تمارس، ولا زالت، مستمدة أسسها من الماضي الاستعماري والتوجهات الامبريالية، موظفة حوامل الثقافة ومناهج الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع في تكريس تسلطها وفرض هيمنتها السياسية والاقتصادية والثقافية، ويتناول هذا المفهوم بالضبط آثار الاستعمار والمركزية الثقافية الغربية على الثقافات المختلفة والمجتمعات البعيدة، والعلاقات المعقدة بين ثقافة المستعمِرين وثقافات المستعمَرين، وأشكال القراءة التي تستهدفهما معا، "والتي تظهر مدى تعارض النص مع افتراضاته المضمّنة (الحضارة، والعدالة، والجماليات، والإحساس، والعرق)، وتكشف عن إيديولوجياته وعملياته الكولونيالية"([27])
.
غير أن الأفق الذي تفتحه الدراسات ما بعد الكولونيالية أمام الاشتغال بأي تحليل يستند إلى الثقافة، هو تجاوزها للغرض الأساس الذي أعدت له في البداية، فصارت عمليا "تسائل كل أشكال التغييب التاريخية، وتبحث في أغوار الحقيقة التاريخية، كما تنبش في طبيعة الهويات، مفككة كل أشكال التمركز والتقوقع"([28])،
كما تسعى إلى تغيير المنظور إلى المفاهيم الرئيسة في الوجود والثقافة، وجعله منظورا مختلفا، ينظر "من أسفل" نظرة مغايرة للذات والآخر، ملتزمة بقضايا الإنسان المختلف والبعيد، مناضلة ضد التمركز والتهميش، بعد أن غدا رواد الخطاب ما بعد الكولونيالي يمثلون الفكر المقاوم والنهج الثقافي المعارض لكل أشكال الترويج الثقافي للتفوق المعرفي الغربي، وفي مجال المقاربات الأدبية التي تهمنا يتأثرون بآليات ما بعد البنيوية، وينتقدون أي فصل بين الأدب وسياقاته التاريخية والثقافية والاجتماعية، حيث بدا تأثر إدوارد سعيد واضحا بمقاربات ميشيل فوكو للخطاب والسلطة وأفكار غرامشي حول الهيمنة، فاستطاع خلق روابط وجسور عميقة بين ما بعد البنيوية وما بعد الكولونيالية، كما أن أثر مفهومي الإيديولوجيا والهيمنة لدى ألتوسير واضح في فكر هومي بابا وكتابه الرائد "فكرة الثقافة"، فضلا عن تأثره الواضح بفرانز فانون Franz fanon وجاك لاكان Jacques Lacan.
وهكذا ففضلا عن مشاركات إدوارد سعيد في مناقشة قضايا الفكر والثقافة فإن تحليلاته للأدب
"قد استعادت في المقام الأول الدور الضروري للعوامل الخارجية في إنتاج المعنى الأدبي، ومن ثم أنقذت الأدب من انعكاسية الذات وما وراء التعليق،
حيث إن الاندماج بين الأدب والسلطة المؤسسية هو في الحقيقة الموضوع الجوهري لأعمال سعيد...
يتضمن ذلك اهتماما بالكشف عن البنيات السلطوية التي تعمل في النصوص الأدبية أكثر من فضح عدم اتساقها البلاغي أو تصويرها النصي..
إن كان هناك أرض وسط بين التخلي والالتزام، بين اللذة الجمالية وعلم الاجتماع، بين اللامبالاة والبراغماتية، إنه سيكون فضاء الأدب والفن بشكل عام "([29])، وهو ما يدفعنا إلى اعتبار أعمال إدوارد سعيد ومن سار على نهجه مرجعية تنظيرية، ونموذجا تطبيقيا خصبا للتحليل المستند إلى الثقافة، المؤسس لما بعد الكولونيالية في الأدب.
هذا التفاعل بين الخطاب وتضميناته الثقافية المعقدة، وهذا النزوع إلى تفكيك أشكال الهيمنة والتسلط في الخطاب، خصوصا حين يكون موجها بطريقة أو أخرى لمن يعتبر بعيدا أو أقل شأنا، وهذا السعي إلى تحقيق التواصل بين الثقافات المتباعدة والمتعارضة أحيانا بعيدا عن أشكال التنميط والتغييب والإقصاء والأطر المسبقة؛ كل ذلك هو من أهم ما طبع
امتدادات الدراسات الثقافية خارج أوروبا مستفيدة بشكل كبير من الخلفية النظرية لما بعد الكولونيالية وتجاربها التحليلية المنبعثة من توترات المقارنات الثقافية التي يصر عليها أكاديميون كبار في جامعات غربية ينحدرون من أصول توصف بالبعيدة والمختلفة والمتخلّفة، يطرحون بدون أي شعور بالنقص أسئلة التاريخ والعرق والهوية والأنا والآخر.
4. تخصيب الدراسات الأدبية:
نشأت الدراسات الثقافية في محاضن الدراسات الأدبية، وبغض النظر على أن المجتمع الأكاديمي ينظر إليها
"على أنها في المقام الأول اختصاص أدبي مخصّب بما بعد الحداثة وما بعد البنيوية"([30]) فإنها لا يمكن أن تتنكر لتأثير الجهود المبكرة لرولان بارث Roland Barth وخصوصا في كتابه "أسطوريات Mythologie"
الذي صدر في 1957؛ وهو من جهة، "عبارة عن نقد إيديولوجي للغة الثقافة، المسماة بالثقافة الجماهيرية، والثاني تفكيك سيميولوجي أولي لهذه اللغة" ([31])؛
حيث أسس بارث إجرائيا لهذا التبادل بين اللغة والثقافة، وبين النقد والإيديولوجيا؛ وهو يحدد "من خلال تحليل الممارسات الثقافية والتقاليد الكامنة الثاوية، وتضميناتها الاجتماعية"([32])،
وهي الأسس العامة التي قامت عليها الدراسات الثقافية في الجمع بين النقد والإيديولوجيا، والاهتمام بأهمية الثقافة في إنتاج علاقات السلطة، وهو ما يفضي بنا من جديد إلى التذكير بأن الدراسات الثقافية أسست أطروحاتها النظرية الأولى، وخصوصا في بريطانيا، على التحليلات الماركسية في النقد الأدبي، وما قدمه لويس ألتوسير وأنطونيو غرامشي، مما شكل أساسا متينا لآباء الدراسات الثقافية الأوائل؛ ريموند وليامز وريتشارد هوغارت ثم تيري إيغلتون، وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية حيث أبدت الدراسات الثقافية بعض التنصل من أصولها الماركسية؛ فقد بدت أشد قربا "إلى أن تصبح وريثا للتفكيكية، والنسوية، وما بعد الاستعمار والتاريخية الجديدة، كما لو أنها مجرد طريقة أخرى لإنتاج الأدب"([33]).
وعلى هذا الأساس تتسع مساحات التداخل بين الدراسات الثقافية والدراسات الأدبية، قبل أن تسعى الدراسات الثقافية إلى الاستقلال بحقلها المعرفي وبآلياتها المنهجية، فصارت تنتقد على الدراسات الأدبية احتفاءها بالثقافة العليا وبالمعتمد النصوصي؛ وتعتبرها تحليلات نخبوية لآداب نخبوية، تمكّن للسلطة وتمدّ من آماد الهيمنة، كما تأخذ عليها استعمال "المعايير الجمالية" لإقصاء آداب المهمشين وثقافات الشعوب البعيدة والمختلفة والطبقة العمالية المقهورة، وتتهمها بتكريس التقليدانية التي تلبس ثوب الصارمة المنهجية، لتقيد آفاق التحليلات البينية وتحد من عمليات تفكيك أساليب الهيمنة والتسلط.
ورغم أن إشكاليات "المعتمد الأدبي" و"التمثيل الثقافي" و"المعيار الجمالي" تشكل مساحات أساسية للاختلاف يصعب تلافيها أو حتى تضييقها؛ فإن التركيز على مساحات التوافق سيكون مفيدا في هذا المضمار؛ للدراسات الثقافية وكذلك للدراسات الأدبية، دون أن تتنازل الأولى عن خصوصياتها النضالية والبينية والثقافية، ودون أن تُجرّد الثانية من هويتها الفنية والجمالية، وإذا كان أحد الباحثين المهتمين بالموضوع قد طرح سؤالا مهما في هذا المضار؛ وهو: "ماذا لو حاولنا أن نتصور تحالفا جديدا بين الدراسات الأدبية والدراسات الثقافية، بدلا من النظر إليهما بوصفهما عدوين طبيعيين؟ !"([34]) وبتحوير بسيط لا يخلو من تخصيص سأجعل السؤال كالآتي: ماذا يمكن أن تستفيد الدراسات الأدبية من الدراسات الثقافية؟ ! وما هي المساحات المشتركة بينهما؟ ! فبخصوص مادة الاشتغال التي تشكل مفترق طرق أساسي بين الحقلين، فيمكننا الانطلاق من مسلمة بسيطة تنحو إلى التأسيس على أنه ليس كل "معتمد أدبي" نخبوي، وليس كل "مهمش وشعبي" غير جميل، فيقع الاختلاف حول ذلك المعتمد الذي يكرس "سلطة" وفي ذلك المهمش والشعبي الذي يجيب على أسئلة التمثيل دون الامتثال لمعايير جمالية في حدودها الدنيا، بينما يمكن الاشتغال على المعتمد الذي يمثل بدوره مقاومة للهيمنة ومواجهة للسطلة، ويؤسس للاختلاف والحرية ويحث على المقاومة والمواجهة، وذلك الشعبي والمهمش الذي يمثل الطبقات الشعبية أو الطبقات العامية
أو الآخر المختلف، أو التابع... وهو في الآن نفسه مفعم بالقيم الجمالية والفنية.
وهي مساحات لن تكون ضيقة أبدا، وفي شعرنا العربي يمكن الاستدلال بنماذج كثيرة ومهمة، مارست دورها في مقاومة الهيمنة وترسيخ قيم النضال والحرية دون أ ن
تتخلى عن أسس فن الشعر ومعايير الجمال، مثل تجربة شعراء الصعاليك،
والشعراء المعارضين في مختلف العصور.
فيتعاضد "الزخم السياسي والثقافي" مع "الدفق الجمالي
والفني"، وهنا تقدم الدراسات الثقافية إفادات مهمة للدراسات الأدبية، على مستوى "إعادة موضعة المادة الأدبية في ممارسة ثقافية، والدراسات الثقافية تفتح مجالات جديدة لإعادة تقييم البلاغة، ليس بوصفها كتالوجا لوقائع الأسلوب المضافة إلى اللغة غير الأدبية، ولكن بوصفها ممارسة، أو فعلا في "لابولس""([35])، تصير معها "الحمولة الثقافية" بتعالقاتها المختلفة والغاية النضالية بأبعادها المتنوعة إضافة نوعية للبعد الجمالي الثابت في النص الأدبي ضرورة بحكم هويته الأجناسية الراسخة، فرغم أن هذه التوجهات كانت حاضرة في الدراسات الأدبية من قبل في التوجهات الأخلاقية والقيمية المترسبة في الممارسة الأدبية والنقدية منذ القدم، ثم في الماركسية وما جرى مجراها من توجهات نضالية ممتدة؛ فيمكن أن تشكل اليوم مجالا رحبا للتعاون بين الدراسات الثقافية والدراسات الأدبية، أو بعبارة أوضح وأدق يمكن أن تشكل مساحة مهمة لاستفادة الدراسات الأدبية من الدراسات الثقافية، التي راكمت تجربة بينية مهمة من انفتاحها على حقول معرفية كثيرة ومتطورة، ومن خلفياتها الملتزمة المجددة لسؤال الوظيفة والمحققة لجاذبية البحث الأدبي لدى أجيال جديدة من الباحثين الشباب.
فلا غرابة أن نرى اليوم توسعا في "المعتمد الأدبي" رافق هذا الوعي الذي يبشر به التقارب بين الدراسات الثقافية والدراسات الأدبية، وتضييق مساحات الاختلاف بين "النصوص العليا والرسمية" و"النصوص الشعبية والمهمشة"؛ "فالأدب الذي يتم تعلمه اليوم بطريقة متسعة يشمل كتابات النساء، وأعضاء الجماعات الأخرى المهمشة تاريخيا"([36])، بالإضافة إلى توسع في "التفكير في الآداب الإقليمية، والآداب ما بعد الكولونيالية، والآداب الناشئة على شبكة الأنترنيت"([37])،
وبذلك ستصير دراسة نصوص ظلت خارجة عن المؤسسة النقدية ومؤسسة "المختارات الأدبية" ذات معنى وقيمة ثقافية وجمالية، مثل شعر كل المعارضين للمؤسسة الثقافية والنقدية والسياسية الرسمية على امتداد ثقافتنا العربية، وشعر "الهامش" التاريخي والجغرافي والأدبي على امتداد تاريخ الشعر العربي.
وعلى المستوى الإجرائي التطبيقي الذي يمكن أن يشكل مساحة أخرى للتعاون والاتصال بين الدراسات الثقافية والدراسات الأدبية؛ فرغم الارتباط المنهاجي الأصيل بين الأدب والثقافة، لأن الأدب في أكثر التوجهات الأدبية نصانية "لبنة في الصرح الاجتماعي، ومكون متعالق مع المكونات الأخرى"([38])، وباعتباره التجسيد اللغوي الأبرز للثقافة، ورغم أن الدراسات الثقافية استفادت في بداياتها الأولى من مناهج الدراسات الأدبية؛ وهي التي نشأت "بوصفها تطبيقا لتكنيكات التحليل الأدبي على المواد الثقافية الأخرى"([39])،
رغم كل ذلك، فإن الدراسات الأدبية اليوم مضطرة إلى الانفتاح على الدراسات الثقافية، بالنظر إلى ما حققته هذه الأخيرة على امتداد أكثر من ستة عقود من الاشتغال على محاور بحثية مختلفة، سوسيولوجية وفلسفية وسياسية واقتصادية وأنثروبولوجية وتاريخية وجغرافية.
ففي مقاربة الدراسات الثقافية للظواهر المختلفة التي تندرج ضمن مسمى "الثقافة" تَحَتّم عليها الاستعانة بمجالات معرفية مختلفة، سواء في بريطانيا أو خارجها، بطريقة غير تقليدية، مختلفة تماما عن تلك "التقاطعات" التي كانت قبل بين الأدب وعلم النفس وعلم الاجتماع والتاريخ... والتي ظلت تضع الدراسات الأدبية في "وثوقيات" غير محمودة وفي "تناقضات" غير مقبولة، تجعل العلاقة نمطية وفي اتجاه واحد بين الأدب وهذه العلوم، فقد كانت الدراسات الأدبية قبل مُحَصّنة منهاجيا، لكنها كانت تنأى عن البينية والالتزام لأنهما يتناقضان مع النزوع العلمي الذي تفرضه الصرامة الأكاديمية، بينما التفاعل المستمر مع حقول معرفية أخرى، وإضفاء المعنى على الممارسة النقدية، سيجعلها أكثر نشاطا داخل المجتمعات الأكاديمية وخارجها، وداخل فئات عمرية مختلفة وخصوصا في صفوف الباحثين الشباب، وهم يرون أن "الأدب" يمكن أن يفعل شيئا في هذا العالم بعيدا عن التبعية للمؤسسة والتخندق ضمن يقينياتها، إذ إن الإفراط في التحصين المنهاجي كثيرا ما يفقد الدراسات الأدبية فاعليتها، وهو أهم درس يجب أن تستفيده من الدراسات الثقافية، ولعل ذلك ما يجعل الدراسات الثقافية تتوارى في التقاليد الأكاديمية الفرنسية وتنشط خارجها، وخصوصا في الولايات المتحدة الأمريكية، فــــــ"على الرغم من أن المنظرين الفرنسيين أعطوا الدراسات الثقافية مفاهيمها ومناهجها الجوهرية، لم يزدهر هذا التخصص في فرنسا؛ فالمفكرون الفرنسيون أمثال ميشيل دوسيرتو وفوكو حظوا بأهمية خاصة في هذا التخصص نظرا إلى اندفاع تفكيرهم الراديكالي التقويضي، لكن عدم الوضوح النسبي للدراسات الثقافية في فرنسا يظهر في التقليدية الثقافية التي حفّزت راديكاليتهم"([40]).
أما الدرس الآخر الأهم الذي يجب أن تستفيده الدراسات الأدبية من الدراسات الثقافية فهو أن "البينية" يمكن أن تشكل نقطة قوة أي مقاربة تحليلية، وفق شروط أشرنا إلى بعضها سابقا، ذلك أن التخصصية تتمظهر في التقاليد الأكاديمية والأعراف الجامعية في الانتماء لقسم محدد، وتلقي معارف ومهارات معينة، وهو ما يحول دون الانفتاح على حقول معرفية أخرى، ويمنع من اكتشاف آفاق أخرى قد تكون مغْنية لدراساتنا الأدبية ومضيئة للكثير من النقط المظلمة في مساراتنا البحثية، بينما حين يخرج الباحث من تخصصه إلى تخصصات أخرى يعود إلى تخصصه، ونقصد هنا التخصص الأدبي، أكثر قوة منهاجيا وبصيرة معرفيا تجعله يرى ما لا يراه أنداده، ويحل مشكلات معقدة تستعصي على رفاقه الذين لم يخوضوا التجربة نفسها، وهذا ما تبشر به الدراسات الثقافية رغم الانتقادات التي وجهت لها وخصوصا في كونها فقيرة منهاجيا ومشتتة معرفيا، غير أن هذا "الفقر" و"التشتت" يمكن أن يشكلا نقطة قوتها إذا وظفت بالشكل المطلوب والفعال في سياقات مخصوصة،
وهو وجه آخر من أوجه استفادة الدراسات الأدبية من الدراسات الثقافية ومجال من
مجالات تعاونهما الواعد.
خاتمة:
وفي الختام؛ فإن أي تحليل يستند إلى الثقافة يتميز بالامتداد المفهومي والاتساع المنهجي، مما يدفع به إلى الانفتاح على الأفق الإنساني للثقافة، المتجاوِز للنزعات المُغرقة في النخبوية، المُحتفي بالتنوع والاختلاف والاعتراف، المُتَمثل لأسئلة الوعي والوجدان والذاكرة.
ونعتبر من خلال هذه المقالة أن "الدراسات الثقافية" اليوم، كما كانت بالأمس، في بعدها البيني المُنفتح على التاريخ والاقتصاد والأنثروبولوجيا، وفي بعدها المُلتزم المُسائل لأشكال الهيمنة والتهميش؛ يمكن أن تشكل أهم مرتكز تستند إليه أي مقاربة تحليلية نقدية ثقافية باطمئنان ووثوق، وهي تبحث في الأدب عن تلك الأصوات المبحوحة والقدرات الإبداعية المغيّبة، وتعيد قراءة الواقع في علاقته بالأدب بالكثير من الإنصاف؛ إنصاف المبدع والقارئ، بل إنصاف التاريخ والمجتمع والسياق؛
بعد أن أضحت المقاربات الأدبية المختلفة في توتر مع ذاتها ومع قرائها وهي تعجز أمام أسئلة المعنى والوظيفة والهوية...وهو إنصاف ما أحوجنا إليه في سياقنا العربي "المفعم" بأشكال التغييب والتزييف.
المصادر والمراجع
أسطوريات، رولان بارث، ترجمة: قاسم المقداد، ط1، دار نينوى، 2012.
التاريخانية الجديدة والأدب، ستيفن غرينبلات وآخرون، ترجمة: لحسن أحمامة، المركز الثقافي للكتاب، ط1، الدار البيضاء، 2018.
ترجمة العلوم الإنسانية والاجتماعية في العالم العربي المعاصر، إشراف: ريشار جاكمون، مؤسسة آل سعود، ط1، الدار البيضاء، 2007.
تمارين في النقد الثقافي، صلاح قنصوة، دار ميريت، ط1، القاهرة، 2002.
الثقافة: التفسير الأنثروبولوجي، آدم كوبر، ترجمة: تراجي فتحي، سلسلة عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد: 349، مارس 2008.
جماليات التحليل الثقافي:
الشعر الجاهلي نموذجا، يوسف عليمات، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط1، بيروت، 2004.
الدراسات الثقافة:
مقدمة نقدية، سايمون ديورنغ، ترجمة: ممدوح يوسف عمران، سلسلة عالم المعرفة – 425، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، ط1، الكويت، 2015.
دراسات ما بعد الكولونيالية، المفاهيم الرئيسية، بيل أشكروفت
;وآخرون، ترجمة: أحمد الروبي، وآخرون، المركز القومي للترجمة، ط1، القاهرة، 2010.
رأس المال سيرة كتاب، فرانسيس وين، ترجمة: ثائر ديب، فواصل للنشر والتوزيع، ط1، اللاذقية، 2019.
غبش المرايا: فصول
في الثقافة والنظرية الثقافية، خالدة حامد، منشورات المتوسط، ط1، إيطاليا، 2016.
فكرة الثقافة، تيري إيجلتون، ترجمة: شوقي جلال، المجلس الأعلى للثقافة، ط1، القاهرة، 2005.
في نظرية التداخل
الثقافي، وسيلة سناني، دار فضاءات للنشر والتوزيع، ط1، عمان، 2016.
قضايا الشعرية، رومان ياكبسون، ترجمة: محمد الولي ومبارك حنون، دار توبقال، ط 1، الدار البيضاء، 1988.
مجلة
فصول، العدد 99، ربيع 2017، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ربيع 2017.
موت الناقد، رونان ماكدونالد، ترجمة: فخري صالح، المركز القومي للترجمة، دار العين، ط 1، القاهرة، 2014.
موسوعة النظرية الثقافية:
المفاهيم والمصطلحات الأساسية، أندرو إدجار وبيتر سيدجويك، ترجمة: هناء الجوهري، المركز القومي للترجمة، ط2، القاهرة، 2014.
موسوعة كمبريدج في النقد الأدبي، القرن العشرون المدخل التارخية والفلسفية والنفسية موسوعة، ك. نلوولف، وآخرون، المشروع القومي للترجمة، ط1، القاهرة، 2015.
النظرية الثقافية والثقافة الشعبية، جون ستوري، ترجمة: صالح خليل وآخرون، هيئة
أبو ظبي للسياحة والثقافة ط1، أبو ظبي، 2014.
النقد الثقافي نصوص تأسيسية، ليتش وآخرون، ترجمة مصطفى بيومي عبد السلام، دار الفنون والآداب، ط1، العراق، 2019.
Anne
Chalard-Fillaudeau,
Les études culturelles, Presses Universitaires de Vincennes,Saint-Denis, 2015.
Barker Chris, cultural studies :
Theory and Practice, 4th, Ed. London, SAGE
Publications, 2012.
Francesco
Fistetti,
Théorie du multuculturalisme, Traduit de l'italien
par Philipe chanial et Marilisa
Prezionic, Edition la Découverte, paris, 2009, P20.
John
Ediridge and Lizzie Eldridge, Raymond Williams: Making connection,
Routledge; 1st Edition, London and new York, 1994.
Patrick Charaudeau, "Pour une
interdisciplinarité "focalisée" dans les sciences humaines et
sociales", in Questions de Communication, 2010, consulté le 15 avril
2024 sur le site de Patrick Charaudeau - Livres,
articles, publications.
URL: https: //www.patrick-charaudeau.com/Pour-une-interdisciplinarite.html
Stuart Hall, The Emergence of
cultural Studies and the Crisis off Humanities? Octobre, Vol 53, The umanities as Soial technology,
(summer, 1990.